نواف الزرو
ما كان اعلنه عميد البيت العربي عمرو موسى قبل ثلاث سنوات كاملة ب”إننا نسمع قعقة ولا نرى طحنا في عملية السلام”، ما يزال ساري المفعول، وسيستمر الوضع كذلك الى حين تتغير احوال وارادات العرب على نحو يرتقي الى مستوى التحدي الصهيوني.
هذه هي الحقيقة الكبيرة الصارخة التي يفترض ان يتوقف عندها الفلسطينيون والعرب: نسمع -اذن- قعقعة وجعجعة ولا نرى طحينا”، وهذا ما يؤكده الفلسطينيون تباعا على مدار الساعة من الرئيس ابو مازن الى اقطاب السلطة وفتح الآخرين.
انه القانون الحديدي الذي يحكم قصة المفاوضات منذ البدايات، ف”الامريكيون يفهمون القانون الحديدي الذي تجذر منذ اوسلو: السياسيون في الشرق الاوسط ملزمون بإجراء مفاوضات ولكن من المحظور عليهم الوصول الى الهدف، فالتفاوض يعني البقاء والحكم، اما اتخاذ القرارات فيعني الموت السياسي، وهذه الوصفه الموثوقة لضمان حياة طويلة للسياسيين هي مفاوضات عقيمة/ اليكس فيشمان / يديعوت- 12/9/2008″.
فالاستخلاص الرئيس من كل حكاية المفاوضات سواء المباشرة او غير المباشرة الجارية منذ تسعة عشر عاما -والحبل على الجرار ربما لعشرات الاعوام الاخرى-، ما بين الفلسطينيين والعرب من جهة ، و”اسرائيل” ومعها الادارة الامريكية من جهة اخرى، هو ان هذه المفاوضات انما هي “طحن للمياه” ليس له اي سقف زمني او جدول اعمال محدد او خرائط واضحة او نهاية مرضية الا ل”اسرائيل”…!.
عند كبير المفاوضين باتت “المفاوضات الحياة”، وعند كثير حوله “المفاوضات هي الخيار الوحيد امامنا”، فتحولت الى فلسفة لديهم: فلسفة المفاوضات المفتوحة..او فلسفة طحن المياه ..لا فرق…!
فهم ليس أمامهم إلا المفاوضات.. من أجل المفاوضات.. بهدف المفاوضات..
فتسعة عشر عاما والفلسطينيون والعرب معهم يطحنون المياه منتظرين معجزة امريكية تنتشلهم من الغرق ولكن بلا طائل، فالادارة والسياسة والاجندة والمصلحة واللوبيات الامريكية المؤثرة ليست لهم..!.
والمنطق ان يخرج العرب من دوامة الطحن بعد هذا الزمن، الا انهم يعودون لها بلا حول ولا قوة.
فغريب عجيب هذا المشهد الفلسطيني- العربي منزوع الارادة والسيادة…!.
والذي تابعناه امريكيا اسرائيليا قبيل وخلال وبعد اللقاء الدرامي الاخير بين الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء الاسرائيلي حول حكاية المفاوضات مع الفلسطينيين جاء على نحو مذهل وصادم للكثيرين، فلم يخطر ببال العرب-الذين اقاموا الآمال الرحبة عليه- ان ينسحب اوباما من كافة مواقفه وتصريحاته وتعهداته للفلسطينيين والعرب، وان يرفع العلم الابيض او العلم الاسرائيلي هكذا فوق قبة البيت الابيض…!.
يقول البعض انها الحسابات الحزبية الانتخابية الداخلية القريبة، هي التي تقف وراء هذا التكتيك الذي انتهجه اوباما مع نتنياهو…!
ويقول البعض الآخر انها الازمة الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية المتفاقمة التي تشل الرئيس الامريكي، بينما تقول وجهة نظر ثالثة انها سطوة اللوبي الصهيوني التي يذعن لها اوباما، في حين يلقي البعض الرابع الكرة في الملعب العربي قائلا:انه الغياب العربي المذهل عن لعبة الموازين والحراك السياسي الامريكي الداخلي…!.
ونقول بدورنا انها كل هذه العوامل مجتمعة، يضاف اليها ذلك البعد الايديولجي والتحالف الاستراتيجي الذي لا يكسر كما وصفه الرئيس اوباما في مكرحلة سابقة..!.
