توسيع مجلس

توسيع مجلس “التهاون” الخليجي

لترحيلنا للخليج والغدر بثورة العرب و 15 أيار

عادل سمارة

رحم الله محمد محفوظ، وأطال عمره إن كان بعدُ حيَّاً، كان يكتب في جريدة العرب في الثمانينات “مجلس التهاون الخليجي”. لكنه إلى جانب كتاباته السلسة والممتعة كان يبارك قوافل إسلاميين يمولها الخليج متجهة إلى أفغانستان (زاره بعضهم في موقع صحيفة العرب ورأيتهم) عبر لندن “كمحظة تبديل” لوجستي وعقيدي على صعيد عالمي، وها قد رأينا ما حل بهذه الناس حتى بزعيمهم اسامة بن لادن! لم يعرف الرجل أن الإسلام الذي أخذه إلى كابول هو إسلام أميركي-تركي وهابي، وحين  عرف كان قطار التاريخ قد مضى.

وقف الأردن كما اليمن على ابواب النفط عقوداً ليحظى بعضوية مجلس التعاون الخليجي، كانا سيقبلا دور حطاب أو سقاء، لكن عمالة باكستان والهند وسيرلنكا كانت أكثر حظوة وجَلَداً على تحمل عنصرية خليجية متخلفة تماماً تخشى العامل العربي لشعوره أنه شريكاً لا عبداً.

فجأة، ولكن مع سابق تحضير،  وجد الأردن نفسه في ذلك الضوء الأزرق والأخضر لليلة القدر، وطال ذلك الضوء مغرب المغارب العربي، حيث دُعيا إلى حفلة وهابية يضيئها النفط وعشق وهابي للكيان الصهيوني لم يعد بالوسع إخفائه، كيف لا،  الا يفيض العشق على العاشق حتى لو كان ورِعاً ومحافظاً. فالعشق لا يتخفى. ألم تقل العرب، “إذا لم يأت محمداً إلى الجبل، يأتي الجبل إلى محمد”!

رابعة القواعد الصهيونية:

وحتى حين تسلم إسلاميون الحكم في تركيا بتفاهم عميق مع الجيش التركي وهو أطلسي/أتاتوركي/وصهيوني، لم يخالطني الشك في الاعتقاد بأن تركيا هي القاعدة الشرقية للغرب والصهيونية ضد الأمة العربية والمغرب هو القاعدة الغربية رغم الشكلانية الديمقراطية الفرانكفونية هناك. والكيان هو واسطة العقد. أما مجلس التعاون، فالقاعدة الرابعة والأخطر هي قاعدة اللحظة الحرجة للثورة المضادة وهي تُؤمر من واشنطن. تمتد بينها وبين  تل أبيب خطوط أوتوستراد عنكبوتية ستتحول بدمج الأردن واوسلو-ستان إلى أوتو ستراد عجلاتية[1].

في الأزمة الحالية في سوريا بان الموقف التركي بشكل اوضح، ولم يَبَنْ في مجزرة سفينة الحرية، وقد يبين بشكل اوقح، وهذا رهين بقدرة النظام السوري على التحول، ولا اقول الإصلاح، التحول إلى نظام قومي للفقراء، نظام يرفض قاعدة السوق ويعتمد التنمية بالحماية الشعبية. نظام بعد المؤامرة، وقبل بدء المؤامرة الأخرى لا بد أن يحسم مع داخله، مع النومنكلاتورا التي في داخله ومع العدوان الخارجي عربي وغربي الذي يحاول منعه حتى من الإصلاح لأن المطلوب راس القومية العربية والممانعة والمقاومة.

إن “مبادرة” مجلس التعاون لضم الأردن والمغرب تثير شكوكاً لا علاقة لها بحلم الوحدة العربية، بل هي ترى حتى في الجامعة العربية مؤسسة عروبية قومية. ولو كانت النوايا شعبية لكان اليمن سيد المدعوين سواء لقربه أو توفر قوة العمل أو التنوير، فاليمن أكثر نورا وتنوراً من اضواء النفط. ولكن التنوير ليس مطلوباً. أما حين يكون المطلوب عساكر تُقتل في حرب طائفية بغيضة بين السنة والشيعة لصالح تل أبيب وواشنطن وباريس ولندن، وحين يكون المطلوب خبرات مخابراتية، وحين يكون المطلوب تشغيل الفلسطينيين في الخليج ومن ثم ترحيلهم ليعيشوا هناك بدل اليهود الذين كانوا في جزيرة العرب كما اثبت فاضل الربيعي وكمال الصليبي، هذا إذا كان من يستوطنوا فلسطين يهوداً[2] اصلاً، حين يكون المطلوب هذا، فلا مكان لليمن في خليج وجزيرة النفط!

