هل على المثقف أن ينافق الشارع إذا اختلف معه؟
علي حتر
ليس من حق المثقف أن ينافق الشارع إذا اختلف معه، في سبيل كسب رضاه وتصفيقه وتأييد تعليقاته على الفيسبوك..
إن مجاراة الشارع واجبة، إذا كان هذا الشارع يطرح قضية عادلة، حتى لو اخطأ باختيار الوسيلة..
لكن مجاراة الشارع ليست واجبة إذا كان لا يطرح قضية عادلة.. أو إذا كان يتحرك، أو يُحرّك، لتمرير قضية غير عادلة من خلال ركوب موجة قضية تبدو لأول وهلة عادلة وشعبية..
قد يصطدم في مكان واحد شارعان.. لاختلاف القضايا واختلاطها وضياع الأولويات والتفتيت المتربص الكامن في بطن الحوت، ويصبح اختيار المثقف لدوره دقيقا وحساسا.. مثل الحالة الليبية والسورية واليمنية.. والتي تبدو للمواطنين في الشارع حالات غير واضحة، وإن كانت تبدو لي واضحة، لكن حواري فيها مع الشارع لم يكن واضحا بما فيه الكفاية..
ساتكلم عن الساحتين السورية و السايكسبيكوية الشرق اردنية، حيث اختلف مع الشارع في نقاط هامة
1- في الساحة السايكسبيكوية الشرق اردنية:
هنا، نحن في خندقين منفصلين وليس بالضرورة أن يكونا متقابلين أو متناقضين، لكنهما حتما ليسا خندقا واحدا.. لانني ادرك ان مرجعيتي ومقاييسي واولوياتي مختلفة مع مثلها عند كثيرين في الساحة.. رغم أن معظمهم “طيب”.. وهناك مشكلة في تعريف الولويات، لكن هناك مشكلة في تعريف “الطيب” أيضا.. وهو اصلا اصطلاح غير علمي..
وأول ما يميز الحالة السايكسبيكوية الشرق اردنية، ان الحراك الشعبي فيها يمثل شارعا واحدا، منقسما على نفسه إلى دخلات وزنقات.. وهي تختلف بذلك عن اليمن..
وثاني أهم صفات الدولة هو الدور الوظيفي لها الذي بدأ بسايكسبيكو والذي تصرون على تجاهله عند التفكير.. عند التفكير بالحلول المرحلية “الردْفعْلية”..
وأعتبر الشارع شارعا واحدا لأن التيار المدافع عن الفساد العلوي وعن القمع وعن الحكم المطلق لا يمثل شارعا بحد ذاته كالحالة اليمنية مثلا.. ولكنه ينقسم بين أدوات تمارس السلطة وتستفيد منها، وأدوات تستأجرها السلطة لمواجهة الشارع الشعبي المتحرك وقمعه.. وجماعات غير مستقرة، دجنتها السلطة فتقول لها: تظاهري فتتظاهر، احتفلي فتحتفل، اهتفي فتهتف..
بالنسبة لي أختلف مع الكثيرين، من القوى الوطنية او الحراكية، الذين اوجه لهم هذه الرسالة،
– في ما يدور في الساحة الاردنية السايكسبيكوية،
– وفي الموقف من احداث الساحة لسورية التي يجعلني رفضي لسايكس بيكو اراها تخصنا..
وفي الحالتين، فإن أولوياتي: الصراع العربي الأمريكوصهيوني، الذي ارى ان أي تغيير لا يبدأ به، لا يؤدي إلا إلى تغييرات ظاهرية مؤقتة.. وانا مصاب بفوبيا هذا الاعتبار..وبالتالي، ففي الساحة السايكسبيكوية الشرق اردنية، الموقف الأول يجب ان يكون العمل على إعلان بطلان معاهدة وادي عربة.. التي يصر معظمكم ألا يقرأ تفاصيلها وخباياها.. وان ينطلق الحراك من هناك.. وهو لا يحتمل الاستجداء والتسول من السلطة..وفي المعاهدة تقع كل المطالب الأخرى.. بدءا من المياه التي تمثل عنصر الحياة الأول… وتمتد إلى الحرية والكرامة والغلاء والفساد إلخ.. وهو ما أدركه اهلنا في الجنوب فوضعوها في بداية مطالبهم وشعاراتهم..
