لا ترحل!
حنظلة
تتوالى الإنكشافات، فتتدحرج العمائم، وتنزلق السراويل، وتسقط التنانير. نعوذ بالله مما رأينا ومما نرى! جموع يقودها الحشاشون، وأمم فقدت عقلها، وشعوب تطالب بالعودة القهقرى!
مفكرون يعيدون النظر، وحلاقون يروون الخبر، وجيوش خلاص بقيادة جبريل، ومبشرون جاؤوا من إسرائيل، وليبراليات محجبات، ولحى مسترسلات، وأخر معقوفات، وناس ظنوها زفة، وناس حسبوها جنازة، والفقراء ظنوها وليمة، والغوي اعتبرها صبابة، وكل في مسلاخه جرى، فاقدا للوعي أو مشترى.
ثورات بغير شعوب، وشعوب بغير ثورات، وضجيج يجيء، وضجيج يرحل، والمسرح يهتز، والشاشة ترتز، ويغيب العيان، وتنعدم جداول الزمان والمكان، وينتعف القبح على الجمال، وتختلط الحقيقة بالمحال، ويندمج الواقع بالخيال.
هذا يدلي بما عنده، وتلك تبوح بما لديها، هنا تصنع الحقائق، وتؤلف الرقائق، وتزال العوائق، فتشهق الصدور بالأخبار، وتغنج الثورات بالثوار، ويأتي الناطق آخر الأمر، فيبارك للناشطين والناشطات، ويشكر المفاكرين والمفاكرات، والمخرجين والمخرجات، والمذعنين والمذعنات، ثم يشرح النص بالنص، ليذكر المذكر، ويؤنث المؤنث، ويفهم المغفلون ما جرى.
مسرحية الدهر وأم العجائب. ألغائب فيها بدمه حاضر، والحاضر فيها بعقل غيره غائب، يقتل فيها الشعب نفسه بنفسه، ويموت الناس طوعا، لأنهم مخلوقون لغير الحياة ولغير الله، استولى عليهم قانون الإندثار، وصوفية الفناء، وشهوة التلاشي، إرحل… إرحل…إرحل ْ!
ملحمة الحداثة والدم على ضفاف النهر الأسود، يتعرى التاريخ من أكاذيبه لأول مرة، قابيل هو أبو الأنبياء، والقوة هي الإنسانية، الضعيف ليس إنسانا، هو ظل الشجرة التي يتفيؤها الأنسان منذ أبد الدهر. على ساحة الضعف تلد القوة الطغاة.
ألضعف هو الثمرة المعطوبة تأكلها العجول والحمير والبغال. يتوج فيه القرد ملكا، والكلب وزيرا، والتخلف عقلا، والقواد أميرا، والوطن مبغى!
هيا لنموت! إرحل… إرحل…إرحل!
ألقوي إذا أراد الله بحث عنه في حديقته، والضعيف اشتراه من السوق. كم تعرف الله يعرفك، وكم تجهله يتجاهلك وينسك. ليس لله شرطة ولا حراس من الكفر، وليس بينه وبين الناس شيء أو أحد إلا ذاته. هل يخلق الخلق ويسلمه لشياطين الجن والإنس؟
دجالون، قساوسة للشر، يعرفون بسيما النفاق والتظاهر والمكر على وجوههم، ونعمة الأكل على بطونهم المنتفخة كبطون العجول.
جنودهم الجاهل والأحمق والطامع والكسول والمتسول والفاجر والكافر. وسيدهم أوباما بائع الفلافل.
ألله الأكبر! إرحل إرحل! لا تسأل إرحل! لا تجلس إرحل! لا تنهض إرحل! هل تعصي أمريكا؟ هل تعصي المزيكا؟ هل تعصي عبود وهيفا، والحامل بشرى الحرية من حيفا، والشيخ المحشو دجاجا بفريك البرسيم المستورد وعلوم المندل. إرحل إرحل!
لا ترحل، لا ترحل، لا ترحل! يا مرض الأمة منذ عقود لا ترحل! من يأتي بعد المرض المزمن إلا الموت فلا ترحل! قاوم ليعيش المرض، يعيش المرضى، ويعيش الطفل القادم، والجيل القادم، والعقل القادم، إن جاء الإخوان وأمريكا مات الحاضر والماضي والمستقبل. لا ترحل!
من سوف يُكفِِّر بعض خطاياك سوى الله، فلا ترحل!