لِ “مبادرة” مجلس التعاون تفسيرات عدة أهمها:

  • فشل بدء تطبيق مشروع الشرق الأوسط العميل من لبنان، فشلاً لن يتوقف عن محاولة أخرى.
  • تشكيل قوة عدوان عربية ضد إيران تضم قطريات عربية اقرب إلى أميركا، وهذا سبب رفض اليمن من قبل عرب الإسلام الأميركي.قوة تعمل بالنيابة عن الغرب وعن حكام نًُصِّبوا لخدمته.
  • مبادرة علاقة لها بما يُقال أن مجلس التعاون أدرك أن الولايات المتحدة ترمي بحلفائها حين تتغير الظروف كما حصل بمبارك، فالتصرف الخليجي على الأقل لا يشي بذلك لأن الرد في هكذا حالة يجب أن يكون:
    • عودة هؤلاء إلى العروبة
    • وتهدئة مع إيران
    • وتباعداً عن الحلم العثماني بالعودة لاحتلال الوطن العربي
  • وتهدف إلى خلق جسر أميركي في الشرق الأوسط يبدأ من مكة المكرمة إلى القدس الشريف إلى حيفا.

هذه “المبادرة” تعني تحويل أوسلو-ستان إلى دولة منزوعة السلاح ولكنها أوتو-ستراد لعبور الكيان بضائع وسلاح ومخابرات من تل ابيب إلى عمان إلى جزيرة العرب. وحينها ليس شرطاً أن يتم الهجوم على إيران لأن المطلوب هو صهينة الوطن العربي.

نعم، حينما سمعت  ب “المبادرة” قلت هي لإشراك الكيان الصهيوني أو “دمج الكيان في الوطن العربي إندماجاً مهيمنا”. نعم، كان تفكيراً أسوداً، فجاء أحد رجال أوسلو-ستان، ليؤكد أن الدولة الفلسطينية سوف تنضم إلى مجلس التعاون الخليجي!. والدولة الفلسطينية كما تُطرح هي إرادة أميركية وصهيونية.

كنا نقول قبل 30 سنة، أن هذه الدولة، ناهيك عن شطب حق العودة، ستكون محطة تبديل بين الكيان والوطن العربي، أما اليوم فهي كذلك محطة ترحيل الفلسطينيين إلى الخليج، و/أو العراق وسيحمل كل فلسطيني على ظهره “خُرجاً” يجلس في جانبه صهيونياً وفي الآخر زوجته ليعُبَا من النفط ويعيدهما ليحمل زوجاً آخر.

إن كان ميجور ميخا حيا يُرزق سيكون اول الحجَّاج إلى نفط الله الحلال، كان قد قال لي في لحظة تحقيق عام 1989 :”السلام بالنسبة لي أن اركب سيارتي إلى دمشق او بغداد اسهر وأعود”. بغداد  اليوم تفتح لك ما لا يُفتح، وها هي الرياض، فلا بد من “المبادرة” كي تسلك الطريق إلى دمشق. ألم يقل خدام هذا؟.

نحن في سباق اللحظة الحرجة اليوم، فمهما قيل عن الثورات والانتفاضات والحراك في الوطن العربي هي ثورات، وإن كانت في بداياتها.

ولكننا كذلك في لحظة اشتعال الثورة المضادة حيث  يتحرك كافة من اخترقتهم على مدار زمان يبدأ منذ استعمار الوطن العربي، لا بل منذ غزوات الفرنجة. ولضخامة حجم وخبرة المخترقين/ات سواء في العسكر او الأكاديميا أو نخب الحكم أو الأنجزة أو المجالس الثقافية أو القنصليات أو المنح التعليمية أو ما لم نعرفه بعد.  لضخامة الهجمة يزيغ البصر فيعتقد البعض أن الثورات من صنع  الولايات المتحدة، كلا. ولكنها، تتعرض لاختراق الثورة المضادة، إنها حلبة صراع وطني قومي وطبقي مركَّب في مواجهة الثورة المضادة.

لو كان للمرء أن يتماسك عقلياً وإعاصبياً، فالثورات الغضَّة وحتى القابلة للاختراق ليست أميركية، حتى رغم خطاب أوباما الأخير بما يحويه من لغو وهزهزة جسده النحيل حتى ليكاد يرقص أمام المايك، لابساً لبوساً يوحي أنه صانع الثورات، ومحب الشعوب، وليس أمامه غير هذا الادعاء. اليس عظيماً لقاتل الأمم أن يجد فرصة يبدو معها ملاك الخلاص. من لديه قدرة رؤيا، كان بوسعه أن يرى دم الشعوب يسيل من اصابعه ويتدفق من فمه وهو يتراقص ثملاً بالدم وكأنه يكتب بالأحمر على ذِهنٍ ابيض:  سوف نذبحكم جميعاً أو تستبدلوا دمكم بالنفط مثل عجول الخليج.

هكذا إذن، حفزت الثورات العربية الغرب الراسمالي ليشرع في الثورة المضادة دفاعا عن “وطنه العربي”، هل يُفلت جَشِعاً مزرعته ومطاياه ليجوع ويمشي طويلا!

