الغرب يريد

 

 

الغرب يريد تهجير المسيحيين و تقسيم جديد …..اما نحن!؟

العميد أمين حطيط

 

        مع بداية القرن الماضي اعتمد الغرب استراتيجية تقسيم المنطقة العربية لاصطناع الدول الواهنة، ما ادى الى تهميش الامة و استلاب ارادتها، و بالمقابل قامت ثقافة الوحدة وتحرير الارادة العربية من السيطرة الاجنبية لاستعادة الموقع و تعود اليوم مجددا محاولة تقسيم المقسم . حيث وضعت الخطط وللاسف لتنفذ بمشاركة او مساهمة حتى واحيانا بطلب عربي و كأن العرب لم يتعظوا بما كان من شأن الشريف حسين و الحلفاء الغربيين في مطلع القرن الماضي حيث استعان بهم “لتحرير البلاد من العثمانيين”، فآلت بلادهم الى المستعمر، فجزأها كما اراد، ثم اقام عليها حراساً لمصالحه بوظيفة حاكم
         والان و بعد انجاز تقسيم السودان الى دولتين، و ارساء واقع تقسيمي في العراق يقود الى اخراج دول ثلاث، يتوجه المخطط الغربي الى لبيبا فينشئ بيئة امنية و سياسية ستقود على الاغلب الى تقسيم الدولة الى دولتين اما اليمن فانه لا زال يتقلب في عدم استقرار تحتمل مخاطر التقسيم الى دول ثلاث ايضا. وفي مصر يرد الغرب على نجاح شعبها في اطاحة الحاكم العميل للغرب ويسعى لاقامة نظام وطني، و يرد عليه بتحريك الفتنة الطائفية لتوفير البيئة التي تقود الى حكم البلاد من قبل فئات تعمل تحت عنوان اسلامي و يكون من شأنها الضغط لتهجير المسيحيين، او توفير بيئة لتقسيم البلاد. لكن الادهى من كل ذلك هو ما حبك لسوريا من خطة لا تستهدف وحدتها فقط بل تستهدف تركيبها الديمغرافي ايضا ونحن نعلم ان سوريا في فسيفسائها تكاد تكون الشرق الاوسط المصغر الجامع لكل الاعراق الشرقية و الاديان، سوريا التي استطاعت ان ترسي نظاماً علمانيا يمنع رسم الخنادق او الخطوط بين تلك المكونات، كما انها عرفت طريق مواجهة الفكر التقسيمي باعتماد ثقافة الوحدة و نهج التحالفات الاستراتيجية الاقليمية والعلاقات الدولية التي توفر لها القوة اللازمة للصمود و الممانعة .
        لقد استفاد الغرب من فرص اتاحتها له الحركة الشعبية المطلبية التي خرجت في الشوارع العربية تلك منادية بالاصلاح – و الاصلاح في الاساس حق لكل شعب بان تكون له حقوقه كانسان و مواطن – وتعامل معها كل حسب ظرفها والمرحلة التي وصلت اليها، فاراد احتواء ما افلت من يده كما فعل في تونس و مصر و سحق ما يمكن سحقه كما فعل في البحرين، ثم تسلل الى حركات خجولة لتطويرها الى حركات مسلحة يعول عليها من اجل وضع اليد على البلد تقسيما او تهجيرا او مصادرة قرار كما هو الحال في سوريا التي شهدت في شهر واحد ما لم تعرفه في تاريخها، من وحشية اجرامية وصلت الى قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث بشكل يذكر بعصابات الهاغانه الصهيونية في فلسطين .
        يجري ذلك و كاد ان يمر دون ان تفضح الخطط و المؤمرات بشكل يجهضها مع ان في العرب من المفكرين و الباحثين من يوثق بعلمهم و فكرهم و قدراتهم على تبيان الخطة الاجنبية لتقسيم بلدانهم وتفتيتها و تهجير بعض اهلها، واكثر غرابة ان نجد بعض هؤلاء ينظرون لحق الفئة وحق الطائفة وحق المنطقة، وينسون حق الامة في الاصل، فاذا كان للفرد حق نقر به جميعا و يجب ان يتمتع به كانسان ومواطن، فان للامة معه حق بوحدتها وكرامتها وسيادتها ولا يكون