نشأة الرأسمالية

نشأة الرأسمالية الاميركية ومحو الآخر

(قراءة في العدو الرئيسي وما يجب ان يعرفه كل عربي)

الجزء الاول

مسعد عربيد

مقدمة

في فهم”اميركا” وطمس البعد الطبقي

        لقد أكدت إنتفاضات الشعوب العربية التي إجتاحت الوطن العربي في الاشهر الاخيرة، وفي مصر وتونس على وجه الخصوص، اننا لم نمسك بعد بالفهم الجذري لطبيعة وخطورة الثورة المضادة وقوى معسكر الاعداء، واننا لم ندرك بعد ان الراسمالية ـ الامبريالية الاميركية هي “رأس الافعى” والعدو الرئيسي الاكبر.

        لم تعد التعميمات والمسميات الفضفاضة تفي بتشخيص المرحلة بالدقة المطلوبة، ولم يعد كافياً ان نقول “الغرب الراسمالي”، إلاّ اذا طورنا الوعي الشعبي والادراك العميق بان الولايات المتحدة هي زعيمته وصاحبة القرار فيه، أما الآخرون من مكونات هذا الغرب فهم “مكونات ثانوية”، صغيرة كانت أم كبيرة، ومهما على صوتها أوخفت، فانها تظل، من دون إستثناء، تأتمر بالامر والنهي الاميركيين.

        ولعل الحالة الليبية هي الاكثر تعبيراً عن هذا الخلل: ففي وجه البطش الدموي للنظام الديكتاتوري، وجدنا الحجة والذريعة لطلب “النجدة” من الغرب وصدقنا نواياه ووعوده بانه سيبقى محلقاً في سماء ليبيا يمطر قوات القذافي قصفا ليردها عن قتل المدنيين الابرياء (ما سُمي في تسعينات القرن الماضي بالامبريالية الانسانية)، بل صدقنا اوباما الذي لا يصدقه حتى اكثر الاميركيين بلاهة بان بلاده لن تسمح بالتدخل البري في ليبيا. وفي الماضي قالت العرب: رب غدٍ لناظره قريب.

        هذا هو بايجاز شديد ومؤلم مشهد البشرية في مطلع الالفية الثالثة حيث تقف في مواجهة شاملة مع العدو الرئيسي: الامبريالية الاميركية زعيمة الغرب الراسمالي. وما عدا ذلك فهو إما فيض من الثرثرة في الهوامش والتفاصيل او هراء مهين للعقل والمنطق. ولعل حالتنا العربية هي الاكثر فداحة ودموية.

        لكن أن نبقى في مواقع التعامي والتجاهل عن هذه الحقائق، او مراوحين بين الخوف والتردد، او المواربة والتزلف، فهذا يعني واحداً من أمرين، وكلاهما كارثة:

1) اننا ما زلنا نرزح تحت عبء إنكار الواقع القائم والجهل بالتاريخ، وتاريخ اميركا على وجه الخصوص، والتعامي عن قراءة وقائعه والإتعاظ بعبره ودروسه. وهو تاريخ امتد على مدى حروب اميركية لما ينوف عن نصف قرن، منذ الحرب العالمية الثانية، حروب حرقت الاخضر واليابس واودت بحياة ما يقارب 15 مليونا من الارواح البريئة.

2) أو ان بيننا من العملاء والخونة، العلنيين والمندسين على حدٍ سواء، ما لا ندركه وما لم نقوى على تداركه وتفادية: عملاء وخونة يمتدون على المساحة المجتمعية باسرها (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى مستويات الحياة اليومية). ولعل الأدهى والأكثر خطورة هم المثقفون والكتاب والمفكرون من صنّاع الوعي الشعبي وأصحاب الفكر والرؤية وقادة حراك الجماهير ونضالها.

هما خياران “أحلاهما مر” بل، والادق، ان كليهما قاتلان للثورة الشعبية وحراك الجماهير وحركة التاريخ.

