حل قضية فلسطين: النموذج اللبناني؟

ليلى نقولا الرحباني

تتجه السلطة الفلسطينية هذه الايام الى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل، بالرغم من استمرار الاسرائيليين بسياسة الاستيطان وتهجير المقدسيين من أرضهم، وكان آخرها مصادقة الحكومة الاسرائيلية على خطة لبناء 32 وحدة استيطانية في القدس، واستئنافها سياسة هدم المنازل الفلسطينية في المدينة المحتلة.

واللافت ما أوردته الصحف على لسان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قوله أن «الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني حاولا حلّ الصراع بينهما من خلال مباحثات مباشرة منذ العام 1991، ولكن لم ينتج أي شيء عن هذه المحادثات»، وتابع «قبل أن نباشر مجدداً علينا استخلاص الدروس».

بالطبع، لا بد للسلطة الفلسطينية أن تستخلص العبر من تجاربها السابقة مع المفاوضات، قبل أن تبدأ مرحلة جديدة من المسلسل الذي لا ينتهي ولن تنهيه اسرائيل أبدًا.

وقبل الحديث عن بدء المفاوضات مجددًا، تبدو الصورة قاتمة الى حد بعيد، فالاسرائيليون يمررون مشروع الاستفتاء على التنازل عن الاراضي، ولن يكون بمقدور أي حكومة اسرائيلية تقديم أي تنازلات من أجل السلام، وهي بالاساس غير راغبة بالسلام وغير مستعدة له. ولكن، فيما لو وضع المفاوض الفلسطيني نصب عينيه تجارب المراحل السابقة ليستخلص منها العبر، أين يجد نفسه وما هي الخيارات المتاحة للتفاوض حولها؟

1 –الحل الأول المرغوب اسرائيليًا: قيام اسرائيل الكبرى

من وجهة نظر اليمين الاسرائيليين ان “التساهل والتفريط بالاراضي” قد يؤدي الى فقدان ما تبقى من “غيرة وطنية واستعداد للدفاع عن الارض”. ولطالما واجه اليمين الاسرائيلي المسيطر على سياسات الحكومة الاسرائيلية الحالية منتقدي سياسة الاستيطان الجارية بالقول: “كيف نعلّم الجنود حب الوطن عندما تكون أجزاء من هذا الوطن خارج ملكيتنا؟” مع ما يعنيه هذا القول أن هؤلاء لن يقبلوا بأي حل خارج إطار ما يسمى بإقامة “اسرائيل الكبرى”.

لكن، بعد التطورات التي حصلت في المنطقة منذ احتلال العراق وحرب تموز 2006 وما بعدها، بات هذا الطموح الاسرائيلي، مجرد “حلم” يراود اليمين الاسرائيلي المتطرف، وقد اعترف كثر من قادة اسرائيل أن هذا الحلم اندثر وبات من المستحيل قيام تلك الدولة، لذلك قد لا يكون مطروحًا في أي مفاوضات، ولكنه بالتأكيد يبقى الحل المنشود اسرائيليًا ولو لم يعترفوا به علنًا.

2-الحل الثاني: إقامة دولتين لشعبين

تطرح اسرائيل اقامة دولة “يهودية” عاصمتها القدس، ومنح “ما يشبه الدولة” للفلسطينيين، مع حديث عن تبادل للأراضي بين الدولتين، وهو حل يدفع اليه الاميركيون، ومَن يصفون أنفسهم بالغيارى على مصلحة اسرائيل من اليهود.

الحل المقترح اسرائيليًا يبدو كارثيًا بالنسبة للفلسطينيين وجودته لاسرائيل، فاسرائيل تراوغ وتلعب على عامل الوقت ولن تسمح بأي شكل من الاشكال بقيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، بل ما هو معروض بعض من الحكم الذاتي الهشّ للفلسطينيين لتكون “بقعتهم الجغرافية” مجرّدة من السيادة ومن القدرتين العسكرية والاقتصادية، وباختصار هي اشبه بـ “بلدية” مع بعض الامتيازات المحدودة، وعندها يكون محمود عباس وسلطته “مجلس بلدية فلسطين”.

3– الحل الثالث: إقامة “الدولة اليهودية” الصرف

يبدو هذا الحل “الافضل بالنسبة للاسرائيلي فهو بنظرهم يحافظ على نقاوة قوميتهم والعصبية اللازمة لاستمرار الدولة والتخلص من الفلسطينيين “المشكوك بولاءهم للدولة”، بارسالهم الى الدولة الفلسطينية “الموعودة” التي ستكتظ بابنائها وتعاني الضيق الاجتماعي والاقتصادي وتغرق بمشاكلها الداخلية في وقت ترتاح اسرائيل أمنيًا وتزدهر اقتصاديًا.

المشكلة تكمن في أن قيام الدولة التي يحكمها يهود ومواطنوها فقط من اليهود يتطلب من اسرائيل القيام بما يشبه الترانسفير للفلسطينيين الموجودين في أراضي “الدولة” أي القيام بحملة تطهير عرقي على نطاق واسع وتهجير واسع لفلسطينين، أي تكرار ما حصل من ارهاب وترويع عام 1948، وما حصل من استنزاف بشري وديمغرافي على مدى العقود المنصرمة.

