(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2093 )
1) المرأة في العراق المحتل: أرملة أو مغتصبة أو قتيلة
زيد الزبيدي ـ بغداد
عراقية تظهر التشوهات في جسد طفلتها في الفلوجة (ياسر فيصل ـــ رويترز)حال المرأة العراقية كحال كل شيء خاضع للاحتلال. إلا أنّ الضرر الواقع عليها يظهر بشكل أكبر، لأنّ الأوضاع التي كانت تتمتع بها قبل 2003، بعيدة كل البعد عما تعيشه اليوم: المحتل يغتصبها ويرمّلها ويقتلها، و«العراقيّون الجدد» أعادوا أوضاعها عقوداً إلى الخلف وكرّسوا ذلك في دستورهم من خلال قانون الأحوال الشخصية الذي يحقّ لكل طائفة أن تضعه لرعاياها
بغداد ــ زيد الزبيدي
أُصيب العراقيون بالذهول، في الأيام الأولى للاحتلال، وهم يسمعون تصريحات الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، الذي قال: «الآن أصبح بمقدور المرأة العراقية أن تذهب بحرية إلى الوظيفة وإلى الجامعة». فالعراقيون يعرفون طبعاً، أنه يستحيل أن يكون رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، جاهلاً إلى هذا الحد، ولا فكرة لديه عن أوضاع المرأة العراقية، التي كانت وزيرة وقاضية وعالمة ومثقفة من الطراز الأول، وحتى ضابطةً في الجيش.
كان أحد مسوّغات بوش لشنّ الحرب على العراق واحتلاله «تحرير المرأة العراقية»، التي تدرك جيداً أن لا حرية لها تحت الاحتلال الذي منحها حرية ملازمة المقابر والسجون والمعتقلات، والهجرة القسرية، بدلاً من حرية العمل والتعليم، التي تحدث عنها بوش، وحرمها منها.
أقسى أنواع العنف
عند الحديث عن العنف ضد المرأة، الذي يتخذ أشكالاً عديدة بحسب المناطق والدول، فإننا نجد في العراق المحتل، أقسى أنواع العنف الذي يمكن أن تعانيه النساء، وهو فقدانها، وأسرتها، الزوج والابن والأخ والمعيل، من دون شفقة أو رحمة. وبالتالي يصبح تدنّي مستوى العنف الأسري ضدها منطقياً، إذ من سيمارس هذا العنف المنزلي إذا كان الرجل غير موجود؟
وفي هذا المجال، نجد أن الأرقام الرسمية المعلنة، مرعبة، فضلاً عما هو مخفيّ وأكبر؛ فقد أوضح الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، أن التقديرات السكانية التي أجريت أخيراً، أثبتت تقارباً في نسب الأرامل، بحسب الفئات العمرية، مع المسح الاجتماعي الذي جرى في2007، ما يعني ثبات عمليات الترمل على معدلاتها.
وأظهرت نتائج التقديرات السكانية لسنة 2009، تقارباً في نسب الأرامل حسب الفئات العمرية، وقد بلغ العدد 899.707 أرامل، أي ما نسبته 9 في المئة تقريباً من عدد النساء العراقيات، علماً بأن تقارير سابقة قد أشارت إلى أن عدد الأرامل بسبب أعمال العنف تجاوز المليونين.
1.5 مليون معيلة
دستور الاحتلال يميز بين المرأة والرجل ويعطي الحرية لكل طائفة بوضع قوانينها للأحوال الشخصية ويلفت التقرير السنوي لمنظمة رعاية الطفولة التابعة للأمم المتحدة «اليونيسيف» إلى أن عدد الأسر التي ترأسها الإناث في العراق بلغ 11 في المئة، وهي نسبة آخذة بالازدياد بسبب العنف. ففي كل يوم، تترمل عشرات النساء، وقد بلغ عدد اليتامى في صفوف العراقيين منذ الاحتلال، 4 ملايين يتيم تعيلهم 1.5 مليون امرأة. بينما أصبحت مغادرة المنزل، بحثاً عن عمل، من الأمور التي تعرض المرأة وأطفالها لخطر محقّق.
وبدافع اليأس، يتجه الكثير من النساء إلى المؤسسات الخيرية بحثاً عن الرعاية لهنّ ولأطفالهنّ، وقد انتشرت ظاهرة التسول، وهذا ما أكدته إحصائية وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي التي تكشف عن وجود 9 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر.
غسل عار الاحتلال
ويرى معظم المراقبين أن العنف ضد المرأة العراقية هو عنف الاحتلال والحكومات المتعاقبة التي أتى بها، إذ لا يوجد عنف ضد المرأة أقسى من أن تكون أرملة أو ثكلى، ولا يجانب الصواب القول إن «الترمل أقسى أنواع العنف ضد النساء».
