رأي في مسلسل “فضح المستور

 

رأي في مسلسل “فضح المستور” للوثائق السرية على قناة الجزيرة

محمود جلبوط

 

        أعترف بأني لم أكلف نفسي عناء البحث في الموقع الذي أعلنت عنه قناة الجزيرة الذائعة الصيت قبل أيام للاطلاع على ما يحوي كما ادعت من وثائق سرية حول “التفاوض”بين الكيان الصهيوني وسلطة أوسلو عبر برنامجها الدرامي ” فضح المستور”، ليس تحفظا على هوية هذه المحطة الإعلامية وأمثالها التي تفوح منها رائحة البترودولار ولا لهويتها وهوية مموليها، فأنا لا أذهب ما ذهب الآخرون إليه من المهتمين بالسياسة والمنشغلين بالهم العربي العام ومبالغاتهم باتهاماتها والتشكيك بكل ما تبثه من برامج رغم تفهمي لشكوكهم بعض الأحيان، على كل حال ليس هو الموضوع، بل لم أقم بذلك لأني على يقين أن العاملين والمهتمين بالشؤون السياسية والغيارى على المصالح الوطنية لو أرادوا مطاردة الحقيقة ومعرفتها فهم ليسوا بحاجة للاطلاع على وثائق سرية ولا علنية مهما كانت قيمتها الصحفية أو المخابراتية لإثبات تفريط سلطة أوسلو أوغير أوسلو بفلسطين الاحتلال الأول ( أراضي 48 كما يسمونه أحيانا) والاحتلال الثاني ( أي الضفة وغزة ) بعد أن اعترفت بحق العدو بما اغتصب في حربه 48 وبعض آخر في حربه 67 وبإقامة دولته “إسرائيل” عليها وذلك بقبولها لحل الدولتين: واحدة أنجزتها الصهيونية على الأرض بإبادة سكانها وطردهم قسرا خارج بلادهم، والثانية مازالت قيادة منظمة التحرير وسلطة أوسلو تتسولها من العدو دون جدوى لتقيم على ما نسبته من الوطن 7-9%  كيانا كولونياليا عربيا مسخا يضاف إلى ما سبقه من كيانات.

        وأنا أعتقد أنها قد فرطت بحقوق المواطنين الفلسطينيين جميعا وليس فقط بحقوق اللاجئين منهم سكان الشتات أمثالي عندما اعترفت علنيا وعلى لسان بعض رموزها بيهودية دولتها ” إسرائيل” فهل هناك شي بزعل! 

        بالله عليكم: هل فوجئ أحد من المتابعين للأخبار والمتتبعين لما يجري من أحداث في منطقتنا العربية ولتصريحات قادة سلطة أوسلو العلنية وتصرفاتها وسيرتها في الحكم والحلقة المفرغة التي دوختها ودوختنا معها من المفاوضات منذ دخولها أراضي الاحتلال الثاني على إثر الانتفاضة الفلسطينية ( ثم قضت عليها كما طلب منها ) من نشر قناة الجزيرة وثائقها السرية لأسباب لا ندري خباياها؟

        بل لست مبالغا إن ادعيت أن سياسة التفريط هذه قد انطلقت منذ استيلاء هذه القيادة على فتح ثم منظمة التحرير الفلسطينية وبعدها على مقاليد جميع المنظمات الفلسطينية الأهلية بشكل عام، وأن أي مراقب محايد سيكتشف وبكل بساطة بأنه قد ضبط هذه الزمرة بالجرم المشهود وفي أكثر من موقف ولأكثر من مرة، ليس الآن بل منذ زمن طويل حتى من قبل غزو لبنان 82 وإقامتها في تونس في ضيافة رئيسها المخلوع. وسيستدرك أن سلوك سلطة أوسلو هي خواتم منطقية  لنهج سياسي طويل ومتواصل ومنسجم مع طبيعة هذه القيادة واستطالاتها العربية والإقليمية والعالمية وأخلاقيتها.

