ماذا نريد لسوريا؟

ماذا نريد لسوريا؟

مع الشعب والتاريخ أو مع “البسماركية” السعودية

المثقف المشتبك منحاز بالضرورة

عادل سمارة

17 نيسان 2011

ردَّ شكرٍ  إلى وسام رفيدي وكل الغيارى

(إن تعاطي المنتمي وحامل الهمِّ سواء وطني أو قومي أو طبقي غير تعاطي من أُعطب بالفردانية التي “وعظت” بها الأفعى البيضاء مارغريت تاتشر. فالمثقف النقدي وحده لا يكفي. وحده المثقف النقدي/المشتبك الذي ينقل حرب غوار الثقافة إلى حرب غوار النضال الوطني والصراع الطبقي).

حين تنفتح أو تُفتح ابواب العالم، لا يمكنك إغلاق الباب عليك حلماً بالأمان، ولا حتى بالأمن. هذا مكوِّن اساسي من مكونات حقبة العولمة، رغم أنها تترنّح. بل لأنها تترنح لا بد أن تكون اكثر عدوانية وشراسة. واين؟ هنا، نعم هنا. فحين تضيق موارد الفرد او الطبقة يصبح ما تبقى لديها أكثر قيمة معنوية ونفسية كما يقرأ الاقتصاديون المبتذلون المنفعة الهامشية، وأكثر قيمة مادية كما يقرأها الاقتصاديون الاشتراكيون، وفي القرائتين يصبح التمسك بها اشد وأعلى. هذا ما يفسِّر استشراس الوحش الراسمالي الغربي اليوم في الوطن العربي حيث الثورات تمور فيه. ولا حاجة لنراجع تصريحات قادة الغرب في العواصم العربية وفي ميادين الثورات وكأنهم يتحدثون عن بلدانهم. إنه حديث يبين كأن العرب في الوطن العربي عابرون معتدون وحسب! ومع ان هذا التقوُّل من جانبي ليس شعراً ولا حماسة، ولكن تصريحات قادة الغرب في أجمل صورها مُهينة والعار لمن لا يُحسّْ.

لنقل أن الثورات العربية وجهت للثلاثي (الغرب الراسمالي والكيان الصهيوني الإشكنازي والتوابع العرب ساسة ومثقفين وراسمال) ضربة شديدة وغير متوقعة جوهرها احتمال تناقص وربما توقف نزيف الثروات إلى المركز وتراجع معدل الربح وتدنِّي التراكم مما يخلق بالضرورة عدم استقرار في المركز نفسه، وهذا مفتاح الثورة الاشتراكية، على الأقل حتى اللحظة.

وبالمقابل، فإن العدو الثلاثي يشن هجومه المضاد على الوطن العربي. هو هجوم مضاد في غاية الشراسة. ما يسعدنا في هذا الهجوم أنه جوهري دفاع من المركز عن وضعه الاستعماري الاستغلالي. للمرة الأولى يصبح المركز الإمبريالي في حالة دفاع، وإن كان دفاعه هجوما، فهو على الأقل فقد عنصر المبادئة، أو التقطناه ولو للحظة.

وهجوم المركز موجه ضد محورين يشكلان الخطر الحقيقي:

· محور المقاومة في لبنان والعراق والأرض المحتلة، وذلك لأن المقاومة أبرزت متغيراً لم يكن من قبل. فلم تعد الأنظمة هي التي تمثل وجه هذا الوطن، بل برزت المقاومة والممانعة كطرف مضاد يكتسب جمهوراً متزايداً كلما ارتفع منسوب الوعي السياسي الطبقي تحديداً. يتعرض هذا المحور لهجمة شرسة من الثلاثي ولا سيما الطرف العربي منه (ساسة ومثقفين) لأنهم استمرؤوا العيش تحت الاستعمار والاحتلال والتبعية فغدت المقاومة والممانعة والانتصار محرجة لهم. يردد هؤلاء مع هيلاري أم مبارك بقي 30 عاماً والقذافي اربعين وصالح أقل قليلاً، والأسد منذ ايام نوح، ولكن لا أحد يذكر آل سعود المنتخبين بشفافية إلكترونية، أما حكم الاستعمار الصهيوني وهو الأطول في التاريخ، فلا ينشغل به هؤلاء. ألا يحتاج هذا لتفكير عميق؟

