هجمة الاستشراق النسذكوري

هجمة الاستشراق النسذكوري[1]

و”الحريم الذكوري” والأكاديمي العربي

بادية ربيع

 

        لافت في السنيِّن الأخيرة احتلال عديد من النسوة لمناصب عالية في المركز الإمبريالي (من رئاسة الوزراء إلى الاستشارية إلى وزارة الخارجية)، بدءاً من مارجريت تاتشر وشيري بلير  في بريطانيا إلى مادلين اولبرايت وكونداليزا رايس وسوزي رايس في الولايات المتحدة إلى ميركل في ألمانيا إلى وزيرة الخارجية الإسبانية …الخ

        هل اعتلاء هذه المناصب جزء من نيل النساء لجزء من حقوقهن؟ يخال البعض ذلك، ولا سيما الاتجاهات النسوية الراديكالية واللبرالية.

        لكن تناول هذا الأمر يجب أن يُؤخذ في سياق قراءة النظام الراسمالي من حيث هو راسمالي ومن حيث هو ذكوري، وذلك لتحديد ما إذا كان تقلُّد هذه المناصب ضمن اقتراب المرأة من المساواة والتحرر أم هو استخدام المرأة، بعض المرأة، ضمن مؤسسة النظام الذكوري مما بلور فئة نسائية “نسذكورية”.

        كل مؤسسة في النظام الراسمالي راسمالية ذكورية بالبنية والأهداف والسياسات. ولكن هناك تفاوت في حدود ودور كل مؤسسة رأسمالية مقارنة بالأخرى. في سياق القضية التي نناقش هنا، تبقى المؤسسة السياسية الرسمية هي المؤسسة الأم، وهي التي تُنيط مهاماً ما بمؤسسة فرعية أخرى ومهاماً بأخرى.

        هذا ما يتضح من الدور الذي تلعبه المؤسسة الحربية والمؤسسة الدبلوماسية وتقاطع وتكامل ادوراهما معاً اكثر من اية مؤسسة أخرى. وبما أنهما مؤسستين أغلب أدائهما في الخارج، فإن دورهما في الوطن العربي دور واضح وخطير. وهما تتقاسمان الدور، تقريباً، كما يبدو بين الذكور والإناث، العسكر للرجال والدبلوماسية للنساء.

        يتجلى هذا التقاسم في سياسات وأعمال حكام المركز في الوطن العربي. فالجيش الأميركي يُعسكر في العديد من الأراضي العربية أكثر مما تعسكر جيوش الحكام العرب. أما اللافت فهو هذا النشاط الدبلوماسي للنسذكوريات في راس المال الغربي. واللافت أنهن لا يبرحن الوطن العربي، بل يتجولن فيه كما لو كن في نزهات قصورهن الخاصة، أو كأن دورهن الوظيفي مخصص لهذا الوطن!

        نقطة التناقض وليس التوازن هنا، أن الحكام العرب ذوي الشوارب الطويلة والمبرومة، والسيوف والخناجر والعباءات، وأصحاب الفخامة وأصحاب العظمة والعواهل وخدم الحرمين ، هؤلاء الحكام يتحولون بقدرة قادر إلى حيوانات داجنة أمام هاتيك النسوة النسذكوريات. يُقدمون الطاعة والخنوع ويقدمون الهدايا من أموال الأمة بالطبع.

        لا يستطيع أي مثف بلاط عربي أن يقول أن هؤلاء الحكام لبراليون وتقدميون ويسعون لمساواة المرأة. هل بوسع احد  الزعم أن اي حاكم عربي وخاصة خادم الحرمين يؤمن بحرية المراة؟ ناهيك عن بقية الخدم في مختلف الأقطار العربية.

        ولكن، لماذا “يُسلِّطون” هاتيك النسذكوريات على هؤلاء الحكام؟ أليس وراء ذلك مغزى إيديولوجياً ثقافياً؟ أليس المقصود: إننا نرسل إليكم نساءً لتعميق إهانتنا لكم، لأننا نعرف انكم لا تتذكرون رجولتكم سوى في غرف النوم، وها نحن نرسل لكم نساء يكسرن انوفكم في العلن أمام شعبكم كي لا تنسوا  ولو للحظة أنكم وُجدتم وتستمرون برغبتنا.

