التقرير المركزي المقدم امام المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الكوبي
(ملخص نصّي)
ترجمة واعداد: نورالدين عواد
هافانا ـ كوبا
ملاحظة من كنعان
انطلاقا من الموقف المبدئي بالتضامن الاممي اللامشروط مع الثورة الكوبية واية ثورة حقيقية اخرى، وتوخيا لنقل المعلومات بموضوعية وشفافية وامانة من مصدرها الاصلي، وردا على التشويهات التي نشرتها وسائل الاعلام الكبرى ووجدت لها اصداء في مواقع الكترونية ناطقة باللغة العربية، سواء كانت عربية محضة ام مواقع اجنبية تنشر بالعربية، ارتأت كنعان ضرورة تقديم هذا الملخص النصي الوافي، للتقرير المركزي الذي قدمه السكرتير الثاني للحزب راؤول كاسترو امام الجلسة الافتتاحية يوم 16 ابريل 2011.
كافة الاضافات بين قوسين من صنع المترجم لتوضيح بعض المعلومات او الافكار المفهومة ضمنيا للكوبيين لكنها غير ذلك بالنسبة للقاريء العربي.
* * *
الرفيقات والرفاق:
نبدا اليوم جلسات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الكوبي في ظل ذكرى بالغة الاهمية في تاريخينا: الذكرى الخمسون لاعلان الطابع الاشتراكي للثورة من قبل القائد الاعلى فيديل كاسترو روس، يوم 16 ابريل 1961، لدى تشييع الشهداء الذين سقطوا من جراء القصف الجوي (الامريكي الغادر، اذ لم تكن بين البلدين حالة حرب) على القواعد الجوية (الكوبية في مدينتي هافانا وسانتياغو دي كوبا) في اليوم السابق (15 ابريل)، كتمهيد لغزو المرتزقة لخليج خيرون (خليج الخنازير)، الذي قامت بتنظيمه وتمويله حكومة الولايات المتحدة الامريكية، كجزء من خططها الرامية الى تدمير الثورة الكوبية،واستعادة سيطرتها على كوبا، بموافقة منظمة الدول الامريكية (تضم بلدان امريكا اللاتينية والكاريبي والولايات المتحدة وكندا).
يومها قال فيديل كاسترو مخاطبا الشعب المسلح الثائر كالبركان: “هذا هو ما لن يغفروه لنا (..) اننا قمنا بثورة اشتراكية في عقر دار الولايات المتحدة (…) ايها الرفاق عمالا وفلاحين، هذه هي الثورة الاشتراكية و الديموقراطية للكادحين وبالكادحين ومن اجل الكادحين (…) وفي سبيلها اننا مستعدون للتضحية بالنفس”… وقبل 72 ساعة (من المعارك) احرز الكادحون النصر تحت قيادة الرفيق فيديل.
وبمناسبة يوم العمال العالمي في الاول من مايو القادم (سنقوم بمسيرات شعبية شاملة) في كافة ربوع البلاد من اجل التاكيد على وحدة الكوبيين في الدفاع عن الاستقلال والسيادة الوطنية، وهما مفهومان اثبت التاريخ انه من الممكن انتزاعهما فقط بالاشتراكية.
ان المؤتمر الذي ينعقد اليوم بالف مندوب كمثلين عن 800 الف عضو حزبي منظمين في 61 الف نواة، بدا عمليا يوم 9 نوفمبر 2010، عندما تم تقديم “مشروع الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية للحزب والثورة”…
خلال ثلاثة اشهر، من الاول من ديسمبر 2010 لغاية 28 فبراير من العام الجاري، اجري النقاش والجدل الذي شارك فيه 8ملايين و913 الف و838 شخصا (مواطنا)، في اطار 163 الف اجتماع عقدت داخل مختلف المنظمات، نجم عنها اكثر من 3 ملايين مداخلة…
لقد اثبتت هذه العملية قدرة الحزب على قيادة حوار جدي وشفاف مع الشعب حول اي شأن، مهما كان حساسا، لا سيما وان الامر يتعلق بالشروع باجتراح اجماع وطني على الملامح التي يجب ان يتسم بها النظام الاقتصادي والاجتماعي للبلاد…
تشكل نتائج النقاش اداة عمل (…) وجاءت بمثابة استفتاء شعبي، ازاء عمق ومدى ووتيرة التغيرات التي يجب علينا الاضطلاع بها….
من جديد، وضعت على المحك، ثقة ووحدة اكثرية الكوبيين والتفافهم حول الحزب والثورة، وهي وحدة لا تنفي تباين الاراء بل تتعزز وتتوطد بها… ولم يبق امامنا ـ نحن المندوبين ـ في هذه الجلسات الا القيام بالمناقشة النهائية للمشروع وانتخاب الهيئات العليا للقيادة الحزبية…
كانت الوثيقة الاصلية تحتوي على 291 خطا عريضا ؛ ادمجت منها 14 في خطوط عريضة اخرى؛ 94 بقيت صياغتها على حالها؛ تم تعديل محتوى 181 ؛ واضيف 36 خطا جديدا، وبالمحصلة لدينا في المشروع الجديد 311 خطا (…) اي انه اعيدت صياغة 68% من الخطوط العريضة… بعض الخطوط عدّلت او حذفت بناء على راي شخص واحد او مجموعة صغيرة من الاشخاص.
من الضروري توضيح ان بعض الاراء لا تجد لها انعكاسا في هذا المشروع في هذه المرحلة، وذلك اما لاننا نريد التعمق في الموضوع ذي الشأن، اذ لا تتوفر لدينا الظروف اللازمة، واما لانها تدخل في تناقض صريح مع جوهر الاشتراكية. على سبيل المثال كان هناك 45 مقترحا دعت الى السماح بتركيز الملكية.
