المبادرة المصرية: تحريك عجلة “السلام” أم تجديد “شباب” شرم الشيخ!

عادل سمارة ـ رام الله المحتلة

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2125 )

حين يُعلن عن تحرك سياسي ما، لا بد للمعني والمراقب أن ينقلا نظريهما في اللحظة إلى أمرين اساسيين:

الأول: هل التحرك المعلن محصور في البقعة الجغرافية التي يتضمنها الإعلان نفسه أي في هذه الحالة، الأراضي المحتلة 1967؟

والثاني: ما هي علاقات وارتباطات التحرك والمكان بالسياق العالمي؟ بمعنى هل يمكن الحديث عن حل مشكلة في حيِّز معين بمعزل عن النظام العالمي؟ ومتى؟ في حقبة يسمون فيها العالم على أنه “قرية واحدة”.

هذا ما يستدعية الحديث الجاري عن مبادرة مصرية لتحريك التفاوض الفلسطيني الصهيوني. ويستدعي التساؤل: هل هي مبادرة مصرية أم هي جزء من الترتيبات الأميركية وإناطة الأدوار.

من قبيل تحصيل الحاصل أن ما يجمع أنظمة مصر والكيان والحكم الذاتي هو استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة والعالم. يكفي للتدليل على هذا أن نستمع فقط لأحاديث الساسة الأميركيين حيث يتحدثون عن النظام هنا أو هناك في اية زاوية في العالم كأنه جزء من بلادهم. وهذا ليس فقط عقل، بل شبكة علاقات الهيمنة الإمبراطورية، إن صحت التسمية.

الرسمي، والشعبي والمقاومة

من الطبيعي أن تقوم الطبقات الحاكمة في البلدان عامة بترتيب وإعادة ترتيب ساحاتها الداخلية. أما الأنظمة ذات المصالح الإقليمية و/أو الدولية فتعني بترتيب (مباشر او لا مباشر) بالساحات الأخرى، بل الكوكب.

لذا، فإن التحرك المصري الآن، وبعد زيارة نتنياهو المعلنة، ولا ندري كم سبقها من تجهيزات وتحضيرات، واقتراب وصول ميتشل، يصب حقيقة في النقطة أو القضية أو الهدف الذي تجتمع عليه مصالح المؤتمرين ومن يدعمهم من أي مكان، هي رأس المقاومة. ولا ينتهي الأمر هنا، فالمقصود باستهداف المقاومة وكذلك الممانعة، ليس إلا مقدمة جبل الجليد. المطلوب الأساسي هو أن لا تتمكن المقاومة من التوسع باتجاه الطبقات الشعبية. بكلمات أخرى، فالسباق هو على النحو التالي:

□ في حين أن الواقع الشعبي ملجوم أو مقموع من الرسمي.

□ إن وجود المقاومة يعني احتمال تحريك الواقع الشعبي مما يخلخل بنية المنطقة لتصبح مفتوحة على العديد من الإحتمالات.

من هنا تتم مختلف هذه الاستدارات بالحديث عن المفاوضات وتحريكها وحلحلتها وتسخينها تجاه الحالة الفلسطينية.

بدأت المفاوضات ولم تنته، وكرس السيد صائب عريقات مقولة “الحياة مفاوضات” مما يعني ان المفاوضات لا تتوقف، سواء أُعلن عنها أم لا. وعليه، فإن الحديث عن محاولة إعادة أطراف المفاوضات إلى الطاولة هو مجرد حديث عام وتعبئة منشيتات.

وإذا وضعنا في الاعتبار الهدف الأميركي في المنطقة، فإن الحديث عن مسار المفاوضات مع الكيان هو استخدام القضية الفلسطينية كأداة لتبرير صقل وإعادة صقل ومراجعة الخطة. الأساس وهي الالتفاف على المقاومة ونفيها وبالتالي إعادة تشغيل عربة السياسة الاميركية في المنطقة من أجل ما يسمى الشرق الأوسط الكبير.

لقد استخدمت المسألة نفسها قبيل تدمير بغداد واحتلال القطر العراقي، واعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة ستعطي الفلسيطنيين شيئا ما ملموساً مقابل إسكات الشارع العربي عن تدمير العرق. ورأينا ما حصل، بمعنى أن ضعف الحركة الحزبية العربية وتفكك الشارع لم يعط رداً كافياً ما؟ هل الدور الآن على تدمير المقاومة، إيران؟ ربما. الأهم هو أن جوهر التحرك هو التجهيز لتدمير ما، آتٍ على الطريق.

