الاختراق الأمريكي

الاختراق الأمريكي للثورة المصرية

.. حدوده ومخاطره

25 يناير ثورة شعبية حقيقية استلهمت حركتها بشكل رئيسي من ذاتية داخلية قوامها جماهير شعبية غفيرة وعيها السياسي محدود وليس علي القدر الكافي من الوضوح والشمول وغير منضوية في منظمات كفاحية لكن وصل سخطها المدى. سبقت هذه لجماهير طليعتها المفترضة واستجابت في لحظة ثورية – تحددها الشعوب وحدها – لدعوة أطلقها في البدء بعض الشباب لمجرد الاحتجاج علي أداء الشرطة وتنكيلها وتعذيبها وقتلها للمواطنين تحولت، مع مثال ثورة تونس الذي بعث الأمل لدي كل القوي السياسية المناوئة – لأسباب مختلفة – لنظام الحكم الاستبدادي القائم ولدي جماهير الشعب الغفيرة بإمكان التصدي له وإسقاطه، إلي شرارة أشعلت لهيب الثورة في ربوع مصر كلها. فتدفقت جماهير الشعب إلي الشوارع لتمارس فعلا ثوريا دكت بسيله الهادر حصون الاستبداد المتمثلة في أجهزة السلطة الأمنية القمعية،التي كانت تبدو في الظاهر عصية علي المس فضلا عن الدك، كخطوة لازمة لإسقاط رأس النظام، فأسقطته.

تدخل المجلس العسكري الأعلى للجيش لإنقاذ النظام السياسي الاجتماعي القائم من الثورة واستلم السلطة ليضع هو، وعوامل أخري، الثورة وإنجازها المحقق علي مفترق الطرق. فإما حفز طاقتها وتعظيمها ويقظة ثوارها لمواصلة تحقيق شعارها بإسقاط النظام القائم وصولا لهدف تغييره وإقامة نظام بديل يكنس أمامه ـ وفضلا عن رموز الحكم – السياسات المتبعة التي مارستها السلطة الحاكمة وطبقتها السائدة، وإما تعرضها وهي في مراحلها الأولي إلي مخاطر الالتفاف عليها ومحاصرتها وتقزيمها إلي مجرد استبدال رموز برموز أخري من ذات الطبقة، أو في أفضل النتائج توزيع السلطة بين شرائح وأفراد الطبقة الرأسمالية الكبيرة التابعة للإمبريالية بدلا من تركيزها في حكم الفرد وحاشيته من ذات الطبقة.

ورغم أن ثورة 25 يناير قد أسقطت الرئيس وحاشيته فقط ولم تسقط النظام في جوهره السياسي والاجتماعي، فإنها زلزلت أركانه. لذلك فهي تحمل إمكانية أن تكون بداية لمرحلة ثورية طويلة نسبيا تفضي إلي انتصار حاسم للثورة. لكن ذلك يتطلب تخلص هذه الثورة من نواقصها الموضوعية والذاتية، ذلك لأن استمرار وتنامي هذه النواقص هو ما سيسهل علي القوى المعادية تثبيت مرحلة الالتفاف الجارية الآن عليها وصولا لهزيمتها وإدخال البلاد والحركة الجماهيرية مستنقع الركود مرة أخري.

أخطر هذه النواقص نقيصتان. الأولي، ضعف الطليعة الثورية الحقيقة وتأثيرها الراهن علي جماهير الثورة نتيجة تشتت مكوناتها وعناصرها وضعف روابطها وقواعدها المنظمة بين هذه الجماهير، وهو ما يقتضي من ممثلي وعناصر هذه الطليعة عملا جادا دؤوبا متفانيا وغير قابل للتأجيل لتجاوز تشتتها وتوطيد روابطها وقواعدها بين جماهير الشعب وهو ما يقتضي معالجة مستفيضة ومستقلة ليس مجالها الأساسي هذا المقال.

