كيف يكون قرار الإنقاذ الوطني؟

 

لبنان:

كيف يكون قرار الإنقاذ الوطني؟

د. أمين محمد حطيط

 

في السنوات الست التي خلت، تصرفت اميركا ومعها معسكر المشروع الصهيوأميركي الغربي، وكأن لبنان بات مستعمرة لها وقاعدة انطلاق لبناء الشرق الاوسط بالهوية والوظيفة اللتين حددتهما له، ولم تيأس اميركا بعد حرب العام 2006 وهزيمة «اسرائيل» على يد المقاومة في لبنان، كما لم تيأس بعد العملية الدفاعية التي قامت بها المعارضة الوطنية اللبنانية لحماية سلاح المقاومة في العام 2008، ومرد طمأنينتها الذي ابعد عنها اليأس، كان متمثلا بوجود رئيس حكومة في لبنان محتضن من اكثرية نيابية، ويأتمر بالامر الاميركي مباشرة من غير اكتراث بدستور اومؤسسات دستورية اومراعاة لمزاج الطوائف اللبنانية الاخرى، رئيس حكومة ترى اميركا انه « القائد الذي يقود شعبه «وفقا للإملاء الاميركي. هذا الوضع مكن اميركا من وضع يدها على لبنان ومصادرة قراره والتحكم بمفاصل العمل في مؤسساته الامنية والادارية فضلا عن الدستورية، واستمر الوضع هكذا مع محاولة التعمية عليه بالإعلام والمواقف الشاعرية ودموع التماسيح، الى ان جاء الاختبار الصعب في استحقاق اساسي يتعلق بالهجوم على المقاومة من باب القضاء الدولي. هنا لم يعد لرئيس الحكومة هامش مناورة، اذ كان عليه أن يختار بين لبنان وقوته في مقاومته وجيشه، اواميركا وقوتها المستعملة للإجهاز على المقاومة، وسقط رئيس الحكومة اللبنانية في الاختبار الوطني سقطات تتالت منذ العام 2006 حتى اليوم، حيث اختار اميركا على لبنان، ولكن السقوط المدوي الاكبر كان في الشهر الحالي كانون الثاني 2011، عندما تلقّى في الآن ذاته دعوة من رئيس الجمهورية اللبنانية الى عقد جلسة لمجلس الوزراء للبحث عن مخرج للمأزق اللبناني، ودعوة من رئيس الولايات المتحدة الاميركية لعقد لقاء يتلقى فيه التعليمات لمتابعة العمل ضد المقاومة، فصم رئيس الحكومة اذنيه عن الصوت اللبناني واصغى الى الصوت الاميركي، وكان رد لبنان سريعاً: ليسقط رئيس الحكومة. فسقط.. وبسقوطه لم يسقط طبعا حزب اوطائفة اومذهب ينتمي هذا الشخص اليه، بل سقط الشخص نفسه، وسقط نهج التبعية والتغرب والتعامل مع الاجنبي ضد مصلحة الوطن.
وعندما يرفض رئيس الحكومة الساقط في الاختبار الوطني، ويمتنع النواب اللبنانيون بأكثريتهم المطلقة عن تسميته مجددا رئيسا للحكومة، فان الامر لا يعنيه الا هو، ويبقى محصورا بالشخص ونهجه، ولا علاقة له بدينه وطائفته ومذهبه، خاصة وان القاعدة الاساس المتبعة هي « لا تزر وازرة وزر اخرى» وليست طائفة رئيس الحكومة مسؤولة عن إعراض رئيس الحكومة عن مصلحة الوطن في امنه واستقراره والدفاع عنه، وليست مسؤولة عن تصرفات رئيس الحكومة وفريقه عن تصنيع الشهود الزور الذين ضللوا التحقيق الدولي في جريمة قتل رفيق الحريري، وليست الطائفة مسؤولة عن سلوكيات فريق رئيس الحكومة في تعطيل الدستور وافساد العمل في مؤسسات الدولة، بل ان المسؤول هوالمرتكب نفسه وشركاؤه حصرا، وعندما يطرح تغيير الشخص لتغيير النهج الخطأ، لا يكون الامر ليتجاوز الشخص المرتكب والفريق المعاون له، اما الموقع الدستوري والصلاحيات الدستورية للموقع فانها في العملية التغييرية الراهنة امور ثابتة لا تمس، وان كان هناك الكثير من الملاحظات على اسسس النظام السياسي في لبنان، التي اثبتت التجارب انه نظام غير قابل للحياة، من غير إعادة نظر ببعض عناوينه بشكل يقيم التوزان ويحفظ الجميع افرادا وجماعات في مجتمع غير متجانس كالمجتمع اللبناني، ولكن إعادة النظر تلك لا تتم الا بعد ان يخرج المركب من العاصفة بتوافق الجميع، وليس اثناء تهديد العاصفة للمركب بالغرق.
والآن وقد تمكنت المعارضة (السابقة) في معركتها الدفاعية عن المقاومة ولبنان، ان توجه رسالة الى اميركا تثبت فيها ان لبنان يستطيع ان يقول لا في السياسة كما قال لا في الميدان، فيكون عليها، كما فعلت في العام 2006، ان يكون الانجاز إنجازا وطنيا يغلب عليه منطق « كلنا للوطن «الا من استثنى نفسه من العنوان وأراد ان يستمر قائلا بانه لاميركا (وطبعا حليفتها «اسرائيل») ومعهما على الوطن ومقاومته. وتكون الرسالة بليغة اذا استكملت باعتماد نهج عمل يقوم على عناوين اربعة:حماية قوة الوطن المتمثلة في مقاومته وجيشه، وسد كل منافذ الريح المسمومة التي تهب على المقاومة من باب ما يسمّى محكمة خاصة بلبنان، وهي في الحقيقة محكمة اميركية لاعدام المقاومة.
حماية المال العام من الايدي التي تمتد اليه من الداخل (الفساد) ومن الخارج بالاعتداء على الثروات الطبيعية.
حماية لبنان في علاقاته القومية والاقليمية والدولية ولا يكون منحازا الا للحق الوطني والقومي والاقليمي في وجه اي كان.
إطلاق عجلة الدولة لتكون الحكومة «حكومة هموم الناس للتخفيف منها « ولا تكون حكومة زيادة هموم الناس لتهجيرهم.
بهذا النهج بعد تغيير الشخص، يكون لبنان هوالذي انتصر، ومن غيره تكون مسألة التغيير في الاشخاص مسألة عابرة سرعان ما يتلاشى مفعولها، واعتقد ان الفرصة متاحة والمسألة مسألة شجاعة وقرار لإنقاذ لبنان.

 

:::::

أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية وعميد ركن متقاعد وباحث استراتيجي
نشر في “البناء”، http://www.al-binaa.com و والتيار الوطني الحر، http://www.tayyar.org