الموقف الصهيوني

كلما دار حديث عن المفاوضات، ينبري محللون للقول، إن إسرائيل في مأزق والعالم يضغط عليها، وهذه المرة لا بد أن تقدم شيئاً…الخ.

وقد يجوز القول في هذا السياق، ان هذه افكار رغائبية المفلس من حيث الإمكانيات. لقد قيل هذا الحديث على مدار عقود، ولم يتأكد ربما لمرة واحدة. ولم تقدم ما تسمى الأسرة الدولية ما يثبت أنها كانت على الأقل بصدد الضغط على الكيان. ربما كان تقرير دو سوتو المنشور قبل اكثر من عامين أفضل ما يشرح الموقف الدولي، وجوهره أن الولايات المتحدة منحازة لإسرائيل، وأن الرباعية ليست إلا الولايات المتحدة.

لكن الرغائبي الضعيف او العاجز عن تجميع قوته الكامنة (مثلا الإمكانات العربية)، لا يمكنه الخروج من إسار التمنيات على الأقوياء، لأنه لا يشعر بأنه في تناقض معهم هو ليس خصماً، هكذا يرى نفسه، بل هو قابل لما قد يمنُّوا عليه به من حقوقه هو نفسه. نعم ليس خصماً وإن حصل فهو ليس نِدَّاً.

من هنا، فإن الكيان ليس تحت ذلك الضغط الملموس، وأبعد من هذا، فإن نتنياهو كان مؤخراً بصدد تقويض منافسيه بمحاولته التي لم تنته بعد لامتصاص قطاعاً كبيرا من حزب كاديما. صحيح ان هناك أحاديثاً بأن الكيان حينما يحاول توسيع الحكومة باتجاه المعارضة إنما يقوم بذلك لأنه مقبل على حرب مثلاً! ربما. فما يقوله سمير جعجع متفاخراً بأن الكيان سوف يضرب لبنان خلال ستة اشهر، قد يكون هذا القول قول عارف/شريك وليس قول متكهن ومحلَّل! إنما يمكن لنتنياهو أن يحاول التهام شطيرة من المعارضة حتى دون حرب قريبة.

مفاوضات بالأمر

إذا كان الكيان مستريحاً هكذا، وطالما انه لا يقدم شيئاً كما اعتدنا، فلماذا تتم جلسات التفاوض؟

تتم في سياق المشروع الكبير، ترتيب الأوراق الأميركية في المنطقة.

ولكن، هل لا يشمل هذا الترتيب الأراضي المحتلة حتى لو من قبيل مراجعة الملفات؟

بلى. ولكن يظل السؤال الأهم هو على اية أرضة يكون هذا الاشتمال؟

يؤكد نتيناهو دوماً أن ما لديه تجاه الفلسطينيين هو “السلام الاقتصادي”. ويؤكد المفاوض الفلسطيني بدوره أن مشروعه هو الحصول على “إستقلال”.

اين الفيصل في الأمر هنا إذن؟

قد يفيدنا هنا السؤال التالي:

اين تقع أوراق القوة؟ بيد من؟ من هي القوة أو المعسكر المقرر؟

إذا كان الموقف والوضع العربي كما نراه الآن، وهو بين منحاز للمعسكر المضاد للأمة،

وبين من يحاول المحايدة وبين من هو مشغول في إشكالات داخلية، وبين قلة تحاول الممانعة. إذا كان الأمر على هذا النحو، فإن الفلسطيني حتى مهما تشدد، هو ذاهب إلى مفاوضات ليُقال له فيها، أنت عليك القيام بكذا.