والثانية هي الاختراق الأمريكي والأوربي لثورة 25 يناير ( وغيرها من الثورات العربية الجارية ) وأساسه قائم ومتجذر بوجود العدو الأمريكي كأحد أهم أركان ( بل كقيادة لـ ) الحلف السياسي الذي يتشكل منه النظام السياسي المصري الذي حكم مصر – ويحكمها الآن بتغيير رئيسه وبعض وجوهه المستهلكة الأخرى – منذ دخولها حظيرة التبعية الكاملة والوصاية الاستعمارية الأمريكية بتوقيع اتفاقيتي الذل في كامب ديفيد. والاختراق قائم ومتجذر أيضا بقدر نفاذ المشروع الأمريكي لاستعمار المنطقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا – وفكريا – في الواقع المصري والعربي بمشروع الشراكة (المزعومة) مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(التسمية المموهة للقوة الناعمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير/الموسع) التي تنخرط فيه تحت توجيه أمريكا وغيرها من الدول الامبريالية مصر وأغلبية الدول العربية، وفاعليات هذا المشروع الخطيرة والعنيفة علي الأرض العربية باحتلال العراق وتدميره، وتفكيك السودان باستثمار أخطاء وتخلف نظامه السياسي وتحريك ودعم وتسليح الاتجاهات الانفصالية فيه، وتحريك ودعم النزعات والتوجهات التفكيكية في كل الأقطار العربية، ودعم الكيان الصهيوني واستيطانه لباقي فلسطين. كما أن هذا الاختراق قائم ومتجذر بقدر عجز قوي أساسية في ثورة 25 يناير في مصر ( والثورات العربية الحالية ) عن إدراكه و تعيين حقيقة هذا الحلف الحاكم ( مكونات جبهة أعداء الثورة الوطنية الديمقراطية الأساسيين) وتعيين طرائق مواجهتها.

وقبل أن نحاول تحديد مفاعيل هذا الاختراق الأمريكي للثورة المصرية قد يكون من المفيد رصد التوجهات العامة والشعارات الغالبة المتعاطية معه بقصد أو بدون قصد، والتي فرضتها بعض القوي وجماعات الشباب السياسية التي اشتركت في الثورة، وطبعت مسارها بطابعها السياسي الغالب، فحصرت أهدافها وقزمتها إلي مجرد إسقاط الرئيس وحاشيته ومحاكمتهم باعتبار أن ذلك يعادل في تقدير أغلب هذه القوي والجماعات إسقاط النظام. تتلخص أهم هذه التوجهات في :

1- خلو الشعارات الغالبة التي رجت ميادين وشوارع ثورة 25 يناير من التنديد بأمريكا رغم تدخلها المعادي والمهين لكرامة الشعب في شئونها ومسارها. فمع الأيام الأولي لاندلاع الثورة سارع المسئولون الأمريكيون بدعم مبارك ( وحكومته ) واستمراره في الحكم حتى انتهاء مدة ولايته. ومع تصاعد زخم الثورة ساروا بموازاتها وأشاروا بتسليم الرئيس سلطاته لنائبه عمر سليمان وانخراط المعارضة في حوار معه، ثم بعد التيقن من وصول المد الثوري الشعبي الجارف إلي نقطة الـلاعودة تجاه مطلب إسقاط مبارك انقلب الموقف الأمريكي علي نفسه وعلي مبارك رافعا غطاء الحماية عنه ومطالبا بتنحيه. إذا أضفنا إلي المباشر في السلوك الأمريكي المعادي للثورة والملتف حولها ما هو معلوم للكافة من أن العدو الأمريكي الصهيوني شكل لأكثر من أربعين عاما الداعم الرئيسي لديكتاتورية السلطة المصرية وشرعية اغتصابها الحكم، بل والمصدر الرئيسي لترسانة أسلحة أجهزتها القمعية التي فتكت بالآلاف من أبناء وبنات شعبنا[1] نكون أمام أخطر مكونات النظام الذي ثار الشعب لإسقاطه وتغاضي “الثوار”عن مواجهته، فهذا الدعم هو ما دفعت بلادنا استقلالها الوطني وأمنها القومي وكرامة شعبها وخيراته ثمنا له ولقبول السلطة المصرية واختيارها التبعية والوصاية الامبريالية الأمريكية والخضوع للكيان الصهيوني.

2- لم تشهد أيا من مواقع التشبيك الاجتماعي الإلكترونية المضطلعة بدعوات الاحتشاد، خاصة الشبابي، أية دعوة للاحتجاج علي أي من الزيارات المتتالية لمسئولي الدول الامبريالية لمصر بعد الإطاحة بمبارك أمثال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ومساعد وزير الخارجية الأمريكية وليام بيرنز، ومسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاترين آشتون، ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. فقد حرص هؤلاء المسئولون علي الظهور كأرباب الثورة المصرية بنزولهم أرض ميدان التحرير وتدنيسه فور إخلائه من ثواره. وبمنطق يعيد إلي الأذهان الحقبة الاستعمارية، وكما كان أول من تحرك في اتجاه تونس وقام بزيارتها بعد هروب ” بن علي ” وزيرة الخارجية الفرنسية في إشارة إلي الميراث الاستعماري الفرنسي هناك، تحرك كذلك رئيس وزراء بريطانيا وحرص علي أن تكون زيارته هي الأولي لمصر بعد الإطاحة بمبارك ولم يفته أن يصطحب معه عددا من تجار السلاح البريطاني ليروجون صفقات سلاحهم لدى سلطات الاستبداد العربية.

