تأملات الرفيق فيديل كاسترو

تأملات الرفيق فيديل كاسترو

الشمال[1] المضطرب والهمجيّ

أثناء انهماكي في قراءة مواد وكتب وافرة لتنفيذ وعدي باستكمال “تأمّل” الرابع عشر من نيسان/أبريل عن “معركة خيرون”، ألقيت نظرة على أخبار يوم أمس الطازجة، وهي أخبار وافرة كما في كل يوم. يمكن تكديس أكوام كبيرة منها في كل أسبوع، وتمتد من الزلزال في اليابان وصولاً إلى انتصار أويانتا هومالا[2] على كييكو، كريمة رئيس بيرو الأسبق، ألبيرتو فوجيموري.

البيرو هي مصدّر كبير للفضّة والنحاس والزنك والقصدير وغيرها من المعادن، ولديها آبار ضخمة من اليورانيوم تطمح شركات عابرة للحدود (او علبرة للاوطان) لاستغلالها. ومن اليورانيوم المخصَّب تخرج أكثر الأسلحة التي عرفتها البشرية هولاً، ووَقود المحطات الكهرونووية التي كان يجري بناؤها بوتيرة متسارعة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان بالرغم من تحذيرات المدافعين عن الطبيعة.

بالطبعن ليس من العدل في شيء تحميل البيرو الذنب في ذلك. فالبيروفيون ليسوا من أوجد الاستعمار والرأسمالية والإمبريالية. ولا كذلك يمكن تحميل هذا الذنب لشعب الولايات المتحدة الامريكية، ضحية النظام الذي أنجب هناك أكثر السياسيين الذين عرفهم كوكبنا الأرضي رعونة.

في الثامن من نيسان/أبريل الجاري، نشر أسياد العالم تقريرهم السنوي المعتاد عن انتهاكات “حقوق الإنسان”، وكان هذا التقرير موضع تحليل عميق في موقع الويب “ريبيليون”، أجراه الكوبي مانويل إ. جيبي، ويستند إلى رد مجلس الدولة الصيني، الذي عدّد وقائع تثبت وضع هذه الحقوق الوخيم في الولايات المتحدة.

“[…] الولايات المتحدة هي البلد الذي يشهد أكثر الاعتداءات على حقوق الإنسان، في عقر أراضيها أو في كل أنحاء العالم سواء بسواء، وهي أحد البلدان الأقل ضماناً لحياة سكّانه وملكيته وأمنه الشخصي.

في كل سنة يقع شخص واحد من بين كل خمسة ضحية جريمة، وهي أعلى نسبة على وجه الأرض. وحسب إحصاءات رسمية، فإن 4.3 مليوناً من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن الاثنتي عشر سنة قد تعرضوا لعدد من أعمال العنف.

نسبة الإجرام نمت بشكل مريع في أكبر أربع مدن في البلاد (فيلادلفيا وشيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك)، وسُجل في العام الماضي نموّ بالمقارنة مع العام السابق في مدينتين كبيرتين (سان لويس وديترويت).

المحكمة العليا حكمت بأن حيازة السلاح من أجل الدفاع عن النفس هو حق دستوري لا يمكن لحكومات الولايات أن تتجاهله. من عدد السكان البالغ 300 مليون، هناك تسعون مليوناً يملكون مائتا مليون قطعة سلاح ناريّ.

سُجّلت في البلاد 12 ألف حالة قتل بسبب الأسلحة النارية، بينما تم ارتكاب 47 % من السرقات باستخدام أسلحة نارية أيضاً.

في ظل فصل ’النشاطات الإرهابية‘ الوارد في “المحضر الوطني”، يشكل التعذيب والعنف الشديد للحصول على اعترافات ممارسات عامة. الأحكام الظالمة تتجلّى في 266 شخصاً، منهم 17 نُقلوا إلى دهليز الموت، وتمت تبرئتهم بفضل فحوص الـحامض الديوكسيرايبوالنووي   (DNA)

تطالب واشنطن بالحرية في الإنترنيت سعياً منها لجعل الشبكة العنكبوتية أداة دبلوماسية هامة للضغط والهيمنة، لكنها تفرض قيوداً صارمة على الفضاء الافتراضي داخل أراضيها، وتحاول فرض حصار قانوني لمواجهة التحدي الذي يعنيه موقع ’ويكيليكس‘ وتسريباته.

بنسبة عالية من البطالة، وصلت نسبة المواطنين الأمريكيين الذي يعيشون في الفقر إلى مستوى قياسيّ. فواحد من بين كل ثمانية أمريكيين شارك في العام الماضي في برامج القسائم التموينية.

عدد العائلات التي تلجأ للمراكز المخصصة لاستقبال فاقدي المأوى ارتفع بنسبة 7 %، واضطرت العائلات لقضاء فترة أطول في المراكز التي تستضيفها. جرائم العنف بحق هذه العائلات التي لا مأوى لها ترتفع باستمرار.

التمييز العنصري يترك بصماته على كافة جوانب الحياة الاجتماعية. المجموعات السكانية التي تشكل أقلية تتعرض للتمييز في وظائفها وتُعامَل بطريقة مذلّة ولا يتم أخذها بعين الاعتبار في الترقيات والفوائد وعمليات الاختيار الوظيفي. ثُلث الزنوج تعرضوا لتمييز في أماكن عملهم، مع أن 16 % منهم فقط رفع شكوى في الأمر.