ألله يريدك ألاّّّّّّّّّّّّّ ترحل.
الشعب يريدك ألاّّّ ترحل.
هذا المليون الواحد أو نصف المليون زبالة شعب أكبر من أمريكا، لا ترحل!
هذا الجمع المدفوع الكلفة روبابيكا، وخراب في العقل، ودجالون ومسحورون، وأمريكان، فلا ترحل.
هذا الوحل المستنقع مزرعة ضفادع ربتها أمريكا في حقل سيادتكم، نظف منها الشارع وارحل!
حتى لا تلعنك الأجيال، ادفع بدل اللعنة من جيبك وارحل!
هذا الوحل خليجي. لا يؤمن بالله خليجي، فاحلق لحيته نتفا، وترجّل!
لا يهزل صاحب هذا الكون، ليجعل ” بطن العجل ” إماما للناس، ويخرج من بطن العجل علوما وفنونا ونبيذا وسفرجل.
لا ترحل أبدا لا ترحل!
مت فوق حمار غرورك أكرم من أن يصفع وجهك شيخ أهبل.
وتطير بنات الوقواق على عرضك يقطر منهن الطيب الفاسد، والعرق، وماء الخردل.
خالف شؤمك بالندم، وحاول أن تصعد قبل رحيلك خطوات نحو الأعلى.
أغلق كل الأبواب بوجه اللعنة، والصفقة بين الشيطان ولحيته، لا ترحل.
أصمد حتى يستنفذ هذا الكيد مكائده، وارحل.
لا أحد يريدك حبا، لكنك أفضل من تلك الأفعى الدولية، والليل القادم تحت عباءات القطريين المنتنة، فلا ترحل!
إذهب حين يريد الشعب، لقد أتلفت الحاضر والماضي فأحم بكفارتك المستقبل.
أنظر حولك، هذا شرفك، هذا وطنك، هذا إثمك حين سقطت بذاتك ونسيت الناس، فجاهد ظلمك بالناس ولا ترحل.
أنظر حولك، نحن نداس بكل صنوف العهر الدولية، من سيف النار إلى سيف الخشب، لقد فرغت قصعتنا ويبول الآن لصوص العالم فيها. كن صدام العصر، ولا ترحل.
حتى القردة صارت تلهو بشواربنا المنتوفة، هذا يملي العقل علينا من جمجمة البغل، وهذا ينهق يا أمريكا طفح الكيل، احم المدنيين على نار حقوق الإنسان وفرن الديموقراطية، هل نحن هنا؟ أم أن التركة صارت في جيب الورثة، وانفض المأتم، والسائل والبائس والداعر والمعتر يفتش في جعبته عن حل للشعب القاصر، والعسكر في التلفزيون وفي بنغازي أو صنعاء يصبون الزيت على النار. وتأتي البشرى من جبل الكرمل عبر نبي أسمر.
تدير الأمازونيات الرقصات الميدانية كل بطريقتها.
مدت زينتها، قبح الروح على الوجه وفي الشفتين، تخاطب بجمال الجسد الروح المسجونة في السبابة والخنصر.
والأخرى، تيمها عشق الثورة والثوار، يكاد الثوب يمزقها غضبا، تصرخ يا جوني : أين الطيارة والصاروخ المتوسط، أين العسكر؟
والثالثة أرق من الباذنجان الأبيض، تتجرد في الغنج، وترقص بالكلمات، وترسم نارا بالعطر على وجنتها، وتصيح بصوت كالماء المتدفق في أوصال اللذة : إرحل!
والتيس ابن التيس، يقلد دجلة غضبا، يسترجل في صوت كنباح الذئب، فتخمشه القطة، يضحك منه الفأر، ويصفعه الصرصور، ولكن التافه لا يرحل!
إرحل إرحل، خنقتنا الخسة، إرحل!
ويطل عليّان الأبله، يتأبط شيخا كالبطة، علق لحيته في الصالون، ويسأل : هل سقط القذافي؟ فيقول نعم، لكن لم يرحل!
ولماذا لم يرحل؟
لأن الأطلنطي خان الثورة َ.
كيفَ؟
يحارب جوا، لكن يرفض أن يترجل.
يا قذافي لا ترحل ْ!
يا بشارٌ لا ترحل!
يا صالح ُ، لا أدري، إرحل أو لا ترحل!