مجزرة غزة:
بين اختبار الثورات العربية و”لعبة” إنهاء الانقسام
عادل سمارة
10 نيسان 2011
التصعيد الصهيوني الحالي ضد قطاع غزة لافت إلى حد غير عادي، يلتقي في جوهره مع طبيعة ودور الكيان، ويختلف بناء على اللحظة. ليس تصعيداً عفوياً ولا طارئاً.
هل السبب في اختلاف المناخ المحلي أم القومي أم الدولي، بل ربما مختلف هذه المناخات فالكيان يأخذ كل هذه بالاعتبار. لنرجع بضعة أشهر إلى الوراء حيث كان هذا العدوان مترافقاً مع بدء الثورة في تونس ومصر وجرى تأجيله لقراءة المناخ الجديد ولكي لا يكون العدوان محركاً مساعداً للثورات والانتفاضات العربية.
لا يخفى أن الكيان الصهيوني شديد القلق، وهو قلق لا يبدو على السطح كثيراً، قلق من تغيرات الوضع القومي العربي باتساع هذا الوطن. كما لا يقف الأمر لدى الكيان عند مجرد القلق، بل يتعداه إلى الدخول في التطورات سواء بتخريبها او تجييرها عبر كونه شريكاً الأكثر استفادة من الثورة المضادة في الوطن العربي.
رغم شراسة العدوان، وهو متوقع من العدو، فذلك لا يعني قط أن العدو في وضع مستريح ومطمئن. ولا بد ان نأخذ بالاعتبار أن هذا العدو يبني ارتكازه دوماً على التفوق في السلاح، وهو الأمر الذي يزوده به المركز الراسمالي العالمي وخاصة الولايات المتحدة متعهد /مقاول الذبح على صعيد عالمي. والعدو نفسه يدرك ان هذا الأمر لا يحسم الصراع وإن حسمه في مرحلة فليس هو الأداة القادرة على الحسم دوماً، هو سلاح لا بد ينثلم.
لكن الكيان يعيش بعد الثورات العربية ازمة تطرح مجرد وجوده للتساؤل رغم قوة السلاح حيث لا يمكن لبلد أن يعيش إلى الأبد على أسنة الرماح. ففي العقود الأخيرة فقد الكيان حلفائه في المنطقة بدءاً من إيران إلى تركيا فمصر. كما ان الشارع على صعيد عالمي آخذ في الضجر بسياسات الكيان ومجازره وعنصريته عموماً وخاصة ضد الشعب الفلسطيني، وهو أمر يمكن أن يتطور إلى ضغوطات من الشعبي إلى الرسمي على صعيد عالمي. ورغم تراجع جولدستون عن تقريره عن العدوان على غزة، وهو على اية حال ليس يتيمة الدهر، فإن الراي العام العالمي لن ينجر وراء تخاذل غولدستون الناجم عن ضغوطات غربية وصهيونية، بل يكشف التراجع بأن القانونيين والحقوقيين في الفكر اللبرالي الراسمالي ينتهون عبيداً للعقيدة والسياسة والمصالح.
قد يتعلق الأمر بمصر قبل اي قطر عربي، مما يعني أن العدوان على غزة يهف فيما يهدف لاختبار طبيعة النظام المصري في حدود اختلافه عن نظام مبارك، كيف وإلى اي مدى. وهنا يكون الهجوم على قطاع غزة هو باروميتر هذا الاختبار. كما أن هذا العدوان هو إحراج لمصر ما بعد مبارك بمعنى: ما الذي يمكن لمصر أن تفعله أمام هذا العدوان الوحشي؟ وكما يبدو فإن دور مصر الحالية تجاه ليبيا، وهو دور سلبي ومحزن وربما اسوأ[1] وقد لا يكون الخلل في سياسة النظام وحسب بل ربما لأن جيش مصر من الخمول بحيث تحول إلى شركة محلية صراعها مع الشعب وعقيدتها استسلامية. لقد ترك نظام مصر الحالي الأمر في ليبيا لقطرية صغيرة وعميله مثل قطر مما طمأن الكيان إلى أن مصر ما تزال بعيدة عن إثارة مخاوفه وقلقه القريبين على الأقل. لكن مع ذلك كان على الكيان أن يختبر مصر بشكل مباشر وها هو قد فعل. نقول مصر لأن معظم الأنظمة العربية ابعد ما تكون بعد عن التفكير في مواجهة الكيان وقسم منها وخاصة النفطي مع تصفية القضية الفلسطينية.
