الثورات والاختراق

 

الثورات والاختراق والتجسس حلقة 3

ليسوا طبقة ولكن تقودهم طبقة

عادل سمارة

ليس هؤلاء المرتبطين والمتعاقدين والمندسين طبقة ولا حزباً ولا جيشاً، ولكن الطبقة التي تمولهم وتقودهم هي طبقة وحزباً وجيشاً ونظام حكم بل عالمية الامتداد. طبقة من شقين:

·        رأسمالية المركز الرأسمالي المتقدم والمنتج صناعياً وزراعياً

·        ورأسمالية المحيط التابعة والمتخارجة

تجمع بينهما علاقة اقتصاد التساقط Trickle-down economy، طبعاً حصة برجوازية المحيط هي التساقط أو الفتات. وهما معاً تمثلان تحويل العالم الثالث أو المحيط إلى “قطاع عام راسمالي معولم” للمركزفيه اليد الطولى. وأعتى الأمثلة هي أنظمة النفط الخليجية.

إن راسمالية المركز هي في الأساس طبقة تمثل نمط الإنتاج الراسمالي المسيطر عالمياً، هي طبقة عالمية قيد التكوين اقتصاديا ومصلحيا وإن لم تتحول إلى طبقة موحدة سياسياً لأن الدولة القومية ما تزال هي بنية المرحلة وبالطبع مُلحقة بها برجوازية المحيط. لكن المصالح القومية للطبقة من المركز، مصالحها الاقتصادية، تُملي على الطبقات الحاكمة/المالكة في دولها القومية تحالفاً يُعطي ويُنتج كما لو كانت لها قيادة سياسية واحدة. إنها البلوتوقراطية  Plutocracy. وهي تسمية للطبقة/ات الراسمالية العالمية في مرحلة اعتلاء قيادتها النخبة المتمولنة المسيطرة على البنوك الرئيسية والتي تقود المضاربات المالية على صعيد عالمي، بمعنى أن البنكيين، أي راس المال المالي،  احتووا الصناعيين، هذا ما قرأه لينين منذ بداية القرن العشرين، وانتقلوا من ومع الاحتكار إلى المضاربة على صعيد عالمي.

هي طبقة في حالتين معاً: الهجوم والدفاع. هي في حالة الهجوم على مختلف بقاع العالم وثرواته سواء النفط أو اية مادة خام أو حتى قوة العمل. وهي في حالة دفاع مزدوجة اليوم:

·        الدفاع أمام أزمتها المالية الاقتصادية الداخلية الحالية وخاصة الإفلاسات البنكية والبطالة العالية وتدني معدل الربح وهو ما يدفعها للعدوان الخارجي دفعاً قوياً.

·        وأزمة خارجية متعلقة مباشرة بالثورات في الوطن العربي.

لذلك جندت من أشرنا إليهم في الحلقة السابقة ضمن معسكرالثورة المضادة لأن تجذير الثورات العربية يعني هجوماً مضاداً من الثورة ضد المركز الإمبريالي المعولم، اي وقف نزيف الثروة إلى المركز، وبالتالي بدء الصراع الطبقي الساخن داخل المركز نفسه. هذا جوهر ديالكتيك الثورة العالمية الذي ما زالت مشروعية تحليله قائمة. فما يسمى المجتمع المدني في المركز لن تحركه دوافع إنسانية، ولا أممية بالطبع،  تجاه ما يقوم به ابنائه، اي الطبقة العاملة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وذيولها الغربية الصغيرة في العراق وأفغانستان وكل مكان فيه اعتراض على السيطرة أو خروجاً من تحت عباءة راسمالية المركز. لن يحركه سوى انتقال الأزمة المالية الاقتصادية الحالية القائمة فيه بل رفعها إلى أزمة اجتماعية، أزمة فقر وجوع.

وإذا كان محرك الثورات العربية اليوم نتاج “التجويف والتجريف، غياب الحريات وتغييب الأحرار ونتاج الفقر والفساد والقمع الموظف لصالح الفقر والفساد والطفيليين، فإن هذا ما سيحرك الثورات في المركز كذلك طالما العامل الإنساني هناك مطموساً بالأنانية والنفاق.

اي طالما لم يرتفع وعي الطبقات الشعبية هناك إلى وعي سياسي طبقي أممي، وطالما المجتمع بمجمله ينافق نفسه ويتغاضى عن ذبح امم المحيط طالما يُترجَم ذلك الذبح إلى تدفق الفوائض إلى المركز.

