حبيبي كرومي،

حبيبي كرومي، لماذا قتلوك؟

عامر مخلوف

الجزائر: عامر مخلوف يرثي صديقه أحمد كرومي

ملاحظة من “كنعان”

أحمد كرومي، مناضل شيوعي ونقابي، معروف في أوساط التقدميين بالجزائر، وخصوصا في مدينة وهران، حيث يقطن ويدرس بالجامعة. وقد عُرف بنضاله ضد كافة أشكال التعذيب والإختطاف والسعي وراء معرفة مصير المفقودين.

تغيب أحمد ولم يعد إلى منزله، دون سابق إعلام، وبعد 4 أو 5 أيام وجده أحد رفاقه ميتا بعدة طعانات سكين. إستشهد أحمد كرومي عن عمر لا يتجاوز 53 سنة ودفن يوم الأحد 24 نيسان 2011. وقد شارك في جنازته يوم أمس عدد كبير من رفاقه وأصدقائه ومواطنين عرفوه من خلال عمله السياسي والنقابي.

لا مكان في الوطن الكبير بمأمن من الاغتيالات. ايديهم تطال المناضلين ولا تتورع عن اغتيال الوطن.

* * *

هل قتلوك لأنك كنتَ تتعاطى المخدرات مع جماعة أشرار؟ أبدا فهو عالم تجهلُه ونُحاربه.

هل قتلوك، لأنك تعاشر السهرات والبنات. أبدا إنه عالم لا تعرفُه.

هل قتلوك، لأنهم يكرهونك؟ أبدا فأنت تحب كل الناس، وتبتسم لكل الناس.

هل قتلوك، طمعا في سيَّارتك الجديدة؟ أبدا،فهناك أفخم منها في وهران.

هل قتلوك، لأنك نهبتك أموال الدولة كما فعلوا، أبدا لم يحدثْ.

هل قتلوك، بسبب قِصر قامتك السهلة؟ أبدا فأنت قامة كبيرة في أعْيُن الكبار.

لعل الذين قتلوك يدركون طبيعة نشاطك، يدركون أنهم لا يحبون هذا الوطن كما نُحب. يعرفون أنك نحَتَّها من صخر كيْ تَدْرُس وتُدرِّس علم الاجتماع والفلسفة. وتعبِّر عن قناعاتك بجرأة نادرة. يعرفون أنك درَّست التلاميذ في الثانوية بصدق فكنتَ محبوبا في منظومة تربوية موبوءة، لا يذكر منها التلاميذ إلا من كان يؤدي واجبه بصدق. وأتعبتك المطالعة وأتعبك حب هذا الوطن، لتنتقل إلى الجامعة فتصبح محبوبا أكثر لأنك لم تكن تطمع في أكثر من أسرة متواضعة وأن تكون مقنعا أمام طلبتك.ولم تكن تملك في أسوأ الحالات سوى ضحكتك المعهودة بما فيها من صفاء وتواضع. إنهم حين يقتلونك فإنما يريدون أن يقتلوا الأمل والوطن. وهم لا يعرفون بأن الوطن لا يموت، فالجزائر التي جعلوا منها مزرعة جرداء ستحيا دوما بموتك وبموتي أيضا.

استحضرتُ هذا المساء صورة “علولة، وفار الذهب، ورابح كنزات، وصالح شواقي، وهاشمي شريف، وعبد الحميد بن الزين، وعبد الرحمن شرقو وجمال سي العربي، وأسرة جليد، وغيرهم من الذين ذهبوا، ولكن ذهابهم لا يزيدنا إلا حبا للوطن، وإلا إصرارا على التنافس في حب الوطن.

أخي أحمد، كنتَ ستموت يوما كما يموت الناس جميعا. ولكن الجاهلين وسماسرة السياسة لا يعرفون بأن قتلك سيزيدنا حرصا على رموزنا، لأننا لم نكن يوما نقيس الحياة بأعمارنا، إنما نقيسها بعمر الوطن. وإن أمثالك سيُقْتلون ويقتلون، ولكنهم سيولدون ويولدون ويولدون.