العرب ولعبة الدم

 

العرب ولعبة الدم والدين والديموقراطية

أحمد حسين

 

        ألإسلام في المجتمع العربي مهنة اجتماعية مجانية، في مجتمع غارق في التخلف المزمن، خال من وسائل تحقيق الذات، يتلاطم فيه الجدل تلاطما عشوائيا وفرديا. ظاهرة الفرد المنتمي اجتماعيا، لم تتحقق طيلة العصور الهجرية القاحلة من أية إيجابية تطورية للوعي، فظل الهجريون ظاهرة جمعية مثل مجتمع البحارة أو المسافرين في سفينة مهددة بالغرق. ناس يتحركون في مساحات فردية متحاذية بصدفة الجغرافيا، ومرتبطون بصدفة العلاقة الشخصية وحدها. وهي علاقة الإرتزاق المتبادل، وتداول المنافع المادية، ليس لها أي عمق أو منهج معنوي سوى التظاهر والرياء والنفاق الديني. وحتى هنا في هذه الأخيرة فإن التعمق الشكلي، كان يصب في مصلحة التحايل، وإثراء النصوص بدجل المصلحة الفردية. فقد تكفلت حركة النخبة الفقهية، كنخبة وحيدة على الساحة، بوضع نظام سلوكي مجرد فريد من نوعه، هو انعدام المنهج العقلي والإجتماعي في توظيف السلوك، والإعتماد على عشوائية المصلحة الأنية، ببلاغة تدجيلية ومنطق شكلى وغيبي خاص في نفس الوقت. تحت ضغط هذه الفوضى والتفاهة السلوكية المتبناة شرعا، تكونت الشخصية العربية التي مهما امتلأت بالمعارف المفردة، تظل عاجزة عن تكوين بنية مشخصة معرفيا أو ثقافيا، لأنها معطلة تطوريا. نصوص أحفورية، أي من أصل عضوي، قد تتحول مسقبلا إلى ماس أو بترول أو فحم حجري ولكن من غير المحتمل أن تتحول إلى حياة وفعل وتجربة. لقد بنتها الدسيسة الهجرية، على أساس قانون التواجد وليس قانون الوجود. تؤدي ولا تخترع. تنقل ولا تبدع، تفهم ولا تعقل. تمشي ولا تتقدم، لأنها حركة شكلية بدون مضمون وجودي متطور جدليا. لذلك ظل المجتمع الهجري المقتطع من القبلية المتجددة يراوح مكانه، بين سيادة القبلية والفقه ويتحول إلى ظاهرة اجترار لوعيهما فقط. وقد كونا معا نظاما غيبيا تلقينيا أصم وأعمى برعاية تحالف المنتفعين من شيوخ العصبية وشيوخ الدين.

          شكل شيوخ العصبية النظام الملكي البدوي، وشكل شيوخ الدين بطانة طفيلية مستفيدة، ولغت في دماء النظام والرعية معا، تحت هالة الكهانة، التي ما لبثت أن ألغت الإسلام، وأحلت مكانه الفقه الإسلامي، الذي شكل ثقافة الوعي التابع والمعطل للهجريين. مزجوا النص القرآني بالفطرة أي الثبات الظني، وأحالوا عليه بالتفسير بالأحاديث التي استحدثوها حتى غلبت تفاسيرهم وأحاديثهم الموضوعة على النص القرآني المفسر. وبينما كانت آلية السلطة الزمنية هي القمع الدموي للرعية باسم الدين، فقد كانت دور الكهانة، هو تأهيل العقل الديني للرعية، لقبول الغيبية نظاما للرعوية وللحياة المدنية بكل تفاصيلها. وقد نجحوا في ذلك نجاحا باهرا إلى أن أصبحوا السلطة الأولى أثناء ما يسمى عصور الإنحطاط، أي انحطاط الخلافة. ولذلك حينما ينبري اليوم أحفادهم التاريخيين من الإخوان لمواصلة الدرب، فإنهم يستندون إلى تراث حركي مكتمل سياسيا وطبقيا وشرعيا (دستوريا ). فقد كان أسلافهم متمرسين في التنظيم (المذاهب )، متمرسين في التشريع (ألإفتاء)، متمرسين في الشغب ( الحنابلة في بغداد )، وهؤلاء الأخيرين كانوا الذراع التنظيمية للشعوبية، وكل فقهائهم تقريبا من الشعوبيين المتمرسين في السياسة، ويعتبرون المرجعية لما يسمى اليوم حركة الإخوان المسلمين. وهي حركة جيدة التنظيم، تقلد في ذلك الماسونية والصهيونية، وعلى الأغلب فإن علاقة ما تجمعهما بالحركتين لتماثل الوسائل والأهداف. وأهمها متانة العلاقات التنظيمية الداخلية وتكامها، والسيطرة المالية، وكراهية الشعوب والقوميات وحركات التحرر. ولكن الشبه الأوفى يظل براغماتية هذه الأطراف وعدم إيمانها بشيء سوى الهدف، وتنكرها التام لنظام القيم والأخلاق غير العملية.