وفي هذا الصراع العربي الأمريكوصهيوني، الذي هو مرجعيتي ومقياسي: أرى مع بطلان المعاهدة، دعم المقاومة أساسا للتقييم انطلاقا من الأولوية السابقة..
وانتم:
◘ تؤمنون بسايكس بيكو اكثر من الاستعماريين المتوفيين مارك سايكس البريطاني وفرانسوا جورج بيكو الفرنسي، اللذين رسماها على الأرض (بإشراف الروسي سيرجي ديمتريفيتش سازانوف)، لتنقلوها انتم إلى الوعي.. بشعاراتكم واولوياتكم التي لا يمكن أن اتفق معها..
◘ وانتم تنفذون توصيات تقرير لجنة بانرمان كامبل 1907، لتفتيت المنطقة العربية بقيادات سلمتموها أمركم، ولن اسلمها امري معكم.. لأنني أرى أن الذين تولون عليكم يشكلون خطرا علينا، لاستتارهم خلف جهل الكثيرين منا وعشائريتهم وسايكسبيكويتهم.
◘ أنتم تفتتون الوطن، لتطرحوا بعد التفتيت، شعار الوحدة الوطنية، وأنا أقول اننا لم نفتت بعد، وليكن شعارنا لا للتفتيت، حتى لا نضطر للمطالبة بالوحدة الوطنية.. ونحن ما زلنا واحدا.. وتجعلون جنسيات سايكسبيكو فوق جنسية الأمة التي توحدنا، وتقيسون تلك الجنسيات بالوان البطاقات التي تشبه العلم البرازيلي لهوسكم بكرة القدم.. ولتاثركم بالهتافات الحقيرة التي تطلق في ملاعبها..
◘ تلهثون وراء حوار مع من يتهمهم الشارع مجتمعا بالفساد، وهذا الحوار له سقف يحدّه عموديا و جدران تحدّه افقيا، ويحظر عليه مناقشة الفساد العلوي.. ولا يوصل إلا إلى شرعنة التسلط والفساد.. والحدود مفروضة عليكم وتقبلون بها، وانتم تعرفون وتقبلون..
◘ تقبلون بكل ما يقر لكم في الحوار من استمرار للحكم المطلق ويفراده بالقرار ووالهيمنة على كل السلطات في غياب تمثيل شعبي حقيقي..
◘ تريدون الإصلاح بنفس الأدوات الفاسدة التي نهبت الوطن، والمفارقة التي تستحق الذكر هنا، أنني لم أتمكن من إضافة كلمة “الشامل” إلى مطلب يتعلق بالإصلاح في اجتماع ساحن يضم مجموعة من “طالبي الإصلاح ورافضي الفساد” في مناقشة لإصدار بيان!!
◘ وفي نفس الوقت، فإن الأدوات السلطوية الفاسدة تنتهز فرصة انشغال القوى الوطنية، فتبدأ التنقيب عن اليورانيوم مع فرنسا، لتقتلنا جميعا بالسرطانات، من اجل أن تملأ جيوبها، ومع ذلك تحاورونها في الحفاظ على غابة برقش وفي قانون الانتخاب، لأن هناك بينكم من يريد ان يصبح نائبا في الدورات القادمة!!..
◘ أنتم تتأملون ان تحققوا شيئا في ظل معاهدة وادي عربة، التي تمزقنا ونثبت التنسيق الأمني واولوية العلاقة مع اليهود على العلاقة مع الأمة، وتلتزم بالمساعدة في التوطين لتفريغ الأرض من المواطنين العرب، ولست مع اعتبار العلاقة مع اليهود مسألة يمكن تأجيلها إلى ما بعد معالجة الفساد، وانتم تتحاورون مع الذي قبل أن يكون سفيرا لديهم..