بالطبع ان موازين القوى التي فرضتها المقاومة في المنطقة، وتوازن الردع القائم وتطور وسائل التكنولوجيا الحديثة والانترنت تجعل حلاً كهذا غير قابل للتطبيق وسيكلّف اسرائيل أثمانًا باهظة على الصعيد الدولي.

وفي حال استطاعت اسرائيل تهجير الفلسطينيين من أرضهم بدون محاسبة وبدون مقاومة تذكر، وبصمت عربي واوروبي وأميركي ودولي كما حصل منذ فترة قريبة، فإن اكتظاظ “الدويلة” الفلسطينية المجاروة لها وتشكلها كبؤرة للبؤس والحرمان والفقر سيؤدي الى انفجارها اقتصاديا وديمغرافيًا، وبطبيعة الحال لن يسلم الجوار الاقليمي ولا اسرائيل من تداعيات هذا الانفجار، سيكون هذا الحل اشبه بكارثة اقليمية على جميع المستويات.

4– الحل الرابع: إقامة الدولة اليهودية، وابقاء العرب الفلسطينيين فيها

قد يقبل الاسرائيليون بهذا الحل، ويمكن أن تتذرع السلطة الفلسطينية لاعلان قبولها به بأنه أفضل الحلول الممكنة تمهيدًا لاعلان الدولة الفلسطينية “بالتأكيد بالتوافق مع الاسرائيليين، وليس بعكس ارادتهم” كما صرح محمود عباس منذ فترة.

هذا الحل وبالرغم من أنه قد يكون مطروح اسرائيليًا إلا إنه سيؤدي الى اعتبار الفلسطينيين مواطنين درجة ثانية فيحرمون من حقوق المواطنية التامة، وقد يعمد الاسرائيليون بما لهم من تاريخ عنصري الى انشاء طرق خاصة ومدارس وجامعات خاصة يحظر استخدامها على “الفلسطينيين القاطنين على أرض الدولة بمنحة او مكرمة”.

لن يدوم هذا الحل طويلاً وسيؤدي الى موجات من العنف والانتفاضات الجديدة، مما سيسرّع في فقدان الثشبث اليهودي بالدولة وقد يؤدي الى هجرة معاكسة، كما سيسبب إحراجًا لحلفاء اسرائيل في المجتمع الدولي. وبأحسن الاحوال، قد يؤدي تطور الظروف على الارض أن يصبح مصير السلطة الاسرائيلية كمصير نظام جنوب افريقيا العنصري، لكن يحتاج الفلسطينيون الى “مانديلا” فلسطيني يقودهم وهذا ما يبدو مستحيلاً بسبب الانقسام والتباين فيما بينهم، وبعد التجارب المريرة التي عاشها الفلسطينيون بسبب الانقسامات الداخلية التي أضعفتهم وأفقدتهم الثقة بالمسؤولين عنهم.

5– الحل الخامس: الدولة الواحدة الديمقراطية الثنائية القومية

طرح هذا الحل من قبل بعض الفلسطينيين في السابق وخاصة من قبل بعض عرب 48، كما طرحته ايران على لسان آية الله علي خامنئي في مؤتمر “دعم غزة” الذي انعقد في آذار 2009.

لن يقبل الاسرائيليون مطلقًا بهذا الحل، لأنه سيفرض على اسرائيل منح مواطنية تامة وإعطاء حقوق سياسية متساوية للفلسطينيين واليهود، ما سيؤدي الى انهيار ما تبقى من عصبية قومية يهودية وسيقلب موازين القوى لصالح الفلسطينيين بسبب التفوق العددي، لذا سيكون هذا الحل طريقًا الى الانتحار برأيهم ولن يقبلوا بطرحه في أي مفاوضات.

6– الحل الاخير: النموذج اللبناني

أي حل الدولة الواحدة الثنائية القومية ذات الحكم التوافقي الشبيه بالنظام اللبناني، بحيث يُعطى لكل قومية حصة محددة في النظام السياسي بغض النظر عن عددها وديمغرافيتها، وتعطى كل فئة حق الاعتراض أو (الفيتو) وفق نظام يتفق عليه مسبقًا، مع استقلالية لكل قومية بتدبر شؤونها الخاصة ما يحفظ لها جزءًا مهمًا من كينونتها واستقلاليتها. لن يقبل الاسرائيليون بهذا الحل، لانهم يدركون، أكثر من غيرهم، مدى هشاشة هذه الدولة وامكانية اختراقها من الداخل من خلال تضارب مصالح مكوناتها المختلفة. إن هذه الدولة ستجعلهم يتجرعون الكأس المرّة التي أذاقوها للبنانيين منذ تأسيس اسرائيل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.

بتصوري، لن تقبل اسرائيل بأي من الحلول المعقولة وستعتمد سياسة تقطيع الوقت خلال مرحلة الاستعداد للحرب المقبلة، ولن تصل مفاوضات السلطة الفلسطينية مع الاسرائيليين الى أي مكان لأن من يمتلك القوة يفرض القرار واسرائيل تمتلك القوة، والفلسطينيون لا يملكون سوى قوة المقاومة، وشاء محمود عباس أم أبى فإن وجود المقاومة الفلسطينية قد أكسبه وضعًا تفاوضيًا أفضل نسبيًا، فهل يبني الفلسطينيون على نقاط قوتهم أو يحاولون كما اللبنانيين اجتثاثها وإسقاطها تمهيدًا لاسقاط الوطن؟

:::::

مدونة الكاتبية:

http://leilanrahbany.wordpress.com