وحين قدّر أحد مراكز البحوث الأميركية عدد القتلى العراقيين منذ الاحتلال حتى اليوم، بأكثر من 650.000 قتيل، من دون ذكر عشرات الآلاف من المفقودين، رفض كل من الاحتلال والحكومة هذا التقدير باعتباره مبالغاً فيه. إلا أن هذا لا ينفي أن طاحونة الموت مستمرة بطحن المزيد، وربما يأتي يوم يكون فيه مثل هذا التقدير متواضعاً جداً.
وقد يمارس العنف ضد المرأة في بعض المناطق تحت واجهة «غسل العار». لكن عندما تغتصب المرأة من قبل جندي أميركي، فلا بد أن يكون القصاص موجهاً إلى المعتدي، وهو ليس شخصاً كما يصوّره البعض، وإنما منظومة متكاملة اسمها «الاحتلال».
فبالإضافة إلى الترمل، تعرضت المرأة العراقية للاغتصاب. لكن الحالات التي تم الكشف عنها محدودة، لكون الموضوع «من المسكوت عنه» في المجتمع العراقي. ومن بين أبشع جرائم القتل والاغتصاب، التي يندى لها جبين الإنسانية، حادث اغتصاب الفتاة عبير قاسم حمزة، ذات الأربعة عشر ربيعاً، التي كانت تسكن منطقة المحمودية، حيث اقتحم أربعة جنود أميركيون منزل عائلتها، واغتصبوها، بعد قتل أهلها الذين كانوا نائمين (الأم والأب وشقيقتها وشقيقها)، ثم قتلوها وأحرقوا جثتها، كما أحرقوا المنزل لإخفاء معالم الجريمة.
أعداد كبيرة من المعتقلات تستمر عملية احتجازهنّ لا لشيء إلا لاغتصابهن، هذا مجرد مثال كُشف أمام الرأي العام. وقد حاولت لجنة من وزارة الصحة العراقية أن ترتب ما يخفّف عن الجنود الأميركيين، عندما ادّعت بأن سنّ عبير كان 21 عاماً، فبادرت عائلتها وعرضت وثيقة ميلادها أمام وسائل الإعلام. كما تحدثت عراقيتان أمام شاشات التلفاز، بعد بدء «خطة فرض القانون»، عن تعرضهنّ للاغتصاب، إحداهما وجدة من تلعفر، وهي أمّ لـ 11 ولداً، اغتصبها 4 جنود عراقيين، وقد اعترفوا بالجريمة. وحاولت منظمة العفو الدولية معرفة ما إذا كان قد اتخذ ضدهم أي إجراء، لكنها عجزت عن ذلك. أما الضحية الثانية التي روت حكايتها، فهي صابرين الجنابي البالغة من العمر 20 عاماً.
وكشف النائب محمد الدايني، الذي رفعت عنه الحصانة، عن توثيق 1053 حالة اغتصاب ارتكبها عناصر من قوات الاحتلال والميليشيات والشرطة منذ 2003.
بدوره، جزم اتحاد الأسرى والسجناء العراقيين أنّ حوادث الاغتصاب المعلَن عنها، لا تمثل نسبة 1 في المئة من حجم الجرائم المماثلة التي تتعرض لها المعتقلات العراقيات في السجون، حتى إنّه أوضح أن أعداداً كبيرة من المعتقلات تستمر عملية احتجازهن لا لشيء، إلا لاغتصابهن، رغم وجود أمر قضائي بإطلاق سراحهن. جرائم تُرتكَب بما أن الشرطة التي تسيطر عليها الميليشيات «لا تمتثل للأوامر القضائية».
المتضررات من التهجير
في دراسة مسحيّة، ذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن المرأة هي أكثر المتضررين من الهجرة والنزوح بما ينتجانه من تفكك العائلات والقضاء على شبكات الأمان والاتصال، وسلخ النساء عن واقعهن مع تغيّر نمط الحياة وأوضاعهن النفسية، وخصوصاً أنّ خروجهن يتمّ بعد تعرّض أحد أفراد أسرهن للقتل أو تعريض المرأة أو عائلتها للتهديد. وتضيف الدراسة أن «تدهور وضع الأسرة والمرأة الاقتصادي في الغربة، دفع بعضهنّ إلى ممارسة أعمال تحطّ من قيمتهنّ وكرامتهنّ الإنسانية».