إنكم تؤجلون الصراع مع المعاهدة، وتتجاهلون ان:
◘ المعاهدة أعطت مياهكم للعدو وجعلتها حقا له، وعطشتكم، وجعلت تلويثه لها مقبولا، وسرقته لها شرعية حتى أصبحتم تشترون مياهكم منه..!!
◘ المعاهدة أعطته أراضيكم في المدن الصناعية المؤهلة، لينشئ فيها مصانعه اعترافا عمليا منكم بحقه في ان الأردن وطن قومي له، ليوفر الأرض في المناطق المغتصبة، ويوفر شبابه ليكونوا جنودا في مواجهة المقاومة، ويضرب صناعتكم الوطنية (في مجال الملابس مثلا)، مع المياه والكهرباء والعمال، ليترك لكم فضلاته فقط لتعالجوها له.. وتتعاملون وتتحاورون مع الحكومة التي أعفت 2500 سلعة من منتجاته، لينافس المنتجات العربية (ومنها المحلية).. ثم تصرخون على الفيسبوك، لا للوطن البديل..
◘ المعاهدة نافست مزروعاتكم بمزروعات العدو وجّوعت الكثيرين من مزارعيكم
◘ المعاهدة تعترف ان الأردن سيساعد في التوطين مع الأمم المتحدة، بشرط طرد الفلسطينيين من الوطن بحنان، اي إذا كان تهجيرهم غير قسري (هكذا تقول المعاهدة)..! المعاهدة ألغت كل مواثيقكم مع الأمة العربية وتنص على إلغاء ثقافتكم وتاريخكم، وتوافقون على تأجيلها.. بنصوص واضحة في المعاهدة التي تضع أولوية اليهود حتى على الأردن وتقبلون بها..
◘ وتصرخون انكم تضعون أولوية الأردن على العلاقة مع كامل الأمة العربية.. كأن شرق الأردن المثقل بالديون وتبعات الفساد، يستطيع أن يصمد وحده وهو مفصول فصلا كاملا عن امتنا..
– لست مع فك الارتباط، لان الضفة الغربية اخذت منا، ونحن شعب واحد.. وارتباطنا كان امتدادا لتاريخنا، ولم يكن ارتباطا بين اثنين متناقضين بل كان عدم انقسام، وكان يثبت بطلان سايكس بيكو، فوظفوها وجئتم لتجعلوها آخر مراحل اتفاقية سايكس بيكو التي لن أقر بها، وفي طروحاتكم انتم أسرى سايكسبيكو ولن أسير تحت لافتاتكم.. وقياداتكم التي اوليتموها شأنكم تؤمن به من خلال إيمانها بالميثاق الوطني وفك الارتباط..
– أنتم تطلبون العودة إلى دستور 1952 دون ان تقرؤوه، وهولا يختلف عن الدستور الحالي.. بل يمكن من خلال المطالبة الشعبية به، ان يُستغل لمزيد من القمع والتفريط بالحقوق..
– وأنتم تفككون حراككم وتحولونه إلى هدنة طويلة الأمد، وتمسخونه ليتحول إلى بيانات تاييد وتضامن مع أنفسكم وتسمونه تضامن مع الجنوب وغدا تفكون ارتباطكم مع الجنوب نفسه.. وتعطون أهل الطفيلة بطاقات لها لون جديد، لأنكم ادمنتم حتى تقسيم وتفتيت أنفسكم..
– انتم تقبلون العمل مع أي من القيادات بدون دراسة تاريخها.. ولست مع الغفران لذوي التاريخ المليء بالخطايا.. ولذوي الحاضر… المحاط بالضباب…
– لست مع تبادل الاتهامات مع احد منكم.. لأن ذلك ما يريد الخصوم كلهم في الداخل والخارج..
