هاوارد زِنْ…تشفى بك المطبعون
د. عادل سمارة
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2147 )
همدت شحنة حياة مقاومة ومشتبكة على طريقتها، حتى الرعشة الأخيرة كان وعيه على الزناد، لكن وعي الموت أوسع وأفظع. إنما لم يقضِ الرجل مهزوماً. قاتل بالوعي. ولعمري، وبعد انهيار أهل الاشتراكية المحققة وتمفصلاتهم الممغنطة بالتأثير في بلدان المحيط بما فيها الأرض المحتلة، فإن سلاح الوعي هو الأهم. نعم، البندقية في يدك، لكن الوعي منك وفيك. والوعي قوة نكتسبها من اليومي والتاريخي من الاشتباك من التحدي من برد الزنازين وتساقط الرفاق جرحى وصرعى وحتى مهزومين، من الصمود وحتى من الخيانة، ومن عدم الوفاء لنا وللقضية/القضايا.
فالوعي المبني على أرض الواقع المعاش لا يخون حامله، ولا يسمح له بالخيانة ولا حتى عدم الوفاءْ، وبهذا يعود الوعي ليفعل كما بدأ وكان، اي كقوة مادية ولكن هذه المرة بحضور اقوى وبعمق ابعد، وبمديات لا تعرف الحدود.
هاوارد زِن، من القلة التي تقرر هيَ الرحيل لتفسح للآتين مساحة ومتسعاً. زاهد في العمر كما في مادياته، وليس مُمسكاً عن الناس، كل الناس أنَّى كانوا، عطائه وعلمه. مواطن، مفكر وميداني، بل مشتبكاً مع أوغاد العولمة، وكم امرىءٍ يقوى على هذا!
زِن مؤرخ ومحاضر جامعي، لكنه تميز بامرين آخرين على الأقل:
□ رافض ومناضل ضد التفرقة العنصرية في البلد العنصري الأول، الولايات المتحدة. لا تحتاج هناك حتى لفرك جلد أي أبيض حتى يبدو الطفح العنصري بما يناقض كلمات الدستور الأميركي الذي يتفاخر به اللبراليون العرب!. الدستور الوحيد الذي فيه مادة تشرِّع اقتناء البندقية The Rifle Law. هناك فقط وأساساً تعرف ما معنى الأبيض، الحقد الأبيض، والبرد الأبيض، والعقل الأبيض، وحتى نصف الأبيض. وهناك تحديداً، وحين التفكير بالأبيض، اعتمد قلبك.
□ ورافض مبكر للعدوان الوحشي على فيتنام، وفيتنام هي لاحقا العراق وأفغانستان ويوغسلافيا والصومال، وبينهن ومنهن وفيهن فلسطين والعديد ممن سيأتين!
تعرفت إليه من بعيد. كنت قرأت بعض اعماله، لكنني عرفته في معتقل سلطة الحكم الذاتي 1999.
كان ذلك أن اتصل أحد باسم السلطة هذه وقال لزوجتي لدينا وفدا اقتصاديا دولياً ونريد د.عادل كي يشارك في النقاش. اتصلت بي عناية وكنت اشتغل في المزرعة الصغيرة التي اغتالتها حواجز الاحتلال في الانتفاضة الثانية، وظهري يؤلمني من صب بعض الإسمنت.
عدت للمنزل، أخذت (دوشا) ولبست بدلة ورباط عنق أحمر، فحينما اقابل الخصوم من أي نوع، أفضل أن اشتبك حتى بمظهري. وفي لحظة مغادرة المنزل اتصل أخي كريم:
– هلى سمعت الأخبار؟
– لا كنت في المزرعة
– لقد اعتقلت السلطة د.عبد الستار قاسم.
إذن ليس الأمر نقاشاً اقتصاديا. تباً لي كم أنا ساذجاً أو بسيطاً كما وصفني الرفيق د. مفيد قسوم، وهو صادق لا شك. فأنا لم اتحدث مع السلطة في شيىء إطلاقاً، كيف صدَّقت!
عدت ولبست جينز .
قال يزن،
– أفهم أن يعتقلك اليهود والعرب، ولكن حتى هؤلاء؟
– قلت ساشرح لك بعد الاعتقال.
تناولت كتاباً دون أن التفت. وفي الطريق كان كتاب هاوارد زِنْ :لا يمكنك أن تكون محايداً في قطار متحرك You Can’t be Neutral in a Moving Train
كان الرجل صديقي هناك في البرد السياسي والوطني والإنساني.
إن كان لي أن اقول لمن صمدوا على المبادىء، إقرأوا الرجل، وبقرائته ستعرفوا جيداً قيمة نضالكم ضد التطبيع.