الحقوق العربية:


الحقوق العربية: بين مقاومة تحميها..
ومفاوضات تهدرها؟

العميد د. أمين محمد حطيط

في ظل انقسام عربي ولبناني حول القضايا الاستراتيجية الكبرى، احتفل اهل المقاومة والتحرير بعيد انتصار الارادة المقاومة على سلاح الاحتلال وطرد المحتل من معظم الارض الا بعضها (نقاط التحفظ في رميش والعديسة والمطلة ومزارع شبعا والغجر). وكان المنطق يفرض ان تكون الذكرى – العيد مدخلا للتوحد، لكن في غياب المنطق والرؤية الواضحة للمصالح الوطنية والقومية، حل الانقسام الى حد اضطر البعض للاهتمام بالانتصار احتفاءً بذكراه من اجل ان يعوض محاولات البعض الآخر الذي غالى في انكاره والتعمية على من انجزه وصولا الى التنكر للمقاومة ورفضها وطرح التفاوض مع «اسرائيل» بديلاً منها وهنا نسجل من الحقائق والملاحظات ما نجد من الحتمي ذكرها في هذا المقام:
لم تنسحب «اسرائيل» من لبنان في العام 2000 تطبيقا لقرار دولي، وطبعا لم تنسحب تعففا وتقديماً لـ «تنازل مؤلم « بل طردت من لبنان طرداً، وكان انسحابها لعلة وحيدة تتمثل في عجزها عن احتمال دفع الثمن الذي يتطلبه احتلالها، وهو الثمن المتمثل بالخسائر التي اوقعتها المقاومة بالجيش «الاسرائيلي» والتي تعدت بمفاعيلها الى المستويات المدنية والعسكرية والسياسية الى درجة حملت الشعب عندهم على الانين ورفض دفع كلفة تفوق ما يجنيه من مكاسب، فطالب بالانسحاب، وتكون المقاومة التي فرضت الثمن هي التي فرضت الانسحاب، وكل قول آخر يعتبر من باب التجهيل او التضليل او نكران الجميل.
لقد خرجت «اسرائيل» من لبنان واستمرت محتفظة بقواتها، لان المقاومة التي اخرجتها لم تدمرها وهي لا تملك قدرة تدمير تلك القوة، وبالتالي فان هذه القوة التي تمتلكها «اسرائيل» قابلة للاستعمال واعادة الاحتلال عندما ترى «اسرائيل» فراغاً بالقوة في مواجهتها، وهذا يقود الى االقول ببساطة ان صنع النصر غير كافٍ في الواقع المتشكل مقابل «اسرائيل» التي تمتلك القوة العسكرية الرابعة في العالم، وان حراسة النصر وصيانته يكونان في سقف من الضرورة يساوي ان لم يتفوق على السقف في التحرير.