· الحضور الهائل للثورات العربية على تنوع الاجتهادات الشعبية. وهي اجتهادات لها علاقة وثيقة بأمرين يشكلان جامعا ومشتركاً عربيا وبأمور اخرى تمثل الخصوصيات القُطرية. فالجامع هو

o تجويف وعي الدور الكفاحي للقوى السياسية والقطاعات الطبقية والمجتمع عامة.

o وتجريف الثروات ارتكازاً على تجويف الوعي والاعتقاد بأن الأمة في موات[1].

أما التنوع بناء على الخصائص القائمة على مستوى تطور كل قطرـ ومنحى تطور[2] كل قطر وحتى جغرافيا كل قطر، فاتضح في ثورة شعبية في تونس حركتها القوى الشابة وتحديداً المتعلمة والمحرومة من العمل ودعمتها بشكل مباشر القطاعات الطبقية وخاصة العمالية. وجاء اجتهاد نفس القوى في مصر، سواء من الطبقة الوسطى والتي استقطبت الطبقات الشعبية بأوسع مما تصورنا وارتكزت اساساً على النضالات الطبقية للعمال في مصر رغم أن العمال لم يبدأوا الانتفاضة لكنهم شكلوا كعادتهم القاعدة الحديدية للثورات. وجاءت التجربة اليمنية التي استطالت كحالة شد وجذب بين قوى الرفض الشعبي وقوى دعم النظام ولا تزال. أما تجربة البحرين فأتت محاولة شعبية تتجاوز التقسيم الطائفي مما استدعى العدو الثلاثي إلى البحرين نفسها لحسم الأمر بالقمع هناك وصياغة نهاية مأساوية للثورة عبر تطبيق بسماركية تعيد التاريخ إلى الوراء.

ثم الحراك الشعبي في ليبيا وسوريا، وهو الحراك الذي جرى اغتياله فوراً بطريقتين من التدخل الخارجي،  ولكن لماذا أو كيف؟

بشأن ليبيا، اتضح على الأقل من التقارير والدراسات التي كتبها خبراء ومفكرون مطلعون في المركز (نحن ليست لدينا مصادرهم…لكن لدينا جرأة “الفتوى بغير علم”) أن المعارضة الليبية كانت على تواصل مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا خاصة منذ عقود. مثلا، خليفة حنتر قائد قوات المعارضة كان يعيش في كاليفورنيا ويعمل مع ال سي. آي إيه. وبدون  أن نتحدث عن الدافع النفطي وراء العدوان، يكفي ان نلاحظ أن هذه المعارضة قد مُنحت إقامة بنك مركزي قبل ان تتحول إلى سلطة ذات سيادة، وهذا استثناء لم تسمح به دول المركز إلا في حالتين في تاريخ الصندوق والبنك الدوليين، وهما من نفس الفئة:

تقديم البنك الدولي قرضاً لكرواتيا اثناء انفصالها عن يوغسلافيا، وقبل أن تصبح دولة، وتقديم مساعدات للحكم الذاتي قبل أن يصبح دولة، وهذه حالات لم تنص عليها لا ديباجة إقامة ولا صلاحيات البنك الدولي. بل لقد زعم البنك الدولي أن هناك نظاماً بنكياً في الأراضي المحتلة 1967 قبل 1993، وذلك اثناء مقابلة معي عام 1993، حيث أكدت لوفد البنك الدولي ان ما في الأرض المحتلة هي 38 فرع للبنوك التجارية الصهيونية. بمعنى أنه كان لا بد من كذب ما ليتم تركيب التزوير عليه. أضف أن ليبيا كانت تدفع باتجاه الدينار الإفريقي كبديل للدور واليورو، كما كان يفعل العراق البعثي، وهذا كان سبباً اساس في ذبح العراق[3].

