كي لا تصبح ليبيا عراقاً آخر

 

كي لا تصبح ليبيا عراقاً آخر

المهم: تدفق النفط!

عادل سمارة

 

        إثر الحديث المأفون والحاقد لكل من القذافي وابنه مؤخراً، وما تلا ذلك من مذابح علنية ضد الثوار بل ضد الشعب الليبي بأكمله، بدأ بعض المحللين العرب كما الدوليين بالحديث عن تدخل مجلس الأمن بموجب المادة السابعة.

        علينا التذكر بوعي ووضوح تامَّيْن بأن هؤلاء العرب وغير العرب هم من ثقافة وتربية “الإيمان” بالغرب الراسمالي. فما هو مجلس الأمن وملف المؤسسات الدولية سوى مؤسسات إمبريالية!

          إن دعوات كهذه هي تسهيل لاحتلال ليبيا، وهو احتلال سيكون بلا شك أمريكي أوروبي. وإذا ما دخلوا ليبيا فإنهم سوف يحرقونها ويقسموها ويتربعوا على النفط ويطردوا الشعب إلى الصحراء.

          ليس هذا القلق ولا باي معنى حرصاً على الطاغية المأفون معمر القذافي، وإنما هو قراءة لكارثة العراق. فحين تم احتلال العراق لم تكن هناك مذابحاً ولا حربا اهلية. ومع ذلك ما زالت ماكينة تدمير العراق على اشدها.

          ما يجري في ليبيا هو ثورة، وبالتالي كلما ابتعد الغرب الإمبريالي عنها كلما كان الأفضل. وحتى لو قام المأفون بالمجزرة، وهذا سيحصل، فإن هذا يعني في النهاية نهاية هذا المستبد. أما دخول الغرب فيعني مجازر وانتهاء البلاد!

          يفيدنا الدرسان المصري والتونسي أن السقوط السريع للمستبد ينطوي على خديعة برجوازية، وإن استعجالنا لتغيير يحصل في ايام هو امتداد لقفزات الانقلابات العسكرية التي تنهي كل شيء في ليلة واحدة وتنيخ على الوطن لعقود.

          ليس لدينا علماً ما هو موقف النظام العسكري الآن في مصر من الوضع في ليبيا، وتحديداً عن ليبيا إذا ما تم احتلالها باسم الأسرة الدولية وهو احتلال أميركي في جوهره؟

          من المخجل أن اتفاقية الدفاع العربي المشترك لا قيمة ولا فعالية لها. فهذه الأنظمة مروَّعة في ذاتها بالكاد تحمي نفسها.  كما أن افريقيا اضعف من أن تقوم بدور.

          لعله خيار مُربك بين أمرين خطيرين:

·       إما أن يُستدعى العدو الخارجي لاحتلال البلد لينهب النفط ويبقى هناك

·       أو يُترك الشعب والثورة لمواجهة المجزرة التي يقوم بها العدو الداخلي.

 

        نعم خياران دمويان، ولكن خيار استدعاء العدو الخارجي يعني العجز لاحقا عن الإدانة والاعتراض وربما العجز عن طرد العدو الأممي ناهيك عن إخضاع الثورة للعدو الذي أوجد هذه الأنظمة العربية نفسها. وعليه، إذا كانت للثورة من قيمة فهي بمدى التضحيات.

        ثم من يدري؟ لماذا لا تكون هناك وحدات من الجيش تنضم إلى الثورة تنضم إلى قوى الشعب التي هي أقوى. وهذا يحصل كما يبدو.

        ربما حصلت هذه الانتفاضة دون تنظيم يقودها، لكن هذا لا يمنع قط لجوء الناس ولو عفوياً إلى حرب غوار المدن. فقد يستفيدون من التجربة العراقية في هذا المستوى.

 

هل تنتظر الإمبريالية الاستدعاء؟

لا تقف الأمور عند خياراستدعاء الإمبريالية لاحتلال ليبيا أو أي مكان آخر لها فيها مصالحاً، بل إن لها في كل مكان. ما يحكم قرار الإمبريالية هو تدفق النفط من عدمه وارتجاج الأسواق العالمية وتعميق الأزمة الدولية.

إذا ما تواصل تدفق النفط، فليست هناك مشكلة إنسانية لدى الإمبريالية قطعاً، حتى لو تواكب ذلك التدفق مع تدفق دماء الشعب الليبي، وحتى لو ازداد تدفق المهاجرين من شاطىء المتوسط إلى شاطئه الأوروبي. فمنع التدفق الثالث ممكنا بطرق عدة منها إغراق الناس. هكذا يفعلون دوماً!

أما تدفق الدم، فلا قيمة لها لدى الإمبريالية، وأن كانت تسغله لمآربها. هل نسي العالم مجازر رواندا حيث قتل 800 ألف إنسان وقوات فرنسا هناك تراقب دون تدخل؟

وهكذا تبقى المسألة الأساسية كيف يتواصل تدفق النفط؟ وإذا ما توقف أو تضائل بشكل مقلق هل ستقوم الإمبريالية بالتدخل ياسم الإنسانية  طبعا وليس باسم النفط؟ هل ستقوم بإنزال حول مناطق النفط؟

من المفارقة أن خياراتها كثيرة طالما هي التي تحكم هذا العالم وطالما أن هذا الوطن مقسم إلى العديد من القُطريات بحيث لا تتعاون سوى في الفتك بالشعب.