الخائف على ملياراته لن يجازف… هل ينتقم ميقاتي لأميركا؟
(هل نجحت اميركا في الرد على اسقاط الحريري ؟!)
العميد الدكتور امين محمد حطيط
قبل اتفاق الطائف كانت السلطة التنفيذية في لبنان بيد رئيس الجمهورية يتولاها بمعاونة الوزاء الذين يعين منهم رئيسا هو الوزير الاول الذي لم ينص الدستور على صلاحيات فعلية له تتعدى الصلاحيات الشكلية سوى توقيع كل ما يصدر عن رئيس الجمهورية من مراسيم ، و هنا ظهر دوره كصاحب حق الفيتو على قرارات الرئيس ، لكن الرئيس كان يتخطى ذلك بان يخرجه من الحكم بحمله على الاستقالة او اقالته يشكل لبق ، اما بعد الطائف فقد انقلب الوضع و نشأت الازدواجية في النظام اللبناني حيث ان الدستور نقل السلطة التنفيذية الى مجلس الوزراء و حد من صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحد الذي امكن تخطيه و محاصرته و تجاوزه و كانه غير موجود خاصة اذا لم تكن الاكثرية النيابية على وفاق مع الرئيس . و سبب ذلك عائد الى ان الاكثرية النيابية تفرض تعيين رئيس الحكومة ، و الاكثرية النيابية تمنح الثقة . لكن الرئيس يبقى بيده ان يتحكم بقرار الاكثرية في معرض التشكيل حيث قد يعمد الى رفض التوقيع على مراسيم تشكيل حكومة لا تحوز على رضاه . و هنا العيب الاول في النص الدستوري الذي لم يتضمن جهة حكم تبت بالنزاع فحق الرئيس ان لا يوقع الا ما يرضى به و حق الاكثرية ان تشكل الحكومة التي تريد و الا ما هي قيمة الانتخابات النيابية و حكم الاكثرية .
اما حل المعضلة برأينا فانه لا يعدو ان يكون واحد من اثنين الاول خضوع الرئيس لقرار الاكثرية في التشكيل كما انه يخضع لقرار الاكثرية في تسمية الرئيس المكلف و هذا الامر يستكمل التعديل الذي جاء به الطائف لجهة ارساء حكم ديمقراطي يقوم على حكم الاكثرية ، او اقدام الاكثرية على اقرار قانون بتقليص ولاية مجلس النواب و الاحتكام الى الشعب ، و هنا يكون على الرئيس ان يوقع على تشكيل حكومة الاكثرية او يستقيل . اما القول بحصة الرئيس في الحكومة او توزع حصة طائفة الرئيس فهذا امر لا يستقيم مع النصوص الدستورية ، لان دور الرئيس محفوظ في توقيع ما سيصدر عن مجلس الوزراء من قرارات ، و حصة الطائفة محفوظة في وزرائها الذين تأتي بهم الاكثرية . و يبقى الدور الفعلي للرئيس في التشكيل كامناً في مراعاة المادة 95 من الدستور و منع تشكيل حكومة لا تمثل كل الطوائف و لا تراعي مقتضيات العيش المشترك ، و هذا لا يعني وجوب تشكيل حكومة كل الاحزاب ، بل حكومة كل الطوائف . فرئيس الجمهورية في دستور الطائف خسر دوره كحاكم و انقلب دوره الى رمز و حكم و ضابط ايقاع المسار الدستوري من غير ان يعطى – للاسف – من الوسائل ما يمكنه من لعب هذه الادوار كلها بشكل فعال .
اما رئيس الحكومة فهو من غير شك المستفيد الاول من تعديلات الطائف حيث اعطي بالنص جزءا من صلاحيات الرئيس ، و بالممارسة يكاد يصادر قرار الدولة ، بدليل انه ما ان يكلف من قبل الاكثرية التي من المنطقي ان يكون منتمياً اليها حتى يصبح طليقا من اي قيد في التشكيل حيث ان الدستور لم يحدد له بالنص مهلة قصوى لتقديم التشكيلة ، كما ان الدستور لم يلزم الرئيس بنص ما لتوقيع التشكيلة ما يعني ان تطبيق النصوص الحرفي يمكن من ترك البلد من غير حكومة مدة السنوات الاربع لولاية مجلس النواب – طبعا نقول هذا بشكل نظري مع انه قابل للحصول – ثم ان الاكثرية التي سمت الرئيس تصبح اسيرة لمشيئته في التاليف خاصة ان لم يكن يجسد الاساسي من طموحاتها او سياستها العامة ، اذ ان اتفاق بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة المكلف قد يؤدي الى حكومة لا ترضي الاكثرية النيابية فلا تمنحها الثقة و تسقطها و تحيلها الى حكومة تصريف اعمال و هنا تبدا الدوامة من جديد و لكن الرئيس المحجوبة الثقة عنه يبقى حاكما و ان بالحد الادنى فترة تطول او تقصر .