وليست هذه المقالة لقراءة الثورة المضادة، ولكنني أود الإشارة إلى مسألة في غاية الخطورة وهي في الحقيقة من أخطر هجمات الثورة المضادة. فالولايات المتحدة الآن تتوسط بين طرفي الصراع في اليمن، وقيادات المركز الإمبريالي تأتي وتروح إلى تونس ومصر، ولا أود الحديث عن اقطار أخرى، إنما المهم أن الرسالة المبنية على هذا التحرك والتي مفادها،: ايها الشعب العربي، ما تزال الخيوط بأيدينا نحن الغربيين. ألم يكن من العار أن تجرؤ وزيرة خارجية أوباما على دخول ميدان التحرير؟ وددت من هذه الفقرة الإشارة إلى أن ما كنا ندعو له عربياً بأن يتم الطلاق بين الشعبي والرسمي قد حصل ولو جزئياً، ولكن بقي أن يشعر الشعبي العربي أن الغرب الراسمالي عدو بالمطلق. وكل عربي لا يعرف هذا عليه أن يحاول، وليعلم أنه تأخر كثيراً. فغياب موقف قطعي من الغرب الراسمالي هو تفكك في التماسك القومي والطبقي معاً، وهو ما يجعل احتلال وتدمير قطر عربي كالعراق أمرا عادياً، ويجعل تمزيق ليبيا أمراً بسيطاً واختطاف سوريا أمراً…لدى كثيرين أمنيةً!

حالة سوريا

مع بدء الحراك الشعبي في سوريا كان كذلك الحراك من الثورة المضادة. وعلينا أن نتذكر أن بدء الحراك المضاد من خارج سوريا جاء بعد أن اتضحت ملامح الثورات في مصر وتونس، واصبح الأعداء في لحظة التقاط الأنفاس، لقد توقع الكثيرون أن العدو سيعوض ساحة مصر بسوريا، هذا إلى جانب أن هدف ضرب سوريا هو على أجندة العدو باستمرار[4] :

“… في مقابلة للجنرال الأميركي ويسلي كلارك مع راديو  اليمقراطية الآن Democracy Now في الولايات المتحدة، قال  إن جنرالا أميركياً آخر قال له بعد عشرة ايام من تفجيرات 11 ايلول، أن قرار الحرب على العراق قد أُتخذ. اما كلارك فأخذته الدهشة: متسائلا: لماذا؟ وكان الجواب: لا أدري… أعتقد انهم لا يعرفون ما عليهم أن يفعلوا!. ولاحقاً قال نفس الجنرال بأنهم خططوا شطب سبعة دول في خمس سنوات: العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، إيران، السودان، الصومال”.

ماذا بقي من السبعة؟

في المقالة السابقة كنت أدافع عن سوريا الوطن في وجه العدوان قيد التنفيذ وليس فقط المؤامرة الخارجية، وفي هذا المستوى لم يتغير موقفي قطعياً. وحاولت، إن اسعفتني اللغة أن أفصل بين النظام وبين الوطن، وما زلت أفعل. وأعتقد ان هناك خللا، أو قصداً  لدى البعض بحيث يُدغم النظام بالناس والوطن، وهذا  شائع في أوساط الفلسطينيين فكثيرا نسمع وما زلنا أقوالا مثل: العرب….الخ دون أن يتم الفصل بين الأنظمة والناس. وطالما الحديث الآن ماذا نريد من سوريا او لسوريا، فإن هذا يُبرز سلسلة أسئلة جوهرية. والتذكير لازم هنا، بأننا نحلل ولا نقرر ولنا موقف مع الوطن بلا مواربة. ما يقرر هو الشعب العربي في سوريا، وليس الإعلام المسموم والمفضوح بجنرالاته من المذيعين/ات.

