ليس العنف ضد المرأة من عقائد الإسلام

نازيش يارخان

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2119 )

ملاحظة من الزميلة بادية ربيع

عرضنا مقالة نازيش يارخان على الصديقة بادية ربيع ووافتنا بالتعقيب التالي ننشره مع المقالة:

لعل مركز هذه المقالة هو إقامة العلاقة، بل اكتشاف العلاقة بين النص والزمن. والزمن هنا ليس فراغاً ولا كتيما، الزمن حركة ووجود اجتماعي وتشكيلة اجتماعية اقتصادية ونمط إنتاج يحكمها، وثقافة وهيمنة إيديولوجية، في كل زمن او مرحلة، تلعب هذه العوامل دوراً رئيسيا. لذا ما يٌقرأ في مرحلة بشروطها ومكوناتها وأدواتها لا يمكن قراءته بنفس الطريقة في مرحلة تختلف شروطها وأدواتها ومكوناتها مع المرحلة الأخرى.

ولكن، إذا كنا نتحدث عن المرحلة، وإذا كانت ثقافتنا العربية الإسلامية تنتصر للإسلام بما هو اساسي في ثقافتنا وتراثنا، فعلينا أن نأخذ الزمن كذلك بالاعتبار، أقصد هنا المرحلة. أليس الاحتلال الأميركي المعولم هو الذي وراء هذا كله، ودور أنظمة عربية تدعي الإسلام، فهذه الأنظمة هي التي دمرت النظام الاشتراكي في أفغانستان باسم الجهاد. ذلك النظام الذي عمل سريعا على مساواة النوع، وتعليم المرأة وتشغيلها وحمايتها…الخ. فما يحصل في أفغانستان، هذا إذا لم يحصل في كل بلد عربي وإسلامي وفي العالم، وإن درجات، تقع كلفته ودوره وعسفه وعنفه على النظام الحاكم، فكيف في حال أفغانستان ونظامها مخلوق بايدي عدو لافغانستان ومحتل لها في نفس الوقت!

إن الوعظ البسيط والمحايد بأن يتحلى الناس بالأخلاق، هو أنين الروح المعذبة ليس إلا، وهو دعوة لهذه الروح كي تكتفي بألم العذاب وتعيد إنتاجه حتى رحيلها لأنها تنتظر العدالة هناك، ولكن حتى هذه لم يقلها الله، بل قال إعملوا.

“كنعان”

* * *

ليس العنف ضد المرأة من عقائد الإسلام
نازيش يارخان*

غلينديل هايتس، إيلينوي (الولايات المتحدة) – صُدِمْتُ يوماً وأنا أستمع إلى محطة إذاعية ذكرت أن مكتب المفوَّض الأعلى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أعلن عن انتشار حالات الاغتصاب في أفغانستان. تساءلْت كمسلمة تعرف أن جوهر دينها هو العدالة والرحمة، كيف تاه مرتكبو هذه الأعمال بعيداً عن عقيدة الإسلام وعن المبادئ الإنسانية الأساسية.

لقد جرى نسيان فكرة أن الرحمة والتعاطف والعدالة هي أحجار زاوية الدين الإسلامي، وأن ذلك يضم الأسلوب الذي يجب من خلاله معاملة النساء. والمحزن أن آياتٍ معينة أسيء ترجمتها على أنها تتغاضى عن السيطرة على المرأة، بل وحتى تشجّع العنف ضدها.

يوضّح القرآن الكريم كيف من المفترض أن يتواصل الرجال والنساء مع بعضهم بعضاً: ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المُنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويُطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم”. (قرآن كريم 71:9). إلا أن بعض الآيات يستمر استخدامها بصورة خاطئة دعماً للمعاملة غير المتساوية للمرأة، مثل: “نساؤكم حرثُ لكم فآتوا حرثكم آنّى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر مؤمنون ” (قرآن كريم: 223:2). يُساء تفسير هذه الآية من قبل البعض على أنها تعطي الرجل حقاً على جسد المرأة.