– لن أكون معكم… ولن اتبع قياداتكم لانني اقرا التاريخ.. الفردي والجماعي.. واقرأ وظائف الأبناء لأنها تعبر عن موافقات الاباء وتغطياتهم.. فاقرؤوا وظيفة كل ولد من اولاد قياداتكم لتعرفوا إذا كان يمكن لهذا القائد ان يقاوم الفساد..
أنا لا أنسحب من الصراع، لأنني بدأته اصلا قبل ان يصبح سهلا مرخصا محميا..
لكنني أنسحب من حمل الكثير من شعاراتكم التي يختلط الحابل فيها بالنابل، والتي يختارها لكم من لا يمارس او يؤمن بمرجعياتي اصلا..
لن اسير معكم، لانني اريد الصراخ في وجه الفاسدين والباعة، وإذا نهشوا لحمي اتركوهم ولا تنقذوني من بين براثنهم
أنسحب من محاوتكم لانكم لن تحتملوني بعد اليوم.. ولن تحتملني قياداتكم التي تتنقل بين الخنادق بسهولة لأن القناصة لا يستهدفونها.. حسب قناعاتي!!
2- في الساحة السورية:
ليس من مبادئي محاولة استرضاء الشارع، لأكون نجما.. وكما قلت اعلاه، فإن فهمي للأولويات، يضع الصراع العربي الأمريكوصهيوني في البداية، ويترجم إلى ضمان دعم المقاومة حيث كانت..
وفي الحالة السورية، كتبْت عدة اوراق، موجودة على صفحتي في الفيسبوك، حاولت أن احلل الحالة السورية، لكنني لم أجد حوارا، بقدر ما وجدت نقطة انطلاق واحدة، هي: ان هناك تحركا شعبيا يطالب بالإصلاح، وهناك قمع لهذا التحرك، ولا بد من دعم التحرك دائما مهما كان..
لا اقول ما اقول لإقناعكم، بل حتى لا أخدعكم بموقفي، لأنني احبكم مهما فعلتم.. لصدق نواياكم.. وإن كنت اخالفكم.. دون ان أعاديكم..
أعلنت في المسالة السورية انني اعتبرها حالة ممانعة وليست نظاما.. واهم ما في هذه الحالة أنها حليف تستند عليه المقاومة.. ولأنني ضد سايكسبيكو، وأولويتي هي الصراع مع العدو الأمريكوصهيوني.. فقد اختلفنا، ولا اريد التصالح معكم.. فأنا لن اغير موقفي.. وأنتم تصرون على ان اولوية المسألة هي حرية حراك القرى الحدودية، درعا مع إسرائيل ووادي خالد مع سعد الحريري وجعجع، وجسر الشغور مع تركيا، وحرية المتحركين في حمل السلاح!!) ولانكم برهنتم عمليا رغم شعاراتكم المحكية، ان حراككم في الساحة الأردنية السايكسبيكوية حراك سايكسبيكوي.. وأنا من القوميين اليساريين.. الذين لا يقبلون في وعيهم اي نسبة من سايكس بيكو ولو مرحلية!
سألت أسئلة كثيرة في المسألة السورية، وحاولت ان ابحث معكم عن اجوبة لها، فكان ردكم، دائما: الدم وسقوط النظام بسبب الدم هو الحل الوحيد، وكنتم تستقون الأخبار من البي بي سي والعربية والجزيرة.. وجعلتم تركيا مرجعية من مرجعياتكم.. ولم تناقشوا بعمق عن اي دم تتكلمون.. ففي اليمن دم مع علي صالح، ودم شعبي، وفي ليبيا دم من مؤيدي القذافي، ودم من متعاونين مع الناتو ودم شعبي، وفي لبنان كان هناك دم جعجعي وكتائبي ودم للغلابى في صيدا وتل الزعتر والجنوب وصبرا وشاتيلا! وفي جنوب إفريقيا كان هناك دم ودم، ولم تجيبوني مع أي دم أنتم!