وبما ان لبنان عاجز بسبب ظروفه الداخلية والواقع الدولي عن امتلاك القوة العسكرية الرسمية التي تمكنه من صد العدوان «الاسرائيلي»، فان المقاومة التي حررت الارض متعاونة مع الجيش، تستمر حاجة مطلوبة من اجل الدفاع عن الارض المحررة وشهر سيف القوة من اجل استعادة ما تبقى من ارض محتلة في مزارع شبعا والغجر، فضلاً عن دورها في منع ضم الارض التي تحفظ لبنان على الخط الازرق عندها لان الامم الامم المتحدة وبتواطؤ مع «اسرائيل» شاءت اقتطاع هذه الارض، وان ارهاصات الاقتطاع هذه بدأت تلوح في الافق من خلال اسقاط مفهوم الحدود الدولية وتعميم مصطلح الارض الخلافية وما شاكلها من تعابير تهدف الى زرع الشك ثم الدفع الى التفاوض حول حدود جديدة تمكن «اسرائيل» من قضم ارض لبنانية. فالمقاومة ضرورة دفاعية لبنانية لا يمكن اسقاطها الا باسقاط الحق البناني في الارض والسيادة، وهذا امر لا يملك احد حق التصرف فيه.
ان ممارسة فعل المقاومة هو حق لكل لبناني خاف على حقه في ارضه وسيادته وادرك عجز دولته عن حماية تلك االحقوق، وهنا نكتفي بالقول بانه حق ان لم نقل انه واجب، ولكن على الاقل فان واجب من لم يقاوم او لم يقتنع بالمقاومة ان لا يعرقل عمل المقاومين ولا يساعد عدوهم عليهم بالكلمة أو الفعل أو السلوك، وان «اسرائيل» اليوم وبعد تجربتين فاشلتين لها في مواجهة المقاومة باتت مقتنعة بان العودة الى لبنان وتحقيق مصالحها فيه، ثم المتابعة عبره الى كامل المنطقة، امور لا يمكن ان تتم الا بتحييد المقاومة على الاقل، او هدم الفكر المقاوم ان تمكنت، ولذلك فان «اسرائيل» وقبل ان تنطلق في حربها المقبلة تضع في سلم أولوياتها مهمة الاجهاز على المقاومة. وهنا تبدو المفاجأة الكبرى، عندما نرى لبنانيين وعرباً ينضمون الى «اسرائيل» لا بل يتقدمونها في مواجهة المقاومة طلبا لتفكيكها ونزع سلاحها، معتمدين في هذا ذرائع شتى اختلقت تزويرا للحقيقة وتحريفاً للواقع. وللتذكير فقط نقول ان شعار نزع سلاح المقاومة الذي يرفعه ذاك الفريق، رفع دون ان يستطيع احد ان يقدم تبريرا واحدا له سوى القول إن الدولة الواحدة لا تضم جيشين – طبعا مقولة مردود عليها بالواقع الذي يثبت ان كلا الفريقين الجيش والمقاومة هما جناحا القوة اللبنانية التي استند اليها لتحرير لبنان وحمايته وهما في تنسيق راق يكذب كل افتراء على واقعهما – ولكن بعد ان اعتدي على المقاومة بقرارات رسمية تستهدف سلاحها، ردت المقاومة دفاعيا وفي الحد الادنى اللازم لحماية هذا السلاح، الذي لم يستعمل يوما للحصول على سلطة او مصلحة او مكسب حتى ولو كان لاصحاب السلاح حق به. وهنا نصل الى الحقيقة المرة والمتمثلة بالانقسام حول سلاح المقاومة، بين من يتمسك به ليحمي الحقوق الوطنية، ومن ينكره خوفا كما يدعي على حقوقه الشخصية والفئوية، ونرى ان السلاح لم يهدد الا العدو «الاسرائيلي» ولم يشكل خطرا الا على من سخر نفسه لخدمة العدو بالنطق بالمطالب والعمل للاهداف ذاتها التي يعمل لها العدو، اما في الداخل والتنافس الداخلي في الميدان السياسي فانه يبقى بعيدا عن دائرة السلاح واعمال السلاح وهذا ما عمل به في البدء ويستمر العمل به دائما.
واخيرا نعود الى الاساس والاصل، وهو القضية الام والتي تتفرع منها القضايا الاخرى وهي قضية فلسطين وما يلحق بها من مواضيع وحقوق لاهلها اولاً وللعرب والمسلمين ثانياً، ونطرح السؤال: كيف تستنقذ الحقوق المغتصبة تحت شتى العناوين؟ واذا أصغينا لدعاة نزع سلاح المقاومة فاننا نسمع قولهم بالترويج لمقولة الامم المتحدة والتفاوض والاتفاقات. وهنا نجد اننا لسنا ملزمين ببذل عناء وجهد لفضح عقم هذا المسار – المسار التفاوضي – الذي جرب في الماضي وادى الى احد امرين: تضييع الوقت بما يمكن «اسرائيل» من هضم ما يغتصب من حقوق، او التوقيع على اتفاقات تؤدي الى التنازل عن الحقوق، في مقابل مسار المقاومة التي تستنقذ الحقوق طاهرة مطهرة من اي عيب او شائبة. نقول ذلك بالاستناد الى وقائع التاريخ وليس توقعا او تحليلا، مع ان التحليل ايضا يقود الى النتيجة ذاتها لأن القاعدة هي ان المفاوض ينتزع على مائدة المفاوضات بنسبة ما يملكه من قوة في الميدان. وحتى في هذا تبرز اهمية المقاومة حتى في التفاوض. اما الطريق الصحيح المجرب فهو انتزاع الحقوق في الميدان بالمقاومة على طريقة التحرير في العام 2000 خاصة بعد المواقف الاخيرة لنتنياهو وأوباما المسقطة لكل حق عربي وفلسطيني.
لهذا، وعلى ضوء كل ما ذكر، ورغم ما يثيره الانقسام اللبناني وعبره العربي بين تياري المقاومة والمفاوضة، فان تيار المقاومة الذي تذوق الانتصارات بعد عهود الهزائم، لن يتوقف عند افتراء او تهويل، ولن يثنيه واقع مهما كان كئيبا في صورة ما يظهره الانقسام. والمقاومة مستمرة كما ان خيبات التفاوضيين مستمرة، وفي النتيجة ستكون الغلبة للقوي بحقه وبما يملك من مصادر القوة التي تحمي الحق.

:::::

نشرت في “البناء” على الرابط التالي:

http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=32745