          بعد هذا كله يستغرب الكثيرون لعبة الدم التي تجري على امتداد الوطن العربي، تحت ستار ثورات التحرر السلمية. ومن المرجح في مصر وتونس. أن الثورة الشعبية قد سبقت التصدي الإخواني الأمريكي الليبرالي، ولكن كل الدلائل كانت توحي بوجود مخطط أمريكي أخواني خليجي جاهز منذ سنوات عديدة، للنموذج الليبي الحالي، كان سيطبق على معظم القطريات العربية، عدا المحميات الخليجية. وأن الثورتين الناقصتين، للأسف، في مصر وتونس، قد عجلتا فقط في البدء بتنفيذ المخطط استباقا. والدليل على ذلك في مصر، الخلاف الأمريكي مع مبارك على خلفية العلاقة بالإخوان، ورجوع البرادعي من أمريكا، وتأزيم العلاقة الأمريكية المفتعل بمواطنيها المسلمين، وتكثيف العمليات الإرهابية في روسيا وأوروبا المنسوبة ” للإسلام الإرهابي “. هناك أيضا دلائل كثيرة قد يكون لها علاقة بالموضوع، ولكن أهمها وأوضحها على الإطلاق هو الدور الأردوغاني، بالتفاهم مع أوباما، في انفتاحه المفاجيء على القضايا العربية كنموذج للإسلام الديموقراطي المزمع تحقيقه في العالم العربي.

          لقد سارعت أمريكا مرغمة إلى البدء بتنفيذ مخططها، على مستويين. ألأول التصدي للثورتين التونسية والمصرية، وإيقافهما، بمعونة العسكر والدور المزدوج للإخوان، عند الحد الأدنى للمطلبية الإصلاحية، ومنع تسييسهما إيديولوجيا، والثاني اتخاذ موقف المبادرة في تسيير “الثورات ” فيما تبقى من ساحات. والنموذج الواضح لتلك الثورات هو ما جرى ويجري في ليبيا: التمرد إلإخواني، والتصعيد ” الشعبي ” بالمرتزقة، والتنظيمات العسكرية العربية والإفريقية للإخوان، ثم التدخل العسكري المباشر لأمريكا، ثم التراجع عنه والتواري النسبي، تاركة إدارة الصراع لعمرو موسى وحمد القطري وأردوغان الممثل الموهوب. وسوف يتكرر هذا المشهد في اليمن وسوريا والأردن بمتابعة محلية ملكية، ثم التفرغ لأبي تفليقة في الجزائر. ومع أن المغرب يتمتع بحماية إسرائيلية مباشرة، إلا أنه لا بد من تحويله إلى ملكية دستورية، يقوم فيها الملك برعاية المصالح الإسرائيلية.