3- لم يتطرق ” وكلاء الثورة ” الذين يدعون التحدث باسمها وأغلب القوي السياسية في مصر لا من قريب ولا من بعيد إلي الموقف الأمريكي – الامبريالي العالمي ودوره المباشر دون مواربة في قمع ثورة البحرين بالقوة المسلحة من خلال تحريك قوات عسكرية لعدد من المحميات الأمريكية بالخليج كالسعودية وقطر والإمارات لاحتلال البحرين وضرب شعبها الأعزل وإزالة ميدان اللؤلؤة من أساسه وإسباغ شرعية زائفة علي هذا التدخل. بينما لاقي التدخل الاستعماري – الأطلسي في ليبيا بذريعة حماية المدنيين و” ثوار ” ليبيا من بطش نظام القذافي قبولا وفي الحد الأدنى خرسا من قبل هؤلاء بالرغم من دخول المنطقة بهذا التدخل علي وضع يتكرر فيه سيناريو العراق المروع.

4- لم ترفض جماعة الإخوان المسلمين غزل وزيرة خارجية العدو الأمريكي الوقح لها ولاستعداد بلادها قبول الإسلاميين في المشاركة في حكم مصر، بل قابلت الجماعة هذا الغزل بغزل أكثر وقاحة وأثنت علي موقف الوزيرة. الأغرب أن أغلب القوى الديمقراطية وجماعات شباب الثورة قد غضوا الطرف عن هذا الغزل المتبادل المشين بين أمريكا وجماعة الإخوان رغما عن كونه ليس تدخلا امبرياليا في تشكيل نظامنا السياسي الحاكم فحسب، بل انتهاك لأبسط معاني الكرامة الوطنية التي ثار شعبنا لاستردادها.

تشير الممارسات السابقة ( وغيرها مما لم يتناوله المقال ) إلي الحضور الفعال للعدو الأمريكي في الثورة المصرية ( والعربية ) وامتلاكه أدوات لتوجيهها والسيطرة علي طاقتها الثورية وتحجيمها ومنع تطورها في الاتجاه المعادي لمصالحه أو حرف مساراتها باعتباره – الحضور الأمريكي – مكونا رئيسيا في حلبة صراع القوي السياسية في الداخل الذي يخوضه الشعب لكسب معركة الديمقراطية.

أما مفاعيل الاختراق الأمريكي لثورتنا فيمكن تلخيصها في التالي :

1‌- الحضور الأمريكي الاستعماري في مكونات النظام السياسي الحاكم في مصر بنيويا، أخطره في المؤسسة العسكرية. فاثنان وثلاثون عاما من تمويل المؤسسة العسكرية المصرية، واحتكار تسليحها، والإشراف علي تدريبها، وربطها بالمناورات المشتركة لضرب شعوب المنطقة وثوراتها كفيلة بتأثير جذري للعدو الأمريكي علي قيادة هذه المؤسسة العليا إن لم يكن تحكمه التام فيها، وربما بمستوي أوسع من العليا. هذا ما حدا بالعدو الأمريكي إلي الاعتماد علي المؤسسة العسكرية في كل من مصر وتونس،( وربما اليمن بعد ترتيبات بها ) للتحكم في مسار ثورات شعوبها ( بعد التضحية برؤوس أنظمتها )، وإعادة صياغة تحالفاتها السياسية اعتمادا علي جماعات دينية براجماتية وجماعات سياسية أخري مشبوهة ومخترقة تقبل التعاون مع أمريكا، وربما مع ” إسرائيل ” أيضا، ( حالة الإخوان المسلمين في كل من العراق وسوريا مثلا ) درءا للخطر الحقيقي علي مصالحها وهو تنامي قوي وتيارات الاستقلال الوطني لبلدانها.