ممكنا للفرد ان يتمتع بحقوقه ان لم تكن امته مالكة لتلك الحقوق فلا فرد سيد في امة فاقدة السيادة ولا مواطن حر في امة مسلوبة الحرية . وهنا نصل الى بيت القصيد و نسال اولئك اللذين يذهبون للمستعمر مطالبين بالحرية، فيدعونه للعودة اليهم واحتلال البلدان، اذ لا يمكن ان نفهم كيف ان الحلف الاطلسي سيحرر الانسان الليبي مثلاً، و لا يمكن ان نفهم كيف ان بريطانيا التي كانت العقل المدبر لمآسي العرب منذ مطلع القرن العشرين (معاهدة سايكس بيكو و وعد بلفور )، هي نفسها التي يستعان بها اليوم عبر الفرع السادس للمخابرات البريطانية، لتحصيل حقوق السوريين في دولتهم .
        من هنا نرى ان اخطر ما في الهجوم الغربي الجديد هو ما يستهدف سوريا، التي اظهرت دراسات غربية اخيرة ان نظامها القائم يشكل اعاقة للمشروع الغربي بسبب قوته المستمدة من اعتماده المصلحة القومية اولوية عليا و عقد التحالفات الاستراتيجية لتحقيقه، و التزامه بمواطنية الدرجة الواحدة من غير تمييز بين الطوائف و الاعراق، و اخذه بعلمانية منفتحة على العصر تستفيد من ثورته العلميه . انه هجوم يرمي الى تقسيم سوريا الى اعراق و طوائف تتناحر، و اقامة حكام علىالدويلات الناشئة ” يحرسون المصالح الغربية و يحكمون بذهنية الجاهلية و الفكر المتحجر المتنكر للعصر المشوه للدين .
        يريدونه تقسيماً يترافق مع اقتتال للتهجير على اساس طائفي و عرقي يصلح الخطأ الفرنسي الذي ابقى سوريا قائمة على مساحة واسعة تمنحها الموقع الاستراتيجي المتوسط بين دول المشرق العربي حاضنة كل الطوائف و الاعراق مقدمة المثل النقيض لاسرائيل – الدولة العنصرية – ومن هنا تبدو اهمية ما تحقق في سوريا في مواجهة الخطة التدميرية التهجيرية التفتيتية، اهمية تجاوزسوريا في مفاعيل الانجاز ليصل الى كل العرب و المنطقة بعد ان اجتازت سوريا ازمتها او تكاد .
        وهنا نرى كم كانت الكارثة ستكون كبيرة لو نجحت الخطة في سوريا؟ انها كارثة تعادل برأينا كارثة تقسيم فلسطين التي لا زلنا نعاني منها ان لم تكن اخطر و هي تفوق حتما مأساة احتلال العراق، كارثة تؤدي الى انشاء الدول الطائفية الواهنة التي تبرر عنصرية اسرائيل عبر كيانات متحجرة طائفيا او عرقياً على غرار مشيخات الخليج وممالكه وامارته الكرتونية التي يدير امرها موظف بسيط في سفارة غربية، و لكان الامر انعكس في لبنان اثرا سلبياً على بنيته و واقع المسيحيين فيه كما حصل لهم من تهجير في العراق، و هنا نرى قصور النظر او السقوط لدى من حالف الغرب وسهل له خططه في لبنان او في الشرق خاصة من المسيحيين الذين يعملون ضد انفسهم بعكس من عرف الخطر واتجه الى دفعه بتحالفات تجذره في ارضه وتفتحه على محيطه .
        نعم الخطة فشلت و يبقى حماية الانجاز، حماية نراها مسؤولية الجميع: في سوريا متابعة ضبط الامن و السير في الاصلاح و خارجها احتضان الانجاز مع مزيد من الوعي لاجهاض المكائد، حتى لا تمر خطة التقسيم الجديدة على اساس عرقي و طائفي كما مرت القديمة على اساس جغرافي واقليمي، تقسيم لن يكون الا لحماية اسرائيل خدمة للمشروع الغربي على حساب الدم العربي والتاريخ والجغرافيا في المنطقة .

:::::

المصدر: موقع “التيار الوطني الحر”

http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/amine-hoteit-HH-6533.htm