و اذا شكلت الحكومة و نالت الثقة ، فان رئيسها يصبح شبه ملك ، فهو الوحيد الذي لا يمكن تجاوزه في الدولة بسلطتها التنفيذية حتى ان رئيس الجمهورية لا يتمكن مع عقد مجلس الوزراء في غيابه ، و هو الوحيد الذي لا يدرج على جدول اعمال مجلس الوزراء موضوعاً الا بموافقته ، و هو الوحيد الذي ترتبط به المجالس المختلفة التي تنفق 65% من موازنه الدولة (باستثناء الرواتب ) و هو الوحيد الذي ترتبط به هيئات التفتيش و المحاكم الشرعية و لانه ينتمي الى الاكثرية فان احدا لا يحاسبه حتى و لو اهدر 11 مليار دولار من غير مسوغ شرعي او قانون يجيز الانفاق ، و لانه يتحصن بطائفة ، فانه لا يحاكم . و بهذا ينقلب رئيس الحكومة الى رئيس يحكم و لا يساءل تماما كما كان رئيس الجمهورية قبل الطائف ان لم يكن اكثر .
و عودة الى التشكيل ، و من منطلق قانوني نقول ان روح الدستور تفرض تشكيل حكومة الاكثرية الممثلة لكل الطوائف ، اما حرفية نصوص الدستور فانها لا تقدم ما يكفي لالزام رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة بالتقيد بتلك الروح ، و على هذا نرى ان الرئيس المكلف الحالي الذي فاز بورقة التكليف ، ليس مضطرا للاستجابة الى مطالب الاكثرية التي لا ينتمي اليها ، و ان رئيس الجمهورية لا يجد من النصوص ما يلزمه بتوقيع حكومة لا يرضى عنها ، كما ليس في النصوص ما يمكنه من الزام الرئيس المكلف بمهلة محددة ، و النتيجة تكون بقاء لبنان بلا حكومة و بقاء مصالح الناس معطلة و بقاء حكومة تصريف الاعمال التي تمثل من اصبحت اقلية في مجلس النواب هي التي تمارس الحكم بشكل استنسابي ، واقع قد يستمر حتى نهاية ولاية مجلس النواب الحالي ، و هنا تطرح اسئلة كبيرة من حقنا طرحها اعمالا لمنطق البحث و ليس عملاً بمعلومات و نقول :
– هل ان رئيس الحكومة المكلف الخائف على ملياراته الثلاثة من الدولارات ، لن يجازف باغضاب اميركا التي عوقبت باسقاط سعد الحريري و انها ترد بالمثل بمنع تشكيل حكومة الاكثرية و يسهل لها الرئيس المكلف سعيها ؟
– هل ان رئيس الحكومة المكلف و المفاخر بانتمائه المذهبي و الساعي الى زعامة مدينة تقوده الى زعامة في وطن مشتت ، يرى في جولات الصراع حول التكليف فرصة لتعزيز الزعامة حتى و لو كان ذلك خلافا لروح الدستور و لوعلى حساب مصالح الوطن و المواطن ؟
كل ذلك جائز مع اننا نتمنى ان لا يكون شيئ منه صحيحاً ، و مع هذا يجب المجاهرة و بصراحة بان العلة الحقيقة او قل اللوم لا يقع على الاشخاص الذين يتحركون في تجمع بشري كلبنان لم يصل الى مرتبة الوطن الذي فيه دولة ، فالشخص يبحث عن مصالحه الخاصة ، بل ان العلة تكمن في النظام الذي اعتمد دستورا ملتبس المفاهيم ، و لامخرج في الامر الا بتحديد طبيعة النظام الحقيقية و اعتماد النصوص الواضحة التي تترجم تلك الطبيعة … و اقله الان :
– في مجال تشكيل الحكومة ان نحدد حكومة من ؟ الرئيس ؟ الوزير الاول ؟ الطائفة ؟ الاكثرية ؟؟؟
– و في مجال المهل يجب ان تحدد المهلة القصوى التي يسقط التكليف بعدها ( يمكن القياس على المهلة بعد التشكل و قبل نيل الثقة مهلة الشهر)
– اما ما تبقى من صلاحيات و واجبات فينبغي ان يعاد النظر بها كلها ، وكفان تقديس نص لم يات الا بالفقر و التهميش للبنانين .
:::::
المصدر: “التيار” http://www.tayyar.org