        ليس في هذا التحليل تقليل للتضحيات التي قدمتها الجماهير العربية بل دفاع مستميت عن الانجازات العظيمة التي حققتها والتي هزت العالم والتاريخ وأودت بحقبة كاملة منه الى غير عودة. وليس فيه أي إستخفاف بجسامة المهام، العاجلة والمؤجلة، والتحديات التي ما زالت تواجهنا.

* * *

قد تبدو هذه المقدمة بعيدة عن عنوان وموضوع الدراسة، إلا انها كانت ضرورية لتجليس القضايا التي تتناولها في سياقها الموضوعي، والتي تتمحور جوهرياً، حول النقاط التالية:

أولا: ان الامبريالية الاميركية، بنظامها الراسمالي، تشكل التناقض الرئيسي الذي يواجه البشرية في عصرنا كما يواجه الشعب الاميركي ذاته، وتمثل أكبر وأخطر التحديات التي تقف امام حرية الانسان وانعتاقه. وعليه، فان اميركا، الراسمالية ـ الامبريالية، تصبح العدو الرئيس للانسانية. وبهذا المعنى، فهي أيضاً العدو الرئيسي والمركزي للشعوب العربية، وما عداها من أعداء وهم كثر، ثانويون يندرجون بعدها في قائمة معسكر الاعداء واولويات المهام النضالية.

ثانيا: لم يكن يتسنى لاميركا ان تبسط هيمنتها على شعوبنا وشعوب العالم بما تملكه من اسحلة التدمير والقتل وتكنولوجيا الحروب وحسب، بل، وبما لا يقل اهمية، بما تملكه من قدرة على تزييف حقيقتها وتاريخها وإختلاق “صورة جميلة” عن ذاتها فبركتها بحنكة ودهاء قل نظيرهما وأوهمت العالم بها وأوقعته في شرك تصديقها.[1]

وواقعنا العربي خير دليل على ذلك. فعلى الرغم من اننا وعلى مدى عقود طويلة، كنا وما زلنا الهدف الاول والرئيسي للسياسة والاستراتيجية الاميركيتين، وبالرغم من كافة اشكال الهيمنة الاميركية على مقاليد الامور في بلادنا ونهب مواردنا واحتلال اوطاننا، بالرغم من هذا كله، ما زال الكثيرون منا يقفون مفتونين امام هذه اللوحة الجميلة المسماة “اميركا”.

ثالثا: يقع كثيرون، في نظرتهم الى اميركا، في ثنائية الداخل والخارج الاميركي والفصل بينهما، وكذلك في الفصل بين حاضر اميركا “الجميل” وماضيها الدموي وهو فصل قسري لاتاريخي رغم نجاح اميركا في إختلاقة وإيهام الدنيا بمصداقيته. بعبارة اخرى، تعمد هذه النظرة، القاصرة والمبتورة من جذورها الى اقحامنا في أمرين:

أ) ان الداخل الاميركي وما يسوده من أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية وما يحتدم فيه من توترات وتناقضات وأزمات، تعود في مجملها الى ازمات اجتماعية وتعقيدات التمييز العنصري والعرقي او مشاكل دينية واخلاقية، وكلها معقدة ومستعصية بدون شك، وذلك بمعزل عن الاسباب والعوامل الطبقية والتي هي وراء هذه الاوضاع.

ب) ان الحراك الخارجي الاميركي (السياسات والاستراتيجيات الامبريالية) الذي ينزع نحو الهيمنة الكونية والعولمة الاقتصادية والثقافية وتسخيرها لخدمة مصالح راس المال الاميركي، منفصل عن الداخل الاميركي واوضاعه ومصالح الطبقة الحاكمة في اميركا. وينطبق هذا المنطق العاجز ذاته على الانفصام الحاصل بين حاضر اميركا وتاريخها الدموي الذي تم طمسه تدريجياً وعلى نحو ممنهج حتى انتهى الى عالم النسيان.