إذا افترضنا أن النظام السوري نظام ممانعة ونظام قومي ونظام لديه توجهات اشتراكية، هنا نقول للنظام:

نعم، لماذا كان  التوريث؟ هل كان للرئيس حافظ الأسد ان يورث ابنه لو لم تكن هناك بنية مكتملة وجدت في انتخابات حرة تهديداً لمصالحها؟ فكان التوريث حفظاً للتوازن داخل النظام نفسه، وهو الأمر الذي كما أعتقد حال دون إصلاحات في عهد الرئيس بشار الأسد الذي كما يُقال كان متحمساً لإصلاحات ما. وهذا ما حاولت توضيحه في الإشارة إلى النومنكلاتورا والتي ما تزال تلعب دورا من موقعين:

فريق منها خارج سوريا

وفريق داخل النظام نفسه وله سطوته.

وكلاهما يزعم الإصلاح الآن وهو جاهز لإلقاء سوريا في مخطط الشرق الأوسط الجديد. ومن الطريف الإشارة هنا إلى أن هذا إن حصل، فإنه سيعود بسوريا بضعة عقود تبدأ كبداية سقوط مصر إي ما بعد عبد الناصر بحيث تمر سوريا في هذا المعبر الأسود الطويل. هذه هي المصالح الطبقية، وهذا دور من يمسك بالسلطة السياسية في تمكُّنه عبر ذلك من تغيير كل شيء.

إذا كانت الأنظمة المتخارجة لصالح وباتجاه الإمبريالية والصديقة للكيان الصهيوني الإشكنازي،   بحاجة لثورة حتى تقوم بالإصلاح، فإن الأجدر بالنظام في سوريا بما هو نظام قومي وتقدمي وممانع ومناهض للإمبريالية، كما يعرض نفسه، أن لا يحتاج إلى ثورة ليقوم بالإصلاح بل أن يكون مثلاً يُحتذى بمعنى أن يقطع الخطى نحو :

التنمية

مغادرة نظام السوق

الدمقرطة والحريات

القطع مع النظام الراسمالي العالمي

لو حصل هذا، لكانت الخطوة الحالية في سوريا هي إعادة قراءة الواقع باتجاه ثورة اشتراكية. وهذا سؤال إلى مختلف الثورات العربية: الإصلاح لا يكفي والديمقراطية لا تكفي وخاصة على نمط الديمقراطية الغربية التي تلاشت مضامينها كي تتلخص في مقولة مارجريت تاتشر: “ليس هناك من شيء اسمه المجتمع، هناك الفرد، وربما الأسرة”. هذا القول مقصود بها سحق اي تضامن أو تماسك اجتماعي وطني عندنا وطبقي عندنا وعندهم، ليبقى الفرد وحده حالة عائمة هائمة لا تقوى على تغيير اي أمر. هذه الفردية اقل خطورة في المركز لأنه تجاوز خط الجوع وخط التخلف التقني وتصدر قائمة الإنتاج عالمياً وظل قادر على نهب الآخرين. فماذا لدينا من كل هذا حتى نتفرَّد فرداً فرداً؟ من هنا أهمية القتال بالنواجذ لتثبيت السرديات الكبرى في الوطن العربي القومية والاشتراكية.

كل هذا لم يحصل. وليس ما أقصده هنا إعادة قراءة سياسات النظام في سوريا سواء فيما يخص الإسكندرون، أو الجولان أو الحرب على العراق أو الدخول إلى لبنان بموافقة أميركية…الخ فهذه معروفة.

لم أناقش هذه وغيرها في المقالة الأولى لأن تركيزي كان على ما يدور حالياً على الأرض. ولأنني أزعم أن المؤامرة تستهدف كسر سوريا بما هي ما تزال دولة الممانعة الوحيدة. بل وهي التي لولا وجودها لكان حزب الله الذي هزم الكيان، قوة نظيفة ولكن بدون سلاح يتناسب مع الجاهزية النضالية التي تحمي لبنان وتهزم العدو.

