أبو خالد البطراوي: قابلة الوعي الفلسطيني

 

أبو خالد البطراوي: قابلة الوعي الفلسطيني

د. خضر محجز

لن ينسى المشهد الثقافي الفلسطيني أحد كبار رواد الثقافة الوطنية، لمجرد أنه تجاوز السن التي يصرخ فيها الرجل: (أنا هنا).

والحق أن محمد البطراوي (أبا خالد) لم يكن ـ حتى في شبابه ـ من الذين يصرخون (أنا هنا) مع أنه كان دائم الصياح: نحن هنا.. هنا فلسطين الثقافة.. هنا فلسطين الوعي.

لم يكن أبو خالد البطراوي ذاتياً يوماً ما، وهو يفتح بيته لكل شاب وشابة يخطو خطواته الأولى على طريق الإبداع. بل كان العكس هو الصحيح، حيث كان من يفعل أقل من ذلك يتعرض للاعتقال والملاحقة والنفي والتضييق، من العدو الصهيوني، الذي لم يكن ليسهو أو يلهو عن أي بادرة لوعي فلسطيني وليد.

هذا الوعي الفلسطيني، كان أبو خالد واحداً من قابلاته التاريخية لحظة ميلاده، وراعياً لطفولته؛ يحبو وينهض فيقع، فيعاود النهوض، ويسمو على ذاته فيقف، ثم يواصل، إلى أن يعرف طريقه. في كل هذه المراحل كان أبو خالد البطراوي راعياً ورائداً ومؤسساً.

لست ممن أتحفوا برفقة هذا الرجل العظيم، بسبب كل من الجغرافيا والأيديولوجيا. ولكن منذ متى وقفت الجغرافيا الأيديولوجيا حائلاً بين الإنسان الحقيقي والاعتراف بفضل أولي الفضل؟. وإن لأبي خالد لفضلاً غير منكور.

ربما ظلم أبو خالد نفسه عندما تأخر في تسجيل فضله إبداعاً على الورق، لكن بحسبه أنه لم يتأخر عن رعاية كل نبتة إبداع أمكنه أن يلاحظ انبثاقها. لقد فضل الرجل أن يظلم نفسه، على أن يدع العديد من المبدعين الشباب يبحثون عن آباء لهم، ثم لا يجدونهم!. لا جرم إذن أن فضل أبو خالد دور الأبوة على كليشيهات الشهرة، وفضل صوت الهمس الراعي والمربي على ضجيج الإعلاء الذي لا ينظر لغير أناه. لقد أحس أبو خالد أن أنه توزعت في أنوات شعبه ومثقفي أمته. ربما لهذا السبب اعتبر أبو خالد البطراوي كل مبدع يتخرج على يديه نفسه وذاته ووعيه وإبداعه.

لقد رأى أبو خالد في كل هؤلاء الذين ترونهم من المبدعين أبناء له، لسبب بسيط هو أنه كان يعتبر أنه ظل دولة فلسطين القائمة في دولة الثقافة، حتى يهيأ لدولة الجغرافيا أن تقوم.

والآن ونحن على أبواب دولة الجغرافيا، هل آن لنا أن نتذكر الأب؟. هل آن لنا أن نعترف بفضل هؤلاء الذين لولاهم لكان الحاضر مستحيلاً، ولكان الماضي غائباً مضيعاً، ولكان المستقبل مظلماً تحيط به الشكوك؟.

يقف الآن أبو خالد البطراوي في بيته ـ الذي لم نعرف له بيتاً غيره ـ على ساقين واهنتين تكابران العكاكيز فلا تستعين بها. يقف الآن عميد الوعي الفلسطيني في غرفته الباردة بضاخية الإرسال منتظراً قراراً ورقياً بارداً ينذر بالطرد، لا لشيء إلا لأن الورق والقانون لا يعترفان بكل هذه المشاعر الجميلة التي ربانا عليها أبو خالد. يقف أبو خالد ضعيفاً شيخاً شاعراً بأنه مطعون من أبنائه، ومهدداً بالاقتلاع، لا لشيء إلا لأن قليلاً من مال الشعب الفلسطيني يعلن يومياً أنه ضنين على حماية وعي فلسطين!.

إن لأبي خالد علينا حقاً، وإننا لن نكون قد أوفيناه حقه، إن لم نحفظ له شيخوخته.

أيها الناس، لقد كنا في الماضي نعرف لأهل الحقوق حقوقهم، فهل نتخذ من الخطوات ما يؤكد أننا خير أبناء لخير أسلاف؟.

أظن أن المؤسسة الفلسطينية لن تبخل علينا برؤية أبي خالد في واقع أكثر كرماً.

ووالله إنه ليستحق أكثر من ذلك.