(…) يمكننا بكل ثقة ان نصف الخطوط العريضة الحالية بانها تعبير عن ارادة الشعب المتجسدة في سياسة الحزب والحكومة والدولة، في تحديث النموذج الاقتصادي والاجتماعي بهدف ضمان استمرارية وديمومة اشتراكية، والتنمية الاقتصادية للبلاد، ورفع مستوى حياة السكان، بالتناغم مع التكوين الضروري للقيم الاخلاقية والسياسية لدى المواطنين.
بطاقة التموين والغاؤها، شكّلا دون شك، القضية التي ثارت حولها اكثر مداخلات المشاركين في النقاش، وهذا امر منطقي؛ جيلان من الكوبيين عاشوا حياتهم في ظل هذا النظام التقنيني، وعلى الرغم من طابعه المساواتي المطلق الضارّ، الا انه قدّم لكافة الكوبيين على امتداد عقود من الزمان، المواد الغذائية الاساسية باسعار بخسة، وبدعم كبير (من الدولة).
لقد تم ادخال هذا النظام للتوزيع في الستينات (من القرن العشرين) بنفس مساواتي مطلق، في ظل ظروف شحة الموارد، من اجل حماية شعبنا من المضاربة والاحتكار لاهداف ربحية لدى اقلية من الشعب، الا انه بمرور الزمن، اصبح عبء لا يطيقه الاقتصاد ومثبّطا للنية في العمل بالاضافة الى توليد مختلف الامور غير القانونية في المجتمع.
وبما ان البطاقة مصممة من اجل تغطية اكثر من 11 مليون كوبي بالتساوى المطلق، فانها تتوفر الامثلة غير العقلانية على استعمالها (القانوني) فمثلا كانت توزع القهوة والسجائر ( والمشروبات الكحولية وغيرها) على الجميع ومن ضمنهم الاطفال الرّضع! وباسعار بخسة (للمواطن وبدعم كبير من الدولة)…
في هذا الموضوع الحساس،تراوحت الاراء بين التوصية بالغائها نهائيا وفورا و بين الرفض الشديد لذلك والتوصية بتقنين كل شيء بما في ذلك السلع الصناعية(…) وهناك ايضا اراء توصي بحرمان الذين لا يدرسون او لا يعملون من البطاقة التموينية، او ان يتخلى عنها طوعا المواطنون الذين لديهم مداخيل كبيرة.
صحيح ان السلة العائلية المقننة، اذ كانت مبررة في ظل ظروف تاريخية محددة وحافظنا عليها لمدة طويلة، تتناقض في جوهرها مع مبدا التوزيع الذي يجب ان تتسم به الاشتراكية “من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله”وعليه يجب تجاوز هذا الوضع.
بالخصوص، اعتقد انه من اللائق ان نتذكر ما طرحه الرفيق فيديل كاسترو في التقرير المركزي المقدم امام المؤتمر الاول للحزب يوم 17 ديسمبر 1975، ” في قيادتنا للاقتصاد، عانينا دون شك من اخطاء نابعة من المثالية، وفي مناسبات، تجاهلنا حقيقة وجود قوانين اقتصادية موضوعية يجب علينا مراعاتها”….
هذه القضية، منطقيا، مرتبطة وثيق الارتباط بالاسعار وتوحيد العملة (في كوبا توجد عملتان الاولى البيسو الرخو والثانية البيسو الصعب “كوك” وهو بمثابة عملة صعبة كوبية داخلية التداول والتناسب بينهما 25 : 1) والاجور وظاهرة “الهرم المعكوس”(…) التي تعبر عن نفسها من خلال عدم وجود تناسب بين المردود الاجري ومرتبة و اهمية العمل المنجز….
في كوبا وفي ظل الاشتراكية، لن يوجد مكان ابدا لـ “العلاج بالصدمة” ضد المواطنين الاكثر حاجة (فقرا) وهم، تقليديا، الذين يدعمون الثورة بحزم اكبر…
ان الثورة لن تترك اي كوبي مكسور الجناح، ويتم حاليا تنظيم نظام الرعاية الاجتماعية من اجل تامين اعانة تفاضلية وعقلانية للذين يحتاجونها فعليا. فبدلا من الدعم الشامل للسلع، كما نفعل الان، سننتقل الى دعم اشخاص ليس لهم من وليّ آخر….
بخصوص توسيع وتليين العمل في غير قطاع الدولة (…) اكثر من 200 الف كوبي انخرطوا فيه منذ اكتوبر 2010 لغاية الان، مما ادى الى مضاعفة عدد الشغيلة على حسابهم الخاص.
ان ازدياد القطاع غير الدولتي في الاقتصاد، لا يعني بتاتا خصخصة للملكية الاجتماعية حسب تاكيدات بعض المنظرين، بل انه مدعو للتحول الى عامل تسهيل من اجل بناء الاشتراكية في كوبا، اذ انه سيتيح للدولة ان تركّز على رفع كفاءة وسائل الانتاج الاساسية، وهي ملكية لكل الشعب، والتخلص من ادارة نشاطات غير استراتيجية بالنسبة للبلاد.
كما انه سيتيح للدولة الاستمرار في تامين خدمات الصحة والتعليم لكافة السكان بالتساوي ومجانا، و حمايتهم بشكل لائقن من خلال انظمة الضمان الاجتماعي والاعانة الاجتماعية، والترويج للتربية البدنية والرياضة في كافة اشكالها، والدفاع عن الهوية الوطنية، والحفاظ على التراث الثقافي والثروة الفنية والعلمية والتاريخية للامة الكوبية.
