رسالة إلى الوزيرة الموريتاية التي اعلنت طرد السفير الصهيوني
وإلى فاروق وادي
بقلم بادية ربيع
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2205 )
أجمل ما في الموقف سيدته، وأبهى ما في اللحظة صولة الكلمة تخرج من شفتيك سيدتي يا المرأة العربية، لا داخلَكِ الخوف ولا هدَّك الجوع ولا تمايلت لإغواء المخاصي بل ركعوا تحت شسعك، كيف لا، وقد صاغ كبريائك المتنبي، وهب لتقبيل راحتيك المعتصم وألقت في حجرك/حضنك قرطيها زنوبيا. وزينت عينيك زرقاء اليمامة بعينيها اللتين رأتا بكشف لم تبلغه الصوفية، وناولتك خولة سيفها وبثينة حبها العذري الصوفي.
سلام عليك وسلام لكِ أنت يا سيدة موريتانيا لا الجوع ردَّكِ ولا الخوف هدَّكِ ولا التزجيج أزاحك للمخدعِ، ولا ساورك القلق على جمال يرضي عبيد المرحلة وعبدان العملة والدولة، وظل محياك جمالاً فطريا خِلقة ربَّك مثل جميلة بوحيرد (لم تعرف شفتاها الزينة-نزار قباني). جمال لم يمسسه ولم يدنسه راس المال ولا سعر الدولار، جمال لم يتخلَّ عنكِ كما تخلى عن باريس الاستعمار جمالها، وعن مدينة الضباب/ المذابح أنوثتها.
دعيني وأنا من بنات جنسكِ أُقبِّل عينيك ووجنتيك السمراوين من هاجرة الصحراء العربية ومجد الطوارق وأنت من نسل تغريبة بني هلال، أنت مزيج العرب والأمازيغ بلا تمييز، لا شوفينية لا تخارج أو تبعية إلا لمجد الأرض ومنها المغتصبة.
أيُّ فخارٍ منحتني وقفتك بل ركلتك سفير كيان البغيِ، ومتى سيدتي في عصر زيت النفط وجفاف زيت الرجولة فيهم وهم يتراكمون على بعضهم في “سرتٍ” كل يخفي وجهه بوجه نظيره والشعب يعلم أنهم يتجمعون ولا يجتمعون، يُقعون كي لا يصفعهم فتى البيت الأبيض، ويتراكمون على جثة مبادرة ركلها الوحش الشاروني قبل موته الحقيقي وبقائه التقني.
أنت من هناك، من نواكشوط من تقفين وردة مهرة على حافة الأطلسي لتخوضيه كما فعلت مهرة ابن زياد، وما خشيتِ مياهه حيتانه ولا اسماك القرشِ. أما في رام الله فَ ليانة تخشى العوم في طشت الماء الذي يغتسل فيه أطفال مخيمات الجوع ذات السيقان المعكوفة، والأعين النجلُ الرمضاء حيث يعزُّ الخبز وأقل العقاقير كلفة.
ناديت على السيفِ، ونادت ليانة على كسره وبيعه من أجل قرطٍ في الأذن أو عقد في العنقِ، فباعت السيف بالاحتجاج الناعم: المقاومة الشعبية اللاعنفية.
من لي بمن يُعنِّفكم/ن جميعاً! إخلعي نعلك سيدتي، القِ به على خدِّ التطبيع، ذاك الخد الناعم الذي عاش على دماء الوطن، وفقر اللاجىء وجوع الفلاحة. تلك الوجنة التي لم تجهلها كل زيوت التجميلِ، وطيوب الغرب القاتل، كيف لها أن تقاتل؟
لا للعنفِ، يا الله! ومتى؟ في يوم لقاء الزعماءِ، وفي يوم خروج نتنياهو على سيده معلنا أن القدس له، وأن منازلنا سوف تُباد وأن نجوما سداسية ستحل على الأرض، ولينانة تفخر ان لا عنف ولا اعتراض على التطبيع ولا كتابة حرف ضده، بل تسليم مفاتيح القلب والأرض لعدو الأرض. سلاماً على جمال الانتفاضة.
لك يخشع القلب إجلالاً على فقر أهلكِ ترفضون المال والمنحة والدعم، لكِ تدمع العين عطراً، تتسامى الروح لتقارب صاحب العلياء عشقاً صوفياً في زمن ما عاد فيه سوى دَنس التطبيع وجبن التطبيع وتبرير التطبيع ونزوات التطبيعِ.
مَنِ الفلسطينية سيدتي بعدُ؟ هل الفلسطينية من تنام على حرير المانحين، ورياش الأنجزة؟ أم تلك التي تتمدد خلف السور خلف الباب عند صاج الزنزانة حيث الصفيح الساخن حتى في الثلج لتضع غسان كنفاني ثانية كي يُقتل ثم ينهضُ عنقاء الأدب والقلم والخطاب. آه يا هذا الوطن اعذرني في زمن فيه فقدتُ سيفي.
لِمَ لا يأتي تفكيك التشكيلة من أطرافها؟ فمركزها تكلَّس واستعصى على التغيير ومات فيه الجدل، وعزَّ الاشتباك، وغاب النقدُ وضاع مع الوعي الشقي القتيل.
آهٍ سيدتي لو سمعته قبل عشر سنوات وهو يرحِّب ب “تشلسي”، أو رأيتهم يقرؤون بنهمٍ عن اصل كلبة المأفون بقتلنا جورج دبليو بوش، أهي إيرلندية ام من آل هابسبورغ! يحفظون بنهم الطالب الذي سيُرمى به بعد قليل في قاعة الفحص والاختبار!
وحدك زرعتِ النشوة بالفرح الحزين لحظك، بل كفَّكِ، كف امرأة عربية يثنى المخرز، ولتكن الكلفة ما كانت لا بأس ولا رعب ولا مَيِلان.
ما أبهاكنَّ جميعاً، ما اعمقها لحظة يتواكب فيها كفَّك الناعم هذا، هل لي أن أُقبِّلهُ وابكي بين يديكِ على وطنٍ ترعاه قمة سرتٍ فيها حكام الأمة يتلطون ببعضهم لا يجرؤ اياً منهم على قتل مبادرة هانوا بها وهانت بنا.
ولكن، لا يجدر أن أحمل في بؤبؤ عيني غيرك سيدة القطر الأبعد، والشعب الأنبل، والماء الأنقى، أنتم من هناك تُطلُّون على الأطلسي تكسرون موجه الغازي وكما تفعل حرب الغوار، حرب غوار الثقافة تتسلحين من اسلحته حيث يرمي ويلوذ.