          من السخف أن يقوم فرد عادي مثلي بالتحفظ مما ستجريه أمريكا من إصلاحات أمريكية في العالم العربي. فهناك ثلثمائة وخمسين مليون مواطن ( كما علمت مؤخرا ) أكثريتهم الساحقة لا تتحفظ من ذلك. ولكن عدم تحفظهم أو سلبيتهم لا تعني الموافقة على التلاعب بدمهم كمقياس زمني سياسي، مثل الساعة الرملية. حسم الموقف في ليبيا لا يقتضي كل هذا التطويل الدموي. فالإشكال الأمريكي – الألماني الفرنسي، حول محاصصات النفط والنفوذ، لا تبرر توقيته حل الإشكال على ساعة الدم العربي في ليبيا. طائرات حلف الأطلسي ومرتزقة الإخوان، قادرة على الحسم متى شاءت، خاصة مع الخبرة العسكرية لضباط الإخوان المصريين والخليجيين وغيرهم، الذين يقودون ” الثوار “. وألمانيا وفرنسا حليفتان بالتبعية لأمريكا، وبإمكانها تسوية الأمور معهما بسهولة إذا جد الجد، أم أن الأمر يتضمن إثخان الدول العربية، وتدمير بناها التحتية المتواضعة على غرار العراق لتطويل زمن التخلف فيها، وإعطاء إسرائيل زمنا إضافيا خاليا من العرب، للإنتهاء من بناء إمبراطوريتها ومنحها عراقة تاريخية مقتطعة من التاريخ العربي؟ إن كون الشعوب العربية قاصرة عن فهم هذا العالم الذي لا تنتمي إليه وعيويا، لا يبرر اتخاذ دمها وصفة عالمية للتداوي السياسي بين دول الغرب والصهيونية، سادة العالم. سيأتي يوم ينعكس فيه هذا السلوك غير الخاضع للوصف، على شعوب أخرى بالتتالي. للجريمة المتداولة اليوم في علاقات الغرب بالعرب تطورها المحتم. وسوف ينتج عن ذلك عالم جديد تكفلت ببنائه الجريمة. وبعد انتهاء الغرب والصهيونية من العالم العربي، فإن ذلك اليوم لن يكون بعيدا. وسنجد عند ذلك من يقول، من أبناء شعوب العالم المستضعفة: أكلنا يوم أكل الثور العربي. فلماذا لا تبدأ شعوب العالم اليوم بإنقاذ نفسها، قبل أن تسبقها أمريكا والصهيونية إلى منحها الديموقراطية التي تقوم بمنحها للعرب مقابل الدم والنفط؟ يبدو أن هناك شعوبا أخرى علي هذا الكوكب الملعون، لا تفطن لوجود علامة السؤال، إلا بعد أن ينتهي كل شيء…. مثل العرب.

          أين إيران؟ الا تعرف أن الإجراءات الأمريكية الصهيونية المتخذة لاستبدال قرود الأنظمة العربية بالقرود الطائفية والعسكرية، هي ترتيبات ميدانية تكتيكية تستهدف إيران وحلفائها استراتيجيا؟ لا أدري بم يفكر الإستراتيجيون الإيرانيون والشعب الإيراني، ولكن هل ستكون مهمة الدفاع عن إيران من أمريكا والغرب والصهيونية والسعودية ودول الخليج أسهل بعد اكتمال الحلقة حولها؟ لماذا لا تجمع حولها الشرائح الشعبية العربية النوعية على قلتها، لتكون معها في المواجهة القادمة؟ لماذا لا تقف إلى جانب الثورة العراقية بكل قوتها حتى لا يغتالها الهاشمي وعلاوي؟ هل تعتقد إيران أنه سيكون بإمكانها تكرار لعبة التحالف الضمني مع أمريكا عند غزو العراق؟ لا شيء محرم في السياسة، ولكن ماذا تفعل مع إسرائيل، وصراعها الإقليمي معها على النفوذ؟ إن إسرائيل لن تقبل أي شكل من أشكال المصالحة مع إيران، لا تتضمن إقرارا ضمنيا واضحا بالقبول بوضع إيراني في المنطقة مساويا لدور العرب فيها. أي أن عليها التنازل سلفا عن مشروع إيران الحديثة بكل تفاصيله. فهل سيكون هاشمي راف سنجاني والمعارضون الإيرانيون قادرين على القيام بالهمة؟