عندئذ ستتوفر للدولة الاشتراكية امكانيات اكبر لتجسيد الفكرة المارتينية (نسبة الى مارتي البطل القومي الكوبي) التي تتصدر دستورنا: “اريد ان يكون القانون الاول في جمهوريتنا هو تقديس الكوبيين للكرامة الانسانية الكاملة”.
يقع على عاتق الدولة الدفاع عن الاستقلال والسيادة الوطنية، وهما قيمتان محل فخر واعتزاز الكوبيين، والاستمرار في ضمان النظام العام وامان المواطنين، وبهما تتميز كوبا وهي واحدة من البلدان الاكثر امنا وامانا في العالم، دون تجارة مخدرات، ولا جريمة منظمة، ولا اطفال او راشدين متسولين، ودون عمل للاطفال، ولا مداهمة بالخيول ضد الشغيلة، ودون اعدامات خارج القانون، ولا زنازين سرية ولا تعذيب، على الرغم من الحملات التي تشنّ ضدنا، دون اي اثبات، ويتم تجاهل كل هذه الحقائق، مع سبق اصرار، والتي تشكل في المقام الاول حقوق انسانية اساسية، لا تستطيع اكثرية سكان الارض حتى مجرد الطموح اليها.
(…) البرامج الاجتماعية يجب ان تتسم بالعقلانية، بحيث يمكن تحقيق نتائج اعلى ومستديمة في المستقبل بنفقات اقل، وتتناسب بشكل لائق مع الوضع الاقتصادي للامة الكوبية….
الفهم الكامل لهذه المفاهيم سيتيح لنا التقدم بثبات ودون نكوص، الى الغاء تدريجي لمركزية الصلاحيات، انطلاقا من الحكومة المركزية باتجاه الادارات المحلية، ومن الوزارات وغيرها من الهيئات الوطنية، الى الاستقلالية المتنامية لشركات الدولة الاشتراكية.
النموذج مفرط المركزية الذي يتسم به اقتصادنا يجب ان ينتقل، بنظام وانضباط ومشاركة الشغيلة، الى نظام غير ممركز، يسوده التخطيط، بصفته سمة اشتراكية للادارة، دون ان يتجاهل التوجهات الحالية في السوق، مما سيساهم في التليين والتحديث الدائم للخطة (الاقتصادية).
التجربة التاريخية علمتنا ان المركزة المفرطة تتآمر على تطور المبادرة في المجتمع وفي عموم السلسلة الانتاجية، حيث تعوّدت الكوادر على ان يتم اقرار كل شيء “من فوق” وبالتالي، تخلوا عن الشعور بالمسؤولية ازاء نتائج المنظمة التي يقودونها.
رجال شركاتنا، مع استثناءات قليلة، خلدوا الى طمانينة وامان “الانتظار” واصبحت لديهم حساسية تجاه الخطر الذي يترتب على فعل اتخاذ القرارات، اين ان يصيبوا او يخطئوا.
عقلية الجمود (اللافعل) يجب ان تغرب نهائيا من اجل فكّ العقد التي تقيّد تطور القوى الانتاجية. انها مهمة ذات اهمية استراتيجية…
في هذا الميدان، لا يمكننا السماح بالارتجال او بالتسرع. من اجل الاضطلاع بالغاء المركزية وتغيير العقلية، هناك شرط اجباري يتمثل في اعداد اطار قانوني يحدد بوضوح صلاحيات ووظائف كل حلقة ( في السلسلة الانتاجية) انظلاقا من (المستوى) الوطني وصولا الى القاعدة، بالترافق مع اجراءات للضبط المالي والاداري والحسابي (…) يجب ان يستعيد كوادر الدولة والشركات، الدور الهام الذي يلعبه العقد في الاقتصاد، مما سيساهم في استعادة الانضباط والنظام في المدفوعات والمقبوضات، وهذه مادة بعلامات غير مرضية لدى جزء معتبر من اقتصادنا.
(…) المهمة الماثلة امامنا من الان فصاعدا (…) في القضايا المرتبطة بتحديث النموذج الاقتصادي، مليئة بالتعقيدات والعلاقات المتشابكة (…) ويتطلب تطبيقها الشامل والمتناغم، بالحد الادنى خمسة اعوام…
لا تراودنا الاوهام في ان الخطوط العريضة والاجراءات التطبيقية للنموذج الاقتصادي، في حد ذاتها، ستكون العلاج الشامل لكافة مساوئنا. سيتطلب الامر بالتزامن معها، الارتقاء بالاحساس السياسي والعقل السوي، والصلابة امام الانتهاكات، وانضباط الجميع، وفي المقام الاول لدى الكوادر القيادية…
نظام المدارس الحزبية على مستوى الوطن والمحافظات، بالتوازي مع اعادة توجيه برامجها، ستلعب دورا رياديا في اعداد واعادة تاهيل مستمر في هذه المواد، للكوادر الحزبية والادارية والشركاتية، بمساعدة المؤسسات المتخصصة في قطاع التعليم والاسهام القيّم الذي يقدمه اعضاء “الرابطة الوطنية للاقتصاديين والمحاسبين”…
(…) بهدف ايجاد تراتبية ملائمة لادخال التغيرات المستحقة، اقر المكتب السياسي ان يقترح على المؤتمر تشكيل “لجنة حكومية دائمة للتطبيق والتنمية” بامرة رئيس مجلسي الدولة والوزراء (…) ومسؤوليتها تكمن في الضبط والتحقق، وتنسيق اعمال كل المنخرطين في هذا النشاط، وكذلك في اقتراح اضافة خطوط عريضة جديدة، وهذا امر لا مفر منه في المستقبل.
