بادية ربيع
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2231)
يكمن مبتدأ وأساس هزيمة المرأة في انتقال البشرية من المشاعية إلى الملكية الخاصة. أي قولٍ هذا في عصر عبور البشرية بسرعة الضوء إلى عبوديات تتناسل كالأميبا! سيقول كثيرون، ليس المشايخ والرهبان والحاخامات وحدهم، بل ورجال المال والأعمال: هل ما زال هناك من يجرؤ على لمس المقدَّس هذا، فما بالك بنقده! وسيُخرج الحُواة أفاعيهم من حناجرهم بأن هذا التقوُّل الاشتراكي مات خانقاً نفسه بأسلاك كهرباء البيروقراطية. لقد صعق هؤلاء انفسهم بكهرباء لم يحسنوا استعمالها! وعادوا يصلُّون للملكية الخاصة. خرافاً تأسف على ضلالها!.
لكن ما سأقوله يبقى بمعنى ما، له معنىً ما، رغم براعة الحُواةِ وغفلة الاشتراكية المحققة، ورِدَّة أتباع لينين حيث يمَّموا شطر البيت الأبيض طمعاً في العيش اليومي والعفو عنهم حين تنفجر معركة مجدو” أرمجدون”. بل إنما سأقوله لا تفسره سوى الملكية الخاصة بذكوريتها، وحتى بالقبول الكسير من معظم إن لم نقل كافة النساء.
كيف يقرأ الإنسان العبارات التالية التي تشكل جزءاً اساسياً من الثقافة العامة، وهو جزء قلما يخطر ببالنا نحن أهل الحديث والكلام والتقوُّلات:
” شركة أحمد عبد الباقي” “شركة سمعان إخوان” ” مؤسسة جودة ابناء عم”، “هذا من فضل ربي، الحاج نيقولا القحطاني وابناؤه”. “ابناء الفقيد جمعة وعبد الأحد والياس، وبناته وزوجته…” “محلات ابو المتوكل” “شارع المناضل ابو الجماجم” ” جادَّة الحاج نيقولا”. وحتى للأجانب نصيب في بلداننا العربية. أذكر حين كنت طالبة في الجامعة اللبنانية أن لفت نظري اسم ” شارع كليمنصو”. وهذا زعيم فرنسي من مستعمري الوطن العربي وخاصة لبنان!.
على اية خلفية او أرضية تُصاغ هذه اليافطات أو الإعلانات غير كونها نابعة من ثقافة الملكية الخاصة بما انها للرجال فقط. ألا يتضمن هذا نفياً لحق المرأة أو على الأقل نفياً لإشهاره رغم أنها قد تكون قد احتفظت بحقها في السجلات الرسمية، وهذا نادر بالطبع؟.
يقوم حجب اسم المرأة على ارضية امتلاكها والامتلاك يعني التحكم بها بدءاً من إغفال ذكر الإسم وصولاً إلى هضم كافة الحقوق. وبما هي ممتلكة وسلعة من جهة، فهي محجوبة عن الإشهار، لكنها تُباع بعقود خاصة تحمل اسم القداسة، وهي قداسة مملكة الرجل.
لا ينحصر هذا الحديث في مستوى اللغة، والثقافة والعلاقات وتسيير الأعمال. بل يتم توظيف اللغة والمحمول لتخليد الذكورة والملكية الخاصة بغرس ذكوريتها في اذهان الأجيال اللاحقة لكل جيل سابق، لتدور البشرية في شرقنا في حلقة مفرغة، في دوامة على محورها دهوراً وحين يتنبه بعضنا أن التاريخ مضى ونحن هنا نقول: لننتظر قطار التاريخ الآخر. وليس للتاريخ سوى القطار الذي مضى، فالتاريخ أوَّله الدهشة وهي لا تتكرر مرتين. حينها نذبح ذالك العقل الشقي الذي حاول قرع الجرس.
هل يستدعي هذا اشتباكاً مع المفاهيم والثقافة؟ بل يستدعي، ويستدعي كذلك اشتباكاً مع اللغة والتسميات العنكبوتية لهياكل مؤسساتية وثقافية وإرساليات أجنبية وأنجزة تتفشى كالمرض الخبيث تدق طبولا ضخمة مكتومة الصوت: “حقوق الإنسان، تمكين المرأة، المساواة، المجتمع المدني، تعميم الديمقراطية”.
كل هذا المال الحرام لا يُجدي. ما يُجدي هو فقط تشكيل فرق اشتباك مع القديم، لتفكيك مفاصل الثقافة الرانخة في الغفو والنوم واتباع الآخر. فرق من المثقفين والنشطاء الذين لم يُحقنوا بقلق العملة والشهرة ومستوى المعيشة. قد يكونوا تيارا أو حزبا أو فرقة لا باس، إنما المهم أن يكونوا ضد أوغاد المرحلة.
هل يُعجب المثقفات هذا؟ هل يستحثهن على الكتابة؟ على التصدي؟ حبذا!
يستدعي هذا ثورة ثقافية، ربما اعمق مما حلم به ماوتسي تونغ، الذي رفض اعتماد سنِّ القوانين فقط لإعادة حقوق المرأة إليها. الثورة الثقافية اشتباك أوَّلي للرد على صراع الثقافات الذي كرسه هنتنجتون، وقصد به “الصراع لإبقاء ثقافة الشرق المتخلف على حالها”. هل يعرف جيلنا الجديد ما الفرق بين ماو وهنتجتون إذن؟ إنه الفارق الفالق بين الثائر وشيطان رأس المال، المأخوذ بالملكية الخاصة التي أوّل ما تملك، تملك المرأة، وآخر ما تترك من قبضتها جسد المرأة.