كي تكون ثورات لا تواصُلاً للاختراق وهيمنة ثالثة
(الحلقة السادسة والاخيرة):
للثورة المضادة قيادة، فما العمل!
عادل سمارة
من المخاطر التي تحف بالتطورات الأخيرة في الوطن العربي أن الثورة المضادة عالمية وليست فقط محلية، وقيادتها مبلورة ومبناها الطبقي واضح ومصالحه أوضح وله شبكات من الجواسيس من مختلف الفئات والطبقات والأعمار وفي مختلف البلدان، بينما الثورة الشعبية ما تزال وطنية ومحلية، كما أنها شعبوية إلى درجة كبيرة، وقيادتها “خداجاً”.
تقوم الثورة المضادة بهجوم في مختلف انحاء الوطن العربي. ولكن ما زالت مصر المسرح الأساس وإن كان الصراع بكاتم الصوت، فتحالف/تشارك الحزب الوطني وراس المال ما زال يقوي مصالحه وهو يوسع جبهته بالتحالف مع قيادات الإخوان. وهو المناخ الذي منح الحزب الوطني فرصة تكرار التفجيرات الطائفية بتحالف مع الوهابية. هذا إلى جانب مواصلة العدوان الثقافي ممثلاً في مراكز الأبحاث ومنظمات الأنجزة المنشأة والممولة أميركياً واوروبياً ودور الجامعة الأميركية في القاهرة التي تقود مختلف انشطة الهيمنة على الأكاديميا في الوطن العربي وتوزع الممنوحين/ات على جامعات العالم ووجود العديد من اللبراليين ذوي التابعية الثقافية للغرب الراسمالي. هذا مترافق مع العدوان الدبلوماسي ممثلاً في توافد دبلوماسيين اميركيين إلى مصر :
· لضبط إيقاع عمل المجلس العسكري قدر الإمكان
· وكحرب معنوية ضد الشعب ليشعر أن أميركا ما تزال السيدة رغم “الثورة” وبأن اي حراك لن يكون خارج إطار الهيمنة الراسمالية الغربية بما فيها السوق، وهذا يتضمن تطمين أولاد هيلاري والبرادعي بأن حظ الديمقراطية الأميركية ما زال وارداً في مصر الجديدة وأن الهيمنة الثالثة على الطريق.
الثورة المضادة عربياً
لم يكن قيام الجامعة العربية باستدعاء الغرب لاحتلال ليبيا المؤشر الأول على كون هذه المؤسسة جزءاً من الثورة المضادة، فالجامعة نفسها بررت إخراج العراق من الكويت وبررت مشاركة دول عربية مع الولايات المتحدة وبريطانيا في ضرب العراق 1991 وكذلك عام 2003. ولم تحتج الجامعة على قيام مصر والسعودية والأردن بتحريض الكيان على تصفية حزب الله أثناء عدوان 2006.
لذا، فإن قيام جامعة الدول العربية باستدعاء الأطلسي لاحتلال ليبيا، رغم معارضة سوريا والجزائر، جاء متساوقاً مع دورها المضاد للأمة العربية بما هي جزء من الثورة المضادة. والجامعة هي في التحليل الأخير تحالف الطبقات الحاكمة/الأنظمة الرسمية العربية بما يكرس القطرية على حساب الوحدة العربية.
لقد تحدثت الولايات المتحدة عن ضرورة تغيير في الوطن العربي منذ عام 1995، وهو التغيير الذي قصدت به ان تُشرك النخب الحاكمة إلى جانبها في الحكم فريق أو شريحة القطاع الخاص، اي راس المال الكمبرادوري تحديداً وكل هذا ضمن سياسة التجويف والتجريف. وهو ما حصل بشكل خاص في مصر بمعنى تقوية جبهة السلطة عبر السوق في مواجهة الشعب، وكانت النتيجة مزيداً من النهب والإفقار والمحسوبية والفساد ومعاداة المشروع القومي والتطبيع مع الكيان الصهيوني. وحينما انتفض الشعب المصري ضد هذا النظام كانت الثورة المضادة متيقظة فحاولت الظهور بمظهر الوقوف إلى جانب الشعب عبر محاصرة الثورة في مطلب الديمقراطية المحصورة في حق التظاهر. لقد كانت الثورة المضادة جاهزة لتصدير ديمقراطيتها فاقدة الصلاحية[9] في أرضها: سواء ب:
موات المجتمع المدني
· العودة للحرب الاستعمارية المباشرة
· دعم الأنظمة القمعية التي ما تزال قادرة على البقاء، كآلية لتكريس الهيمنة الثالثة.
ملامح الهيمنة الثالثة
في خضم الصراع المحتدم والاصطفافات المتكررة والسائلة، تتمسك الثورة المضادة بمشروعها الجديد: نقل السيطرة إلى الهيمنة، مشروع الهيمنة الثالثة على ناقلات محلية، فأي مكسب غير مكلف هذ!