وحتى يتسنى لي فهم جوهر هذه الآية الكريمة تكلمت مع الدكتور ماهر حتحوت المستشار الأول لمجلس الشؤون الإسلامية العامة والخبير البارز في الإسلام. “من المُخجِل والمضحك أن يُساء تفسير هذه الآية وأن تُستخدم في مجالات بعكس ما تعنيه”، أخبرني الدكتور حتحوت. “تعني الآية أن العلاقات الحميمة بين الأزواج يجب أن تكون بالاتفاق المتبادل وأن تنتج عنها أمور جيدة، مثل النسل الصالح أو التقارب العاطفي”.

لماذا إذن يوجد هذا الخلاف حول معاني هذه الآيات وأخرى غيرها؟ يشرح الدكتور حتحوت قائلاً: “جرى اتخاذ العوامل الاجتماعية بعين الاعتبار عندما جرت ترجمة هذه النصوص. يتعلق الأمر بكيف يختار المرء أن يترجم كلمة موجودة لها ظلال عديدة من المعاني. ففي المجتمعات حيث كانت تُعتبر معاملة المرأة بشكل سيء أمراً مقبولاً، كانت المعاني التي تناسبهم هي المعاني التي يتم تبنّيها، حتى عندما كانت بعض المعاني الأخرى مقبولة. إلا أنه يتوجب علينا ]اليوم[ أن نسعى للحصول على معانٍ مختلفة وفهم النص بطريقة مختلفة”.

عند التعامل مع آيات أسيء ترجمتها بشكل متكرر فيما يتعلق بمعاملة المرأة، “يتوجب علينا فهم القرآن الكريم في مضمون تصرفات النبي محمد (ص)، ويتوجب علينا أن نتذكر أنه لم يرفع يده يوماً على أحد، وبالذات على واحدة من زوجاته”، يقول الدكتور حتحوت.

تنشأ حالات العنف ضد المرأة في البيوت والمجتمعات المسلمة من الجهل بالدين أو تجاهل متعمد لتعاليم الإسلام الأساسية – الاحترام والتعاطف والعدالة والرحمة. ما يتوجب علينا عمله هو أن نعود لننظر إلى هذه العقائد الجوهرية وأن ندرك أن هذه المبادئ تنطبق بنفس القدر على النساء كما تنطبق على الرجال.

يكافح المسلمون من التيار الرئيس يومياً ضد الصور النمطية والرؤى الخاطئة للإسلام، وخاصة تلك التي ترتكبها أقلية بالغة الصِغَر من المتطرفين الذين قاموا بتشويه نواحي الإيمان لخدمة أهدافهم الخاصة، بغض النظر عما إذا كانوا مفجّرين يهاجمون المدنيين الأبرياء أو أفراد من الأسرة يستخدمون العنف ضد أفراد من أسرتهم داخل بيتهم.

إلا أن بحراً من التغيّر في العقلية يبدأ أحياناً بصوت قوي واحد. إذا كان الصوت محلّياً فإن ذلك أفضل. المنظمة النسائية المحلية “الجمعية الثورية لنساء أفغانستان” واحدة من هذه المنظمات، تخاطر قائداتها بحياتهن يومياً لمساعدة النساء في أفغانستان على رفع أصواتهن ضد العنف الأسري.

كلما ازدادت أصوات الرجال والنساء المسلمين من التيار الرئيس قوة ضد العنف تجاه المرأة، مذكّرة بأن الإسلام والقرآن يدعوان للعدالة والرحمة، كلما استطعنا أن نصلح التفسيرات المضلَّلة لكتابنا المقدس بصورة أسرع.

يتغير العالم بوتيرة أسرع من أي وقت مضى. لقد ضَمِن عصر المعرفة ألا تبقى الأفعال الشائنة قيد الكتمان بعد اليوم، وأعطى هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم ضدها منبراً أوسع تُسمع أصواتهم منها. ورغم أن المعركة صعبة، إذا كان هناك وقت للأمل، فهو الآن.

:::::

“خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية”، 20/12/2009

* نازيش يارخان كاتبة ومحررة ومتحدثة ومعلِّقة في إذاعة National Public Radio (NPR) الاميركية هذا المقال جزء من سلسلة حول الأسطورة القائلة بأن الإسلام عنفي بطبيعته، وقد كُتِب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.