رابعاً: تظل هذه النظرة قاصرة عن صياغة فهم مادي وموضوعي “لاميركا” ـ كظاهرة تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية وكقوة امبريالية عسكرية وتكنولوجية ـ تهدد أمن العالم ومصير الانسان ومستقبل البيئة. هي نظرة تتسم بالقصور النظري احياناً والمكر المتعمد احياناً اخرى، تودي بنا في التحليل النهائي الى:

أ) انها تغفل حقائق تاريخية هامة وتحديداً فيما يتعلق بنشأة الراسمالية الاميركية (وما انتجته من هيمنة اقتصادية وعسكرية وثقافية معولمة)، وبناء “اميركا” كدولة ومجتمع وتعزو الفضل في ذلك الى الرجل الابيض في تجاهل مقصود ومغرق في عنصريته لدور الآخر في بنائها (الابادة العرقي الجماعية للهنود الاصلانيين واستحضار الافارقة واستعبادهم كعاملين اساسيين في بناء الراسمالية الاميركية ومن ثَمّ للدولة الاميركية عام 1776 ). والحقيقة انه من دون فهم هذه الوقائع التاريخية، فانه لا يتسنى فهم الحاضر الاميركي وطبيعة القوى الطبقية المهيمنة عليه وآليات عملها وما ينضح به من اتجاهات مستقبلية.

ب) طمس العامل الطبقي والمصالح الطبقية ـ المحرك الرئيسي للسياسة الاميركية الداخلية والخارجية ـ ودورها في فهم اميركا وتفسير سياساتها على كافة الاصعدة (الداخلي والخارجي، الحاضر والماضي)، وإلهائنا بالتركيز على العوامل الاجتماعية، على أهيمتها، (وخصوصاً التمييز العرقي والعنصري) والاوضاع الاقتصادية (“الازمة العابرة والتي ستجتازها اميركا بلا شك ودون عناء وبلا شك” كما يدعي ابواق النظام) في تفسير اميركا كسياسة وكظاهرة وكقوة ضاربة.

* * *

ملاحظات منهجية

لماذا “اميركا”؟

أستخدم لفظة “اميركا” في سياق هذه الدراسة بمعناها الفضفاض. فـ ” اميركا ” هي الولايات المتحدة الاميركية بالمدلول الجغرافي والدبلوماسي والسياسي، ولكنني أضمن مفردة اميركا ايضاً العديد من الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية التي تحتل جزءاً هاماً من هذه الدراسة. كما انني احرص ألاّ تغيب عن ذهن القارىء الابعاد الاعلامية والايديولوجية والتلقينية والبروباغندية لاميركا والتي تقع في صلب “اميركا” والتي تعولمت الى حد يصعب معه تقدير مخاطرها ومؤثراتها. كيف لا وقد دخلت “اميركا” وصورتها المعولمة بيوتنا وغرف نومنا، وتخللت أحاديثنا، واحتلت ساعات طويلة من مشاهدة التلفاز وقراءة الصحف وجلسات موائد الطعام وليالي السمر. لهذا كله، آثرت استخدام مفردة “اميركا” مع ادراكي لما فيها من تجاوزات علمية واكاديمية.

        مهما ابدينا من التوضيح والاحتراز، فان الكثيرين سيجدون في هذه التسمية وما تتضمنه هذه الدراسة من آراء تحاملاً على اميركا والاميركيين وقسوة في الحكم عليها وإفراطا في تحميلها هذا القدر من المسؤولية المادية والتاريخية. وفي الرد على هؤلاء، لا يسعنا إلا ان نحيلهم الى قراءة الوقائع المادية الماثلة في كل انحاء العالم بعيون موضوعية تتوخى الحقيقة والى ما ينطق به حاضر اميركا وماضيها، وكلها امور في متناول الجميع ولم تعد خافية على أحد.     