قد يقول البعض ان النظام السوري دعم حزب الله والمقاومة تكتيكياً وأنه لو عُرضت له الجولان لتوصل إلى اتفاق مع الكيان الصهيوني الإشكنازي واعترف بهذا الكيان. وهذا البعض في أغلبه فلسطيني استمرىء الهزيمة واستدخلها وأقنع نفسه أن هناك متعة تحت الاستعمار الاستيطاني  وصار ينافحنا بالنيابة عنها. واختصاراً للسفسطة  والمماحكة اقول ربما. لكن ما يهمني هو شد الهمم وليس استدعاء الهزيمة بالتمني على من لم يركع، أو انحنى قليلا بأن يركع. ويكفي التذكير هنا ان الكيان لا يَعرض ولا يعطي. ومثال سيناء واضحاً، فهي محتلة والوجود الشرطي المصري فيها هو لحماية امن الكيان، هذا إذا لم نتحدث عن اوسلو-ستان. ربما قرأت سوريا هذا النمط من العرض؟

هذا هو الحد الفاصل بين الموتورية الهزائمية وبين روح المقاومة حتى في أحلك الأوقات. بمعنى، أنه طالما أن النظام السوري لم يركع فما الفائدة والحكمة في ترويج ثقافة دعوته للتخاذل؟ أليس الأصح أن ندعم جانبه المتماسك وننقد جانبه المساوم او غير الديمقراطي. من حق الجميع نقد النظام والتركيز على عدم ديمقراطيته ونقد التوجه الواضح إلى السوق. بل إن التذكير بهذه الخطايا يساهم في إحراج النظام ليقوم بإصلاحات ما. ولكن إلى جانب هذا لا بد من الحرص على عدم دفع النظام إلى التساقط الوطني والقومي والاقتصادي كذلك لا سيما في هذه الفترة بالذات التي نزعم فيها أن إسقاطه بقوى خارجية ومشبوهة يعني مجيىء نظام عميل بالمليان.

هناك من يرفض هذا التحليل، ويرتكز على المقولة العامة بأن الشعوب لا يُمكن أن تُخدع، وبأن تغيير النظام في سوريا لن يكون إلا إلى الأفضل. حبذا، لو كان هذا الاعقاد مطلقاً في اليومي كما هو في التاريخي. ألم يُخدع الشعب الفلسطيني بأوسلو رغم وضوح هذا الاتفاق بأنه اعتراف بالكيان على أرض الشعب نفسه؟ ألا يزال هنا العديد ممن لديهم جاهزية القتل لمن يحاول إسقاط اوسلو؟ وحين يتعمق النقاش مع هؤلاء، يخرجون عن مدارهم ليقولوا: المهم سقوط هذا النظام السوري. وهنا تختلط عليك الأمور، هل هؤلاء من الموتورين ؟ أم من الفوضويين، أم من عشاق الديمقراطية حتى ولو تحت الاستعمار؟ أم سُذَج.

قد تساهم في إنارة هذه التساؤلات معرفة من هي القوى التي تحاول إسقاط النظام من خارج سوريا. حين يكون فريق 14 آذار، والسيد بندر بن سلطان، ومجموعات مأجورة يتضح من منطقها الفقر للوعي وشدة الحاجة، وهي آتية من محيط سوريا تكون النتيجة من الوضوح بحيث تشرح نفسها.

ومن هنا، طالما نجيزلأنفسنا التفريق بين النظام وبين الشعب، لماذا لا نفرق بين الاحتجاج الشعبي وبين اندساس العملاء وأدوات سادتهم؟ من الطرافة بمكان ان كثيرا من المثقفين العرب يرفضون الإقرار بوجود هؤلاء المدسوسين والعملاء، بينما تعج مقالات غربيين بالحقائق عنهم. يجب أن لا يغيب عنا أن المقاومة العراقية التي انهكت الوحش الأبيض هي التي حمت سوريا، وأن سوريا بالمقابل طالما آوت المقاومة العراقية، ولذا، يقوم عراق الطائفية والاستعمار بزج عملائه إلى داخل سوريا…فمن يغضب!. ما السبب في رفض مثقفين عرباً رؤية لوحة الاشتباك العملي؟ هل هو استمراء الهزيمة؟ هل هي لذة العلاقة بالمسيطر؟ هل هو اعتياد الحياة تحت نير الاستعمار؟ هي على الأقل ما “أبدعته” السيدة تاتشر، أي الفردية وفي افضل الأحوال أنا واسرتي.