في هجومها الدفاعي هذا عمدت الطبقة العالمية إلى اختراق الثورات في الوطن العربي حسب طبيعة كل قطرية عربية وطبقاً لما تريده لكل قطرية ومن تلك القطرية وكل ذلك بناء على مصالحها ودرجة التماهي والتناقض بين كل نظام وبين مصالحها هي والكيان الصهيوني الإشكنازي، هو الاختراق ب الضبط والمخزن:

·        في مصر وتونس تحاول ضبط الحراك الشعبي ضمن مقولة ضبط المخزن وتغيير الحارس ضمن لعبة ديمقراطية شكلانية…حتى الآن

·        في ليبيا عمدت إلى اختراق الحراك الشعبي برصيدها من المرتبطين والمتعاقدين معها كي تحتل البلد ونفطه وتنهي النظام الذي حرمها من قواعدها هناك وتحكم بالفائض ولكن ليس لصالح الشعب والأمة العربية، وفي سوريا عمدت إلى اختراق الحراك الشعبي لتخريب الثورة وصولاً إلى هدم النظام والبلد معاً لأن المعركة مع سوريا استراتيجية أكثر مما هي ربحية اقتصادية ونهب فوائض. معركة المقاومة والممانعة والقومية ضد الكيان والإمبريالية.

·        في اليمن تسيطر هذه الطبقة ومتعاقديها على الأمر بشكل أشد، وربما لأن اليمن بلد فقير يعيش على حافة محيطات النفط، وتقتضي نظرية الضبط-والمخزن أن لا يصبح اليمن شريكاً في النفط (مجلس التعاون الخليجي) وان لا ينفجر بما يُشعل النفط. لذا كان تدمير مصر الناصرية عام 1967 لأن الجيش المصري دخل اليمن 1963 واقترب من محيطات النفط. لذا اصبحت دويلات الخليج التابعة حَكَماً بين الحراك الشعبي وبين النظام وبهندسة الولايات المتحدة. إنه العصر الثاني للنفطيين في الوطن العربي، عصر خدمة علنية للإمبريالية وتخريب مختلف بؤر الممانعة والمقاومة، عصر تصهيُن حكام النفط. نعم من الغربنة إلى الصهينة…تطور طبيعي.

·        أما في البحرين وهي إحدى كِلا (جمع كِلْية)محيطات النفط فكان الرد بذبح البلد!

ولكن، كيف توظِّف وتشغِّل هذه الطبقة المعولمة كل هؤلاء؟ ما هو سحر التجنيد هذا؟ سواء لمن يدرك ولمن لا يُدرك!

سيبقى الجواب مالياً وراسمالياً بالطبع هو آلية الاختراق. نعم تبقى العلاقات الاجتماعية/السياسية الراسمالية، كل شيء يمكن شرائه بالمال، وكل امرىء شيء وبالتالي يمكن شراء كل امرىء بالمال. من يصمد أمام هذا؟ فقط الراسخون في الوعي والمواقف. ليس إلا.

هنا يتبدى دور الأموال الكسولة  Lazy Capital  التي تكدست في المركز بعد عدم تصريف فوائض الإنتاج كي تُستثمَر في دورة إنتاج جديدة، والتي تكدست من تحويل فوائض النفط من بلدان النفط إلى المركز، ومن النهب المتواصل للأمم غير الغربية وحتى يروليتاريا الغرب. هذه الأموال تتحول إلى استثمارات استراتيجية في غير قطاعات الإنتاج.

 

في الظروف العادية يتم استثمار اموال كهذه حكومية أو غير حكومية (اموال الأنجزة) في تربية اجيال يتم اختراقها لتصبح ادوات ثقافية وسياسية للغرب الرأسمالي في بلدانها. أما في الظروف الثورية، فيتم دفعها بسخاء ل ضبط المخزن، حيث الحالة حالة طوارىء. وهنا يكون من قرأناهم في الحلقة السابقة في الوطن العربي هم اصحاب الحظوة التموُّلية لأن دورهم هو هدم وطن بأكمله وخاصة سوريا وكذلك ليبيا، وغيرها بلا شك.

في هذه الحالة، لا يتحدث أحد عن تسليح هؤلاء بالمال، ولا بالبنادق، بل يتم الحديث عن الديمقراطية والحرية والحرمان. في هذه الحالة تغدو منابر المساجد وقاعات الجامعات وشاشات الفضاء مواقع قيادية للثورة المضادة باسم الحرية. والويل لمن لم يفهم، ولكن المجد لمن يكتشف الغث من السمين.

في هذه الحالة تصل فيالق هؤلاء المستخدَمين إلى نقطة اللاعودة وحتى اللاتردد، ولذا يهجمون حتى بجرأة تخالها جرأة الثوار الحقيقيين. ليس لسبب إلا لأن وراء ظهورهم الحائط، لا مساحة للتراجع، وليحترق كل شيء.

لعل الفصيلين الأخطر في هذه الحالة هما:

·        الإعلام مجسدا في الفضائيات تمور بالعمائم وحريم راس المال

·        والمسلحين على الأرض للقتل

في هذه الحالة يخرج الشيخ عن وقاره، والفضائية عن توازنها، والمفكر عن خطابه، ليحركهم المايسترو الأمريكو-صهيوني لحظة بلحظة، فاي وقع موسيقي هذا. هنا ليفهم من أراد ما معنى أن تكون وطنياً ما معنى أن تكون قومياً وما معنى ان تكون شيوعياً.