وهذا يترتب عليه سؤال آخر: لماذا يذهب الفلسطيني إلى المفاوضات إذن، طالما:

□ حلفائه في الصف الآخر

□ وما يعرضه الكيان هو سلام اقتصادي؟

ما الذي سيقوله المفاوض الفلسطيني بعد المفاوضات؟ هل ستكون النتيجة كما حصل في أوسلو، الحصول على حكم ذاتي محدود وتسويق هذا بأنه دولة؟ هل لا زال بالإمكان بيع سلع مضروبة كهذه؟ وهل سوف يستمر مسلسل تصفية القضية بالقطعة؟

قد تخرج من هذه المفاوضات وما سيليها صيغة من طراز: دولة “الحكم الذاتي”. بمعنى ضم، ما لا يقل عن 40 بالمئة من أراضي الضفة الغربية للاحتلال ضماً نهائياً. بقاء المعابر بيد الاحتلال، بقاء الاقتصاد المحلي مفتوحاً لمنتجات الاحتلال، وبوابة على الأردن (كنتونات الأردن مفتوحة لكانتونات الأرض المحتلة) والكل يوصل إلى الوطن العربي ضمن طريق باتجاه واحد، اي لا دخول عربي إلى الدولة اليهودية النقية، وإن حصل فبمقدار. ثم تبادل اراضي بين الحكم الذاتي والاحتلال بما يسمح له بالتخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين (من الاحتلالين الأول والثاني) واغتصاب أكبر مساحة ممكنة من الأرض.

أما الأهم من هذا كله، فسيكون هناك اتفاقاً بين سلطة الحكم الذاتي (التي ستصبح مسماة دولة) وبين الاحتلال على حصر التفاوض والعلاقة في الضفة الغربية وربما غزة، بمعنى أن هذه السلطة ستبين ربما لا مباشرة، أنها تمثل الضفة والقطاع، بينما القضية الفلسطينية بمجموعها هي مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى المنظمة أن تتولى الأمر! كيف، ومع من، واين هي المنظمة؟ هذا سؤال معلق.

لقد وردت تلميحات كثيرة في خطة رئيس وزارة تسيير الأعمال قبل شهرين تضمنت أن مسألة اللاجئين تُناط بدائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير.

اين هي المنظمة؟ لا ندري!

بيت القصيد هنا، أن المفاوضات منذ بضع سنين تأخذ مجرى مختلفاً حتى عما كانت عليه ايام عرفات. فهي تأخذ مساراً محدداً في أجزاء من الضفة والقطاع معزولة عن القضية الفلسطينية بمجموعها، تفكيك القضية بالقطعة وصولا إلى تصفية اساسها وهو التحرير والعودة. ولا غرو أن إخراجاً دقيقاً لهذا الأمر سيحصل ويجد من يمتدحونه ويروجون له. قد تكون طريقة إخراج المفاوضات الآن مؤشراً على تقزيم القضية واستخدامها ليس أكثر، فبعد أن اصر أوباما قبل ثلاثة أشهر على لقاء عباس ونتنياهو معه في اميركا اضطر عباس للذهاب، وعدم التقيد بما أعلنته سلطة الحكم الذاتي بأن لا لقاءات دون تجميد الاستيطان؟ لاحظ تجميد…ولم يحصل. أما اليوم فالمطروح اللقاء في مصر، بدل أميركا. اي تصغير قدر الاهتمام ليُناط بالوكيل.

ولكن لاستكمال الأمر، من المتوقع أن تتم ترتيبات لهذه السلطة غير المستقلة مع الأردن ليتم استيعاب بعض اللاجئين في إطار المساحة المفتوحة بين الضفتين (كما تؤكد دراسات وبيانات المبادرة الوطنية الأردنية). وقد يتم تنفيذ مشاريع مكملة لهذه الترتيبات مثل مشروع مؤسسة راند الأميركية الذي يقوم على بناء مدينة على السفوح الشرقية لسلسلة الجبال الغربية اي المطلة على البحر الميت والأردن وهي خطة لتوطين مليون لاجىء فلسطيني فيها، وبهذا يحدث التمازج الديمغرافي بين الضفتين، وتكون الحدود الغربية للضفة الغربية بوابات على الاحتلال لتمرير بضائعه وسياساته.

الشرم المتقدم!

أما وقد تُنقل المفاوضات لإشراف الوكيل المصري، فهو أمر ليس بقليل الخطورة. لقد اصبح شرم الشيخ كلية هامة لمواجهة المقاومة، وقد يصبح غرفة عمليات ضد المقاوم والممانعة وضد الأمة العربية وشعوب المنطقة بشكل عام.

من هنا يبرز السؤال، إذا كان المعروض على الفلسطينيين هو هذا “اللاشيء”، فالمفترض أن لا يذهبوا.

قد يسأل البعض وما العمل؟

يحتاج هذا لمقال آخر، ربما كتبت فيه وكتب غيري في الشهرين الأخيرين في كنعان.