عام اخر سيعيشه العراق وهو مغمور

 

عام اخر سيعيشه العراق وهو مغمور بالفساد والتبعية والتشظي!

جمال محمد تقي

 

كانت الانشغالات الظاهرة للكتل السياسية والحكومة المالكية الاولى طيلة عام 2010 محصورة بالانتخابات البرلمانية، ومن ثم بمارثون اعادة توزيع الرئاسات الثلاث والتشكيل الحكومي وفق نظام حسابي معقد لنقاط المحاصصة النيابية طائفيا واثنيا، ومن الواضح ان هذا الانشغال سينسحب على النصف الاول من العام الجديد، فما زال مجلس السياسات العليا الذي ابتدعه الامريكان ليكون حلا لاشكالية مقاسمة النفوذ والصلاحيات بين المالكي وعلاوي غائبا، وما زالت حكومة المالكي ناقصة، فهناك 9 وزارات بدون وزراء، وهي تدار بالوكالة لحين التوافق على الشخصيات التي ستتولاها، المالكي نفسه يدير بالوكالة وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني، والشهرستاني يدير بالوكالة وزارة الكهرباء، وزيباري وزير الخارجية ويدير بالوكالة وزارة شؤون المرأة، وعلي الاديب وزير التعليم العالي يدير وزارة شؤون المصالحة بالوكالة، ونوري شاويس نائب رئيس الوزراء يدير وزارة التجارة بالوكالة، ومحمد الدراجي وزير للاسكان ويدير وزارة البلديات بالوكالة، وديندار نجمان وزير للهجرة ويدير وزارة شؤون منظمات المجتمع المدني بالوكالة،  ونحن هنا لا نتحدث عن النواقص المستترة فهي اعمق بكثير من الظاهرة، وفي مقدمتها افتقار المستوزرين للكفاءة والنزاهة وايضا للتخصص، وهذا ما اعترف به بعض قادة العملية السياسية انفسهم.

        لم يكن الشغل الشاغل لاغلب الوزراء في الاعوام الاربعة الماضية، هو السعي لتجديد استيزارهم، فبعضهم كان يدرك بانه جاء وفق نسبة وتناسب غير قابلة للتكرار، ومن هذا الفهم شدد هذا البعض على ابتزاز وزارته وعقودها ومخصصاتها لتكون ذخيرة له اثناء المغادرة، وما حصل في وزارات، التجارة، والكهرباء، والنفط، والاسكان، والدفاع، والصحة، والتعليم، والنقل، امثلة حية عاش انعكاستها المباشرة المواطن العراقي، نعم هناك من الوزراء من كان شبه ضامن لاعادة استيزاره، مثلما كان المالكي والطالباني شبه ضامنان لتجديد ولايتهما، فهوشيار زيباري مثلا كان من وزراء هذا النوع، وعلى الرغم من روائح الفساد والمحسوبية والعنصرية التي تفوح من ادارته لوزارة الخارجية، لكنه سيبقى في وزارته، فهو من اقرباء البرزاني وبالتالي فان حصته مضمونة وفي كل الاحوال، ما دام الامر كله مرتبط بمحاصصات سلطوية بين كتل مهيمنة على السلطة وعلى المصوتين في انتخاباتها!

        حكومة المالكي الثانية، جديدة بالاسم فقط اما جوهر منبتها وبرنامجها وبالتالي سياستها وسقفها فهو لا يختلف قيد انملة عن سابقتها، بل انها اكثر خرابا لانها تريد تطبيع الوضع القائم وجعله خط سير متواصل، في وقت تتزايد فيه مخاطر التقسيم وخصخصة الثروات الوطنية.

        سيشهد عام 2011 المزيد من الصراعات المريرة على النفوذ والسلطة والثروة بين اقطاب العملية السياسية في العراق، وبالتالي سيعاني ابناء العراق المزيد من التدهور الامني والمزيد من التدهور الخدمي، وخاصة في مجالات الماء والكهرباء والصحة والتعليم، اما الفساد فستتضاعف ارقامه وانواعه مع تزايد فرص الاستثمار الاجنبي من جهة، ومع تجذير حالة المحاصصة القائمة، حيث سيادة منطق، “شيلني وشيلك”، فالكل مشترك بالسلطة ومتحاصص بها من مجلس النواب الى الرئاسات الثلاث الى المفوضيات التي تدعي الاستقلال وهي بعيدة كل البعد عنه، اما الصحافة واجهزة الاعلام التي تعتبر سلطة رابعة في دولة القانون والديمقراطية، فهي مكبلة ومقيدة ميدانيا ويجري تصفية الاصوات الحرة فيها، اما بكواتم الصوت او بالاغلاق.

        اذا كانت مخصصات الرئاسات الثلاث تبلغ مليار دولار سنويا، فكم ستكون مخصصات مجلس النواب باعضائه ال 325؟ وكم ستكون مخصصات وزارة المالكي الثانية التي تجاوز عدد وزرائها الاربعين وزيرا؟ هذا اذا حسبنا ان لكل نائب حق بتوظيف 30 فردا لحمايته الشخصية مدفوعة الثمن، اضافة الى الحقوق المكتسبة للنواب بقطع الاراضي والسلف المليونية والسيارات رباعية الدفع، اما الوزراء فحدث ولا حرج فالحقوق المكتسبة لا تساوي شيئا امام صفقاتهم وعمولاتهم التي لا رقيب او حسيب عليها، وان خرجت اصوات شريفة تعريها في الصحافة او مجلس النواب فان كتلة الوزير ستدفع عنه البلاء، لان الوزير سيدفع لها بما ملكت وزارته، اما اذا انكشف الامر وصارت التغطية عليه متعذرة، فان استبداله وتهريبه الى الخارج سيكون هو الحل الامثل امام اصحابه وكل اصحاب السلطة الغارقة بفسادها داخليا وخارجيا.

        لقد سبق لنوري المالكي وحزبه ان اتهم الشعب العراقي المحتج والمتظاهر على الخراب المتوالد باضطراد، وفي كافة مجالات الحياة الاساسية واليومية، كالكهرباء، والماء، ومفردات البطاقة التمونية، وعلى التفشي المريع لظواهر الفقر والهجرة والبطالة، التي طالت ثلثي السكان، وعلى الفساد المستشري من قمة الرأس الى أخمص القدم، بالشغب، فبماذا سيتهمه مجددا لو قام ثانية قومة تدك مضاجعه ومضاجع الامريكان رعاة العملية السياسة القائمة، لاسيما وانه يعترف مقدما بان حكومته غير قادرة على انجاز ما ينتظر منها؟