واحسيناه من المحيط المباح الى الخليج المستباح كربلاء!

 

واحسيناه  من المحيط المباح الى الخليج المستباح كربلاء!

جمال محمد تقي

          ان مع العسر يسر، ان مع العسر يسر، هكذا يعلمنا الخطاب الاسلامي، وهكذا يعلمنا تاريخ السيرة المحمدية، وهكذا نبحث عن اليسر في ظلمة هذا العسر اللعين، والذي يلف احوالنا من الشرق والغرب والشمال والجنوب، والازمنة تسير معنا بسرعة السلاحف، ومع غيرنا بسرعة الضوء، ولا نمسك به، كأنه هواء في شبك او زئبق ليس له حال!

          الاضداد تتصارع في وحدة واحدة، داء ودواء، سالب وموجب، ظالم ومظلوم، سيد وعبد، منذ الازل والحال على حاله، اضدادنا تتصارع نعم ولكنها بوحدات منكسرة لاتقاطب ضدها بل تتذيله، وما يزيد الطين بلة تداخل التقاطبات الكبرى في صميم صراعتنا، فيحصل عندنا ما هو قائم فينا من حال مضحك مبكي نطلق عليه مجازا، فوضى الاستقطابات غير الخلاقة!

          ليس لنا وقت حتى نبكيه على طلل او تحت شجرة، اثناء قيلولة التاريخ، وذلك لاننا مهددون بالخروج منه وليس لنا قولة وامعتصماه، لانها ترفٌ لا يقوى عليه الا الراجعون الى ارحام امهاتهم تمردا على خروجهم في زمن لا يصلح للرثاء، وبما ان البقاء للاصلح، فلا بقاء لهم، نحن مخيرون ومسيرون في ذات اللحظة التي سنقرر فيها ما نريد، وما اجمل من ان نتفق على ما نريد!؟

          نستحضر الحسين ووقفته التي نُحتت في ضمير الزمن، والذي يأبى السير الا الى امام، نستحضر امام الثوار والاحرار، نستحضر معاني وقفته التي لا تمحى ابدا، فهي كالوجود لا تعرف الحدود والقيود والجحود، نستحضر وقفته التي حاصرت حصار العطش والغدر والنفاق والسمسرة والبطش والاستبداد والفساد، حصار السلطة وقيمها المادية وكل وساوسها الشيطانية، بحصار لم يألفه المتجبرون وخدمهم من عبيد المال والقوة، حاصر الحسين حصاره، مخيرا ومسيرا، حاصره بجلد وصبر وعزة وثقة لا يبصرها من لا يرى الثرى، مثلي لا يبايع مثله،  وهيهات منا الذلة، وستنتصر دماؤنا على سيوفكم، وستعبرون بخيولكم على صدورنا، لكنكم ستعبرون لحتفكم الابدي، اما نحن فسنعبر بارواحنا الى حيث الخلد، فهل هذه مثل تلك؟

          وا حسيناه نقولها ليس بكاءا على طلل، نقولها لان ارضنا كلها كربلاء، كلها تخضع لشريعة الشر والاهواء، وكل بقعة منها بحاجة لحسين يهزم دويلات الملل والنحل، دويلات صنائع الروم والعجم،   الدويلات التي لا رائحة لها غير رائحة النفط والسفه، دويلات تستأسد على بني جلدتها وتتأرنب امام الاكاسرة والقياصرة، دويلات لاذمة ولا ضمير لحكامها!

          واحسيناه لا نقولها كما يقولها المنافقون المتشدقون بالانتساب للحسين وال بيته، فهؤلاء هم اول من خان قيم ومعاني الوقفة الحسينية الداعية لتحدي الظلم والاستبداد بالثورة المؤمنة بالسراط المستقيم، من اجل صلاح الامة ورفعة شأنها وكرامة ابناءها ونشر العدل بينهم، فما فعله هؤلاء الطائفيون في العراق من تحالف مع دول الاستكبار العالمي لغزو العراق وتهشيم دولته، وتدمير عمرانه، وسلب ارادته وثرواته وقتل قيمه، وتقتيل وتشريد الملايين من مواطنيه، مقابل وعود بتنصيبهم سادة عليه، يكفي لتبيان معدنهم الرخيص الذي لا تربطه اي رابطة بالحسين ومعدنه الطاهر والنفيس، والذي لا يذلل نفسه ولا يذوب استجابة للترغيب او الترهيب، حتى لو وضعوا تحت قدميه خزائن الدنيا كلها، او قتلوه واهل بيته عطشا او طعنا بالسيوف والرماح، فشتان بين هكذا خلق رفيع وايمان صدوق، وبين خلق المنافقين المتاجرين باسم الحسين زورا وبهتانا، فمثال الطائفيين في عراق اليوم  ومن لف لفهم من المحيط والخليج كمثل الاعداء اللداء  للحسين وقيمه، فالذين تذللوا للامريكان وارتكبوا المعاصي بحق شعبهم، هؤلاء لا يجمعهم مع الحسين جامع، وهو القائل لا دين لمن رضي ان يعيش ذليلا، الحسين الزاهد بكل مفاتن الدنيا، لا يجمعه جامع ـ حتى لو اسموه حسينية ـ مع اللصوص والفسدة، فيما يسمى بقيادات وميليشيات الاحزاب الطائفية في العراق وغيره من بقاع هذه الامة.

          لا تقوم لهذه الامة قائمة الا اذا نهضت واستنهضت ذاتها وهي تستحضر دروس رموزها التاريخيين وتعتبر بها وبمعانيها، وتجتهد من اجل توحيد صفوفها، حتى تكون كالبنيان المرصوص الذي اذا اشتكى منه عضوا تدعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى، الحسيني الصادق هو من يقف بوجه الطغاة من طغم الاستكبار العالمي، وبوجه قاعدتهم المتقدمة، الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، ان الفرقة والتبعية والاستبداد هي داء امتنا من محيطها الى خليجها، ولا دواء الا بالوحدة والحكم العادل الرشيد الذي يختاره الاهالي بنزاهة وحرية، ووقتها فقط سيكون الحاكم واثقا من دعم شعبه له، وبالتالي من قدرته على مواجهة الاطماع الخارجية.

          لا نسب وانتساب للحسين الا للثوار جنود التحرير والعدالة والوحدة، الذين لا يخشون في وقفة الحق لومة لائم، او سيف ظالم، الحسين منا ونحن منه.