أما ما زاد اشتعال فتيل هذه الثورة المضادة فهو العودة الشبابية إلى فلسطين وخاصة من خاصرة الجولان العربي السوري، رحم الله أبو علي مصطفى[3]. ورحم الله فلاديمير إيليتش لينين، صدقوني أنه سيكون في الجنة، وصف ذات مرة أحد رفاقه وهو يكذب بقوله: “أنظروا لهذا الصبي بلا لباس”. هكذا كان منظر رئيس أقوى دولة في الذبح والقتل باراك حسين اوباما وهو يتحدث عن الثورات العربية ب “حب مسموم”. من يراقبه ولا يفهمه كان سيقول الآن سيرسل قبلة إلى حسن حجازي وكل من اخترقوا الجولان إلى مجدل شمس ويافا، فإذا به يرسل سرباً من طائرات الموت لتطارد العائدين ويطلب من الرئيس السوري التنحي.  ليس الرجل غبياً لكنه وقح.

تحدث كثيرون/ات أفضل مني عن حتمية توفر رؤية للشباب الثائرين في الوطن الكبير. وكل يوم يصبح هذا الأمر مُلحَّاً. لا اقول هرمنا كما قال الأخ التونسي النقي بالمطلق بعكس أوباما. الموقف لا يهرم، والعشق الثوري لا يهرم. بل اقول، إن الوطن في خطر والثورة  على شفير المحرقة وحق العودة حين رفعتموه إلى السماء يوم 15 ايار يتعرض اليوم لجزارين من مختلف الأصقاع والاتجاهات واولها داخلي. ويتم استثمار نهضتكم/ن في حق التحرير والعودة وتقزيمه إلى “حق” الدولة.

في هذه اللحظة، التي نسفت شعارات مريضة من طراز إزالة آثار العدوان 1967، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتحويل الحكم الذاتي إلى دولة الحكم الذاتي، في هذه اللحظة، يجب الوقوف الواضح مع التحرير والعودة. وسيكون ما قمتهم به حرفاً واحدا من كتاب كبير. لا بد من رؤية ترفض الانتخابات المسماة تشريعية،  وترفض المفاوضات من أجل دولة بالتفاوض، وتتابع المطبعين/ات في كل حفرة أو وراء اي حائط يختبؤون ويمارسون الزنى السياسي. لا بد من إعادة بناء البلد ثقافيا وتنمويا وكفاحياً. لا بد من رؤية او مشروع يقول للعربي ، لقد باعوا ولكننا لن نبيع. ولا بد أن تشتمل الرؤية على القناعة بأن ما تجري حرباً طويلة وليست مجرد معركة.

اصبح حق العودة اليوم، في مقاومة وصول مجلس التعاون إلى رام الله وتل ابيب، وإن كان مغلَّفاً بقوافل تقديس الحج بدل قوافل تحرير بيت المقدس. إن مجلس التعاون وكل عربي  اخترقه الغرب، غرب واشنطن، لندن، باريس، مستردام، أوسلو، روما…واليوم معهن إستانبول هو حالة احتلال للإسلام من أجل احتلال أبدي للوطن العربي.

مشروع الثورة المضادة اليوم هو مواصلة حرب فرنجة الإقطاع على يد فرنجة رأس المال يحركهم زيت الكاز، ويركبون مطايا عربية. وإذا كان الفرنجة يستنهضون روح ريتشارد قبل الأسد، وبطرس الناسك، فعلى الثوريين الشباب استنهاض أنفسهم وصلاح الدين، وجول جمال وعبد الناصر. وبغير هذا سنكون يوماً في الخليج…وننتهي ابداً في الخليج.


[1] لمعرفة علاقة عجول الخليج بعلوج الروم  لا يحتاج المرء إلى تقنيات عالية كالتي تمكنت منها سوريا لكشف قناة الجزيرة، فالكيان لا مباشرة يفضح عملاءه لأنهم عملاء وإغبياء. حمد بن جاسم طلب من قناة الجزيرة التركيز على القنيطرة ليزعم من هناك أن سوريا حملت جثثا سورية قُتلت في سوريا بقمع من النظام وألقتها في القنيطرة لتقول هؤلاء قتلهم اليهود. لكن الفلسطينيين دخلوا من مجدل شمس! وفي نقد الذات لجيش الكيان قال قادته، اعتقدنا ان السوريين سوف يدخلون من القنيطرة، هل يعني هذا أن الوزير الضخم كان ينسق مباشرة مع مخابرات الكيان؟

[2] إن تجميع قطع غيار من مئة أمة، هو نموذج عن أمم استيطانية متحدة لا علاقة لها بيهود الماضي الذي أكد ماركس أنهم ضاعوا وذابوا في ثنايا التاريخ.

[3] حين قررت قيادات من الجبهة الشعبية الركوع لأوسلو ودخلت  مع فر ق التسوية التي استبدلت عودة الشعب بعودة القيادة رفض ابو علي مصطفى وقال: “العودة هي بالتسلل عبر الحدود” وحين اوقعوا به وعاد كما عادوا قرر الاستشهاد، طوبى لك. كم ستكون فرحاً لو رأيت حسن حجازي في يافا.