سورية والتحدي

في جسر الشغور؟

العميد د. أمين محمد حطيط


اختارت التنظيمات المسلحة منطقة جسر الشغور لتوجيه ضربة الى سورية على طريق تنفيذ المخطط الخارجي، وعملت معتمدة على ما يتوافر في تلك المنطقة من خصائص، ابرزها قربها من الحدود مع تركيا (على بعد 12 كلم) ما يمكّن المسلحين من الاستفادة من الاخيرة لوجستيا او اكثر، تماما كما كانت المحاولات السابقة في درعا ودوما وحمص وبانياس، وهي كلها تقع في قطاع ملاصق للحدود مع لبنان والاردن، الامر الذي يؤكد بوضوح طبيعة المواجهة ودور اليد الاجنبية في تحريك العمليات التخريبية ضد سورية. وفي جسر الشغور تجاوزت عمليات القتل والدمار في بشاعتها كل ما سبق نظرا الى استفادة الجماعات المسلحة من تجاربها السابقة الفاشلة، فجاءت الى الحدود التركية لتتحدى الدولة المحكومة في تحركها بحدود لا يمكن تجاوزها واهمها:

1) وحدة الدولة وسلامة اراضيها وسيادتها عليها: وهنا لا يمكن ان يتصور احد ان السلطة المركزية في سورية ستفرّط بأي شبر من ارض الوطن قد يفرض المسلحون سلطتهم عليه واقامة حالة انفصالية.

2) سلامة المواطنين العزل، خاصة ان العمل العسكري داخل الاحياء الآهلة يتميز بالدقة في اختيار الاسلوب والسلاح وحجم الرد، وهذا الامر يعيه المسلحون جيداً وقد ادخلوه في استراتيجيتهم عندما اتخذوا ولا يزالون يتخذون المدنيين دروعا بشرية يتحصون خلفها.

3) هيبة الدولة وقواتها المسلحة، لان الهيبة هي التي تحفظ الامن وتشكل العنصر الرادع على قاعدة « اظهار القوة وارساء الهيبة حتى لا تستعمل النار».

4) قواعد القانون التي تحدد مشروعية العمل العسكري وحدوده، خاصة لجهة الملاءمة والتناسب والفاعلية.

5) صورة الدولة في عين الرأي العام الداخلي والخارجي. وهنا نرى ان الغرب المتآمر يريد ان تنزلق القوى الامنية الى سلوكيات تبرر له التدخل والتشهير بالحكومة السورية وتشويه صورتها ثم ملاحقتها في مجلس الامن والمحاكم الجنائية االدولية، وفي المقابل نجد الرأي العام الداخلي يطالب الدولة بالحزم والحسم السريع لاستعادة امن اهدرته تنظيمات مسلحة مدعومة ومسيّرة من الخارج.

وعليه نرى، ان معالجة الحالة المتشكلة في جسر الشغور لا يمكن ان تجري الا بعمل عسكري ينفذ ضمن هذه الحدود بحيث يختار نوعه بعد تقدير معمق للموقف، وينفذ بسرعة دون تسرع لتلافي وقوع مزيد من الخسائر. (مع التذكير بنجاح القوى السورية في اجتياز اختبارات قاسية في الاشهر الثلاثة الماضية، في بؤر التوتر، من درعا الى بانياس.)


ان حالة جسر الشغور اليوم قد تكون التحدي الأكبر في الحرب الكونية على سورية، واهمية الموضوع تكمن في وجهة السير بعد جسر الشغور، لاننا نرى في الكمين المركّب الذي استهدف القوى الامنية السورية هناك، واحدا من الاوراق الميدانية الاخيرة ان لم يكن الورقة الاخيرة في يد الحركات المسلحة ومرجعيتها الخارجية. وان معالجته بالصيغة المستجيبة للحدود اعلاه، تعتبر هدفا استراتيجيا كبيرا للدولة لا يمكن التفريط به اوتأخير انجازه، وهنا تبرز المسؤوليات الوطنية الملقاة على القوى الرئيسية:

أ).الشعب السوري الذي اثبت يقظة ووعيا متميزين، سيجد نفسه ملزما بالاستمرار في احتضان قواته المسلحة والسير خلف قيادته السياسية والتحصن ضد الحرب النفسية التي تستهدفه.

ب) القوى العسكرية التي اثبتت جدارتها وستجد نفسها ملزمة بالتنفيذ الاحترافي بما يحقق الهدف الوطني السامي (سلامة الشعب ووحدة الارض) رغم ما قد تتكبده من خسائر.

ج) السلطة التي ستجد نفسها امام القرارات الصعبة (اعتادت على اصعب منها) خاصة ان الخيار واقع بين السيء والاسوأ.

د) حلفاء سورية واصدقاؤها الذين سيجدون انفسهم ملزمين بالقيام بدور المواجهة الدبلوماسية او اكثر ضد من يكيد لسورية.


وفي الواقع المتشكل، نرى الآن ان نجاح المعالجة مضمون رغم صعوبة الطريق وخطورتها، نجاح سيمنع تحول جسر الشغور جسرا تعبره المؤامرة ضد سورية، ويوصد الابواب امام الاجنبي الذي يحن الى الانتداب والاستعمار ولا ينفك عن التهويل واحباط الناس ودفعهم الى الانهيار الادراكي، فيفتحون له الابواب بايدهم ليستعمرهم مرة اخرى، وهوامر لن يكون.

:::::

المصدر: “البناء”، spacerhttp://www.al-binaa.com