في هذه الحالة حين يأمر السيد الغربي مخروقيه العرب بإعلان الخيانة…يفعلوا، وعليه لا تبقى سوى رواية واحدة: رواية الغرب الراسمالي، رواية العدو. رواية تنكر وجود مندسين/ات في أرض سوريا وليبيا، ولا مسلحين ولا قناصين، كل القتلى اغتالهم النظام السوري، وحتى الجنود قتلهم النظام ليُؤكد بأن هناك مندسين!

ولكن، في هذه الحالة يمكن أن تنطلي الأمور على البعض وربما على الكثيرين، لأن النظام في ليبيا وسوريا مارس القمع والفساد والبقرطة والأخطر عليه وعلى الشعب أنه مارس اقتصاد السوق لصالح النمنكلاتورا وعلى حساب الطبقات الشعبية التي غدت موزعة بين الوفاء القومي والغضب من سرقة بل الإتيان على قوة عملها. لذا تركب الرواية. ولا يعود بالإمكان السماع إلي تغير في موقف النظام، بل ويتم التشكيك حتى النفي بأية إصلاحات لأن الهدف هدم البلد وليس تحقيق الإصلاح. ولو كان هدف هؤلاء ثورة حقيقية لكن ذلك مفهوماً ومقبولاً.

كثير من المثقفين والمستمعين، وأخص هنا ربائب الأنجزة نساء ورجالاً (في الأرض المحتلة 1967)، فهم  رغم الحقائق الساطعة عن وجود المؤامرة لم يُعيدوا التفكير، بل لا يمكنهم ذلك، فالأجرة ترف امام عيونهنَّ بإغراء بل إغواء. ظل المخروقون ماخوذين بالتلهف على سقوط النظام في سوريا وليبيا لتلحقا بالعراق وفلسطين! ما الذي يأخذهم إلى هذا المنزلق غير الارتواء بنعمة الغرب الراسمالي، الارتواء المعيب الذي عنه تتولَّد روح الكراهية لكل مخلص حتى من فيتنام، ونزعة التشفي ؟ هل تُعالج قضايا الأمم بالنزوات الفردية؟

لم يبقَ عربياً لم يسمع (يو تيوب) الأقمار الصناعية الروسية الذي يُؤكد أن طيران القذافي لم يقصف بنغازي وهو القصف المزعوم الذي استخدمه الغرب لاحتلال ليبيا،  وأوامر الغفيري ل “المفكر العربي” بتبييض وجه الجزيرة واستسلام “المفكر العربي” لذلك، هذا إلى جانب استقالات أربعة سيدات من قناة الجزيرة وغسان بن جدو بسبب الغرف السوداء هناك.

إنه المال إذن، ثالث جيوش الإمبريالية الثلاثة بعد الإعلام والجيش المسلّح،  وهو الذي تتولد عنه جيوشاً ثلاثة كذلك في الوطن العربي: أنظمة سياسية تابعة باستخذاء، ومثقفين في أعقابهم وراسمال تابع وكمبرادوري. فمن يواجه هؤلاء؟؟

تكتيك مختلف للاختراق:

رغم تعدد السيناريوهات تجاه ما يجري في ليبيا، بين تقسيم وتركيع الطرفين، وبين القصف من الجو أو إرسال عملاء مخابرات الغرب كله إلى الأرض، فإن تكتيكاً جديداً تفتق عن الاختراق يمزج بين تجربة العدوان على العراق وبين الاحتلال الداخلي لقطريات الخليج.

لقد تعلم العدو المتعدد من تجربة العراق أن نزول جنوده إلى الأرض يكلفه الكثير بشريا ومادياً، وقد التقط ما لم يدركه من قبل بأن فِرَق الاختراق يمكن أن تلعب دوراً بديلاً مترافقا ومكملاً لوجوده في الجو وهو ما يغريه بإقامة سلطة في شرق ليبيا يزودها بالأسلحة ولتقوم بكل ما يرغب. وهي المحاولة التي جُهِّزت لسوريا في درعا. لتكون هناك “ليبيا الحرة” و”سوريا الحرة” ثم يُصنع لكل منها شيخها ومفكرها وعباءات نفطها ووهابييها، ودُعاة الخلافة العثمانية، أما دور الكيان فنتركه لهم ليشرحوه لنا، إن منحهم الغرب عُمراً.

ملاحظة: أما والهجمة اليوم على سوريا، بل المعركة في سوريا، فعلى كل من أحب سوريا والوطن الكبير أن يواصل النقد للنظام كي لا يتوقف عند إصلاحات شكلية بل ليذهب لما هو ابعد من الإصلاح. يجب ان لا يكون الاهتمام شكليا ولحظياً بما يجري بل نقدياً على الدوام. ما يستحقه الشعب العربي في سوريا هو نظام قومي اشتراكي مقاوم، نظام التنمية وتحرر المرأة. حينما كنا ننقد سوريا دوماً، كانت فرق الاختراق تنعم في ضيافة النظام كل حسب حجمه وحظوته.