سمفونية الولادة
مصر تولد من جديد
كاظم محمد
نعيش هذه الايام، ومعنا الملايين من شعوبنا المغلوبة على أمرها، ايامآ، كنا نحلم بها لعقود طويلة ونتحدث عنها وعن حركة الجماهير وهبتها وثورتها في حلقاتنا وكتاباتنا، وهاهي اليوم تسمرنا امام احداثها، ولا تسمح لنا حتى بمفارقة صورها واصواتها من خلال شاشات التلفزة.
نعم، لقد انطلقت الهبة، وتوسعت لتشعل ايامآ من الثورة، مازالت مستمرة، لتضفي على حياتنا طعمآ اخر ومذاقآ مختلفآ يلّونُ ايامنا وساعاتنا، وينشرُ في اجوائنا عطرآ من الماضي الجميل، له عبقهُ الخاص، المتجدد بحركة جموع المصريين وصرختهم، وارتفاع سواعدهم، التي حركت الهواء مُداعبآ الوجنات والانوف والعقول والضمائر والمآقي، التي تمتلآ بدموع الانفعال والتعاطف والغبطة، لتغسل شيئآ من صدآ السنيين ولتزيل بعضآ من مرارتها.
لقد تحرك الساكنون وتكلم الساكتون، فآلفوا سمفونية رائعة للثورة الجديدة، لِهبةِ شبابٍ وانتفاضةَ شعبٍ وثورة اجيال، سمفونية تقول لننشد جميعآ نشيد الحياة، فعزفت الاوركسترا حركتها الاولى سريعةً على نمط سوناتا، وفيها انطلقت الحناجر في فضاءات المدن وشوارعها، لِتهز بأصواتها طبول الأذان، وتجذب عقول وقلوب وعيون الساكنيين، مُطلةً على جحافل الاوركسترا الشبابية وهي تعزف وبأصرار الجزء الآول من سمفونيتها رغم اصوات النشاز وافعال طلقات القُساة، ولتتواتر حركات أجزائها على التوالي، في مشهدٍ قيامي فريد، تشابكت فيه واندمجت اوتار الحناجر والآلات، لتكتمل عناصر العزف السمفوني لموجات الصوت الهادرلسمفونية الثورة والولادة.
لقد تمايلت مع ألحان الحياة المنطلقة، اركان مصر، من الحجر والبشر، التي نفضت عنها جزيئات الخوف، وفكت قيد أسرها، لتشكل أفواجآ وأمواجآ لهندسة صوت زمنها الجميل، ولتشكل الروافد لمسرح الولادة في ميدان العزف والحب والشهداء والتحرير، ميدان الوطن، الذي فيه توجت اوركسترا شباب مصر وشعبها عزفها السمفوني، فتعانق فيه الداخل والخارج والنهار والليل، وتجسدت فيه فلسفة التعبير عن اصواتها وأصولها، فعقدت لوائها في وسطه وامام تأريخه، معنلةً وجوب ولادة حياة جديدة لشعب ارض الكنانة.
لقد كتب اهل مصر وعازفي سمفونية ثورتها الشعبية نوتاتهم بحروف غير مألوفة، وطبعوا عصرهم ببصماتها، ليقدموا للعالم صورة ارقى للوحة الوطن والثورة، التي صاغوها بحلمهم وبأرادتهم وبتصميم ايقونات الثورة من الشباب، الذي فتح الآفاق بعدما هزَّ واسقط الاستبداد والفساد.
أنها ليست ثورة جياع، بل ثورة المستردين كرامتهم وحريتهم والطالبين للعدالة في حياتهم، انها ثورة طبقات وفئات وشرائح، فاض بها ورفضت ان تُهرس تحت عجلة الأوتقراطية الليبرالية ونظامها الأمني، اصحاب السلطة والقابضين على اصول الاقتصاد والمالكين له بالنهب والسرقة.
أنها ليست ثورة ألوان برتقالية او بنفسجية، وهي ليست مُخمليةٍ، من صناعةِ إعلام العُهر الليبرالي الذي يصنع ثوراته الملونة في ساحات بعض العواصم، ويطوق رقاب من فيها بشالات العولمة المتوحشة. فتبآ لمحاولات اختزال هذه السمفونية الثورية الأنسانية المتميزة بلون، وتبآ لأنصاف الكُتاب الذين يقزمون عقول الثورة ووقودها بمرجعية الفيس بوك، وتبآ للحكام والعاقرين وابواقهم واعلامهم الذي يعيق عودة الروح واستعادة وطنية الشعوب.
في أيامها الخالدة، أكدت مصرحضارتها، وخطَ شبابها وشيبها ثقافة مختلفة في الاحتجاج والثورة، ثم صاغة تواضعها وكرست قيمها الجماعية اليومية، وهي تعزف سمفونيتها، فكان الشعر والزجل والكتاب والرسم والغناء والحوار والجدل. لقد صار مسرح ثورتها منتدى، ولوحة تشكيلية في السياسة، للقومي واليساري والاسلامي والمستقل، اطارها الوطن وقيمها الوطنية المغروسة في الوجدان.
لشعب مصر وشهدائها، الذين كتبوا بداية جمهوريتهم الثانية، تحية الكرامة، ولدور المرأة المصرية، فتيات وشابات وسيدات، محجبات وسافرات نحني االرؤوس، وكل صباح وانتم بكرامة.