ارتداد أفقي وعمودي
أفادت دراسات للمنظمات الدولية التي تُعنى بالمرأة، أنّ الاحتلال وتداعياته السياسية، سحقت شروط حياة المواطن العراقي، فخضعت المرأة للارتداد إلى الوراء أفقياً وعمودياً. وعن هذا الموضوع، شخّصت منظمة الأمم المتحدة لغرب آسيا «الاسكوا» هذا الواقع بالقول إنّ «ما يجري في العراق هو مثال على عملية التراجع الذي يحصل في حقوق المرأة منذ نشوء الحروب: فبعدما حققت أشواطاً في تبوّء مراكز سياسية واجتماعية متقدمة والوصول إلى درجات عليا في العلم والعمل، بفضل جهودها، وبفضل قوانين تنطوي على درجة كبيرة من المساواة، جرى إقرار دستور يميز بين المرأة والرجل، ويعطي الحرية لكل طائفة لأن تضع قوانينها للأحوال الشخصية».
وتحذّر «الاسكوا» من أنه أمام هذه الحالة، يستحيل رصد القوانين التمييزية، إضافة إلى التراجع عن حق العمل للمرأة والرجل معاً، حقّ ضمنه دستور عام 1970، وتمّ تحويله إلى منطق فرص العمل في الدستور الذي أقرّ بعد الاحتلال.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنّ موازنة العراق تُعدّ من أضخم الموازنات عالمياً، لكن الفساد الإداري يمتص معظمها، إذ يحتل العراق المرتبة الثالثة بين أكثر الدول فساداً في العالم، بعد أفغانستان والصومال، ولم يستفد من مليارات الموازنة ملايين الأطفال والنساء الذين يعانون الفقر.
ويعلو تحذير للمفوضية الأممية الخاصة بشؤون المرأة من «التردي المطّرد لأوضاع النساء في العراق»، مشيراً إلى أن «حقوق المرأة العراقية تتآكل باستمرار في جميع مناحي الحياة، فيما يبقى العالم بعيداً وصامتاً»، وذلك في تقريرها المقدم بمناسبة اليوم العالمي لتحريم استخدام العنف ضد النساء حول العالم.
2) الختان في كردستان
لا تزال عمليات ختان العراقيات في إقليم كردستان العراق، أمراً رائجاً. حتى إنّ برلمان الإقليم لم يجرّم هذه الظاهرة بقانون بعد.
وأجرت منظمة «أطباء نسائيين بلا حدود» دراسة ميدانية عن الموضوع على 1544 امرأة، 907 منهنّ خضعن للختان، ليتبيّن أنه لا يزال يمارس بشكل خطير للغاية، لا على حرية المرأة وكرامتها فقط، بل على حياتها حتى، علماً بأنّ «العملية الجراحية» (غالباً ما تقوم بها الوالدة أو إحدى جاراتها من دون بنج حتى) تجرى عندما تكون الطفلة بين الرابعة من العمر وسنّ الـ 12.
ولا يقتصر الموضوع على الختان، فقد هزت العالم مشاهد رجم الكردية اليزيدية دوا خليل أسود (17 عاماً) في الموصل في عام 2007، تحت أنظار عناصر البشمركة، وذلك لأنها أحبّت شاباً عربياً.
3) معنّفات ناجيات يصوّرن حياتهنّ.. السابقة
راجانا حميّة
ثالوث إلغاء العنف ضد المرأة والطفل: الحماية والتمكين والوقاية (هيثم الموسوي) افتتحت أمس جمعية «كفى عنف واستغلال» معرضاً للصور الفوتوغرافية تحت عنوان «وراء الأبواب». ليس مجرّد معرض ما افتتح أمس، هو باختصار قصص حيواتٍ بائسة عاشتها نساء معنّفات في البيت الزوجي، وخرجن منه بآلام لا يبدو أنها اندملت بعد. قصص مصوّرة لما وراء أبواب البيوت التي عاشت فيها الناجيات كل أنواع العنف
راجانا حميّة
تتزاحم الصور في القاعة الزجاجية في وزارة السياحة. صور سوداء موحشة لظلال أجسادٍ ووجوه باكية. واجمة. خائفة. صور أخرى لأبواب بيوتٍ مغلقة توحي من الخارج بالأمان. لكن، ماذا خلف تلك الأبواب الموصدة؟ تجيب جمعيّة كفى عن السؤال بمعرض صور بعدسات نساءٍ عشن خلف هذه الأبواب أسوأ أنواع العنف والتعذيب… والموت.
«ما وراء الأبواب» هو أكثر من مجرّد معرض صور، هو قصص حيواتٍ انتهت خلف هذه الأبواب، وأخرى لا تزال عالقة بين جدرانها غير قادرة على الخلاص.