وبعــــــــد

لم أكن سعيداً بخطاب السيد الرئيس لا الأول ولا الثاني. قد يقول البعض إن ملامح التغيير لا تأتي في ايام، وهذا صحيح. ولكن تجربة عقود طويلة من عدم الإصلاح، بل عدم التغيير الثوري، لأن ما نريده تغييراً ثورياً في التحليل الأخير،  هذه العقود ليست خطيئة الشعب العربي في سوريا وإنما النظام، وهي نفسها ما تبرر للأنظمة المتعاقدة مع الغرب القول: بأن لا فرق بينها وبين نظام قومي الاتجاه. وبسبب هذا التاريخ الطويل، يُصبح من المبرر الاحتجاج والمطالبة بتغيير حقيقي.

لماذا لا تُطرح حرية التشكيل الحزبي مباشرة ما خلا التنظيمات التي تقوم على مواقف:

· الاعتراف بالكيان الصهيوني

· الإقرار بالتبعية للمركز الراسمالي

· التعصب الديني

· الانتماء الطائفي

· الذكورية

· النسوية البحتة.

· عدم تحرير الأرض العربية المحتلة من سوريا والوطن العربي

فلا اجتهاد خارج حدود الوطنية. هذا تاريخ العالم باسره.

لماذا لا يعلن الرئيس متى تنتهي ولايته ومتى تُفتح الأبواب لانتخابات ديمقراطية لإقامة جمهورية برلمانية تكون المواقف أعلاه من مرتكزاته.

لقد تحدث الرئيس عن التظاهرات، وكان الحديث موارباً. نعم هناك من قاموا بأدوار تخريبية وإرهابية، ولكن بالمقابل، لماذا لا يُترك للناس مواجهتهم، فلتدافع كل طبقة عن حقها؟ لماذا لا تتشكل لجان شعبية للدفاع عن المتظاهرين والتقاط العناصر العميلة او المستعربة؟ نعم المستعربة، فما الذي يمنع تهريب عملاء صهاينة من اليهود العرب إلى سوريا كما حصل في لبنان؟

لا خيار سوى الاعتماد على الشعب. إن اي تخوف يقع فيه النظام من الشعب، يعني أن هناك أخطاء خطيرة تضعه في هذه الخانة. ولكنه، وهذا الأهم، يعني أن على النظام الإسراع في اتخاذ خطى واسعة وثابتة للتغيير.

إذا كان لنا القول اكثر، فإن النظام في سوريا في سباق مع الزمن، وفي سباق مع الثورة المضادة التي ستقاتل بعنف لمنع الإصلاح فما بالك بالتغيير. وهذا يطرح احتمال صراع داخل النظام نفسه، فالنمنكلاتورا، هناك في سوريا وفي محيط سوريا.

من بسماركية صدام إلى بسماركية الوهابية

حتى في مناخ الثورات يعيد التاريخ نفسه في بعض جوانبه كمأساة. حينما استعاد عراق صدام حسين الولاية العراقية التاسعة عشرة أي الكويت، سبق العرب العجم في الهجوم عليه بذرائع واهية أقواها أن الكويت عضو في الأمم المتحدة. واصطف العرب في ذيل الغرب الراسمالي في الهجوم على العراق، واستل الكثير من المثقفين “أحباء الديمقراطية” سيوفهم الماضية لينهالوا على العراق. أما اليوم وبعد أن ذُبح العراق فالكل يبكيه، حتى قتلة العراق يبكونه مما يخلط المشهد إلى حد الحيلولة دون معرفة الأصيل من الدخيل. ولا يُسعف هنا سوى العودة للأرشيف.

أ       ُثيرت آنذاك مسألة البسماركية، اي كيفية قيام بسمارك بتوحيد ألمانيا بالقوة العسكرية لدولة بروسيا. كان “أعظم” ذرائع هجوم المثقفين اللبراليين وحتى الشيوعيين اللاقوميين، بأن هذا العصر ليس عصر البسماركية وأن صدام جاء متأخراً كما انه ديكتاتوراً، وأن حزب البعث قُطري سواء في العراق أو في سوريا…الخ. لقد شرب الكثيرون نخب احتلال العراق، ولا أخال أن ضمير أحدهم قد تألَّم ألماً حقيقياً حتى الآن.