فالاجندة السياسية التفاوضية قبل شهرين قامت على اساس”اربعة شهور محادثات تقريبية”، وبعد ذلك يتم الانتقال الى”المفاوضات المباشرة” اذا ما تم تحقيق تقدم، واذا ما اجاب نتنياهو على “اسئلة الامن والحدود” كما يطالب الفلسطينيون، ولم يمض اكثر من شهرين حتى ينتقل الاسرائيليون والامريكيون اليوم الى المطالبة بالدخول في المفاوضات المباشرة، دون ان تتقدم تلك المحادثات التقريبية انشا واحدا..!.
فما الذي يجري ولماذا هذه الدراما التفاوضية …!
الرئيس الأميركي أوباما، يدعو في مقابلة مع القناة الإسرائيلية الثانية الى “الشروع في مفاوضات مباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، بعد ان كان هو الذي طالب الفلسطينيين والعرب في حينه بالمحادثات التقريبية…!
ونتنياهو يرجح “أن تبدأ المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين في وقت قريب جدا”، ويتوقع أن تكون بالغة الصعوبة”، ويقول في لقائه ممثلين عن المنظمات اليهودية بالولايات المتحدة “إن المفاوضات المباشرة يجب أن تبدأ فورا”، ويرجح-بثقة- أن هذا الأمر سيتحقق”، ويتعطف في تصريحات أخرى لمحطة التلفزيون الأميركية “سي أن أن”، على الفلسطينيين قائلا:” إنه مستعد لأن يناقش على الفور مستقبل المستوطنات اليهودية إذا دخل الفلسطينيون في محادثات سلام مباشرة مع إسرائيل”- وكأنه لم تكن هناك مفاوضات مباشرة على مدى نحو عقدين من الزمن-..؟، ويضيف:”إن الوقت قد حان لأن يتخلى الفلسطينيون عن الشروط المسبقة للمحادثات المباشرة”، لكنه يشدد على “ان القدس ستبقى تحت السيادة الاسرائيلية”، مختتما:”نريد أن يمسك الرئيس الفلسطيني بيدي ويجلس ويتفاوض على اتفاق سلام نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين”.
فنتنياهو يريد العناق والمصافحة الاعلامية التضليلية المخادعة، خدمة لاجندته في هدر الوقت وتكريس حقائق الامر الواقع.
فماذا يتوقع اذا من المفاوضات المباشرة…؟.
الكاتب الاسرائيلي جدعون ليفي يصف ما جرى بين الرئيسين في/هآرتس 8/7/2010 قائلا:”ان حفل الأقنعة في ذروته: فقد برهن اوباما ونتنياهو على أن طبقة الزينة الثخينة التي وضعاها لن تستطيع بعد اخفاء التجاعيد، فالوجه ملتح، وثم الوجه المغضن لـ “مسيرة السلام” الأطول في التاريخ، التي استطالت الآن استطالة غامضة لا معنى لها في سيرها الى اللامكان”.
وزير التعاون الاقليمي الاسرائيلي، سيلفان شالوم يحذر الفلسطينيين من”أنهم فقط يتوهمون اذا ما اعتقدوا ان بوسعهم الجلوس مكتوفي الايدي والانتظار من الادارة الامريكية ان تقوم بتحصيل انجازات سياسية لهم”..والكاتب زئيف بارئيل يؤكد فيهآرتس”ان الولايات المتحدة ليست وسيطا محايدا في الشرق الاوسط “، ثم يواصل العرب وضع كل بيضهم في السلة الامريكية…!
الجميع يتمسكون ب”السلام كخيار استراتيجي وحيد” دون ان يعززوه بالمقومات اللازمة، والجميع يتمسكون باسئناف عملية المفاوضات ..من اجل المفاوضات..والجميع يواصلون العمل بفلسفة “طحن المياه”وهكذا…!
والحكاية كلها من الفها الى يائها تضليل بتضليل ومضيعة للوقت، الذي يخسره الفلسطينيون والعرب من جهتهم، وتكسبه”اسرائيل” من جهتها في زرع المزيد والمزيد من حقائق الامرالواقع الثقيلة على الارض الفلسطينية.
كان السيد عمرو موسى طالب العرب بوقفة حاسمة ازاء سياسة الاستيطان والتهويد ” مؤكدا:”يجب إن نتبع القول الصادق “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، وقد لدغنا عشرات المرات وآن الأوان لعودة اليقظة والوعى العربى”.
فهل يا ترى سيتعظ العرب في حكاية المفاوضات المباشرة، ويرتقوا الى قول جملة مفيدة مؤثرة في هذا الصدد…؟!
ام سيضعوا يدهم في ذات الجحر الذي لدغوا منه عشرات المرات…؟!
:::::
nawafzaru@yahoo.com