امريكا تسحب تعهدها بالانسحاب من العراق واعوانها يرحبون!
جمال محمد تقي
لم يكن لدى الوطنيين العراقيين ادنى شك بان اتفاقية الانسحاب الامريكي من العراق جاءت للتغطية على مشروع الانتداب القادم، فامريكا ليست بهذه السذاجة، تحتل بلداً كانت قد خططت لاحتلاله منذ زمن ليس بالقصير، وهو في صميم منطقة مصالحها الحيوية، تأتي وتغامر بسمعتها وتحتله وبتكلفة عالية مادية وبشرية ثم تنسحب وتترك الجمل بما حمل، وهي التي قد خططت لكل زاوية فيه مخطط، الشمال العراقي سيكون دولة كردستان المتآخية مع دولة اسرائيلستان، وفي الوسط دولة سنستان التي لابد لها من ان تكون حليفة للسعودية منجم النفط الامريكي الاول في المنطقة، والجنوب سيكون دولة شيعستان التي ستكون عبئا على ايران اكثر من كونها عونا لها، واما النفط فقد وضعت له اجندات تفضحها بنود قانون النفط والغاز الساري المفعول عمليا والمنتظر مصداقة البرلمان عليه نظريا.
قد يقول قائل ان هذا المخطط قد فات اوانه، وان امريكا لم تستطع تطبيقه خلال ثمان سنوات، وهي في اوج احتلالها للعراق فكيف سيتسنى لها تنفيذه وهي الان في مرحلة الحسابات النهائية ؟
هذا القول يفند نفسه بنفسه، عندما يلامس واقع الحال القائم في العراق، لدينا الان جيش كردي بتدريب اسرائيلي جاهز للاستعمال، وهو يستعمل فعلا لقضم وضم وتطويق ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، وبالاخص كركوك ـ حيث النفط القدسي الذي ينتظره الطالباني والبرزاني بفارغ الصبر ـ المدينة مستكردة حاليا وتجري عليها محاولات حثيثة لاجتثاث الاصول العربية والتركمانية والمسيحية المتجذرة فيها، والملفت هنا ان بعض اعضاء مجلس النواب الامريكي الذين زاروا اربيل وبغداد يشيدون بتجربة جنوب السودان امام بعض من التقوهم عند تناول المشاكل العلاقة بين حكومتي اربيل وبغداد!
واقع تهجير المسيحيين من شمال العراق بتورط كردي لا تغفله عين، وواقع دفع المسيحيين الى خيارين لا ثالث لهما، اما الانضمام الى اقليم كردستان او التهجير والتصفية، وهذا ما يؤكد التورط، فالاكراد هم المستفيدون من هجرة المسيحيين لاسباب تتعلق بالسيطرة على قراهم المتداخلة مع الاقليم، اوتلك لتي على تماس معه.
اما اصحاب دعوات فدراليات الجنوب والوسط، وربما الفرات الاوسط ايضا، فهم لم ييأسوا بعد، وهم يعتبرون اقليم كردستان حالة نموذجية يجب ان تسود في العراق ليتفدرل كليا، وما يجعلنا نثق بانهم يعنون ما يقولون، هو واقع التقاسم الثلاثي ـ الشيعي والسني والكردي ـ لكل مؤسسة ووزارة ومجلس وميزانية، فواقع التقسيم السياسي والاداري والاقتصادي يؤكد هذا المسار، واخيرا فان قرارات الحقوق الاضافية للمحافظات النفطية يصب بتكريس هذا الواقع الضيق الافق والانعزالي في تطلعاته الاحادية المعتمدة على الاستعانة بالريع والاستهلاك للسير بالواقع الى مبتغاه، في التسليم بالتقسيم .
اما الواقع السياسي السائد فهو غني عن التعريف، ويكفي ان نشير الى تضخم اعداد الوزارات في الحكومات العراقية المتعاقبة ووصولها للذروة في ولاية المالكي الثانية حيث اصبح العدد 42 وزارة، ونواب رئيس الوزراء ثلاثة، ونفس العدد يشمل نواب الرئيس، كل هذا للايفاء بشروط التحاصص الطائفي والعنصري الذي تفرضه العملية السياسية القائمة.
بعد الذي تقدم لا نستغرب ابتهاج القادة الكرد بالرغبة الامريكية بالبقاء، خاصة وانهم قد ابدوا استعدادا مسبقا للموافقة على اقامة قواعد امريكية ثابتة في اقليمهم بمعزل عن موافقة او عدم موافقة الحكومة المركزية في بغداد، اما قوى العملية السياسية الاخرى فهي ترغب في سرها ما يسر القادة الكرد، لكنها لا تملك ان تبوح بذلك، لان علنية مواقف القادة الكرد تخدم توجههم لكسب تحالفات قوية تتبنى مشروعهم الانفصالي وعلى هذا الاساس فهم ليسوا معنيين بالاطار الوطني وليسوا معنيين بنظرة المؤمنين بالعراق الواحد الاحد لهم، لان الامريكان والاسرائليين هم من سيحصنهم ويحصن سعيهم نحو الدولة المستقلة، والتي قطعت شوطا لم تبلغه بعد الاحلام الفدرالية عند الطائفيين من قادة السنة والشيعة، وعليه فان دعاة فدرالية الجنوب والوسط سيتصرفون بطريقة مختلفة عن التي يستخدمها القادة الكرد حيث سيدعي كل منهم ان تهديد الاخر له وخطره على مكتسباته ستجعله يتشبث بالبقاء الامريكي، لذلك نتوقع انحياز مبرر لرغبة الامريكان في تمديد فترة تواجدهم في العراق، فالشيعة يتذرعون بالارهاب البعثي والصدامي والتكفيري، والسنة يتذرعون بالفراغ الذي ستستغله ايران لتكون هي المحتل الاوحد للعراق، وهكذا حتى يحسم الامر اهل الحسم، حيث تكنس مقاومة الشعب كل الناهشين بلحمه وعظمه، امريكا وبقايا احتلالها وايران وتدخلها والاعوان الذين يتوسطون الاثنين، كنس كامل وشامل!
وزير الدفاع الامريكي غيتس ورئيس مجلس النواب الامريكي جون يونر واركان السفارة الامريكية في بغداد يحذرون من حلول اللحظة الحرجة، اي ترك العراق وهو لا يملك مؤهلات البقاء مستقرا وقادرا على الانسجام مع نفسه والدفاع عنها، لذلك فهم عازمون على البقاء وترك امر تبريره لاعوانهم العراقيين الذين منحوا السلطة والسيادة والاستقلال والديمقراطية ومن دون ان تقبض امريكا متبقيات مستحقاتها بعد.