ليس مهما ان نتصالح، لأنني أرى ما لا ترون وترون ما لا أرى، ويمكنكم وصفي بأب ثفة تتشاؤون، متخلف رجعي، لكنني لا أرى إلا المقاومة وديمومة المقاومة واستمرار الممانعة، وأقيس عليها، وانتم ترون أشياء أخرى قبلها.. أو يصعب عليكم النقاش الدقيق..
لا أنكر اهمية ما ترون، من قمع وفساد، لكني، في الحالة السورية، أنفي اولوية ما ترون على ما أرى.. لذلك لا يهمني ان أتصالح معكم..
يقول بعض المشهود لهم بالنضال لحرية الكلمة، في دمشق، مثل ميشيل كيلو وعارف دليلة: “من قال كم إن الذين سيأتون بعد النظام إذا انهزم، لن يكونوا أكثر قومية وانتماء؟؟”
واسألهم وأسألكم، واريد إجابة محددة واضحة مباشرة: كيف يمكن لمن يأتي خلف بندقية حدودية، في درعا ووادي خالد وجسر الشغور، على طريقة الذين أتوا على دبابة أمريكية في بغداد، أن يكون اكثر قومية والتزاما وممانعة من حزب مليوني، اضطروا لإبادته في العراق، ليضمنوا إبعاد العراق عن الموقف القومي وعن معاداة إسرائيل، بل ومع هذا الحزب في سوريا، جبهة مكونة من عدة احزاب؟؟ لست بعثيا، ولم اكن بعثيا مع الحزب البعثي العراقي، عندما كان حاكما، لكن خلافاتي مع البعث، لا تصل إلى تقبل مقارنتها مع رفضي للمشروع الأمريكوصهيوني.. وأعرف التاريخ جيدا، وأعيش ما تريد المقاومة اليوم، من حاضن وماوى وطريق دعم مفتوح، فقد قال لي بعضهم أن حسن نصرالله لا يزرع الصواريح في حديقة مخباه الخلفية، ولا في درعا وجسر الشغور ووادي خالد..!!
وربما كان عبدالحليم خدام المتكلم في التلفزيون الصهيوني وايمن نور وكتاب الفيسبوك المتفرغين لنهش سوريا، مضمونين لتنفيذ المشروع حسب خطة بندر بن سلطان وفيلتمان اكثر من غيرهم!
لم أسمع من أحد ردا على السؤال!!
مثل ما لم نسمع أيضا من احد ردا على سؤال حول كيفية الوقوف مع المقاومة العربية في لبنان وفي نفس الوقت الوقوف ضد من يوفر لها متطلباتها،
ومثله السؤال حول الفتن والحروب الأهلية المحتملة المرتبطة بتنفيذ خطة بندر بن سلطان في سوريا، ولا أرى غرابة في ذلك، فقد أدمنتم قبول فكرة التفتيت مع فك الارتباط والبطاقات الصفر والحمر..
ولم أسمع ردا على مسالة التدخل الخارجي في إشعال الحراك، ولا رايكم في موقف المقاومة نفسها مما يجري، وهو يختلف عن موقفكم، إلخ…
وكل ما سمعته منكم، هو القول إنكم مع المقاومة.. دون توضيح الطريقة.. وانكم مع الإصلاح.. وكاننا لسنا مع اجتثاث الفساد من جذوره، لا الإصلاح فقط..
نعم، يجب اجتثاث الفساد، لكن كيف تكون طريقة المطالبة بذلك، وهل نتركها حتى يمكن ركوبها من الغدو لتجتث الوطن والأرض والسيادة الوطنية؟ لم اجد ردا على ذلك عندكم..
كنت أعوّلُ كثيرا على ما يمكن ان يقوله د. الطيب التيزيني، فانا أحترم الرجل الذي يمثل الفكر القومي في سوريا والجرأة والبعد عن دائرة الشك..