(…) يجب ان نتذكر التوجيه الذي اورده الرفيق فيديل كاسترو في التقرير المركزي المقدم امام المؤتمر الاول للحزب قبل حوالي 36 عاما، بخصوص نظام ادارة الاقتصاد الذي كنا نعتزم تطبيقه، لكنه، وبسبب انعدام المنهجية والضبط والمحاسبة، ذهب ادراج الرياح…
لن اكلّ من تكرار حقيقة انه قد قيل كل شيء في هذه الثورة، وافضل دليل على ذلك يتمثل في افكار فيديل كاسترو (افكار تاريخية لا علاقة لها بالتاملات التي تنشر في موعدها) التي ما فتئت صحيفة غرانما، الناطقة الرسمية باسم الحزب الشيوعي الكوبي، تنشرها على امتداد الاعوام الاخيرة.
(…) تفاديا للتاويلات الخاطئة، ولكي لا تتحول قرارات المؤتمر في حد ذاتها الى قوانين، اذ انها توجيهات ذات طابع سياسي واخلاقي، تقع على عاتق الحكومة، وهي المسؤولة عن الادارة، صلاحية ضبط تطبيقها.
(…) تمر الان بمرحلة متقدمة، الاصول القانونية المتعلقة بشراء وبيع المساكن والسيارات وتعديل المرسوم القانوني رقم 259 الخاص بتوسيع حدود ارض البور (القابلة للزراعة لكنها غير مزروعة) التي ستسلم للانتفاع بها الى المنتجين في قطاع الزراعة والمواشي، الذين يحققون نتائج بارزة، وكذلك تقديم القروض الى الشغيلة على حسابهم الخاص، والى وعموم السكان.
انطلاقا من القناعة العميقة بان لا شيء مما نفعله كامل (الاوصاف) وما يبدو لنا اليوم كاملا، لن يكون كذلك غدا في ظل ظروف جديدة، يجب على الهيئات العليا في الحزب وسلطان الدولة والحكومة الالتزام بالمنهجية والرقابة عن كثب لهذه العملية، وان تكون قادرة على ادخال التعديلات المناسبة في الوقت المحدد من اجل تصحيح الاثار السلبية.
(…) يجب علينا ان نرعى ونحافظ على العلاقة الدائمة مع الجماهير (…) لكي نحقق تغذية ارجاعية فعالة، من هواجسها ومكامن عدم رضاها، ولكي تكون الجماهير بالتحديد هي التي تشير علينا بوتيرة التغيرات التي يجب ادخالها…
في مسعانا لتحقيق هذا المبتغى، الصحافة الكوبية في كافة اشكالها مدعوة للعب دور حاسم في التوضيح والنشر الموضوعي والثابت والانتقادي لمسيرة تحديث النموذج الاقتصادي، بحيث تكون المقالات والاعمال الصحفية اكثر ذكاء وتحديدا، بلغة يفهمها الجميع، لكي تشيع في البلاد ثقافة عامة حول هذه المواضيع.
(…) يجب رفع مهنية ومعارف صحافيينا (…) الذين في اكثرية الحالات لا يستطيعون الحصول على المعلومات في الوقت المناسب ولا التواصل الكثير مع الكوادر والاخصائيين المسؤولين عن القضايا المعنية (…) كما يجب على وسائلنا للاعلام الجماهيري ان تمهد لنشر الثقافة الوطنية واستعادة قيم مدنية في المجتمع.
نعتزم عقد اجتماع وطني للحزب (كونفرنس) من اجل التوصل الى خلاصات بصدد تعديل طرق واساليب عمله، بحيث يكون الحزب في تصرفه، اليوم والى الابد، قادرا على تجسيد مضمون المادة الخامسة من دستور الجمهورية والتي تنص على ان “المنظمة الحزبية هي الطليعة المنظمة للامة الكوبية والقوة القائدة العليا للمجتمع والدولة” (…) نخطط لعقد الاجتماع في 28 يناير 2012 (الذكرى 159 لميلاد البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي).
اننا مقتنعون بان الشيء الوحيد الذي يمكنه ان يفشل الثورة والاشتراكية في كوبا، ويضع مستقبل الامة في خطر، ليس الا عجزنا عن التغلب على الاخطاء التي ارتكبناها خلال اكثر من 50 عاما، والاخطاء الجديدة التي قد نقع فيها.
اول شيء يجب علينا ان نفعله لتصحيح خطأ ما، هو الاعتراف به عن وعي في كافة ابعاده، وعلى الرغم من ان فيديل كاسترو ميّز بوضوح منذ الاعوام الاولى للثورة بين دور الحزب ودور الدولة الا اننا لم نكن مبدئيين في تطبيق تلك التعليمات وانجررنا وراء العجالة والارتجال(…) بتاريخ 26 مارس 1962، وفي توضيحه للشعب طرق وأداء “المنظمات الثورية الموحدة”، التي سبقت تشكيل الحزب الشيوعي (عام 1965)، وفي اطلالة على شبكة الاذاعتين المرئية والمسموعة قال قائد الثورة “(…) الحزب يقود، من خلال الحزب والادارة العامة. يجب ان تكون سلطة لدى المسؤول. لدى الوزير (…) لدى المدير (…) وان يناقش كل ماهو ضرور مع مجلس الادارة، مع جماهير العمال، ونواة الحزب، لكن من يقرر هو المدير، لان المسؤولية ملقاة على عاتقه”. هذا التوجيه صدر قبل 49 عاما…
توجد مفاهيم محددة جدا ومن حيث الجوهر تحافظ على كل صلاحيتها من اجل النجاح في هذا الاتجاه، بغض النظر عن الزمن المنصرم منذ أن صاغها لينين،قبل اكثر من 100عام، وهي مفاهيم يجب الرجوع اليها من جديد، وفقا لسمات وتجربة بلادنا.
