شبح الثورة الثانية
وتحالف راس المال والجيش والإمبريالية
عادل سمارة
لم تكن صدفة قيام نظام مبارك الراسمالي التابع باحتلال النقابات العمالية وقصم ظهر الحركة العمالية في مصر وإهلاك الأحزاب السياسية بتنوعاتها باعتبار هذا الإهلاك هو الطريق المباشر لنهب الفائض وتهريبه وتكريس فقر بلا مقاومة.
من تابع منطوق قيادة الجيش منذ بداية الثورة كان يلاحظ ارتفاع قلقها كلما بانت اية مطالب عمالية، وكان يلاحظ تضمين بياناتها تهديدات للعمال إلى أن وصلت حد الاتهام بتخريب الاقتصاد وعرقلة الإنتاج وتعميم الفوضى…الخ.
هو إذن ليس الوطن، بل خط الإنتاج وخط بزل الفائض هو الذي يُقلق راس المال وعسكر راس المال والإمبريالية بقيادة أميركا والاتحاد الأوروبي. ولا شك أن هذا التحالف الطبقي بين راس المال الطفيلي وبيروقراطية العسكر والإمبريالية حريص على الفتك بالعمال وقطع الطريق عليهم قبل أن يصحو الناس على الدور التأسيسي الذي قام به العمال لتفجير الثورة عبر الإضرابات والاعتصامات وحتى الانتحار. (عام 2009 انتحر 58 عاملاً) وبالطبع قبل دخول الثورة مرحلتها الثانية. قبل أن يكتشف الشباب أن الديمقراطية، إذا تحققت، لن تقدم لهم الشغل ولا الدخل، وإنما نمط حياة حداثي غربي وأميركي خاصة إنما بدون سيولة مالية، اي سيقعون في وجه آخر من البطالة. وعندها سوف يدركون أن مقارعة راس المال تحتاج إلى وجه لوجه Face to face وليس فيس بوك وحده. ومن هنا، فإن كيل المديح “للديمقراطية” والضخ الإعلامي الهائل في مديحها وخاصة التوقف عندها، إنما هو في خدمة نفس الطبقة الحاكمة/المالكة وتحالفاتها وحتى سياساتها غير القومية التي تدعم الكيان الصهيوني، فلا يخون الأمة غير راس المال ذي المصالح المتشابكة مع الغرب الرسامالي والصهيونية.
قد يجادل البعض أن القطاعات الإنتاجية في مصر قد تراجع دورها بفعل الفساد وتخريب القطاع العام…الخ لكن هذا لا يعني ان ليس هناك إنتاجاً في مصر. وإذا علمنا أن نهب الفائض لا يأتي من نهب فائض العمل في الصناعة وحده، بل من العمل في الزراعة والسياحة والخدمات وكافة مصادر الريع، اي من كافة اشكال العمل المأجور.
ولا تعدم الراسمالية وخاصة الطفيلية حنكة تأليب حتى الفقراء على بعضهم، وتأليب شرائح منهم ضد بعضهم البعض، وسنعرف ذات وقت أن الخيول والجمال التي هاجمت الثوار كانت للذين يعملون في قطاع السياحة الذين لا شك تاثر عملهم، وقد يكون البعض منهم قد انضم بنفسه وليس بحصانه فقط إلى البلطجية.
إن مطالبات العمال بحد أدنى للأجور وبحد اعلى للرواتب في الوزارات وقيادة الجيش، وبإعادة التأميمات والقطاع العام وتفكيك الخصخصة وحماية الاقتصاد وإعادة الأبواب للاقتصاد المفتوح بل المخلَّع الأبواب هي مقدمات الثورة الثانية. وبغض النظر عن درجة تحقيق هذه المطالب أو تحقيق جزء منها مؤقتاً، فهي مطالب تشكل التحدي الحقيقي وبداية تحول الثورة من الاشتباك مع راس النظام إلى الاشتباك مع الطبقة المالكة /الحاكمة بتحالفاتها في النهب والقمع.
لا بد من الالتفات إلى التكتيك الخبيث الذي تتبعه قيادة الجيس في القبول البطيىء للمطالب العاجلة للثورة، وهذا توظيف للتكتيك العسكري في الصراع الاجتماعي بانتظار أين تؤول الأمور. هذا ناهيك عن تناغم حركة وتكتيك الجيش مع رئاسة الوزراء والحزب الحاكم حتى لو جرى حلَّه.
إلى جانب هذا لا بد من الإشارة باللون الأحمر إلى أن أولاد هيلاري يقومون من داخل حركة الثورة بتلميع وجوه في النظام مثل أحمد شفيق؟ وهو التلميع الذي بدأ بقيادة الجيش. وهو ايضاً التلميع الذي مارسته منذ اللحظة الأولى قناة الجزيرة وقناة العربية مما لوَّن الثورة بكل من أل فيس-بوك والإعلام المرئي بكل ما فيه من ضجيج وتكرار يقود إلى الخَبَل والقبول النهائي بما يُقال.
أميركا: الضبط والتخطِّي
ما زال الخطر على الثورة في مصر على حاله. إن كافة أجهزة الدول الغربية في شغل شاغل كي تتمكن هي وهيئة العسكر والسياسة في مصر لضبط إيقاع الثورة وتفريغها عبر استطالة الوقت والانحصار في الحديث عن محاسن الديمقراطية، التي هي بدون اقتصاد عروس بلا جسد، وبدون موقف قومي مثابة استمرار في تقزيم مصر على عظمتها.
مقابل مشروع الضبط هذا، ليس امام مصر وكل الوطن العربي سوى مشروع التخطي. وكما اشرنا في مقالة “صراع الديمقراطيات” فإن المطلوب ديمقراطية مختلفة لا ينفصل وجهها السياسي عن جوهرها الاقتصادي وعن بعدها القومي وخاصة ضد الكيان الصهيوني.
وإذا كان هناك من اساس للحديث النقدي الثوري من جهة والدعاية الراسمالية الغربية من جهة ثانية عن ان الثورة في مصر وكامل الوطن سوف تنتهي لصالح الإسلام الأصولي، وهم يخشون خاصة النموذج الإيراني، فإن الانتقال إلى الثورة الثانية هو الذي يحسم الأمور حيث سيكون الصراع على الفائض وتوزيع الفائض وحق العامل في إنتاجه، سيكون على التأميم وإعادة توزيع الأرض على الفلاحين، وطرد مستشاري البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتأميم شركات النهب الأجنبية وحماية الاقتصاد وإغلاق الباب المفتوح وقطع التبادل الخاسر والتطبيع مع الكيان…الخ حينها يكون للديمقراطية معنى، حينها يكون التحدي ليس للإسلام السياسي وحده بل لكل القوى، إما الخضوع لحقوق الثورة الثانية أو الاشتباك مع الأكثرية الساحقة.
وعليه، فالمطلوب هو التخطي إلى الأمام حيث يكون الاختبار هناك.