لكنني فوجئت بمقاله في جريدة “العرب اليوم” في السابع من حزيران، يعتبر فيه شعار عبد الناصر الشهير “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، مقولة تمثل مفارقة منطقية وواقعية زائفة.. كما يعتبر الفترة الماضية ختى ثلاثة شهور مضت: انحدارا تاريخيا!!
وهذا هو التراجع الأول.!
وكيف يمكن لأي مفكر قومي ألا يعتبر هذا الشعار صحيحا بوجود الاغتصاب لأرضه.. وكان يمكن للتيزيني ان يناقش السلطة في مواقفها.. ويغنينا بعلمه ومعرفته..
أما التراجع الخطير الثاني، في مقال الطيب تيزيني، فهو إسقاط الصراع مع الصهاينة بالكامل والاستهزاء الواضح بكون “إسرائيل” مؤسسة عسكرية عنصرية محتلة” وتناسي الجولان (لا أريد ان اقول فلسطين)، وبالتالي الفضح الكامل لكون ما يجر يهدف إلى إسقاط الممانعة، فهو يقول بوضوح: “واذا دققنا الان في المصائر, التي انتهت اليها ممارسات الفريقين الاثنين العربي والاسرائيلي, وجدنا امامنا اللوحة التالية: الفريق العربي سلك طريق التفكك من الداخل عبر اخفاق مشاريع التنمية والتقدم والتحديث والنهوض والتنوير والتأسيس الاستراتيجي بوصفه رافعة شعار المعركة والممانعة كما سلك طريق الاستبداد والاستئثار والفساد والافساد على صعيد النشاط مع المواطنين. وقد افضى ذلك الى استبدال شأن الخارج بشأن الداخل, حيث بدأت روح التمرد تجتاح الدواخل العربية, بحثا عن الكرامة والحرية والعدالة”,
وبمواصلة قراءة مقال الطيب التيزيني، نجد انه لا يذكر الجولان بتاتا.. بل يتكلم عن “منظومة جديدة في الحرية والاستقلال والانتاج الاجتماعي الاقتصادي, وما يتصل خصوصا بالمجتمع السياسي والحراك السياسي والحرية وحقوق الانسان.”
قدم مقال التيزيني البرهان على ان المطالبين بالحقوق غير معنيين بالحدود..!
كنا نامل من التيزيني أن ينتقد السلطة، او الحراكيين، أو المعارضة او القوى الوطنية واليسار، او يتكلم عن الحصار والمقاطعة المفروضين على سوريا، او عن خطة بندر بن سلطان، لكن لم نكن نتوقع ان ينسى او يتناسى الجولان..
· ولم اجد عند أحد منكم، ردا على السؤال المتعلق بكيفية التأكد من طهارة محركي الحراك الشعبي الحدودي، وهل لو كانت الطهارة مضمونة، يترك العدو الأمريكوصهيوني هذا الحراك يستمر على مسافة عشرين كيلومترا من الجيش الصهيوني المغتصب للجولان، وهو الذي أطلق النار على المدنيين لمجرد ظهورهم بلا سلاح قرب مجدل شمس، وقتل اكثر من عشرين منهم؟
· ولم نسمع ردا على كيفية التمييز بين الثائر الطيب والثائر القبيح؟ وكيف يمكن للثائر الطيب امتلاك السلاح على مقربة من حدود العدو؟ إلا إذا كان يصنعه!
· وباي سلاح يمكن للثوار الطيبين المسالمين قتل المئات من رجال الشرطة؟
الأسئلة كثيرة، ولم أجد ردا عند احد من الذين اختلفت معهم في الشارع الذي انتمي إليه..
وانا هنا لست طالب صُلْحة معكم او حل وسط او رضاكم.. انا مع اولوية الصراع مع العدو الأمريكوصهوني..ومع كل موقف يتعامل معه على هذا الأساس، فقولوا ما تشاؤون عني.. ولن أخوض في اي حوار يتجاوز هذه لمسألة..