لماذا إعتذرت عن أسبوع “ارض وكرامة” في عمان
على هامش ما كتبه الصديق هشام بستاني.
عادل سمارة ـ رام الله المحتلة
لم أرغب في الكتابة عن أسبوع “أرض وكرامة” ضمن سياق الأسبوع العالمي لمقاومة الاستعمار والفصل العنصري الصهيوني”. الذي دُعيت إليه واعتذرت عن المشاركة.
وكان أن كتب لي الصديق عبد الرحيم كتانة بأن هناك نشاطاً في عمان طلب إليه من نظموا النشاط تسمية شخص ليتحدث في اقتصاد المناطق المحتلة. وافقت من حيث المبدأ عبر مكاتبات مع السيدة وداد عدس والتي أرسلت ملامح عن طبيعة النشاط، ولاحقاً عرفت مجمل النشاط نفسه وهو ما دفعني كي أنثني عن المشاركة.
بداية اود التوضيح أنني لست مُلمَّاً بالساحة في الأردن العزيز وهو الأقرب فما بالك بمختلف قُطريات الوطن العربي. وهذا ما دفعني للاعتذار دون أن أكتب اية ملاحظة أو تعليق في التراسل مع السيدة وداد.
ما سأقوله هنا متعلق بقضايا وليس بأشخاص أو مجموعات. والقضايا نفسها لا أعتبرها فلسطينية بحتة أو حصرية، فلست ممن يؤمنون بالانحصار القُطري.
ومن جهة ثانية، فإن التطبيع ينخر الأرض المحتلة والله في عوننا كي نُحيط به ونتصدى له، مما لا يُبقي لدينا الطاقة كي نشتبك في الأردن العزيز لنحمل عن رافضي التطبيع بعض حِملهم. وفي هذا الصدد آمل أن يكون كتابي الأخير عن التطبيع “التطبيع يسري في دمكَِ” قد وصل إلى عمان حيث نشرته دار ابعاد في لبنان ونشرناه هنا ايضاً لعل فيه مساهمة في توضيح مخاطر التطبيع.
لا بد من كلمة في التطبيع، وهو وباء لا ينحصر تجسيده في التطبيع بمستوياته مع الكيان الصهيوني الإشكنازي. فالعلاقة والتنسيق والتموُّل من اي نظام عربي أو أجنبي يدعم الكيان أو دعم الكيان في الماضي هي نشاطات تطبيعية لا تقل خطورة عن التطبيع مع الكيان الصهيوني نفسه. إن الأنظمة العربية تشن حرباً أهلية ضد الأمة حرب من القمة ضد القاعدة والغرب الراسمالي يشن حرباً معلنة ضد الأمة العربية على مدار قرون ولم يتوقف، فما معنى التطبيع معهم! وعليه، فاي نشاط مهما كان عظيماً إذا ما تموَّل من أيٍ من هذه الأطراف لن يكون بلا دور ودون أجندة، هذا إذا سلمنا، والأفضل أن لا نسلَِم، بأن هناك تمويلاً بلا شروط!!!
كل عربي لم يصل بعد إلى قناعة راسخة بأن الغرب الراسمالي عدو بالمطلق والاستمرار، هو عربي عليه مسائلة عقله. ومن هنا وجوب مقاطعة مؤسسات الأنظمة الراسمالية الغربية ونشاطاتها سواء منها الإمبرياليات الوالغة تاريخياً في دمنا كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وحتى “الحكومات غير الحكومية” أو “الدول النائمة” كالنرويج خاصة والسويد والدنمارك التي تعمل كدول تحت إمرة الولايات المتحدة في بلادنا سواء فيما يخص اختراق الجامعات، وتجنيد مثقفين ومثفات بالأموال وتوفير منح مشروطة لممنوحين ليتحولوا إلى خبراء بحث في بنية دول الممانعة واختراق المقاومة، وكله تحت ستار الأكاديميا.
كثيراً ما تُثار مسألة عضوية الكنيست الصهيوني، وهذه كذلك مسألة من الغرابة بمكان التجاوز عنها، وهو تجاوز طالما بُرِّر بأن هذه العضوية هي غزو للصهيونية في عقر دارها! وكأن الصيهونية تسمح بذلك. فطوال فترة دخول عرب فلسطينيين في الكنيست لم يُسن قانوناً واحداً لصالح العرب في فلسطين الاحتلال الأول 1948، قانون بمفهوم الحق القومي لهؤلاء الفلسطينيين. وإذا كان الكنيست يسمح لهؤلاء بالصراخ في قاعاته، فبوسعنا أن نصرخ في كل شبر من فلسطين وبدون غطاء الكنيست. إن تأدية قَسَم الولاء للدولة اليهودية هو سقطة قومية يجب وقفها وتجريمها لا تغطيتها بألوان البطولة.
