عربية مجندة في صفوف الجيش الإسرائيلي
(المصدر: http://www.alwatanvoice.com)
قول في ما لم يُقلْ:
الكيان: في التشغيل والتجنيس والتزاوج
يغتصبون وطن فنستغل المرأة!
(الجزء الاول)
عادل سمارة وبادية ربيع
الكيان “إسرائيل” هو تجميع استيطاني مستجلب من الخارج. وفي هذا يشبه ويتفق مع حالة المستوطنات الاستعمارية الراسمالية البيضاء. ولكنه يختلف عنها في الكثير. ففي حين ظل الاستجلاب على الدوام من قِبلِ الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا وحتى (جنوب إفريقيا وروديسيا سابقا) بدرجة عالية من تنوُّعٍ في الأصلين الموطني والقومي، فإن الاستجلاب في الكيان الصهيوني بقي متنوع الأصول القومية والموطنية ولكنه حُصر في اليهود (كدين) بغض النظر من أية قومية أُتي بهؤلاء اليهود منها.
إن اساس تكوُّن ومن ثمَّ الاستجلاب في هذه المستوطنات هو العمل والطلب على قوة عمل لسد الحاجة المتزايدة لتطورها الراسمالي السريع[1] مقارنة مع التطور البطيىء والطبيعي لدول المركز الأوروبي الأم في انتقالها من الإقطاع إلى الراسمالية[2]. وبهذا شكَّلت المستوطنات الرأسمالية البيضاء هذه، الموجة الثانية وتقريباً الأخيرة في التطور الرأسمالي المتمحور على ذاته والمكتمل[3] والذي بخروج الموجات الاستيطانية إليه كان يوفر لأوروبا فرص درجة من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك كانت أوروبا العصر الحديث حالة من الاحتراب البيني والداخلي المتواصل. ويرتبط هذا بالطبيعة الحربية التي يحفزها نمط الإنتاج الراسمالي باعتبار الحرب صناعة لراس المال، والذي باكتماله وتوسعه، خفف من الحروب الأوروبية البينية واتجه إلى الاحتراب في وعلى المستعمرات. وبالتالي حوفظ على كون الحرب مكون أساسي لازدهار وتوسع رأس المال.
وفي حين كان لكل مستوطنة راسمالية بيضاء وطنها الأم (المتروبوليتان)، مثلا، بريطانيا كانت الوطن الأم للمستوطنين البيض في الولايات المتحدة واستراليا، وكانت بريطانيا وفرنسا الوطن الأم للمستوطنين في كندا، وكانت ألمانيا الوطن الأم للكثير من المستوطنين في البرازيل…الخ، أما الكيان فهو الحالة الفريدة التي كان وطنها الأم هو النظام الراسمالي العالمي[4] بمعنى أنها حالة كانت ولا تزال مدعومة من هذا المركز، ناهيك عن استجلاب المستوطنين من مختلف بقاع العالم.
ولكن، حتى حينما تباطأت حاجة أو طلب المستوطنات البيضاء على قوة العمل، كما هو في العقود الأخيرة من القرن العشرين، فإن طلب الكيان على المستوطنين لم يتوقف بل تزايد وهذا أحد الاختلافات بين الكيان والمستوطنات البيضاء الأخرى. ففي جميع هذه الحالات كانت إبادة أو طرد أو تقليل عدد السكان الأصلييين ضرورة ليحل المستوطنون محلهم، ولاحقاً استجلبت ما تحتاجه من الخارج دون اسس وشروط دينية أو قومية. أما في حالة الكيان، فهو إضافة لما ذكر، هو مشروع عدوان توسعي لا ينتهي ولكن لديانة واحدة.
وبما أن المستوطنات البيضاء نشأت في مرحلة هيمنة نمط الإنتاج الراسمالي وتطور المستوطنات رأسمالياً، فإن القوى البشرية المستجلبة كانت ولا تزال في غالبيتها من الأعمار الشابة كقوة عمل.