(…) توجيهات وقرارات واحكام الحزب ليس لديها اي طابع حقوقي اجباري لكافة المواطنين، اذ يجب تطبيقها والالتزام بها فقط من قبل الاعضاء الحزبيين وعن وعي، لان الحزب ليس لديه اي جهاز قوة او إكراه. هذا فرق هام بين دور وطرق الحزب والدولة…
سلطان الحزب يستند الى سلطته الاخلاقية ونفوذه الذي يمارسه على الجماهير وثقة الشعب به. اداء الحزب يتاسس قبل كل شيء على الاقناع الذي ينجم عن افعاله وعدالة نهجه السياسي.
اما سلطان الدولة فينطلق من سلطتها المادية، التي تتالف من قوة المؤسسات المنوط بها الالحاح على الجميع تنفيذ الاحكام الحقوقية التي تصدرها…
(…) لقد تجرعنا دروسا مريرة من جراء الاخطاء التي ارتكبناها في مجال الكوادر بسبب الافتقار الى الدقة والرؤية، مما ادى الى فتح ثغرات في تصعيد (ترقية) متسارع لكوادر عديمي الخبرة والنضج، اتسموا بالمداهنة والانتهازية. وهي مواقف ترعرعت ايضا بسب المفهوم الخاطيء القائل بانه لكي يشغل كادر ما منصب قيادي، يطالبونه، كشرط ضمني، ان يكون عضوا في الحزب او في اتحاد الشبيبة الشيوعية.
يجب الاقلاع فورا وبحزم عن هذه الممارسة، وباستثناء مسؤوليات المناصب الخاصة بالمنظمات السياسية، يجب ان لا تعني العضوية الحزبية شرطا الزاميا لاي منصب في الحكومة او الدولة، بل يجب اعداد الكوادر لذلك، طالما التزموا بسياسة وبرنامج الحزب…
بهذا الصدد، اعتقد ان قيادة الحزب يجب ان توجه لنفسها نقدا ذاتيا صارما، واتخاذ الاجراءات اللازمة، لكي نتفادى ظهور تلك التوجهات من جديد. نفس الامر ينطبق على نقص المنهجية والارادة السياسية في ضمان تصعيد نساء وزنوج وملونين وشباب الى مناصب صنع القرار، على اساس الاحقيّة والمناقب الشخصية.
ان عدم حل هذه المشكلة الاخيرة خلال اكثر من نصف قرن من الزمان، يشكل عارا حقيقيا، سيثقل ضميرنا لسنين طويلة، لاننا ببساطة لم نكن مبدئيين مع التوجيهات التي لا تعد ولا تحصى، والتي اصدرها الرفيق فيديل كاسترو منذ الايام الاولى لانتصار الثورة، ولأن حل هذا الخلل شكل جزء من مقررات المؤتمر الاول للحزب والمؤتمرات الاربعة اللاحقة ولم نضمن تنفيذها.
ان هذا النوع من القضايا، يجب ان لا يسترشد مجددا بالتلقائية، بل بالمراجعة والتعمّد السياسي للحفاظ على الاشتراكية في كوبا وتحسينها.
(…) اننا نواجه اليوم عواقب عدم توفر احتياط من بدلاء مؤهلين بلياقة يتمتعون بالنضج والخبرة الكافية، من اجل الاضطلاع بالمهمات الجديدة والمعقدة في قيادة الحزب والدولة والحكومة، وهذه قضية يجب ان نحلها بالتدريج على امتداد خمسة اعوام، دون تهور او ارتجال، وان نبدا بها بمجرد انتهاء اعمال المؤتمر.
سيساهم في هذا الامر ايضا، تعزيز الروح الديموقراطية والطابع الجماعي لاداء الهيئات القيادية للحزب ولسلطان الدولة والحكومة، وفي نفس الوقت، تامين التشبيب المنهجى (اي الزج بالشباب ) في السلسلة الادارية والحزبية بكاملها، انطلاقا من القاعدة وصولا الى الرفاق الذين يشغلون المسؤوليات الرئيسية، دون استثناء الرئيس الحالي (يعني راؤول كاسترو نفسه) لمجلسي الدولة والوزراء والسكرتير الاول للجنة المركزية الذي سينتخب في هذا المؤتمر.
بهذا الخصوص، وصلنا الى الخلاصة القائلة بانه يجب التوصية بتحديد شغل مناصب سياسية او دولتية اساسية لمدة اقصاها فترتين متتاليتين كل منهما خمسة اعوام(…) ان التعزيز المنهجي لمؤسساتنا، سيكون في ذات الوقت، شرطا وضمانة لا بد منها، لكي لا تضع هذه السياسة الجديدة لتجديد الكوادر، استمرارية الاشتراكية في كوبا في خطر…
(…) بايجاز، كونفرنس الحزب القادم سيركز على تقوية دور الحزب بصفته اعلى علم للدفاع عن مصالح الشعب الكوبي. ولبلوغ هذا الهدف، لا بد من تغيير العقلية، وترك الشكلية والعجرفة في الفكر والممارسة، جانبا، بمعنى، التخلص من التحجر القائم على الدوغمائية والشعارات الفارغة، لكي نصل الى اعمق جوهر للاشياء.
فقط على هذا النحو، يمكن ان يصبح الحزب الشيوعي الكوبي قادرا على ان يكون، في كل زمان، الوريث الجدير بالسلطة والثقة اللامحدودة التي وضعها الشعب في الثورة وقائدها الاعلى الوحيد، الرفيق فيديل كاسترو روس، الذي لا يعتمد اسهامه المعنوي وقيادته التي لا منازع لها، على اي منصب،وانطلاقا من كونه جنديا للافكار لم يتوقف عن النضال والاسهام من خلال تاملاته واعمال اخرى، في القضية الثورية والدفاع عن البشرية، امام الاخطار التي تهددها.