قبل اسابيع قامت قوات سعودية وإماراتية وكويتية باحتلال البحرين، ولا شك ان ذلك كان بتنسيق إن لم نقل تخطيط أميركي وغربي عموماً. اي قامت انظمة قطرية غير وحدوية ولا تقدمية ولا معاصرة ولا حداثية، أنظمة يعتقل كل رجل زوجته متسلحاً بالوهابية، وتعتقل الدولة كل النساء ومعظم الرجال، قامت باحتلال قطر عربي صغير مخافة أن ينتقل إلى عصر الثورة الأولى، اي الثورة الديمقراطية.

لست أدري بالطبع ما هي شدة مواقف المثقفين العرب تجاه هذا الاحتلال؟ لكنني أزعم معرفة أن هناك صمتاً من كثير من الأقلام في الأرض المحتلة! وخاصة الأقلام التي لا يسيل مدادها إلا ضد سوريا وجوهريا ضد القومية فما بالك بالإشتراكية؟

أجابني البعض بأن البحرين بعيدة، لذا كان الاهتمام بسوريا. لا باس ولكن أليس العراق بعيدا كالبحرين تقريباً، مع تواضع رأسي في الجغرافيا؟ لماذا كانت الهجمة على العراق ثأرية؟ هل هناك موجهاً سعودياً لهذه الأقلام مباشرة او لا مباشرة؟

لقد استنتجت في هذه الجدل أن معظم مثقفينا والمواطنين مضمخين بإقليمية فلسطينية جاهلة تماماً، تجهل أن مصلحة الشعب الفلسطيني ليست في رفض القومية، بل في التمسك الأشد بالقومية لأن القومية تعبير عن الوجود الموضوعي والتاريخي للشعب العربي. تحررنا وتحريرنا لن تكون فلسطينية محضة، ولا فلسطينية اساساً. لقد لاحظت أن أغلبية مثقفينا تنعم تماماً ب “ديمقراطية” تحت الاحتلال، ينتظرون قدوم “دولة” يأكلون ويشربون ويُنجبون بلا حسابٍ! أليس هذا هو التطبيع وداء الأنجزة؟

واستنتجت أن صدام حسين لم يكن تأخر في بسماركيته عن الحقبة التي تناسبها، بل كان قد سبق المرحلة بمرحلة. فلو كانت مصر الحالية مثل عراق صدام حسين من حيث البعد القومي لكانت ضمت ليبيا “إلى حضنها” وخاصة في لحظة الثورة والفوضى التي يمور بها الوطن العربي. ولكن، أزعم أن الأقلام نفسها كانت ستهجم على صدام حسين حتى والسعودية تقوم ببسماركية بالمعكوس. وهذا يرغمني على ممارسة “لا تأدُّبي” فاسأل: هل المال وراء هذا؟ أختم بقول السيد المسيح: “لا تعبدوا إلهين: الله والمال”. سيدي، ما أخطر أن يُعبد المال من أين أتى! ولكن، ايها التاريخ، لأن هذا عصر راس المال الذي نعرفه، لن نصمت حتى تُذبح سوريا ثم نبكيها كالعراق وفي الحالتين، نخون فلسطين.


[1] أنظر

https://kanaanonline.org

الأعداد 2510, 2511 و 2512.

[2] علينا التنبه بان تطور كل قطرية عربية باتجاه ما لم يكن قط بناء على ظروفها بل كان ورائه قرار سياسي من النظمة القطرية التي قامت ب “تطوير اللاتكافؤ في الوطن العربي” للابتعاد قدر افمكان عن أية ضرورة موضوعية للوحدة. أنظر عادل سمارة، دفاعاً عن دولة الوحد، إفلاس الدولة القطرية، منشورات دار الكنوز الأدبية، بيروت2003 الفصل الأول من ص 15-68.

[3] أنظر عادل سمارة، المشروع القومي واليورو واحتلال العراق في مجلة كنعان، العدد 115 تشرن أول 2003 ص ص 15-25.

[4] انظر