        إذا ما أجرى المرء مقارنة موجزة ومختصرة وبلا تعقيدات ولا فلسفة ولا تنظير ممل أو غير ممل بين ما أنجزته المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وما أنجزته المقاومة الفلسطينية في ظل قيادتها إن على الصعيد العسكري أو الاجتماعي أو الأخلاقي مع أخذ المشتركات بينهما بعين الاعتبار كالموقع الجغرافي المشترك  والعدو المشترك والعمق الاستراتيجي المشترك مع الأخذ بعين الاعتبار التبدلات المحلية والدولية التي جرت لغير صالح المقاومة اللبنانية، وبالرغم من عدم عدالة المقارنة بين ما تلقته قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية من هبات مالية ومساعدات ومنح عسكرية مع ما تلقته المقاومة اللبنانية، ولا ننسى حيثية مهمة جدا إذا أردنا الإنصاف بإقامة شروط مقارنة منطقية وعادلة، هي الظروف الدولية التي كانت تسود وقت انطلاق حركة فتح  التي كان من سماتها الجوهرية وجود معسكرين متعارضين متكافئي القوة العسكرية تقريبا سمح للكثير من حركات تحرر عالمية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أن تخوض صراعا وطنيا اجتماعيا ناجحا ضد قوى الاستعمار الغربية واستطاعت تحرير أراضيها وتحقيق انتصارات وطنية اجتماعية باستثناء حركة التحرر العربية ومن ضمنها الفلسطينية وذلك لأسباب يطول شرحها قد تناولها العديد من دارسينا ومفكرينا العرب كنا قد نوهنا إلى بعضها في مقالات سابقة، وبين ما آلت إليه هذه الأوضاع الدولية إبان انطلاق المقاومة اللبنانية.

        فإبان انطلاقة المقاومة اللبنانية كانت الحرب الباردة بين المعسكرين قد وضعت أوزارها وانتهت لصالح أمريكا زعيمة الغرب مما حدا بها أن تنصب نفسها استحقاقا وبما تملك من تفوق عسكري فاقع قطب أوحد. وبسقوط ما سمي المعسكر الاشتراكي واستفراد أمريكا بزعامة العالم خسرت حركات التحرر في العالم الثالث ومن بينها طبعا ليس المقاومة اللبنانية والفلسطينية وحسب بل والعراقية نصيرا مهما في حربها على قوى الاستعمار الصهيوامبريالي الذي سعى ومازال يسعى لبسط سيطرته على العالم وعولمته صهيونيا.

        وانطلقت المقاومة اللبنانية في ظل انحسار اندفاعة حركات التحرر الوطنية عالميا وسيطرة شعارات استعمارية جديدة من قبيل “صراع الحضارات” و ” الحرب على الإرهاب ” المضللة، وشيطنة أي عمل مقاوم بوصفه ” عملا إرهابيا “، وسعت القوى الغاشمة أيضا ومن خلال تعميد سيطرتها على العالم تجنيد “المنظمات الدولية” و” مجلس أمنها” باستصدار كل ما يلزم من قوانين معدة مسبقا لإرهاب أي حركة مقاومة ومن ضمنها المقاومة اللبنانية التي اقتصرت موارد الدعم لها على إيران وسورية، بل زاد من صعوبات في وجه المقاومة اللبنانية ما أثارته قوى الكولونيال العربي في من تحريض لشعوبها مذهبيا وطائفيا ضد المقاومة إعانة للعدو عليها خشية أن تتضامن معها باعتبار أنها تمثل عمقها الاستراتيجي وحاضنتها الشعبية، تماما كما فعلت بالمقاومة العراقية.

        في حين أن الوضع الدولي السابق الذي ساد إبان انطلاق فتح كان على النقيض من ذلك، فلم يأل القطب الاشتراكي جهدا في دعم المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها ما احتاجته من سلاح ومال واستشارات لوجستية وبعثات دراسية وعسكرية حتى تدريب طيارين وبحرية وضفادع بشرية ومطلقي صواريخ وحرب عصابات بأكثر بكثير مما توفر للمقاومة اللبنانية والعراقية. 