أكثر من سبعين صورة بعدسات ناجياتٍ من «العش الزوجي». لكل منهنّ قصّة ترويها بصورة، من دون التجرؤ على ذكر الاسم أو ذكر تفاصيل قد تدلّل على هويّتهنّ. لكن، نظرة واحدة كفيلة باكتشاف الناجيات من بين جموع النساء «المتلصّصات» على تفاصيل حياتهن البائسة المعلّقة على جدران القاعة الزجاجية.
«ما وراء الأبواب» هو أكثر من مجرّد معرض صور، هو قصص حيواتٍ انتهت خلف هذه الأبواب، واحدة منهنّ فقط تجرأت على ذكر اسمها. وضعته أعلى صورها بالخط العريض: ألماظة حوراني، وإلى جانبه رسالة إلى «النساء الصامتات»، تدعوهنّ إلى «الاقتصاص من الرجال المعنّفين»، وإلى «الناس»، تكتب فيها قصّة «موسى أبو الياس الذي سرق الحياة مني ومن أولادي الذين هم أيضاً أولاده، إضافة إلى ممتلكاتنا». في إحدى صورها، يظهر «المدعو موسى»، كما تسمّيه الآن، نصف عارٍ بملامح غاضبة. هذا ما نراه في الصورة، لكن ما تراه «الناجية» أبعد من ذلك بكثير. تذكّرها تلك الملامح بصورة الرجل الذي شرّدها وطفلتيها منذ خمس سنواتٍ من البيت إلى «بيوت الناس». تكثر الشبابيك في صور حوراني. أما السبب، فهو «أن موسى كان يقف خلف الشباك عارياً ليلاً ليخيفنا».
ينقلب الشباك في صور حوراني باباً في صور الناجية الأخرى. خلف هذا الباب، ضُربت خديجة وأطفالها الأربعة بجميع آلات التعذيب من «كهربا وقشاطات وضرب بالحيطان وتغسيل رؤوسنا في المرحاض». آلات تعذيب في كل الصور، باستثناء واحدة تحوي ساعة حائط. عندما نسأل خديجة عن معنى هذه الصورة، تجيب بقصّة حدثت في شهر رمضان منذ خمس سنوات. في ذلك المساء، سألها زوجها عن طعام الإفطار، فأجابت «برغل ع بندورة»، فما كان منه إلا الرد على الجواب بـ«حفلة ضرب من الساعة السادسة مساءً حتّى الرابعة فجراً». يومها، نامت خديجة وأطفالها الأربعة في الحمام، وبقوا صائمين، بعدما منعهم من الإفطار.
صورة أخرى لا تقل بشاعة عن آلات التعذيب. صورة لوجهٍ باكٍ لم يكن يبدو منه سوى اليدين اللتين تخفيانه. هذه الصورة لابنتها التي بات لها من العمر 16 عاماً. اختارتها هي دون غيرها لتروي حكايتها أيضاً. ففتاتها اغتصبها والدها في عمر الثامنة ورحل ليتزوّج امرأة أخرى وينجب فتاتين. اليوم، تحلم الفتاة بشيءٍ واحد «قتل والدها أو قتل ابنتيه»، تقول خديجة. تنهي قصّة ابنتها وتنادي علي «صغير العيلة». لا يعرف علي والده، فقد كان بعمر ثلاثة أشهر حينما غادرهم، ولكن «كمان أكل منّو توديعة أربعة كفوف على وجهه». بسبب هذه «التوديعة»، يكنّ علي الكره لوالده «لأن إخوتي يقولون إنه كان لا يحبنا وكان يضربنا». ماذا يتذكّر علي من الوالد؟ «الحمام، مطرح ما يضربنا»، يقول.
علي، خديجة، ألماظة وناجون آخرون نبشوا تفاصيل حياتهم في معرضٍ للصور الفوتوغرافية الذي افتتحته جمعية «كفى عنف»، أمس، في وزارة السياحة. ويأتي هذا المعرض ضمن إطار حملة «الستة عشر يوماً» العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة. وقد استغرق العمل على إنتاج تلك الصور حوالى عام، سبقه أربعة أشهرٍ من تدريب النساء على التصوير الفوتوغرافي.
وتخلل افتتاح المعرض أمس كلمات لكل من عقيلة وزير الداخلية والبلديات ليندا بارود، ممثلة اللبنانية الأولى وفاء سليمان والسفير الإيطالي غابريال كيكيا الذي أكد «أن إلغاء العنف ضد المرأة والطفل يتطلب التدخل على ثلاثة مستويات، هي: الحماية والتمكين والوقاية».
:::::
“الاخبار” اللبنانية، عدد 4 كانون الأول 2009