تبلغ نسبة البطالة بين البيض 16.2 %، وبين الأمريكيين اللاتينيين والآسيويين 22 %، وبين الزنوج 33 %. الأفرو-أمريكيون واللاتينيون يمثلون ما نسبته 41 % بين نزلاء السجون. ونسبة الأفرو-أمريكيين الذين ينفّذون أحكاماً بالسجن المؤبد تبلغ أحد عشر ضعف أمثالهم من البيض.

90% من النساء تعرضن لتمييز جندري ما، في أماكن عملهنّ. عشرون مليون امرأة يقعن ضحية للاغتصاب، وهناك نحو 60 ألف امرأة سجينة تقريباً تعرضن للاعتداء الجنسي أو العنف. 20% من الطالبات الجامعيات يتعرضن للاعتداء الجنسي، و 60% من الانتهاكات في حرم الجامعات يُرتكب في غرف نوم الإناث.

تسعة من بين كل عشرة طلاب شاذين جنسياً (من كافة التصنيفات) يتعرضون للمضايقة في مراكز التعليم.

يخصص التقرير فصلاً للتذكير بانتهاكات حقوق الإنسان التي تتحمل حكومة الولايات المتحدة الامريكية مسؤوليتها خارج حدودها. حربا العراق وأفغانستان، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، تسببتا بأعداد مذهلة من الضحايا بين السكان المدنيين في هذين البلدين.

تحركات الولايات المتحدة الامريكية ’لمكافحة الإرهاب‘ شملت فضائح خطيرة تتعلق باغتصاب سجناء واعتقالات لفترات غير محددة بدون اتهامات أو محاكمات في مراكز اعتقال مثل غوانتانامو وغيره من الأماكن التي تم افتتاحها في العالم من أجل التحقيق مع من يسمّون ’سجناء ذوي قيمة كبيرة مرتفعة‘، حيث تطبّق بحقّهم أسوأ أشكال التعذيب.

وتذكّر الوثيقة الصينية أيضاً بأن الولايات المتحدة الامريكية قد انتهكت حق الشعب الكوبي في الوجود والتنمية، من دون أن تمتثل للإرادة العالمية التي عبرت عنها الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة على مدار 19 سنة متتالية بشأن ’ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض على كوبا‘.

لم تصادق الولايات المتحدة الامريكية على معاهدات دولية تتعلق بحقوق الإنسان، ’كالمعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‘، و’الاتفاقية حول القضاء على كافة أشكال التمييز بحق المرأة‘، و’الاتفاقية حول حقوق الأشخاص المعوّقين‘، و’الاتفاقية حول حقوق الطفل‘.

المعطيات الواردة في تقرير الحكومة الصينية تثبت أن ملف الولايات المتحدة الامريكية المشؤوم في هذا المجال، يجرّدها من جدارة التحول إلى ’قاض في شؤون حقوق الإنسان في العالم‘. إن ’دبلوماسيتها المتعلقة بحقوق الإنسان‘ هي مجرّد نفاق مزدوج المعايير في خدمة مصالحها الإمبراطورية الإستراتيجية. تنصح الحكومة الصينية حكومة الولايات المتحدة الامريكية بأن تتخذ إجراءات ملموسة لتحسين وضعها هي في مجال حقوق الإنسان، وأن تنظر في نشاطاتها في هذا الميدان وتصوّبها، وأن توقف أعمالها التسلطية المتمثلة في استخدام حقوق الإنسان للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدان أخرى”.

برأينا أن المهم في هذا التحليل هو أن هذا الكشف يأتي في وثيقة صادرة عن الدولة الصينية، وهي سلطة بلد يبلغ تعداده السكاني ألفاً و341 مليون نسَمة ويملك بليوني دولاراً في احتياطه النقدي، ولولا تعاونه التجاري لغرقت الإمبراطورية. بدا لي هاماً أن يطّلع شعبنا على المعطيات الدقيقة الواردة في وثيقة مجلس الدولة الصيني.

لو أن كوبا قالت ذلك، لافتقد للأهمية؛ فمنذ أكثر من خمسين سنة ونحن نفضح وندين هؤلاء المنافقين.

قال خوسيه مارتي [3] قبل 116 سنة من اليوم، في عام 1895: “… الطريق الذي لا بد من سدّه، ونقوم بسدّه بدمائنا، هو طريق إلحاق شعوب أمريكتنا بالشمال المضطرب والهمجي الذي يحتقرها.

[…] عشتُ في بطن الوحش، وأعرفُ خباياه”[4].

فيديل كاسترو روز

23 نيسان/أبريل 2011

الساعة: 7:32 مساءً

 

 


[1]  المقصود الولايات المتحدة الامريكية/ المترجم.

[2]  أويانتا هومالا  Ollanta Humala: مرشح قومي بيروفي يحظى بدعم الشعوب الاصلانية الهندية في البلاد.

[3]  خوسيه مارتي: البطل القومي الكوبي (1853 ـ 1895)/المترجم

[4]  يقصد مارتي بالوحش الولايات المتحدة الامريكية التي عاش فيها بعض عمره. ويقصد بامريكتنا، امريكا اللاتينية والكاريبي/المترجم.