          الصين وروسيا هدفان دائمان للتخريب الأمريكي والصهيوني. وتعلمان أنه لا فكاك لهما من مخطط أمريكي صهيوني تقويضي فيهما. والأمر في روسيا أسهل عاقبة منه في الصين. فحتى الآن لا يوجد نظام جذري في روسيا، وإنما نظام انتقالي، بنوايا مالية خالصة. وتغيير ميدفيدف أو بوتين، سيكون أشبه بتغيير بلير أو ساركوزي لا يتضمن تأثيرا جوهريا على النظام القائم. لذلك فالموقف الروسي ميئوس منه خارج التحالف مع الموقف الصيني. أما في الصين فالتغيير سيكون زلزاليا بكل المقاييس. فالصين في علاقتها بأمريكا، تراهن على علاقاتها الإقتصادية المتطورة معها ومع السوق العالمية الخاضعة لهيمنتها، كعامل حماية من استهدافها. وأمريكا تراهن على ذات العلاقة كعامل اختراق أمني للمجتمع الصيني. أي أن كلاهما متفقان على ان ما بينهما هو علاقة حذر وتربص وصداقة بين عدوين يشكل الجشع الإقتصادي المتبادل أساسا مؤقتا لها. وكل منهما يعتبر الزمن في صفه. ولكن الزمن في الحقيقة، يلعب كعادته لعبة الجدل بين عالمين مختلفين ومتنافسين، ليرجح في النهاية تراكمات المصالح بين نظامين للسوق، أو تراكمات التناقض بين موقفين مختلفين من لعبة العولمة. لذلك فإن كلا الموقفين الصيني والروسي، ما يزالان بعيدين عن موقف المواجهة السياسية الحازمة مع ما تفعله أمريكا على ضفاف بركة النفط العربي، لعدم توفر شريك عربي مشخص ومؤثرعلى الساحة، يمكن الإستثمار فيه سياسيا. إن الصين تعلم أن استقرار ملكية النفط العربي بيد أمريكا سيشكل عليها خطرا استراتيجيا محققا على مدى ليس بالبعيد. فتركيز الإحتكارات النفطية ذات العمر الإفتراضي المتوسط والبعيد المدى، بيد امريكا لا يعني أقل من التناول عن استقلالها على ساحة المصالح الذاتية، محليا ودوليا، أما روسيا، فإن توجيه أسعار النفط والغاز نحو الهبوط الحاد أو التدريجي سيشكل كارثة اقتصادية لاقتصادها المالي، بعد أن تحولت إلى دولة باقتصاد شبه خليجي. والمواجهة مع أمريكا ستفرض على الصين فرضا في أي توقيت تختاره أمريكا. فما دامت أمريكا قد أصبحت خيارا عربيا ثوريا، من خلال سيطرة العميل الإخواني، القوة الوحيدة المنظمة والمؤثرة جماهيريا على الساحة الهجرية، فإن الصين تفقد كل قدرة على المبادرة لأية مداخلة سياسية مع أمريكا في الشرق الأوسط. ولكن العقل النظري الصيني الذي ظل معزولا في هيبة الحكمة الكاذبة، لم يشغل نفسه، كما يبدو، باستطلاع واقع الحال في أكبر منطقة نفطية في العالم ويهيء نفسه للمفاجئات فيها. ولعله مثل عقل الهجريين أنفسهم لم يستطع فهم مدى قوة أمريكا وتغلغلها في آبار الماء الإسلامي الأسود، وأن الإسلام السياسي هو فرس الرهان الأمريكي، فاكتفى الصينيون بلقاءات الشاي في الهواء الطلق، التي كانوا يقيمونها لبعض طلاب روضة الإستعراب الصينيين مع مندوبي قناة الجزيرة. وسيبقى الإسلام السياسي التركي في الصين شوكة في جنب الصين إلى اليوم الموعود، حينما يتحالف الشباب الصيني الضائع، والليبراليون الصينيون، والبرجوازية الصينية الناهضة، وفقراء الشيوعية الرأسمالية، وعملاء أمريكا المباشرين من أتباع أردوغان وكونفوشيوس، ويشكلون معا ثورة واحدة، “لإسقاط النظام ” وتبني الديموقراطية.

          لذلك فإن الغزو الأمريكي للمنطقة الهجرية يملك كل مقومات النجاح دوليا وإقليميا وخلبجيا. أما عربيا، فلعل زعرنة الإخوان، وفقدانهم للتوازن في ليبيا إلى درجة مطالبة أمريكا باحتلال ليبيا أو تدميرها كليا، يحدث تحولا في وعي الشباب المتظاهرين في كل بلد عربي، وينقلبون على عملاء أمريكا الإخوانيين والليبراليين والإنتهازيين، ويقلبون الزفة الأمريكية إلى ثورة حقيقية هدفها التحرر وليس فقط رحيل النظام، فإن الموازين ستتغير حتما. ما هو مطلوب من المتظاهر العربي الموجه بالوعي هو مشاهدة قناة الجزيرة فقط، ومتابعة حركات ” السياسيين ” القطريين والسعوديين، والإنصات إلى عبد الجليل الذي ” جبينه حافر ” كما يقولون بالعامية، ثم يعودون إلى وعيهم الإيماني إذا كانوا مؤمنين بالله ويتوقفوا عن تفسير الإسلام صهيونيا وماسونيا، ليكتشفوا كل تفاصيل المهزلة الثورية الليبية والسورية، ومن هم الإخوان.

