الأستاذ عدنان المنصر في ملتقى حضره أكاديميون صهاينة، خطوة معزولة… لكنها ليست الأولى

نجلاء بن صالح

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2207 )

حين يعترضك اسم «أيلان بابي» واسم «عدنان المنصر» قد تتساءل ما العلاقة بينهما؟ وحين تعرف أنهما مؤرخان، الأوّل إسرائيلي والثاني تونسي، يتولّد ضرورة سؤال مهمّ هو ما الفرق بين مؤرخين؟ وعلى ماذا يمكن أن يجتمعا؟.

حسب موقع ويكيبيديا، ينتمي أيلان بابي إلى تيّار يسمى «المؤرخون الجدد» في الكيان الإسرائيلي، وينادي بابي كلّ النخب العلمية في العالم بقطع العلاقات الأكاديمية مع الدولة الصهيونية حتى يدرك هذا البلد المحتل فظاعة جرائمه.

وزيارة قصيرة إلى مدوّنة المؤرخ التونسي للتعرّف عليه تكفي من خلال مقالاته المنشورة في بعض الصحف التونسية والتي تظهر تعاطفه الكبير مع ما تعرّض له الفلسطينيون في مجزرة غزّة أواخر عام 2008 وبداية عام 2009.

قد يبدو الأمر عاديا إلى حدّ هذه السطور، خاصة أن الأستاذ المنصر محسوب على أحد التيارات السياسية الدينية، لكن الأمر المريب هو تعمّد الأستاذ عدنان المنصر تغييب مشاركته في المؤتمر الدولي «سياسات دول المتوسط في الشمال وفي الجنوب» الذي انعقد من 21 إلى24 جوان 2007 في برلين.

والذي نظمه البرنامج الأوروبي «رامسيس 2″، وقدم الأستاذ المنصر مداخلته في مدونته، والتي قدمها تحت عنوان «اتفاق الشراكة بين تونس والإتحاد الأوروبي: انتظارات المجتمع المدني في تونس» وأورد أنه قدم هذه المحاضرة في مؤتمر نظمه البرنامج الأوروبي نفسه من 21 إلى 24 سبتمبر 2006 في فرنسا .

ولم يشر إلى مشاركته في مؤتمر برلين وقد نفهم سبب هذه «المغالطة» حين نعرف أن الأستاذ المنصر كان موجودا في برلين إلى جانب أكاديميين إسرائيليين هما انجيليكا تيم ومارك هيلر. وإلى حدّ الآن قد يبدو الأمر عاديّا نوعا ما خاصة أن الكثيرين يعرفون أنّه يوجد من الإسرائيليين من يدافع عن حقوق الفلسطينيين أكثر من العرب والمسلمين أنفسهم، لكن الأمر يصبح مشبوها حين نعلم أن أنجيليكا تيم هي أستاذة تاريخ في جامعة بارإيلان. والمعروف عن هذه الجامعة أنها إحدى أكبر الجامعات الإسرائيلية التي تعتمد على الأسس الدينية التوراتية في التدريس، وهي من الجامعات المتطرّفة «التي تهدف إلى تعليم الناشئة على الموروث التوراتي» لحماية «الهويّة اليهودية» حسب ما جاء في تعريف الجامعة في موقعها على الانترنت. كما أنها الجامعة التي درس فيها قاتل إسحاق رابين.

اما مارك هيلر، مدير مركز يافا للدراسات الإستراتيجية فهو أحد المنظرين للحرب على قطاع غزّة، حيث كشف موقع الملتقى الفتحاوي بتاريخ 91 فيفري 2008، أي قبل الحرب على غزة بأشهر قليلة عن دراسة عبرية تصوّر سيناريوهات الحرب، وهي عبارة عن تصوّر للأحداث التي من الممكن أن تشهدها الحرب على غزة.