ولا شك ان انحطاط الجامعة العربية وخاصة أمينها العام إلى حد استدعاء الغرب الراسمالي لتدمير ليبيا قد اشعر الكيان بان المناخ “جميلا” للعدوان على غزة وليس هذا فحسب، بل سيكون الضرب هو ضرب نفسي ضد المشاعر القومية التي تشعر بالخذلان الرسمي العربي وعلى العدو تعميق ذلك الشعور.
كما أن الكيان قلق على الأرض بمعنى أن خاصرتيه الشمالية والجنوبية تعانيان ضغطاً من المقاومة الأمر الذي أدخل سكانهما من المستوطنين إلى الملاجىء مع اية صفارة إنذار، وهذا يهز الجبهة الداخلية التي اعتادت على الاسترخاء.
وربما هذه المرة الأولى في تاريخ الكيان المرتكز على فزاعة الأمن، بمعنى أن الأمن الصهيوني معرض لتهديد حقيقي من المقاومة هو على الأقل لجم العربدة التي كانت تتكرر بلا ردود، وهي التي راكمت في مجلس الأمن أكواما من الشكاوى العربية.
لقد تحرر الكيان هذه المرة من محاولة اللجم الأميركي له مع حصول الثورات بمعنى أن ابعاد هذه الثورات في المدى المباشر واضحة وعليه فإن العدوان لن يحرك الشارع العربي كثيراً أو باتجاه فلسطين. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن الكيان يستغل الان النصف الثاني من رئاسة أوباما وهو النصف الميت أو البارد في السياسة الإمبراطورية الأميركية حيث تنخرط الإدارة الميركية في محاولة ضمان الرئاسة القادمة اي في أمور داخلية أكثر من الأمور الخارجية. وهذا لا يعني توقف وحشيتها على صعيد عالمي وإنما التركيز على أولويات.
ويأخذ الكيان بالاعتبار أن هذا العدوان سوف يساعده على اكتشاف ما هو وضع حماس والمقاومة في غزة، ما هي أسلحتها الجديدة ما هي فاعليتها؟ كم عددها وحتى لماذا لا يحاول استنزافها في معارك محدودة كي لا يمكن استخدامها في عدوان موسع هدفه تصفية سلطة حماس بأجمعها؟
تؤكد مجمل هذه العوامل أن الكيان مشغول بمسالتين هما الأهم في هذه اللحظة:
· التقاط الأنفاس أمام الثورات والانتفاضات العربية وخاصة بعد نشاط الثورة المضادة
· المشاركة الناشطة في الثورة المضادة نفسها إما عبر عملائه المباشرين اي شبكاته للتجسس والتخريب أو عبر قوى تعلن عمالتها كما هي 14 آذار في لبنان.
قد يكون مبكرا القول إن الكيان سوف يجر سلطة الحكم الذاتي سريعاً إلى مفاوضات مباشرة او غير مباشرة، لا فرق، لذا يكتفي بالتنسيق الأمني ومطاردة المقاومة في غزة بالطائرات وفي الضفة بالمخابرات وكل ذلك في خدمة “نعيم” الاستيطان ومصادرة الأرض والنظر بعين الرضى إلى الفساد في سلطة الحكم الذاتي.
وهذا يفتح على الجمود في المقاومة في مناطق الحكم الذاتي وعلى انشغال الكثيرين في ما يسمى “إنهاء الانقسام” بدل إنهاء الجمود الوطني. لذا، لا يصدر مجرد احتجاج على المذبحة في غزة مقابل انشغال حتى الانهماك في “لعبة إنهاء الانقسام”.
وعلى اية حال من الطبيعي التوصل إلى تهدئة كي يتفرغ الكيان لقراءة ما حاول فهمه وتفهيمه للعرب خلال هذه المجزرة ومحاولته رد الأنفاس للمستوطنين الذين يريدون كياناً لا شر فيه ولا حر!
[1] هناك كتابات وتقارير بأن مصر ترسل اسلحة للمتمردين في ليبيا!!!