من العمل “العبري” إلى العربي
حرصا منه على احتلال واحتكار العمل بدأ الاستيطان الصهيوني مشروعه بالاعتماد على “العمل العبري” وكان ذلك سهلا عليه إلى الدرجة التي انقسم تركيب نظامه إلى إثنية أشكنازية في الملكية والحيازة الرأسمالية والقيادة السياسية والجيش والكيبوتسات وإلى إثنية شرقية/وعربية (اليهود العرب) كقوة عمل رخيصة ومتركزة في العمل الأسود. كان استجلاب اليهود الإشكنازيم منذ بداية القرن العشرين [5]ومن ثم اليهود العرب (وخاصة ما بين 1948-1952) هو الاستجلاب الأول والأوسع لاستجلاب قوة عمل تطلَّبها المشروع الراسمالي الصهيوني وليس فقط جانبه السياسي الديمغرافي للاستيطان والتي هي قوة عمل يهودية بالطبع. لذا لم يكن أمام السلطة مناصا من تجنيسهم بما هم يهود. كانت قوة العمل المزراحية هذه ضرورية في مرحلة بناء الدولة والاقتصاد الذي كانت حصة الزراعة فيه عالية، كيف لا وقد تم احتلال ثلاثة أرباع فلسطين كأرض مستغلة ومبان ومشاريع…الخ أي بنية تحتية كاملة ومجانية. وهي حقبة استمرت إلى منتصف خمسينات القرن العشرين حيث بدأ التحول في البنية الاقتصادية الاجتماعية من التركيز على الزراعة إلى التركيز على الصناعات التقليدية، والتي جرى تزويدها بقوة عمل يهودية مستجلبة من بلدان عديدة من شرق اوروبا وشمال أميركا وغيرها.
كان من نتائج عدوان حزيران 1967 بداية الفصل بين أصول قوة العمل المستجلبة ومسألة التجنيس. فقد لجأ الكيان إلى تشغيل قوة العمل الفلسطينية من الضفة والقطاع لسد الثغرة في سوق العمالة لديه وهي الثغرة التي نتجت عن الانتقال من الصناعات التقليدية إلى الصناعات البتروكيميائية والإلكترونية، حيث كان دور فلسطينيي الضفة والقطاع إما عمالة في الزراعة والبناء والصناعات التقليدية الحدادة والنجارة والأثاث والألمنيوم…الخ أو شراء المعامل التقليدية (الخردة ) إلى الضفة والقطاع. لقد تم توظيف الضفة والقطاع بما يخدم اقتصاد الكيان على النحو التالي:
· السيطرة على سوق الضفة والقطاع كسوق مستباحة للمنتجات الصهيونية
· اغتراف قوة العمل اللازمة للاقتصاد الصهيوني دون الإلتزام بالتجنيس أو تقديم حقوق
· إلحاق مختلف القطاعات الاقتصادية باقتصاد الاحتلال
· إستغراق مختلف الطبقات الاجتماعية في الضفة والقطاع ضمن التبعية والإلحاق الاقتصادي بالكيان
بدأت علاقات التشغيل هذه بالاختلال منذ العدوان الأميركي الغربي على العراق 1991 ومنذ اتفاق أوسلو حيث اتبع الاحتلال استراتيجية تشغيلية جديدة وهي إستجلاب عمالة أجنبية محل الفلسطينيين من الضفة والقطاع لكنها عمالة في ظرف وشروط مختلفة عن العمالة الفلسطينية هذه:
· فهي عمالة مضطرة للإقامة في الكيان بينما كانت العمالة من الضفة والقطاع تقيم في قراها ومدنها
· وهي عمالة مؤقتة لأن بقائها طويلا يضع الكيان في مأزق الاضطرار لتجنيسها[6] وهو الأمر المتنافي مع تجنيس غير اليهودي.
تعود محاولة الاستغناء عن العمالة الفلسطينية من المناطق المحتلة 1967 إلى الأسس الأولية للصراع وهي تفريغ ما امكن من الأرض عبر مختلف الآليات بدءا من الطرد الشامل تقريبا 1948 إلى فرض ضيق المعيشة لإيصال الناس إلى الهجرة عن طريق الانزياخ الذاتي. أما التفكير العملي في استبدال العمالة الفلسطينية باجنبية فكانت أولى حلقاته إثر حرب اكتوبر 1973 حيث اضرب الكثيرون من العمال الفلسطينيين[7] بينما كانت موجة الإضراب الحادة والشاملة مع بدء الانتفاضة الأولى وهي الموجة التي أسست لمقاطعة العمل في الكيان والانسحاب إلى الداخل شغلا واستهلاكا. وعليه، بين الفلسفة والاستراتيجيا الصهيونية لتفريغ الوطن من أهله، وبين الإضرابات بل المقاطعة الموجعة ذهب الكيان إلى تقليص تشغيل عمالة الضفة والقطاع إلى أقصى حد ممكن رغم أن اتفاق باريس الاقتصادي نص على التزام الكيان بتشغيل 100 ألف عامل فلسطيني. ولم يكن للتقليص أن يعتمد على تشغيل العاطلين اليهود عن العمل لأن هؤلاء العاطلين من فئة وسطى من حيث المستوى الطبقي والثقافة والمستوى التقني، بمعنى أنها فئة تربأ القيام بالعمل الأسود، كما أنها ليست مؤهلة تأهيلاً عاليا لتطلبها الصناعات البتروكيميائية. لذا، توجه الكيان إلى الخارج، وكان قد فكر ساسته في ذلك منذ السبعينات وفعلوا بنسبة ضئيلة.