        ومع ذلك دعونا نسأل أنفسنا وبكل بداهة الأمور بعد التمهيد المبسط الآنف الذكر:

 

– هل يعاني حزب الله من فساد أخلاقي ومالي كما تعانيه سلطة أوسلو وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية؟

 

– هل حررت فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية شبرا واحدا من أرض فلسطين المغتصبة حتى بعد كل التفريط والتنازلات التي قدمتها على صعيد أرض فلسطين التاريخية أثناء مساومتها مع العدو كما فعلت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله؟

 

– هل سعت وحاولت السلطة لمنع الجيش الصهيوني الغاشم أومستوطنيه، بالرغم من سعيها كحسن نية للعدو إنهاء الانتفاضة وتجريد المقاومين من سلاحهم وملاحقتهم بل سجنهم وأحيانا قتلهم، من حملة اغتيالاته حتى للذين تخلوا عن سلاحهم تحت ضغط السلطة وتصفية هذا الجيش لقيادات المقاومة وللشخصيات الوطنية والمدنيين كما فعل حزب الله عن طريق امتلاكه لصواريخه وعزيمته للقتال والمقاومة؟

 

– هل حررت أسراها كما فعل حزب الله بصموده وإصراره في المفاوضات الغير مباشرة مع العدو، بالرغم من كل ارتهان هذه السلطة لأجندات الإدارة الأمريكية والصهيونية؟

 

– هل استطاعت أو تستطيع هذه السلطة أن تمنع العدو من استباحة أمن وحياة ورزق كل مواطن فلسطيني في كل مواقع تواجده: إن في الاحتلال الأول أو الاحتلال الثاني أو في الشتات كما فعلت المقاومة اللبنانية بعد تحريرها لجنوب لبنان والدرس الذي لقنته له بصدّ عدوانه في تموز 2006 حتى بات يحسب حساب رد عليه بقاعدة ” السن بالسن والعين بالعين”؟

 

        لنقارن بما بذلته وتبذله المقاومة اللبنانية على المستوى الاجتماعي بين جمهور المقاومة في الجنوب اللبناني وغير الجنوب، بفساد سلطة أوسلو وما اقترفته وتقترفه بحق الشهداء وأبناء الشهداء وزوجات الشهداء وما تنهبه من ثروات وأموال، هل حقا يمكن الحديث عن فساد في صفوف كوادر وقيادات المقاومة اللبنانية كما هو حاصل في صفوف مسؤولي السلطة؟

        هناك غيره الكثير مما يمكن الحديث عنه وهو واضح وجلي للجميع وفي العلن ومتداول في كل يوم إن كان على أرض  فلسطين أو غير فلسطين ولا يحختاج لفضح وثائق سرية ولكن مقالة صغيرة لا تتسع صفحاتها لسرد ولو جزء يسير مما تيسر من فساد وتفسيد وفضائح السلطة العلني وليس “المستور” الذي تفضحه الجزيرة بوثائقها وما ورد بعد ذلك من وثائق ترد على وثائق الجزيرة تداولتها قنوات أخرى كالعربية ومحطات أخرى.  

        ربما استفاد ويستفيد من فضح المستور كما ادعت الجزيرة بعض المغرر بهم والمضللين وهم والله قليل أو من  نأوا بنفسهم عن الحدث السياسي اليومي أو البطرانين من الشعب العربي البعيد عن متناول أيدي القتل والقهر المباشر واليومي على أيدي الصهاينة.  

        فهل حقا بعد كل ما سبق يحتاج المواطن العربي المهتم بقضايا همومه الوطنية والاجتماعية والسياسية إلى وثائق سرية كيدية كانت أم ردا على الكيدية بكيدية؟

        سؤال أخير للقراء: هل يتطلب الأمر نشر وثائق سرية حول أهداف تواجد أكبر قاعدة أمريكية على أراضي قطر راعية قناة الجزيرة وأسرارا وحول أسباب وجودها؟ ودوافع فتح مكتب تجاري صهيوني على أراضيها؟ وزيارات مسئولي الكيان الصهيوني لها؟ وسياحة وزير خارجيتها على شواطئ تل أبيب؟