فيما يخص الوضع الدولي الراهن..
الخروج من الازمة الاقتصادية العالمية التي تمس كافة الامم لا يستشف في الافق لان الازمة ذات طابع نظامي (تطال النظام الراسمالي باكمله). العلاجات التي طبقها الجبابرة توجهت الى حماية المؤسسات والممارسات التي خلقت الازمة، والقاء العبء المخيف لعواقبها على كاهل الشغيلة في اراضي بلدانهم، ولا سيما في البلدان المتخلفة. اسعار الاغذية والنفط المتصاعدة حلزونيا تدفع بمئات ملايين البشر الى خانة الفقر المدقع.
آثار التغير المناخي اصبحت مدمرة وانعدام الارادة السياسية لدى البلدان الصناعية تحول دون القيام باعمال عاجلة ولا غنى عنها من اجل درء الكارثة.
اننا نعيش في عالم مضطرب تتوالى فيه الكوارث الطبيعية مثل زلازل هايتي وتشيلي واليابان بينما تخوض امريكا حروبا للاستحواذ على العراق وافغانستان، مما ادى الى موت اكثر من مليون مدني.
وتتمرد حركات شعبية في بلدان عربية ضد حكومات فاسدة وقمعية، حليفة لامريكا والاتحاد الاوروبي. الصراع المؤسف في ليبيا، التي تتعرض لتدخل عسكري اطلسي وحشي، افاد مرة اخرى كذريعة للناتو كي يتجاوز حدوده الدفاعية الاصلية، وتوسيع تهديداته واعماله الحربية على نطاق كوني، من اجل الحفاظ على مصالح جيوسترتيجية والحصول على النفط. الامبريالية والقوى الرجعية الداخلية تتآمر من اجل زعزعة بلدان اخرى، بينما “اسرائيل” تضطهد وتذبح الشعب الفلسطيني معصومة من العقاب تماما.
امريكا والناتو تدرجان في عقائدهمان النزعة التدخلية العدوانية ضد بلدان العالم الثالث لكي تنهب مواردها، وتفرض على الامم المتحدة المعايير المزدوجة، وتستخدم الائتلاف المضطرد للشركات الاعلامية العملاقة، من اجل اخفاء او تشويه الوقائع، تبعا لمصلحة مراكز السلطان العالمي، في مسرحية منافقة، ترمي الى خداع الراي العام.
في ظل الوضع الاقتصادي المعقد تحافظ بلادنا على تعاونها مع 101 بلدا من العالم الثالث (…) نعرب للثورة البوليفرية وللرفيق أوغو شافيس فرياس، عن عهدنا وتضامننا الشديد، مدركين اهمية الصيرورة التي يعيشها الشعب الفنزويلي الشقيق، بالنسبة لامريكتنا (القارة الامريكية باستثناء الولايات المتحدة وكندا)، في الذكرى المئوية الثانية لاستقلالها.
سنواصل الاسهام في الصيرورات التكاملية للتحالف البوليفري لشعوب امريكا (آلبا) و اتحاد الجنوب ومنظومة الدول الامريكية اللاتينية والكاريبية (لا تشارك فيها امريكا ولا كندا، تاسست نكاية بمنظمة الدول الامريكية). كما سنستمر في الدعوة الى القانون الدولي وندعم مبدا المساواة السيادية بين الدول وحق تقرير مصير الشعوب بحريّة. نرفض استعمال القوة والعدوان وحروب الاستحواذ وسلب الموارد الطبيعية واستغلال البشر.
ندين الارهاب بكافة اشكاله لا سيما ارهاب الدولة. وسندافع عن السلام والتنمية لكافة الشعوب وسنناضل في سبيل مستقبل البشرية.
ان الحكومة الامريكية لم تغير حتى الان سياستها التقليدية الرامية الى التشهير بالثورة الكوبية والاطاحة بها، بل على العكس، واصلت تمويل مشاريع من اجل الترويج مباشرة للانقلاب، وحثّ القلاقل والتدخل في شؤوننا الداخلية. الادارة الحالية قررت اتخاذ بعض الاجراءات الايجابية، لكنها محدودة للغاية.
الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الامريكي ضد كوبا لا زال قائما ناهيك عن انه تم تشديده في ظل الادارة الحالية، لا سيما فيما يتعلق بالمعاملات البنكية، في تجاهل للادانة الاجماعية تقريبا، التي يصدرها المجتمع الدولي سنويا وعلى امتداد الـ 19 سنة الاخيرة.