من العمل “العربي” إلى الأجنبي
في مشروع الكيان لإحلال عمالة أجنبية محل العمالة من الضفة والقطاع، جرى التوسع في استجلاب عمالة (ذكور وإناث) من بلدان عدة ولا سيما منذ بداية التسعينات وخاصة إثر عدوان النظام الرأسمالي[8] العالمي ومنه الغربي خاصة بقيادة الولايات المتحدة على العراق حيث اضطر الكيان لمنع دخول العمال الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة 1948. وهذه العمالة من مستويات قدراتية تتغير طبقا لتغير التطورات الاقتصادية في الكيان بمعنى أن العمالة المستجلبة تتراوح بين عمال لجني المحاصيل الزراعية للحلول المباشر محل العمالة الفلسطينية، وبين خبراء في (السوفت وير والإلكترونيات) إلى ما يسميه البعض وادي السيلكون في الكيان.
درجت مختلف المستوطنات البيضاء في العالم على تجنيس قوة العمل المستجلبة. صحيح أنها تعرضت لاستغلال مكثف وممتد معاً، طالما هي مستجلبة للعمل في تشكيلة راسمالية، إلا أن أفرادها كانوا يحصلون على جنسية البلد الذي استجلبهم لأهداف اقتصادية بحتة. ويبقى الكيان هو الحالة الوحيدة التي لا تُعطي العمالة المستجلَبة جنسية البلد.[9] وتتخذ هذه السياسة بل حتى القوانين العنصرية أشكالاً متعددة طبقاً للحالات المستجلَبة والموقف منها، اي في حدود ما تشكله من “خطر” على الكيان ومن وجهة نظر قيادته.
تُمارس العنصرية في الكيان ضد قرابة 300 ألف عامل/ة في غالبيتهم آسيويين وهي عمالة تتراوح ما بين خبراء الكمبيوتر من الهند، وفراشات الليل (تسمية يطلقها تجار الجنس من العرق الأبيض ونصف الأبيض على النساء المستخدَمات للبغاء التجاري) من تايلند وبلدان شرق أوروبا والاتحاد السوفييتي السابق…الخ. وهذا العدد 300 ألف هو تقريبا نفس عدد العاطلين عن العمل في الكيان (سواء عطالة كلية أو جزئية) وهذه العطالة ليست بالضرورة ناتجة عن أزمة اقتصادية حادة بقدر ما هي كذلك ناجمة عن وجود قطاع واسع من قوة العمل التي تربأ بنفسها عن العمل الأسود كما ورد أعلاه.
ولتطبيق قانون منع تجنيس الأجانب، فإن العمالة الأجنبية في الكيان ممنوعة من التزاوج فيما بينها بالطبع، وهو ما يجعل التزاوج من أو مع يهود (ذكور وإناث) صعبا جداً. والمقصود بذلك إضافة للخلفية العنصرية أن المولود في اي بلد يمكنه الحصول على جنسيتها وربما يتمكن الوالدين من خلاله من الحصول على هذه الجنسية وهذا ما ترفضه القوانين والثقافة في الكيان الصهيوني لأنه مخالف ومناقض ليهودية الدولة كموقف عنصري ضد مختلف الشعوب والأمم والذين يُطلق عليهم “الأغيار- جوييم “. وبالمقابل، يحرص كل يهودي في فلسطين على الاحتفاظ بجواز سفره –جنسيتة- من البلد الأم التي استجلب منها، ويحرص على الحصول لأبنائه على نفس الجنسية، بمعنى ازدواج الجنسية[10]. وهذه ظاهرة مفارقة بشكل ملحوظ ليس فقط لكثرة اليهود حاملي الجنسيات المزدوجة، بل لحرص الكيان على عدم القيام بالمثل، اي إعطاء الجنسية لمن يستجلبهم للعمل في فلسطين المحتلة، أي أننا أمام ظاهرة تمارس التمييز ضد العالم ككل.