من تجليات ذلك استعمار البلد بالبلد، تجنيد ليبيين كعملاء لإسقاط النظام والحكم كأدوات للمركز دون حاجة المركز للمشي على الأرض بل السباحة في السماء، فالمركز بالنسبة لهم هو الله الذي يقصف من الأعالي. وتجنيد يمنيين ليُسقطوا صالح لصالح الوهابية السعودية وبقية خليج النفط وفي النهاية لصالح المرجعية الأميركية والصهيونية، وضمن ذلك يُذبح شباب الثورة وهم اساس الثورة أو يتم اختراقهم ليقولوا: “نناشد الإخوة الأميركيين….”.
وفي سوريا يتدفق المندسون والمرتزقة من مختلف الحدود الأردنية والتركية والعراقية واللبنانية والصهيونية إضافة إلى سوريين من الداخل ممعنين تخريباً وقتلاً ضد الحراك الشعبي للإصلاح وضد قيام السلطة بالإصلاح كذلك. ليس هدفهم الإصلاح قط، وفي هذا تقع المعارضة الوطنية السورية في مأزق يُراوح في برزخ رفضهم للنظام ورفضهم للعمالة.
في خضم هذه التعقيدات، يقف الرب وخاصة أميركا وفرنسا وبريطانيا بشهية مفتوحة لابتلاع الوطن العربي بصيغة جديدة، ويُعلن قادته كما لو كانوا مكان الله:”على القذافي أن يرحل، بشار الأسد يفقد مصداقيته تدريجيا، على عبد الله صالح سيبقى خارج اليمن، ملك البحرين لم يخرق حقوق الإنسان”. ثم صمت مريب عن عسكر مصر وتونس، والأهم التأكيد على حماية إسرائيل وتوسعها !!!
تتجلى الهيمنة الثالثة في القرار المسبق للكثير من المثقفين العرب واشباه المثقفين/ات قرار عدم ذكر موقف الغرب اي المركز إطلاقاً، ولا موقف شيوخ النفط بل حراسه، والانحصار في تعداد ما تقوم به الأنظمة في سوريا وليبيا واليمن. هذه الخدمة الجليلة للمركز تبين بلا مواربة أن هؤلاء المثقفين متخارجين تماماً وصل بهم الأمر إلى التماهي التام مع رغبة المستعمِر في احتلال الوطن من خلالهم. هل عدم التوازن هذا مقصوداً أم لا، هذا امر عائد لهم.
بات واضحاً اليوم أن من يقف إلى جانب مواقف أنظمة المركز والكيان والخليج هو ضد الأمة والوطن العربيين. هذا معيار الهيمنة الثالثة للغرب عبر سيطرة أدواتهم الجدد، ذوي العباءات البيض والمواقف السود والياقات البيضاء لمثقفي التسوية.
لقد تهاون كثير من المفكرين والمثقفين الشرفاء في الماضي تجاه مثقفين وأكاديميين ذووي ميول غربية راسمالية لبرالية، مثقفون في خدمة الآخر، متخارجون. واليوم لا بد من الإقرار أن هذا التهاون كان جريمة. لا بد من مواجهة هؤلاء حتى وإن فات الأوان أو طال السفر، فأحد عوامل التغيير هو كشف هؤلاء ومنازلتهم بالفكر والحقائق. هؤلاء مثقفبن عضويين للعدو، وهم آليات للاختراق!
ما العمل؟
كثيراً ما يتوقع القارىء من الكاتب تقديم حلٍّ للمشكلة التي يعالج. وهذا في الغالب ضرب من التواكل. فمهمة الكاتب نقد الخلل والمشاركة في مواجهته، المشاركة إلى جانب الناس كمثقف مشتبك. وقد يكون لنا أن نقول بأن ما يجب العمل عليه: مواصلة التأكيد على الطلاق التام بين الشعبي والرسمي عربياً، وتعميق القناعات بأن الغرب الراسمالي عدو بالمجمل بغض النظر عن تفاوتات شدة هذا العداء من بلد إلى آخر، اي الولايات المتحدة في المقدمة ودويلات مثل النرويج والدنمارك في المؤخرة. وأن المطلوب هو ثورة عربية تقوم على تغيير الواقع القائم بمحتوى اشتراكي وليس ديمقراطي شكلاني، ثورة عربية لا تُنجز أهدافها على اسس قطرية وإنما على صعيد قومي. أما خطابها ولغتها فيجب أن تكون من واقع الوطن العربي وليس من خطاب الساسة والمثقفين الذين يبحثون عن قبول الآخر لهم، ويعملون على استرضائه حيث يتكيفون دوماً مع شروطه ويُبقون عليه أو يعيدونه كاستعمار للوطن.
إن الأداة المفترضة لهذا التحول هي الحركة العربية الاشتراكية، حركة قومية الامتداد واشتراكية الفهم والهدف. وفي هذا المستوى، لا يعود هناك فارقاً بين ضرورة تغيير أي نظام عربي أو آخر، فليس المطلوب اياً منها.
____
[9] ديمقراطية المنافستين: الحزبية، والسوقية اللتان اعطتا تعددية شكلية وفاشية سياسيا، إلى جانب نخبوية مالية يتضاءل عددها مقابل تركز دورها الاستغلالي والنهبوي