* * *

        ليس القصد من هذه الدرسة العودة الى التاريخ السحيق، ولا التباكي على دماء الهنود الاصلانيين التي سفكها الاوروبيون البيض من اجل الاستيلاء على اميركا الشمالية، على جسامة هذه الضحايا، أو من باب الحنين الرومانسي الى الماضي. بل ان الغرض هو التأكيد على ان “اميركا” وتاريخها بحاجة ماسة وعاجلة الى دراسة واهتمام كبيرين وخصوصاً في الوطن العربي من اجل إماطة اللثام عن حقيقة وبشاعة “اللوحة الجميلة” المسماة “اميركا” التي قدمها اصحابها للعالم بكل ما لديها من قدرات التكنولوجيا والثورة المعلوماتية. لكن هذا لا يتسنى لنا من دون تعرية تزييف الاوروبي ـ الاميركي الابيض للتاريخ والرد على إدعاءاتهم الكاذبة وتفنيد المقولات التي حذق في إختلاقها وتكرراها وتلقينها للاجيال الناشئة من ابنائه وخداع العالم بها من خلال آلياته الاعلامية والايديولوجية الفتاكة. وعليه، فلن نعمد هنا الى شرح ما حدث، بل البحث في الاسباب والدوافع والقوى المحركة لتلك التطورات التاريخية.

        وقد اخترنا اكثر الحقبات دموية في التاريخ الاميركي والتي تشمل البدايات المبكرة لنشأة الراسمالية الاميركية التي إقتضت بالضرورة إبادة السكان الاصليين كي ندلل على ان محو الآخر، بما في ذلك من نهب للموارد وإبادة جسدية وحضارية، هي في صلب العقيدة الراسمالية الاميركية منذ ان وطئ المستوطنون الاوائل شواطئ اميركا الشمالية. وعليه، فان ما نشهده اليوم من وحشية الامبريالية الاميركية في بلادنا وغيرها من بقاع الارض، ليس امراً مستحدثاً بل هو متأصل في التاريخ والسياسة الاميركية.

 

التراكم: المحرك الرئيسي للراسمالية

        يشكل التراكم الراسمالي محركاً رئيسياً، إن لم يكن الرئيسي، للراسمالية الاميركية وتاريخها المعاصر. وعلى خلاف ما يدعي مروجو الراسمالية من ان هذا التراكم جلب الرخاء والوفرة للناس وخلق “المجتمع الاميركي السعيد”، فانه بمآله الطبيعي يتسبب في انعدام المساواة والتكافؤ بين الناس اللذين يشكلان سمة اساسية وبنيوية للراسمالية. وهذا يؤدي، في مجمل تداعياته وآثارة على الانسان والمجتمع، الى فوارق طبقية واجتماعية واقتصادية لا تفتأ تتعاظم لتتحول الى تناقضات تناحرية لا تحسم الا بتصفية احد طرفي الصراع للآخر.

        تكمن احدى الخصوصيات الرئيسية للتراكم الراسمالي في اميركا في انه لم يكن حصيلة التطور الطبيعي للتشكيلة الاجتماعية ـ الاقتصادية في سياقها التاريخي. لان الكيان الاستيطاني الاوروبي الابيض في اميركا الشمالية والذي سُمي فيما بعد الولايات المتحدة الاميركية لم يكن استمراراً اجتماعياً طبيعياً ولا امتداداً تاريخياً للمجتمع الذي كان قائما ومزدهراً قبله: التشكيلة الاجتماعية ـ الاقتصادية للهنود الاصلانيين. وبالمنطق ذاته، فان الرخاء الذي ينعم به المواطن الاميركي اليوم في ما يسموه “دولة الرفاه” لم يتأتى حصيلة الانتاج القومي الاميركي ولم يقم على سواعد الاميركيين البيض بل على إبادة واستغلال الملايين من الهنود والسود في العملية الاستيطانية والانتاجية في اميركا من جهة، وعلى نهب ثروات وموارد شعوب العالم الثالث لعقود طويلة، من جهة اخرى.[2]