اننا مضطرون للتذكير بمضمون مذكرة سرّية، اميط عنها لثام السرية عام 1991، صادرة عن نائب وزير الخارجية المساعد للشؤون الامريكية البينية، ليستر د مالوري Lester D. Mallory بتاريخ 6 ابريل 1960، اذ تقول ” اكثرية الكوبيين يدعمون كاسترو (…) لا توجد معارضة سياسية فعلية (…) الوسيلة الممكنة الوحيدة لجعل (الحكومة) تفقد الدعم الداخلي، هي التسبب في الاحباط والياس من خلال الحرمان الاقتصادي والفاقة (…) يجب ان توضع فورا قيد الممارسة كافة الوسائل الممكنة من اجل إضعاف الاقتصاد (…) وحرمان كوبا من المال والامدادات، بهدف تخفيض الاجور الاسمية والفعلية، بغية التسبب بالجوع والقنوط والاطاحة بالحكومة”…
المذكرة المعنية لم تنشا بمبادرة من ذاك المسؤول، بل تندرج في اطار سياسة الاطاحة بالثورة، ومثلها ايضا “برنامج عمل باطني ضد نظلم كاسترو” الذي صادق عليه الرئيس ايزنهور بتاريخ 17 مارس 1960…
نحن الكوبيين لن ننسى ابدا 3478 قتيلا و2099 معاق سقطوا ضحية لسياسة ارهاب الدولة (الامريكية ضد الثورة الكوبية). لقد انقضى نصف قرن من حرمان ومعاناة الشعب الكوبي، الذي لا زال يعرف كيف يصمد ويدافع عن ثورته، وليس مستعدا للاستسلام ولا لتلطيخ ارواح الشهداء، الذين سقطوا على امتداد قرن ونصف منذ بدء كفاحنا في سبيل الاستقلال (10 اكتوبر 1868، ضد الاستعمار الاسباني اولا والامركي لاحقا)…
يجب ان لا تراود الحكومة الامريكية اية شكوك بان الثورة الكوبية ستخرج من هذا المؤتمر اكثر قوة. اذا ما ارادوا الاستمرار بالتشبث بسياسة العداء والحصار والانقلاب، فاننا مهيؤون للاستمرار في التصدي لها. نؤكد على استعدادنا للحوار ومواجهة تحدّي اقامة علاقة عادية مع امريكا، نستطيع فيها التعايش بشكل متحضر رغما عن خلافاتنا، على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وفي الوقت نفسه، سنبقي دائما على اولوية الدفاع، اتباعا لتعليمات الرفيق فيديل كاسترو، في تقريره المركزي المقدم امام المؤتمر الاول للحزب، حيث قال “طالما وجدت الامبريالية، فان الحزب والدولة والشعب سيولون لخدمات الدفاع اقصى اهتمام. الحراسة الثورية لن تهمل ابدا. يعلمنا التاريخ ان الذين ينسون هذا المبدا، لا ينجون بحياتهم من جراء هذا الخطأ”.
في المشهد الراهن والمحتمل، لا زال مفهوم “حرب كل الشعب” (الذي شرعت به كوبا عام 1980 في التصدي لتهديد ريغن بغزو البلاد)، وهو مفهوم يغتني ويحسن على الدوام(…) النطاق الدفاعي للبلاد اكتسب بعدا اعلى، كما ونوعا سواء بسواء. وانطلاقا من الموارد الذاتية المتاحة، تم رفع الحالة التقنية والصيانة، والحفاظ على الاسلحة واستمرت الجهود في الانتاج، وبشكل خاص في تحديث التقنية العسكرية، آخذين بالحسبان الاسعار الباهظة في السوق العالمية…
درجة تهيئة الاراضي الوطنية كمسرح للعمليات العسكرية، ازدادت بشكل ملحوظ، الاسلحة الرئيسية محمية وكذلك جزء هام من القوات العسكرية والهيئات القيادية والسكان.
تم ارساء البنية التحتية للاتصالات التي تكفل الاداء الثابت للقيادة على مختلف المستويات. تم الارتقاء بالاحتياطات المادية من كل الانواع، بتدرجية وحماية اكبر. ان القوات المسلحة الثورية، اي، الشعب بالزي الموحد، يجب عليها ان تواصل بشكل دائم، تحسين وحماية سلطتها وسمعتها التي انتزعتها بانضباطها وتنظيمها، امام المجتمع، في الدفاع عن الشعب والاشتراكية.
ساتطرق الان الى موضوع راهن آخر لا يقل اهمية (عمّا سبق).
يجب ان يكون الحزب مقتنعا بانه بالاضافة الى المستلزمات المادية وحتى الثقافية، يوجد في اوساط شعبنا تنوع في المفاهيم والافكار حول احتياجاته الروحية نفسها. هناك افكار كثيرة لدى البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي (1853 ـ 1895) حول هذا الموضوع، فهو انسان كان يختزل في ذاته هذا التلاقح بين الروحانية والمشاعر الثورية. بهذا الصدد، تحدث فيديل كاسترو في وقت مبكر، عندما استحضر شهيد المونكادا (الثكنة العسكرية التي هاجمتها حركة 26 يوليو، تماما في يوم 26 يوليو 1953، في سانتياغو دي كوبا) ريناتو غيتارت Renato Guitart، فقال “الحياة المادية عابرة، وتمرّ حتما، كما مرت حياة اجيال بعد اجيال من الناس، وكما ستمرّ قريبا حياة كل واحد منّا. هذه الحقيقة يجب ان تعلّم كافة ابناء البشر ان القيم الروحية الخالدة اسمى منهم. ما معنى الحياة دون هذه القيم؟ ماذا يعني العيش اذا ؟
كيف سيموت الذين يفهون الامر على هذا النحو، ويضحون بحياتهم بسخاء في سبيل الخير والعدالة؟”
ان هذه القيم كانت ولا زالت موجودة دائما في فكره، وهذا هو ما اكده عام 1971 عندما اجتمع في سانتياغو دي تشيلي مع مجموعة من القساوسة الكاثوليك، قال ” اقول لكم انه يوجد تطابق بين المسيحية والشيوعية عشرة آلاف مرة اكثر مما يوجد بين المسيحية والراسمالية”.
وعاد الى هذه الفكرة عندما اجتمع في جامايكا عام 1977 مع اعضاء الكنائس المسيحية، عندما قال ” يجب ان نعمل معا، حتى عندما تنتصر الفكرة السياسية، لا تكون الفكرة الدينية بعيدة عنها، و لكي لا تبدو عدوة للتغيرات. لا توجد تناقضات بين مقاصد الدين ومقاصد الاشتراكية”.
