في ذكرى الشهيد جول جّمال

في ذكرى الشهيد جول جمّال:

 

مرّت ذكراه بسَكينة وهدوء..الضابط السوري الشهيد جول جمال
شمس الدين العجلاني


بالأمس القريب مرت الذكرى الرابعة والخمسين على استشهاد جول جمال… مرت ذكرى هذا البطل بهدوء وسكينة، بحيث لم يتذكره أحد.؟


وجول جمال الذي نسيناه لم يكن رجلاً عادياً.. لم يكن ضابطاً عادياً.. لم يكن مواطناً عادياً.. كان رجلاً استثنائياً سطّر اسمه بأحرف من نور في سجل الخالدين:


الحدث الجلل


في يوم 5 تشرين الثاني من عام 1956م تناقلت الإذاعات خبر عمل بطولي قام به ضابط سوري ضد القوات المعتدية على مدينة بورسعيد.. ثم ما لبثت هذه الإذاعات أن ذكرت أن هذا الضباط استشهد أثناء تفجيره للبارجة الفرنسية التي كانت تنوي تهديم مدينة بورسعيد وهذا الضابط يدعى جول جمال، وما أن سمع أهل مدينة اللاذقية هذا الخبر حتى قامت المدينة عن بكرة أبيها لتقيم احتفالاً غير عادي… فالناس في هياج وفرح وحزن وغبطة.. أصوات التكبير من المآذن والجوامع تدعو للصلاة على روح الشهيد.. وأجراس الكنائس تملأ أرجاء المدينة لإقامة الجناز على روحه الطاهرة.. أطفال ونساء، شيوخ وأطفال، إسلام ومسيحيون، سوريون ومصريون يدعون للصلاة على روح الشهيد.. رئيس الجمهورية آنذاك شكري القوتلي حيّا الشهيد الملازم البحار جول جمال الذي رفع اسم سورية والعروبة عالياً في معركة النصر وسجل بدمه أروع آيات البطولة والفداء، فمنحة أرفع وسام عسكري سوري وسمى دورة عسكرية باسمه، وأطلق اسمه على عدد من المدارس والشوارع بدمشق وبقية المحافظات السورية وخصصت أسرته براتبه الشهري، وقال الرئيس القوتلي: بين شاطئ اللاذقية وشاطئ بور سعيد أيها الإخوان الأعزاء استطاع جندي سوري ثاقب بصره وعميق إيمانه وعظيم حبه لوطنه وعروبته أن يرى حقيقة لا تخفى ويجب أن لا تخفى على أحد وهي أن البارجة الإفرنسية المعتدية الغادرة لو أتيح لها أن تقهر بالأمس بور سعيد فإنها غداً ستقهر اللاذقية وأن العدو واحد وأن الوطن العربي واحد أيضاً، وعندما وجه هذا الجندي السوري المغوار نفسه إلى أحضان الخطر كان على يقين كبير بأنه لا يدافع عن مصر وسورية وحدهما بل عن العروبة وسلامتها الخالدة وسيادتها.. ليس جول جمال وحيداً في تاريخ نضالنا المشترك مسيحيين ومسلمين في سبيل الدفاع عن أرض هذا الوطن وفي سبيل الدفاع عن القومية العربية فتاريخنا البعيد والقريب حافل بذكريات مشتركة سطّر فيها السوريون والعرب في جميع ديارهم مواقع غراء في محاربة المغيرين الطامعين والدفاع عن حرية هي للجميع وعن أرض ورزق هما للجميع وعن سيادة وعزة وكرامة هي للجميع.


أما الرئيس المصري جمال عبد الناصر فقد أرسل جمال بركات قنصل مصر العام في حلب آنذاك إلى والد الشهيد يوسف جمال وقدم له التحية من الرئيس عبد الناصر والتقدير على العمل البطولي الذي قام به نجله بنسف البارجة الفرنسية المعتدية على الأراضي المصرية، ومنحه براءة النجمة العسكرية كما منحه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس براءة الوشاح الأكبر ووسام القديسين بطرس وبولس من درجة الوشاح الأكبر. وفي اليوم نفسه الذي استشهد فيه الضابط السوري جول جمال تلقى اللواء توفيق نظام الدين القائد العام للجيش والقوات المسلحة في سورية من اللواء أركان حرب عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المصرية – السورية – الأردنية المشتركة رسالة جاء فيها: لقد ضرب ابن سورية الأبي المثل الأكبر على البذل والفداء في سبيل عزة الوطن العربي الكبير وكرامته.. ” وكان اللواء عبد الحكيم عامر قد وجه كلمة بمناسبة استشهاد جول جمال قال فيها :” إن مصر التي دافعت عن حريتها واستقلالها تسعى إليك اليوم وأنت في دوح أمين في رحاب رب كريم، لكي تقول لك إن الفكرة التي عشت من أجلها تزهو، والدعوة التي استشهدت في سبيلها تزدهر وتنتصر..