          ألم تسمعوهم وهم يستنجدون بأمريكا والغرب على شعوبهم وأوطانهم؟ ألا تشاهدون قناة الجزيرة أجلكم الله !؟ والله ليكاد المذيع أو المذيعة يصرخ بدول التحالف والطائرات الأطلسية بأعلى صوته: ” أقصفوا أقصفوا، حسنة لله ! ” لماذا؟ هل سمعتم بثورة شعبية ضد الظلم تستنجد بأمريكا؟ هل يعقل أن نستنجد بالشيطان على الطاغية الليبي أو اليمني. هل هناك ثورات لوجه التحرر تؤيدها قطر والسعودية؟

          حينما يقول حاخامات الفقه الإسلامي، أن الإسلام هو الحل، فإن أحدا من الهجريين لا يجرؤ على سؤال عقله، ما معنى هذا؟ إيمانيا، الإسلام هو حل للعلاقة الملتبسة على البشر بالسماء مثل كل الأديان. ولكن كيف يمكن تصور الله سبحانه رئيسا لبلدية أو ملكا تحت إمرة الإخوان؟ ولماذا يريدونه كذلك؟ وصف سبحانه نفسه بنفسه في القرآن، فنزهها عن أي مظهر مادي يدرك بالحواس فقال أنه نور السموات والأرض، وأنه لا تدركه العقول إلا بالقوب في معارج الروح ومدارج الإيمان. فكيف أصبح شديد الشبه بالناس؟ يتجاوز الروح والنورانية المطلقة إلى السياسة، وينطق الغنوشي وعبد البديع ومن هم أقل منهما باسمه، ويعيدون تجسيد النبوة وكأنها سفارة سياسية توافق استراتيجيتهم الأرضية التي ما التعريف لمن لا يتحدثون عنها؟ لو تعقلنا ما أشار إليه القرآن من أركان الإيمان وأخلاقه، بلسان عربي مبين لا يحتاج إلى وساطة بين المسلم وربه، لعرفنا مدى خسة النوايا في التحزب الكهنوتي للإخوان. فلا كنيسة في الإسلام، ولا علماء بمعنى الوكالة الدينية على الأخر، ومن ذكرهم القرآن بالعلمية هم أتقياء أهل الكتاب الذن لديهم علم بما سبق من مأثور أنبيائهم، مما يصدق حامل الرسالة. فلا عالم بمعنى الوصاية أو الوظيفة الدينية. وإنما هو مكر دنيوي خارج على الدين، ممن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا. أما تعريف من لا يعرف من المسلمين، فهو تكليف عام وفرض عين على كل مسلم، يؤديه كالزكاة يعطي من علمه للمحتاج كما يعطي من ماله للفقير، لا يتكلف لذلك منصبا أو هيأة أو صفة مزعومة وعليه لعنة اللهلا إن فعل. فكيف بمن يؤسس حزبا سياسيا أسلاميا وكأن الإسلام ليس واحدا، والمسلمون طبقات دينية؟ ولو تذكر الإسلام دينهم، أو سألوا غير ذوي الإربة، لاستغفر كل من تبع شياطين الكهانة يوما، أو وافقهم على قولهم أو فعلهم، عن كل دم أريق في الإسلام، أو ظلم لحق بمسلم، أو جوع حل به، أو حق له أضيع، أو أمن ٍ له أريع، أوغش أصابه في دينه ودنياه، لأن هذه الفئة كانت سببا في كل شر لحق بالدين وأهله. ولا خلاص منها إلا بعلامة السؤال. فتساءلوا واسألوا واكتفوا بما حصلتم بجهدكم وجهد غير المتكلفين فهذه هي حدود التكليف والفرض، ولا تسلموا دينكم لفتنة الدجالين، الذين يسندون إلى الله ورسوله كل ما باح به مكرهم وانتهازيتهم.

          هي معركة المصير. لا تتركوها تفلت من أيديكم ليتحكم بها أعداؤكم التلقائيون. منذ وجدت الثورات وهي مهمة الشعوب. ومنذ وجدت الأحزاب الدينوية والليبرالية وهي عدو الثورات والتحرر الإجتماعي. إسألوا التاريخ ! ولا تنتظروا معونة من أحد، فالشعب العربي بمنطق الواقع هو أقوى شعوب العالم إذا أراد. هو مؤسس الحضارة والتاريخ والدساتير وفاتح أبواب العلم من الحروف إلى الكتب، وصاحب أكبر أوطان العالم وأعرقها ومن أغناها ويضم ثلثمائة وخمسين مليونا من البشر.