2‌- الاختراق المباشر من خلال قيام مؤسسات تمويل برامج التدخل الأمريكية مثل فريدوم هاوس وغيره، وشركات وادي سيليكون في كاليفورنيا مثل جوجل وتويتر والفيس بوك بالعمل تحت إشراف مكتب الدبلوماسية الإلكترونية التابع للحكومة الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، علي تجنيد وخلق جماعات من الشباب صغار السن طامحين ولاهثين خلف إغراءات المال والشهرة أو متوهمين ” العالمية ” والانفتاح ” علي الآخر “، وربطهم بمبادرات وبرامج أطلقتها أمريكا منذ عام 2002، مثل ” دعم الديمقراطية في العالم العربي “، و ” مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الشرق الاوسط الكبير /الموسع)”[2]، و ” الدبلوماسية العامة والشبكة الاجتماعية “، وتثقيفهم تثقيفا سياسيا أمريكيا في أمريكا وبلادهم بهدف جعلهم يتطلعون لأمريكا كشريك في جهودهم لخلق التغييرات الايجابية في مجتمعاتهم، وتدريبهم[3] علي طرق جمع مدي وحجم من المعلومات تشمل كل ما يتعلق بالخلافات الداخلية وأطرافها ورموزها وأسبابها وحجمها…الخ يتم من خلالها قراءة تركيبة القوي الاجتماعية ومطالبها وطبيعة الأنظمة والقدرة علي استجابتها لتلك المطالب أو عجزها عن ذلك. كما يتم تدريبهم أيضا علي إيصال المجتمع المعني إلي حالة انتفاض وخلق مواجهة شعبية مع النظام أو ركوب موجات الاحتجاج الشعبي أو انفجار بركان السخط الشعبي عندما ينفجر عفويا، في حين تتولي الدولة العظمي وحلفائها استكمال المشروع اعتمادا علي إدراكهم الدقيق لطبيعة القوي السياسية وأحجامها وحالة غياب أو تشوش الوعي السياسي للجماهير وتنظيماتها ( الغفلة السياسية ).

هذا التوجه الأمريكي لتطوير أسلحة القوة الناعمة، والتي تشارك في آلياته الحكومة الأمريكية بذاتها، بعد أن كانت تختبئ من وراء ستار مؤسسات التمويل المدعاة بالغير حكومية، يحقق للسياسة الأمريكية الاستعمارية أهدافا مركبة أخطرها استخدام الشباب كقوة تمتطيها ليصبحوا أداة أجنداتها الخفية فيما أخفقت فيه القوة العسكرية في العراق وأفغانستان في إطار مشروعها لحكم المنطقة حكما مباشرا بإعادة رسم خرائطها السياسية وتقسيمها علي أسس دينية ومذهبية وعرقية.

3- الاختراق غير المباشر عبر الفكر السياسي لدي أغلب القوي السياسية وجماعات المثقفين الوطنية والديمقراطية المصرية ( والعربية ) والتي رأت تأجيل ( إن لم تكن قد أسقطت ) مهمة التحرر الوطني من برنامج كفاحها لأجل كسب الديمقراطية. اعتبر جزء من هذه القوي أن زمن الامبريالية قد ولي أو أنها ضعفت كظاهرة ورأي الجزء الآخر أن الامبريالية قضية خارجية يمكن تحييدها. التقي الجمعان – في النتيجة – علي اصطناع مفاهيم ” داخل وخارج ” في الخطاب السياسي، والتركيز علي أن إقامة نظام ديمقراطي في مصر أولا ( الديمقراطية أولا – الداخل أولا ) هو ما سيؤهلها لعبور أزمتها والانطلاق صوب التقدم.

ويبدو أن النجاح المؤقت الذي حققته السلطة المصرية ( في عهد السادات ) في تمرير اتفاقيتي كامب ديفيد علي الشعب المصري بربط قبولها بحلول الرخاء بعد قحط، والدعاية المسمومة لإضعاف رابطة العروبة وتحميل العرب – خاصة الفلسطينيين – مسئولية الحروب التي خاضتها مصر وإفقارها، وتجميل صورة أمريكا كشريك استراتيجي وصديق لبلادنا، يبدو أن ذلك كان بداية تراجع أغلب القوي السياسية وجماعات المثقفين الوطنية والديمقراطية المصرية عن مبدأ وحدة قضايا النضال الذي استخلصته في بلادنا خبرة الفترة الممتدة من العرابيين حتى هزيمة يونيو 67 19، بما تخللها من موجات ثورية وفترات جزر ثوري. فقد أثبتت تلك الخيرة أن التفريط في مبدأ وحدة قضايا النضال شكل – ولا يزال – السبب الرئيسي في تعثر وعدم استكمال المهمات التاريخية لإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية. وقد هيأ هذا التراجع لتغلغل فكر العولمة الجديدة ( الامبريالية الجماعية ) السياسي والثقافي وتبنيه من قبل كثير من هذه القوي والجماعات بعد ما وجدت في مقاومة الجموح الامبريالي لاستكمال إخضاع شعوب العالم ( وفي مقدمتها الشعوب العربية ) بالقوة العسكرية الدرب العسير إن لم يكن المستحيل في ظل تشوش رؤيتها.