ووضع هذا التصوّر ممثلون عن المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وخبراء في السياسة، وكان مارك هيلر ضمن من جلسوا إلى الطاولة التي جمعت مخططي الحرب على غزة ومثل دور نائب وزير الخارجية، وتذكر الدراسة كيف اتخذ «المجلس الأمني المصغّر» قرار «الذهاب إلى غزّة» و«تدمير القدرة الإنتاجية». وأعطيت الأوامر بـ«قطع رؤوس قادة حماس دون تمييز بين القيادة السياسية والعسكرية وتدمير المقرّات والبنى التحتية». وقدمّ موقع الملتقى الفتحاوي أيضا، كتابا لهيلر بعنوان: «إسرائيل والفلسطينيون: البدائل السياسية لإسرائيل»، نشر في سبتمبر 2005. وأحيى هذا الكتاب نظريات لخبراء سياسيين، وخططا للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين لتعتمدها إسرائيل.

وأورد مارك هيلر رأي أحد الخبراء في الدراسات السياسية «إسرائيل هارئيل» وهو أحد مؤسسي مجلس «مغتصبات (مستوطنات) الضفة الغربية» الذي يرى أنّ دولة إسرائيل يجب أن تكون ذات أغلبية يهودية ويجب أن تكون لها قوّة عسكرية كضمان للأمن.

ويقول هارئيل إن أيّ «تنازل عن أي جزء من إسرائيل من أجل السلام هو تنازل عن الهويّة اليهودية» كما أورد هيلر رأي «داف شيفتن»، وهو «أستاذ محاضر للعلوم السياسية في جامعة حيفا، الذي يقول إنه على إسرائيل الانفصال عن «مراكز السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة». وهو يؤيّد جدار الفصل العنصري لأنه حسب رأيه سيحافظ على المغتصبات (المستوطنات) اليهودية تحت السيادة الإسرائيلية.

هنا تتولدّ أكثر من نقطة تساؤل. هل كان الأستاذ عدنان المنصر على علم بهويّة الأستاذين الإسرائيليين؟ وإذا كان الجواب نفيا، هل كان من الصعب عليه البحث لمعرفتهما؟ ألم يساوره الفضول عند تسلّمه برنامج المؤتمر العالمي لمعرفة هويّة المشاركين، قبل انعقاد المؤتمر بشهر أو شهرين؟.

الغريب أن الأستاذ المنصر كان قد شارك بمداخلة خلال هذا المؤتمر خارج اختصاصه في حين تحدث الأستاذان الإسرائيليان عن «السياسات المتوسطية في الشرق الأوسط» وعن «النهوض بجودة الحياة» وكان مثالهما إسرائيل وشارك الأستاذ المنصر باسم جامعة تونس فهل يعني ذلك أنّه لا مشكل للجامعة التونسية في حضور مثل هذه الملتقيات العلمية والتي يسميها البعض «تطبيعا أكاديميا مع إسرائيل» وراء ستار أو تحت غطاء أوروبي؟.

في الحقيقة لا يوجد أي قانون يجرّم التعامل الأكاديمي مع إسرائيل لكن «القانون الأخلاقي» والحس الإنساني أقوى من فانون المنع نفسه.

وقد يقول البعض إنّ الأستاذ عدنان المنصر حرّ في أي موقف يتخذه، لكن هذا القول ينطبق عليه إذا لم يقدّم الأستاذ المنصر نفسه باسم الجامعة التونسية أو جامعة تونس، كما جاء في برنامج المؤتمر. وقد يكون ورّط الجامعة في نهج يخالف السياسة العامّة للبلاد.

إنّ الأحداث التي يعيشها الفلسطينيون تخلق موقفا موحّدا، هو موقف إنساني بحت لا صلة له بالدّين أو بالعرق أو بالجغرافيا. شعب بأكمله مستهدف، بل تاريخ بأكمله قد يشطب بناء على أفكار عنصرية صرفة. لا يمكن إلاّ التعاطف معه وأن يكون الموقف رافضا لإسرائيل لأنها تقف على الخط المواجه للإنسانية. ومن هنا لابدّ أن تكون الخطوات محسوبة في مثل هذا الظرف الدقيق لأن هناك من يتربص بأصحاب «النوايا الطيّبة» ليستثمرها في خدمة نوايا تعوّدنا أن لا تكون طيّبة.

:::::

عن مجلة حقائق

http://news-arabe.blogspot.com/2010/03/blog-post_7438.html