في حالة العمالة الآسيوية، إذا ما حصل حمل سواء بزواج علني أو سرِّي أو بعلاقة جنسية دون زواج، ترفض سلطات الكيان تسجيل الطفل الجديد، مما يعني وجوب رحيله هو ووالديه من المناطق المحتلة 1948 ، وتكون المشكلة الأشد تعقيداً، إذا لم يكن الوالدان من بلد واحد، اي بجنسيات مختلفة بمعنى أن الأسرة سوف تتفكك ربما بين قارتين!. ولعل من الغرابة بمكان أن قضايا إنسانية من هذا الطراز لا تُثار من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والأنجزة النسوية والأمم المتحدة مما يضيف إلى رصيد نفاق إعفاء العالم للكيان رصيداً جديدا.
[1] تعود سرعة هذا التطور الراسمالي السريع إلى عوامل خاصة بهذه المستوطنات ومنها اغتصاب المستوطنين لأراض واسعة مهياة للزراعة مما اختصر عليهم مقادير هائلة من راس المال اللازم للمشاريع، كما أتى المستوطنون يحملون خبرة وراس المال ووأدوات التطور الراسمالي من البلدان الأم. هذا ناهيك عن أن البلدان الأم كانت تنهب من المستعمرات غير البيضاء في المحيط وتحول ما يتراكم وتستثمره في المستو طنات الجديدة. مثلا كانت بريطانيا تنهب من الهند وتستثمر في الولايات المتحدة.
[2] See Rodney Hilton (ed) The Transition from Feudalism to Capitalism, Verso, 1976
[3] هناك على الدوام نقاش حول حدود وحتى فرص رسملة بلدان أخرى في العالم بعد المستوطنات البيضاء وبعد اليابان، وهو نقاش لم يُحسم بعد، ولكن ما لا يُختلف عليه أن التطور الراسمالي في نواح أخرى من العالم كان ولا يزال مشوهاً، معاقاً وعلى الأقل بطيئاً ومحكوم إلى درجة كبيرة بتقييدات من المركز نفسه. ربما حالات النمور والتنينات في آسيا شواهد على ذلك وحتى الهند والبرازيل اللتين تتجهان مؤخراً إلى وضعية شبه المركز حسب تwنيف Yيمانويل وولرشتين.
[4] أنظر مقالة عادل سمارة، الكيان الصهيوني الإشكنازي، معنى ومصداقية المصطلح، في مجلة كنعان صيف 2010 العدد 142ص ص 90—123.
[5] حول الموجات الاستيطاتية الأولى من نهايات القرن 19 حتى نهاية ثلاثينات القرن العشرين، أنظر كتاب عادل سمارة، الاقتصاد السياسي للصهيونية: المعجزة والوظيفية. منشورات مركز المشرق/ العامل للدراسات الثقافية والتنموية رام الله 2008. ص ص 64-68.
[6] أنظر كتاب الحماية الشعبية عادل سمارة وعودة شحادة، الباب الرابع :طرد عمالنا من اسرائيل والبدائل المطلوبة، ص ص 89-120. سلسلة الثقافة للجميع، منشورات دار كنعان للدراسات والنaر، دمشق 1988.
[7] المصدر السابق ص 95.
[8] قد يشعر القارىء/ئة بالتباس من تسمية عدوان “النظام الراسمالي على العراق. وارتكازنا قائم على مشاركة 33 دولة في العدوان، غالبيتها الساحقة لا ناقة لها ولا جمل في تدمير العراق، بل هي أقتيدت من الولايات المتحدة بتزكية من الأمم المتحدة التي هي مطية للغرب الراسمالي.
[9] لا مجال هنا للمقارنة مع القوانين في قطريات النفط العربية التي تتشدد في منح الجنسيات لغير عرب هذه القطريات وفي هذا الحرمان يتساوى الشغيلة المستجلبين العرب وغير العرب.
[10] تُعطي إزدواجية الجنسية “ميزة نسبية في الجاسوسية” للكيان الصهيوني بمعنى توفر فرص إقامة شبكة جاسوسية مؤهلة بجوازات السفر ومعرفة اللغة والثقافة…الخ. وهذا ما اتضح تماماً في اغتيال الشهيد محود المبحوح في دبي هذا العام. أليست هذه من “نِعَم” أن الكيان تجميع قطع غيار مجتمعية من مئة دولة!
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.