من هذا المنزلق المنتشر في الفكر السياسي المصري الحالي. وعلي خلفية الحضور الأمريكي في النظام السياسي المصري منذ معاهدة كامب ديفيد والاختراق الأمريكي المباشر لبعض الجماعات السياسية والثقافية الشبابية وغير الشبابية، وإزاء ترويج المفاهيم السياسية والثقافية للامبريالية المعولمة وحقها في التدخل – بما فيه العسكري – في شئون الدول الأخرى وفض سيادتها و ضلالة اقتصاد السوق ( ما يسمونه الاقتصاد الحر ) بتصويره قوة قدرية وقانون موضوعي ( بل وميزة ) لا بديل عنه لمسار اقتصادنا ( وغيرنا من مجتمعات العالم المتخلفة اقتصاديا )، تقاطعت رؤى وبرامج وممارسات أغلب القوى المشار إليها مع أجندات وتوجهات الامبريالية الأمريكية والعالمية التي لا تستهدف إلا الإبقاء علي تخلف بلادنا وتبعيتها تحت شعارات زائفة عن الإصلاح والديمقراطية والتقدم والشراكة والفرص التي تتيحها العولمة للجميع، فاختزلت الديمقراطية في حرية تداول الحكم وفرغتها من مضمونها الوطني ومحتواها الاجتماعي. كما اختزلت تبعية بلادنا الشاملة بما فيها التبعية الاقتصادية في الفساد الشخصي والأخلاقي لمبارك وعائلته وحاشيته. هذا الاختزال هو ما يساهم اليوم في تسهيل قنص التكتل الرجعي المكون من المجلس العسكري وممثلين جدد للرأسمالية الكبيرة التابعة وتيارات الإسلام السياسي لثورة 25 يناير، والمضي بالبلاد بروشتة أوباما الشهيرة : يتنحي الآن، وانتقال سريع للسلطة لحكومة منتخبة، بما يعني إعادة إنتاج النظام بتحويره قليلا واستبدال وجوه بوجوه أخرى، وقبل أن تتمكن الثورة من تغيير توازن القوي الاجتماعية السياسية لصالحها تغييرا جذريا.

ولذلك، وحتى تواصل جماهير شعبنا البطل مسيرة ثورتها ولا يهدر جهدها الجبار وتضحياتها الغالية وتكون ثورة 25 يناير بداية حقيقية لمرحلة ثورية تنتهي بنصر حاسم للشعب، يلزم أن تنقش هذه الثورة علي أعلامها، من الآن وليس غدا، وإلي جوار قضيتها الحريات والديمقراطية، قضية إسقاط تبعية نظامنا السياسي للامبريالية الأمريكية وخضوعه للكيان الصهيوني، وفضح ومناهضة الاختراق الأمريكي المباشر وغير المباشر وأي حضور أو تأثير أمريكي أو أوروبي علي توجهات بعض القوى السياسية في بلادنا. فالديمقراطية التي وضعتها ثورة يناير في مقدمة أهدافها هي حكم الشعب، وحكم الشعب لا معني له ألا بأن يضع في مقدمة أهدافه المصالح الوطنية والعليا وفي مقدمتها استقلال وحرية القرار الوطني وحقه في التطور المستقل المعتمد علي الذات.

:::::

من العدد الرابع: مجلة “الحرية”، إصدار حزب النداء الشيوعي المصري (مارس 2011 )


[1] تمول الحكومة الأمريكية نصف ميزانية الجيش المصري ومعظم ميزانية جهاز مصر ألاستخباراتي الذي يتعاون بشكل وثيق مع المخابرات المركزية الأمريكية

[2] مركزها الإقليمي في تونس

[3] ” دعت وزارة الخارجية الأمريكية عام 1998 حوالي 2300 من المصريين لبرنامج تدريبي للترويج للديمقراطية. وفي عام 2007 أصبح ذلك الرقم 47300 شخصا، وفي عام 2008 بلغ عدد الذين شاركوا في نشاطات مختلفة من هذا النوع في مصر أو الولايات المتحدة 148700 مصريا “… من نص مقالة الباحثة الروسية : آنا فارفولومييفا ( أداة أمريكا : مبادرة الشراكة الشرق أوسطية.