دمشق تؤبِّن الشهيد

 

أقامت الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس احتفالاً قداسياً يوم 9-11-1956 للشهيد جول جمال، حضره رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة ورئيس الأركان العامة وكبار موظفي الدولة وضباط الجيش وعدد غفير من المواطنين من مسلمين ومسيحيين إضافة إلى ممثلين للجيش المصري، وكان هذا الاحتفال تظاهرة وطنية قومية لتكريم البطولة وتمجيد الشهادة وتأكيد الأخوة العربية بين الإسلام والمسيحية في النضال المشترك ضد الاستعمار..


من هو جول جمال


كانت ولادة جول جمال في 1 نيسان عام 1932م في اللاذقية، وقيل في قريةالمشتاية” التابعة لمحافظة حمص، وانتقل هو ووالداه للعيش في مدينة اللاذقية حيث كان أبوه يوسف الياس جمال طبيباً بيطرياً ومديراً للصحة الحيوانية في اللاذقية. دخل الكلية العسكرية في 23 أيلول عام 1953م وأرسل ببعثة إلى الكلية الحربية المصرية ضمن مجموعة تضم/10/طلاب سوريين للالتحاق بالكلية البحرية وتخرج في 1 كانون الأول عام 1955 وكان ترتيبه الأول على دفعته ونقل إلى ملاك البحرية السورية، وكان أبوه يرغب بأن يتابع ابنه جول تحصيله الجامعي لكن رغبة جول كانت في الانتساب إلى سلاح البحرية مما اضطر الأب إلى الرضوخ إلى رغبة ابنه بعدما قُبل ابنه في الكلية البحرية.


المعركة


في خضم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وفي منتصف ليل4 تشرين الثاني التقط الضابط السوري وأقرانه بث المدمرة الفرنسية “جان بارت ” jean bart”، التي كان هدفها الأساسي تدمير ما تبقى من مدينة “بور سعيد” المصرية التي كانت قد تعرضت لقصف سلاح البحرية والطيران الملكي البريطاني، ويتوجه جول جمال إلى مكتب قائده العسكري جلال الدسوقي طالباً منه السماح له بالمشاركة بالعمليات الحربية، اعترض الدسوقي على ذلك كون اللوائح العسكرية لا تسمح لأي أجنبي أن يقوم بدوريات بحرية، لكن جول أصر على طلبه بالمشاركة وهو يقول له كما ورد في مذكرات وزير الإعلام المصري في ذلك الوقت (عندما أرى شوارع الإسكندرية كأني أرى شوارع “اللاذقية”.. وأنا لا أرى بلدين أنا أرى بلداً واحداً). وفعلاً تمت الموافقة على طلبه واشترك معه في هذه العملية ضابط سوري اسمه “نخلة سكاف” من “اللاذقية” وضابط مصري وتم وضع الخطة على أساس أن يقوم جول بالعملية أولاً وإذا لم ينجح يأتي الضابط المصري وأخيراً يأتي دور نخلة اسكاف، قام جول جمال بملء قاربه البحري بمئات الكيلوات من المتفجرات وراح باتجاه المدمرة في سرعة جنونية مصطدماً في وسطها، فدمر جزءاً كبيراً من المدمرة الفرنسية وعلى متنها/88/ضابطاً فرنسياً و/2055/جنديّ بحرية فرنسيين مما أدى إلى خروجها من ساحة المعركة وقضى الضابط السوري جول جمال شهيداً في المياه المصرية دفاعاً عن العروبة وأرض العرب.

:::::

عن “الأزمنة”، 01/ 12/ 2010 ../../../../../DOCUME~1/BOBMAR~1/LOCALS~1/Temp/bulletin 1- 12.htm – 6