كي لا نقول: ” جيت الحزينة تفرح…”

 

كي لا نقول: ” جيت الحزينة تفرح…..”

بقلم: كلاديس مطر

 هللت لثورة اسقطت ” السنة الاستشراقية ” الغربية القديمة لماهية العربي وحسه تجاه التغيير والديمقراطية، كما هللت الى اندحار كل نظريات القضاء والقدر أمام ” مثابرة الارادة ” للشعب في تقرير المصير وقلت إن هذه الثورة انتصرت بكل الأبعاد لانها اصبحت قوة تفرض ذاتها على القرار السياسي ذهب من ذهب وأتى من أتى. انها ” هناك ” في الشارع تقبض على السلاح الصاحي، الأعزل، السلمي ولكن الجبار في قدرته. لقد هللت لترسانة الأمة الفعلية وهي ترابض في ساحة التحرير من اجل ان تفرض ما تعتقد انه الصواب وتقيم ميزاناً آخر للعدل والوطنية وللعودة – اخيرا – الى الحضن العربي.

 

هل اختلف احد حول كل هذا؟ نعم، هناك من دفعه الخوف والقلق على اعادة حساباته بكل تؤدة ” كمحاسب في دكان”. لقد ضعضعت هذه الثورة الشبابية العظيمة أركان الدولتين العبرية والاميركية. كليهما معا. ففي بداية ايام الثورة اخذت تتحدث الصحف الاسرائيلية عن تحولات جذرية سوف تشهدها المنطقة وعن ضرورة اعتبار مصر كعدو اذا ما استمر الوضع على هذا المنوال مؤكدة أن الكيان لم يُخرج مصر من دائرة المقاومة والرفض وأن من خرج هي تلك الطبقة/القشرة من المطبعين/ات سواء القيادة السياسية أو العسكرية أو الطفيلية المُضاربة. إن الكيان يقرأ جيداً ويعرف عدوه الحقيق وهو الشعب، لذا قفز بوضوح لكي يتحدث عن إعلان مصر كعدو. نعم إن مصر عدواً له. لقد هزت الثورة اركان هذا الكيان وهدت احساسه القديم بالأمن مع مصر وجعلت مصيره على كف عفريت الى ان جاء الحل على طبق من ذهب وبسرعة لا مثيل لها: ففي رابع بيان للقوات المسلحة اعلن عن بقاء المعاهدات والاحلاف الاقليمية والدولية على حالها فتنفست كلا من اسرائيل واميركا الصعداء. وصباح هذا اليوم الاحد اسرعت الاذاعة الاسرائيلية وفي موقعها الالكتروني ” لتشيد بإعلان المجلس العسكري الأعلى في مصر التزامه بكافة المعاهدات الإقليمية والدولية التي وقعتها مصر، ومن بينها معاهدة السلام مع إسرائيل ” و لهذا فهم يتوقعون ان تفتح سفارتهم من جديد في القاهرة يوم الاثنين. فالمؤشرات اسعفت ذاكرتنا أو حركتها على الأقل. كان عدم هروب السفير مؤئراً لا لبس فيه، فما بالك بعدم طرد السفير، وكذا السفير الأميركي. هل هذه من جذور التدجين؟ من حقنا الشك ومن حقنا القلق.

كيف يمكن لاسرائيل ان تشكر المجلس الاعلى للقوات على مبادرته الكريمة والسريعة لتهدئة مخاوفها وقلقها على ” السلام “؟؟؟ كيف يمكن لاحد ما في هذا العالم وعشية انتصار هذه الثورة العظيمة ان يقدم أكبر وأجل من هذه الخدمة لاسرائيل طوال حياتها؟ لا أحد قطعا.

لماذا ترى ثار هذا الشعب؟؟ أليس لأنه أبعد سنوات عجاف عن الحضن العربي؟ أليس لأنه عزل عن القرارات الوطنية العربية طويلا وأجبر على مقاومة اخوانه في غزة وقهرهم وحصارهم وبناء الجدران العازلة في وجههم؟ هل الثورة أتت من اجل ” لقمة ” زيادة؟؟ هل قامت من اجل ” الديمقراطية ” فقط – والله وحده يعرف ماذا يقصد الاميركان قبل غيرهم بهذه الكلمة التي سوقوها الى منطقتنا بمعايير مزدوجة واجندات غير نقية؟؟ لماذا قامت الثورة اذا كان الابقاء على سياسة الارتهان لم تتغير؟؟ اين شباب مصر الذين رابضوا اياماً بلياليها في الشارع من اجل ثورتهم العظيمة؟ كيف لم ينتبهوا الى ” تمرير ” هذا البند في البيان الرابع؟؟ اين اجندتهم الوطنية وحسهم اللاقطري الرائع – الذي لم يربوا عليه مع الأسف – الذي يدفعهم للثورة؟

هل شعار ” خلاص اسقطنا النظام ” يعني فقط رحيل مبارك وديكتاتوريته و فساده ام هي ايضا ” توقف فوري ” لكل المعاهدات والاحلاف التي ” جابت رأس مصر في الطين ” و التي هي جزء من النظام الذي اراد الشعب اسقاطه؟؟؟. لعل أخطر ما في الثورات كامن في تقسيمها إلى مراحل كما لو كانت مشاريعاً اقتصادية أو خطة بيروقراطية يتم إنجازها فقر فقرة، او بالمفوم “الكيسنجري” التلمودي: خطوة خطوة” حتى يتثاقل الثوار و تُهلك الثورة. و لماذا تم فرز الناس والمثقفين والفنانين والقياديين والاحزاب والاكاديميين والسياسيين بين مناوىء وموال وعلى أي اساس؟ ألم يكن ايقاف كل معاهدة ابعدت مصر عن نسغ الأمة العربية داخل في اعتبار الثوار؟؟

لا نريد بعد اليوم انتباها و قلقا اكثر من اللازم الى ” اين سافر مبارك ” و ” ما هي ثروته ” و اشياء من هذا القبيل. دعونا نلتفت الى ما هو اجدى.. الى تحقيق الثورة لاجندتها الا وهي دك النظام الفاسد المرتهن الذي فلق الأمة كلها وجعلها مرتهنة كلية برأس المال الغربي و” أجندته ” كلية ودمر عروبتها و دفع شبابها للثورة عليه؟

لنعود الى ما هو أهم…الى تنقية مصر العربية من الاحلاف و المعاهدات الاستشراقية الغبية التي كانت السبب الفعلي و الحقيقي لثورة الشعب هذه.