قراءة

قراءة في كتاب جديد لصبيح صبيح:

“مقاتلو التنمية”

وضع: صبيح صبيح

مرشح لنيل الدكتوراة

إصدار: مركز بيسان للبحوث والإنماء.

“مقاتلو التنمية”، عمل مختلف في زمن يمشي على راسه عالمياً وعلى رموش العين فلسطينياً، وعلى مؤخرته فردياً. عمل مقاتل بامتياز في لحظة هزيمة يُفاخر بها أهلها. هذا ما انتجه الباحث الشاب صبيح صبيح. عمل يَشي بصبحٍ افضل لمجتمع يستحق وطنه مهما تناسل المطبعين.

الكلمة التي يقولها صبيح في كتابه هي أن فلسطين لم تشهد تحريراً ولا تنمية، ولن تشهد تنمية بالحقن المالية ولا بتحويل المناضلين إلى “خبراء” وكتبة تقارير ومقترحات لاستجداء المال.

لا يتردد الكاتب في نقد شامل ومحدد وواضح للقيادات السياسية الفلسطينية في الأرض المحتلة التي فتحت فخذي الوطن لرياح السيالة المالية، فكانت النتائج: الكل نحو المال لا نحو الوطن. يا إلهي!

قِلَّة من الباحثين رفع السوط قبل الصوت أمام إله المال، وقف في صف الفقراء. وقلة من الباحثين من نقد الأنجزة دون أن ينخَّ لها في برزخ ويواصل الثرثرة ضدها وهو في الموقع الأسفل في البرزخ المستعصي، وكأن صبيح يقول” دعه يثرثر دعه يخون، فإنا على الأقل… نرى”.

هي الروايات وحدها التي يقرأها المرء دون توقف، وهذا الكتاب ليس رواية، لكنه أعمق، هو انتضاء سيف التحليل والنقد في وجه جيوش الليل العديدة، من العولمة إلى المصرف الدولي إلى سلطة أوسلو-ستان وررئيس وزرائها الذي منحه الغرب الراسمالي الحل والعقد والمال وسرُّ الدولة وجيش الدولة وما سيأتي ايضاً.

سر الكتاب أو بعض أسراره كامن في تحليل التنمية من داخلها، والحفر المعمق في المعنى العملي في التطبيق الكاذب للتنمية وليس المعنى المالي النقودي، في ما أكده الكاتب أن ما تسمى التنمية في الأرض المحتلة هي اختراق، هي تجنيد المناضلين للتسوية على مختلف صعيد، من كتابة التقارير للمانحين سواء للاستجداء أو للتعيُّش الفردي أو لخلع الجلد بل حتى خلع الذات، كي تُغدق الأموال لكن هنا لا يتم الخلع قطعة قطعة على خشبة في مقر خاص، بل خلعاً بالكامل وعلى رصيف العولمة. ألم تقل الحكمة الشعبية ” شُبِّيك لُبِّيك عبدك بين إيديك”! وهل يأتي المال بغير هذا؟، مال للمكاتب ومال للمشاريع الفاشلة ومال لرياش المنازل ومال للأكاديميا..الخ وكلها من أجل مسألة مركزية:

عن فلسطين والتحرير والمقاومة إقلب الصفحة يا هذا/ه وسأقلب لك حياتك بأشهى من لا فيجاس وبيجال وحتى جنات عدن في اليمن القديم أمس والحزين اليوم. بيت القصيد، تخلى عن فلسطينيتك، طالما وصلت عندي، أنا رب المال والأعمال، أعقد معكَ/كِ صفقة مزدوجة، ظاهرها أنك تأخذ المال للتنمية، وباطنها: أنت لي، تعمل لي. وحين تعمل لي، انت تعمل للكيان الصهيوني ولرب النظام العالمي. إنسَ ما قاله السيد المسيح: “لا تعبدوا إلهين، الله والمال” أعبد المال. وإن لم تفعل، ستقول ما قاله السيد المسيح حين الصلب: “إِلوي إلوي لا ما شبشتني…إلهي ‘لهي لمااذ تخليت عني”. كم منا مستعد ليحمل هذا الثقل!

نقد مالح أو حامض يمارسه صبيح يذكرني برسومات ناجي العلي الذي اغتاله التطبيع فمات وهو يُقاتل، وما أكثر من يبكيه مخاتلةً!. ينقد صبيح التطبيع وما يسمى المجتمع المدني ويعري بهدوء لم أعهده في الشباب، يعري الأنجزة كما لو كان يغازلها، وكأنه يعرف جيداً كيف تُعقد صفقات تجنيد المثقفين والمناضلين والأكاديميين. وكيف لا يعرف، فما من فلسطييني/ية حقيقي إلا وطالته يد الكيان وجرت مساومته على وجوده. كأن صبيح يحمل هذه التنمية التي تخرق المناضلين والمثقفين والأكاديميين من اليسار واليمين والوسط وحتى الذيل، يحملها ويرميها في وجه من اتى بها، قائلاً: “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها”. ليسأل كل واحد/دة منا هل أكل بثدييه وأرغم فلسطين على الأكل بثدييها، فلا نامت أعين من يبيع بالمال ما لا يُباع.

بقي ان اقول كلمة للصديق خليل نخلة، هذا العمل لا يسرق السوق من طريق كتابك “فلسطين…وطن للبيع” الذي يصرخ صرخة لحظة الهبوط الأولى “من المحل الأرفعِ – إبن سينا” لحظة المجيء القسري إلى الوجود القاسي، بل يبني شغلاً مشتركاً.

عادل سمارة