        لقد شكل الافارقة، الذين إستحضرهم الاوروبي الابيض الى شواطئ اميركا الشمالية المادة البشرية والفعل الاساسي لأكبر وأسرع عملية تراكم راسمالي (الراسمالية الاميركية) في التاريخ البشري. وقبل إستحضار العبودية الى اميركا الشمالية كانت إبادة الهنود الاصلانيين قد شكلت الاساس المادي لهذه الراسمالية وما حققته من تراكم فيما بعد: إغتصاب الارض واستغلال الهنود والعبيد في العملية الانتاحية (الاقتصادية) الاميركية. أما المفارقة المؤلمة فتكمن في ان هؤلاء الهنود الاصلانيين والسود الافارقة اللذين وفروا المقدمة المادية والتاريخية لنشأة الراسمالية الاميركية، كانوا في الآن ذاته ضحيتها الاولى والكبرى. وهي ولإن كانت مفارقة، إلا انها يجب ألا تثير استغراب او فضول أحد لانها في تناغم تام مع طبيعة راس المال كنظام شمولي في بطشه وظلمه واستغلاله.

        تلك هي، من دون مواربة وببساطة قد تبدو مذهلة، قصة “اميركا” وحقيقة ولادتها، وهذا هو منطق راس المال وطبيعة تناقضاته البنيوية والنتيجة الحتمية التي يؤول اليها.

سنخص الهنود الاصلانيين في هذه الدراسة، لا من باب التقليل من دورالسود الافارقة في بناء الدولة الاميركية، بل للكشف عن الحقبة المبكرة من نشوء “اميركا” قبل استحضار الافارقة اليها وهي الحقبة التي عمد مثقفو ومؤرخو البرجوازية الاميركية الى تزييفها وطمسها بكل خساسة وإزدراء بالامانة العلمية والاكاديمية والتاريخية، كي يفرشوا الطريق ل”منظومتهم” من المفاهيم والقيم منتحلين الفضل فيها الى المركزانية الاوروبية ـ الاميركية والحضارة الغربية.

 


[1] تجدر الاشارة هنا الى ان الاوليغارشية الامريكية المسيطرة والحاكمة تتصرف بحرية شبة مطلقة في المسرح الدولي غزواً ونهباً وابادة وتدميراً لسبب آخر لا يقل اهمية عن الاسباب المذكورة في هذا البحث وهو: السيطرة الكاملة على مدارك وتفكير وبالتالي سلوك الشعب الامريكي. وبالتالي فان احدى مهمات الشعوب المناضلة ضد الامبريالية تتمثل في اعلام وتبصير وتثقيف الشعب الامريكي (بالوسائل المتاحة) بالجرائم والفظائع التي تقوم بها اداراته باسمه بالتضاد مع قيمه واخلاقه ومعتقداته كشعب. فطالما كانت الخطوط الخلفية للامبريالية موثوقة ومستقرة وهادئة تكون معركتنا اكثر صعوبة وتعقيداً وتكون تضحياتنا اكثر فداحة واهدافنا في التحرر والانعتاق اكثر بعداً.

 

 

[2] جادل كثيرون قبل ان غزا الغرب الراسمالي (الاميركي ـ الاوروبي) ليبيا، ان الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً في هذا البلد بسبب الازمة الاقتصادية التي تمر بها. ولم تكن ليبيا بالطبع الحالة الاولى التي تطرح فيها مثل هذه الحجج، إلا ان اميركا كانت تتدخل عسكرياً وبكلفة هائلة يتم تسديدها، او تسديد القسط الاكبر منها، بضخ المزيد من اوراق النقد او يقوم “عرب النفط” في السعودية وقطر والكويت وغيرها من إمارت الخليج بدفع كلفة هذه الحروب. فالدولة الامريكية فعلا لا تدفع تكاليف حروبها، ولا تدفع ثمن عجزها التجاري والميزاني وديونها الداخلية والخارجية، اذ ان ايداعات الدويلات النفطية والثرية وغيرها و”صناديقها السيادية” تتكفل بالامر، ولو اجرينا حسابا بسيطا لمجموع مديونيات وعجوزات امريكا، لوجدنا انه يقل قليلا عن كل تلك الموارد، ولو كان غير ذلك، وحتى من منظور الراسمالية نفسها وقوانينها، لافلست الدولة وانفجر المجتمع من داخله. كما ان الصين لوحدها تتكفل باكثر من ثلث المنتوج الداخلي الاجمالي عبر الديون والتصدير الى السوق الامريكية.