ان الوحدة بين العقيدة والفكر الثوري بخصوص الايمان والمؤمنين، تضرب جذورها في نفس الاسس التي قامت عليها الامة الكوبية، التي اذ تؤكد على طابعها العلماني فانهاكانت تدعو الى المبدا الثابت لوحدة الروحانية مع الوطن الذي ورثناه عن الاب فيليكس فاريلا Félix Varela، والتوجيهات التربوية التي قدمها خوسيه دي لا لوس و كاباجيرو José de la Luz y Caballero، الذي كان جازما عندما اشار الى ” اتمنى، ولا اقول ان تتهاوى مؤسسات الناس ـ الملوك والاباطرة ـ ونجوم السماء، قبل ان ارى الشعور بالعدالة، الذي يشكل الشمس في عالم الاخلاق، يسقط من صدور الناس”.
في عام 1991، اقرّ المؤتمر الرابع للحزب اجراء تعديل على تاويل النظام الداخلي الذي كان يحدّ من انضمام الثوريين المؤمنين الى الحزب (الشيوعي الكوبي). ان عدالة هذا القرار قد تاكدت بالدور الذي لعبه قادة وممثلون عن مختلف المؤسسات الدينية في مختلف نواحي المشاغل الوطنية، بما في ذلك النضال في سبيل عودة الطفل إيليان غونساليس Gonzalez Elián الى الوطن، حيث برز بشكل خاص مجلس الكنائس الكوبية. (الطفل الكوبي الذي فقد والدته في البحر واوصله صياد امريكي الى ميامي).
مع ذلك، من الضروري الاستمرار في ازالة اية احكام مسبقة تمنع المؤاخاة، في الفضيلة وفي الدفاع عن ثورتنا، بين كافة الكوبيين والكوبيات، مؤمنين ام لا، والذين ينتمون الى الكنائس المسيحية ومن بينها الكاثوليكية والاورثوذوكسية الروسية واليونانية، والانجيلية والبروتستانتية؛ وكذلك الذين ينتمون الى الاديان الكوبية من الاصول الافريقية، والجاليات الروحانية واليهودية والاسلامية والبودية والروابط الاخوية وغيرها. ازاء كل منها قامت الثورة بالتفاتة تقييم ووئام.
سينتيو فيتيير الخالد Cintio Vitier ذاك الشاعر والكاتب الرائع، الذي كان نائبا في الجمعية الوطنية (للسلطة الشعبية الكوبية)، بقوة قلمه واخلاقه المارتينية، المسيحية والعميقة في ثوريتها، ترك لنا ميراثا من التحذيرات للحاضر والمستقبل، ويجب علينا تذكرها. كتب فيتيير يقول ” ما هو في خطر، ونعلم ذلك، هي الامة بذاتها. الامة اضحت في علاقة لا انفصام لعراها مع الثورة، التي تتمثلها منذ 10 اكتوبر 1868 ولا خيار امامها: اما ان تكون مستقلة واما الفناء المطلق.
” لو ان الثورة هزمت لوقعنا في الفراغ التاريخي الذي يتمناه و يعدّه العدو لنا، ولتلمسه ابسط ما في الشعب على انه جحيم”.
يجب علينا ان نتطرق الى العملية التي انتهت مؤخرا لاطلاق سراح سجناء مضادين للثورة، يعودون الى تلك الازمنة الصعبة والمؤلمة للوطن، عندما تآمروا ضده في خدمة قوة اجنبية. بقرار سيادي من حكومتنا اخلينا سبيلهم دون ان يوفوا عقوباتهم كاملة. كان بمستطاعنا ان نقوم بذلك بشكل مباشر وان نفوز بالفضيلة المؤكدة باننا قررنا ذلك انطلاقا من قوة الثورة. مع ذلك، فعلنا ذلك في اطار حوار بالاحترام المتبادل والوفاء والشفافية مع القيادة العليا للكنيسة الكاثوليكية، التي ساهمت بعملها الانساني، في الانتهاء من تلك العملية بالوفاق والوئام، و إكليل الغار،على كل حال، من نصيب تلك المؤسسة الدينية.
ممثلو تلك الكنيسة اعربوا عن وجهات نظرهم، التي لم تكن دائما متطابقة مع وجهة نظرنا، لكنها كانت بنّاءة. هذا هو تقييمنا على الاقل، بعد مباحثات طويلة مع الكاردينال خايمي أورتيغا Jaime Ortega ورئيس مؤتمر الاساقفة، الاسقف ديونيسيو غارسيا Dionisio García.
بهذه العملية حبّذنا توطيد اغلى ميراث في تاريخنا والصيرورة الثورية : وحدة الامة الكوبية.
كما يجب علينا استذكار اسهام وزير الخارجية والتعاون الاسباني السابق ميغيل آنخيل موراتينوس Miguel Ángel Moratinos الذي قدم تسهيلات للعمل الانساني الذي اضطلعت به الكنيسة.
لقد صبرنا (صبر ايوب) وتحملنا الحملات الشعواء لتشويه سمعتنا في مجال حقوق الانسان، والتي تنسقها امريكا وبعض بلدان الاتحاد الاوروبي، والتي تطالبنا ليس باقل من الاستسلام دون قيد او شرط وتفكيك فوري لنظامنا الاشتراكي، وتحفز وتوجه وتساعد مرتزقة الداخل على التمرد على القانون.
بالخصوص، من الضروري التوضيح بان ما لن نفعله ابدا، هو حرمان الشعب من حقه في الدفاع عن ثورته، اذ ان الدفاع عن الاستقلال ومنجزات الاشتراكية، ومياديننا وشوارعنا، سيبقى الواجب الاول على كافة الوطنيين الكوبيين.
تنتظرنا ايام وسنين من العمل الشديد والمسؤولية الهائلة، استنادا الى اسس صلبة ومستدامة، في المحافظة على المستقبل الاشتراكي والمستقل لوطننا وتطويره.
الى هنا انتهى التقرير المركزي للمؤتمر السادس.
شكرا جزيلا.