            تفيد قراءة المواقف السياسية لهاتيك النسوة بأنهن كلياً في جانب التطرف الأقصى لسياسات بلدانهن، هن مع العدوان وكافة انواع الحروب وخاصة حين تكون ضد الأمة العربية ولصالح الصهيونية. قد يقول البعض أن هذه هي سياسة الأنظمة وليس عليهن إلا التنفيذ. وهذا صحيح، ولكن الطريقة المهينة التي يعاملن بها الحكام العرب تكشف عن حالة استشراق نسوي رسمي، وأي استشراق هو في التحليل الأخير ذكوري وراسمالي لا محالة.

        تفيد تجارب التاريخ أن النساء أكثر ميلاً إلى السلام، ربما لأنهن هُزمن تاريخياً، من الرجل فبتن ولو من أجل الضدية، بتن ضد الحرب. أما هذه النسذكوريات فهن جزء من المؤسسة الرسمية الراسمالية الذكورية. ولذا، فهن عدوانيات و”كاثوليكيات اكثر من البابا”. وهذا ما يُبعدهن كثيراً عن المرأة كمرأة.

        هذا ناهيك عن العنصر الشخصي الذي يلعب دوراً في طبيعة اداء، أو مظهر أداء هاتيك النسوة. وقد تكون هيلاري كلينتون النموذج الأكثر وضوحاً وفظاظة. من ينظر إلى قسمات وجهها وحركات جسدها وهي تتحدث عن اي قطر عربي، يدرك ان هذه السيدة مريضة ضد العرب، وبأن في جسدها طاقة عدوانية وحقد لو لم تُعلن عنه لذابت وتلاشت على البلاطة التي تقف عليها.

        تلتقي هذه الفئة من النسويات مع فئة الاستشراق النسوي الأكاديمي النساء اللائي يعملن في الأكاديميا الغربية حيث يقمن بدور ذكوري آخر. فهن من جهة يطفن في الوطن العربي بما فيه الوطن المحتل ليُعلِّمن النسويات العربيات أن:  لا تشاركن في النضال القومي لأن نتيجته سوف يحتكرها الرجل. وخلال طوافهن هذا ينتقين نساء محليات يأخذنهن إلى مختبرات التعليم الأكاديمي شكلاً والغربنة والتخارج جوهراً. هذه الفئة وإن لم تكن جزءاً مباشراً من السلطة السياسية في المركز الغربي، لكنها فئة في خدمة راس المال في التحليل الأخير. في خدمته سواء في سياساته الاجتماعية المحلية أو في سياساته ضد البلدان الأخرى.

        وهكذا، تعمل نسذكوريات الغرب بطاقميها السياسي والأكاديمي ضمن أفق وإيديولوجيا ومصالح رأس المال بكل ذكوريته. أما ثالثة الأثافي، فهي في وجود نسويات وأكاديميات عربية وفلسطينية يعملن على نفس خط ونسق البرجوازيات التابعة في هذه البلدان ليؤكدن التبعية الثقافية والأكاديمية إلى جانب التبعية السياسية والاقتصادية.

        وإذا كانت النسوية الجندرية (المضادة للتحليل الطبقي والصراع الاجتماعي على اساس طبقي لا على اساس ما يسمى النوع) إذا كانت نسوية حقاً، فإن التحاقها بالذكورية هي أخطر من الذكورة نفسها. أما في الوطن العربي والأرض المحتلة، فهن توابع للتوابع.


[1]  مقصود هنا المرأة التي تخدم المؤسسة الذكورية مما يجعلها خارج النضال الحقيقي للمرأة وإحدى أدوات راس المال والذكورة في إخضاع المرأة. (أنظر كتاب، عادل سمارة: تأنيث المرأة بين الفهم والإلغاء)