وبقدر ما نسمح لأنفسنا في الأرض المحتلة بنقد تقصير الحركات الثورية النظيفة في الوطن الكبير، فإن المطلوب من الإخوة العرب عدم تمرير وتبرير سقطاتنا الخطيرة في الاحتلال الأول 1948 وخاصة عضوية الكنيست، والجندية في جيش العدو أو شرطته، أو العيش في الكيبوتسات كالمستوطنين ومعهم، وفي الاحتلال الثاني 1967 مثل التنسيق الأمني والاعتراف بالكيان والقبول باوسلو…الخ. وفي حقيقة الأمر فإن اقتراف هذه الجرائم لا يكفي فيه الاعتذار؟ لأن القبول باعتذار يؤكد أن الخيانة وجهة نظر بوسع صاحبها تغييرها ليصبح نظيفاً أو رمزاً.
إذا كان التناقض مع العدو تناحرياً، وإذا كان العدو نفسه لا يخفي أن مشروعه دولة يهودية نقية فما معنى اي تفكير في التسوية معه؟ وهذا يفتح على خطورة وخديعة الاعتراف بالكيان. فليس هناك من قيادات أو تنظيمات منحت وطنها للعدو أو تقاسمته معه سوى في حالتنا.
بهذا المعنى، فإن اي حديث عن دولة فلسطينية في الضفة والقطاع ليس سوى تماهٍ مع الاحتلال والصهيونية، بمعنى أن المطلوب هو وطن وليس دولة، والوطن ما زال تحت الاستعمار الاستيطاني. وعليه، الوطن يُحرر ويُنتزع بينما الدولة تُعطى وتُمنح، وفي حالتنا لن تكون الدولة سوى شكل آخر للحكم الذاتي أي إعادة إخراج الحكم الذاتي تحت يافطة دولة. وهذا ما كرره الاحتلال.
ومن ناحية عملية، وبعيداً عن موقف الاحتلال، لا توجد قطعيا اية مقومات لدولة في الضفة والقطاع، ولا أعتقد ان من يسألون عن هذا الأمر قد فكروا في الأمر ملياً، بمعنى أن لا جدوى وعدم إمكانية تحقيق هذه الدولة قد أشبعت نقاشاً وبحثاً. ولا أقصد هنا الارتكاز على النسب العالية للأرض التي صادرها العدو ولا عن الحصار وسرقة الميا، بل حتى لو لم تحصل هذه جميعها، فإن الضفة والقطاع لا يمكنهما التحول إلى دولة تحمل نفسها اقتصاديا بشكل خاص. هذا ناهيك عن أن مسألة الدولة في حالة الأرض المغتصبة ليست مسألة فنية، بل مسألة وطن ومبدأ.
ولينظر كل منا إلى القُطريات العربية فاغلبها إن لم نقل جميعها ليست قابلة للحياة، فما بالك عن شطيرتين من فلسطين! لقد توصل مختلف مفكري التنمية أن الكيانات الصغيرة سواء كانت راسمالية او اشتراكية غير قابلة للحياة فما بالك ببقع صغيرة من الأرض المحتلة.
أما الحديث عن دولة متصلة الأجزاء في الضفة والقطاع فلا صلة له بالواقع، وهو خطير كذلك من باب:
· إن دعاة الدولة بهذا المفهوم يُسقطون حق العودة
· ويُسقطون الكفاح المسلح وثقاتلونه بالسلاح
· ودعاة هذه الدولة إنما يوازنون خطاهم على النعمة الأميركية والصهيونية،
· وهم يذهبون إلى الاعتداء على فلسطينيي 1948 في سعيهم للحصول على تواصل بين بقع “جلد النمر” أي بين الضفة والقطاع وبين منطقة وأخرى في الضفة الغربية.
وهذا يفتح على مسألة خطيرة جداً وهي “تبادل أراضٍ وسكان” بين الحكم الذاتي والكيان، ويعني مبادلة أرض شعبنا بأرض شعبنا من جهة وتسويق أو جر أهلنا في أرض الاحتلال الأول سوقاً كالقطعان وكل ذلك كي تلبى رغبات الاحتلال. وكل ذلك في سياق الاعتراف والإقرار بالكيان!
نحن نعلم حجم المهام التي على إخوتنا العرب إنجازها في كل بلد وبلد. ونعتقد كذلك أن مساهمتهم ونجاحهم في المهام المحلية هناك هي مساهمة بالضرورة في تحرير فلسطين. ما زال تحرير فلسطين يبدأ ويمر من عواصم القطريات العربية. وإذا كان من الصعوبة عليهم بمكان اليوم المساهمة في تحرير فلسطين، فعلى الأقل أن لا يساهموا في التطبيع.
لم يعد الصراع مع الكيان الصهيوني الإشكنازي مسألة مجهولة أو بحاجة إلى إعادة قراءة، أو ما اسماه البعض “تفكير جديد“، وليست رياضة ذهنية، هي مسالة نضالية دون مواربة. واليوم والثورات العربية تنبثق والثورة المضادة تتربص، فإن علينا رفع سقفنا إلى مستواه الحقيقي لنعقد نقاشات وحلقات وأعمال: كيف نحرر الوطن؟ وعندها سيختفي الممولون وأموالهم وسيرسلوا لنا حملات “فرنجة رأس المال” التي تحاول إنجاز ما فشلت فيه فرنجة الإقطاع.