القرار الاتهامي …

القرار الاتهامي …. و التخلف عن تحقيق الاهداف

العميد الدكتور امين محمد حطيط

في الحروب تلجأ  الجيوش عادة الى ما يتاح لها من اسلحة ، تستعملها وفقا لما تملكه من امكانات وخبرات و لما تتيحه البيئة التي تتحرك فيها من ظروف، و تنسحب هذه القاعدة على المواجهة القائمة بين المشروع الغربي الاحتلالي  و المشروع الاقليمي السيادي الذي انتظمت فيه دول و تنظيمات اعتمدت المقاومة و الممانعة اساسا في مواجهة اصحاب المشروع الاول الذي  اعتمد من الوسائل  كل ما تهيئأ له من اسلحة نارية و غير نارية  خاض بها الحروب ، و تدابير اقتصادية حاصر بها  الشعوب ، واعتمد  اخيرا بعد الحروب النفسية و الاعلامية على  سلاح رآه سهل التقليب و مأمون الفعالية ، و منخفض الكلفة برأيه و هو ما اسمي “العدالة الدولية”  او القضاء الدولي المتعدد التسميات و الهيئات : من المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق كل من لا ينصاع للاوامر الاميركية بعد ابتكار الفعل – الجريمة التي تلصق به ثم يلاحق بها الى المحاكم الجنائية الخاصة كما كان الحال في يوغوسلاقيا ، و اخيرا المحكمة الخاصة بلبنان التي ادعي بانها اقيمت لاحقاق العدالة و معاقبة من قتل رفيق الحريري النائب اللبناني الذي كان رئيسا سابقا للحكومة . هذه المحكمة التي بدت منذ بذرتها الاولى المسماة لجنة تقصي الحقائق و حتى صيغتها الراهنة ، اداة انتقام سياسي و  ملاحقة تعقبية لنظام أو تنظيم مقاوم رفض الخضوع لاسرائيل ونظم مقاومة هزمتها و اخرجتها من لبنان .

في البدء لا بد من التذكير باننا ندين القتل و نطالب بملاحقة الجاني اي كان و لكن  نذكر ايضا بان لا صلاحية لمجلس الامن الدولي في التدخل بشان لبناني داخلي يتعلق بجريمة وقعت على ارض لبنان واودت بحياة لبنانيين ، لان الصلاحية هنا هي حصرا للحكومة اللبنانية ، و لا يجوز لها  ان تتنازل عن شأن سيادي خاصة  من غير الرجوع الى مجلس النواب و بتجاوز رئيس  الجمهورية (ومع هذا فعلت) . و النتيجة و في حكم القانون تعتبر المحكمة الخاصة بلبنان محكمة مفروضة على لبنان من خارج مبثاق الامم المتحدة ، و بالتالي هي غير شرعية .

وفي مجريات التحقيق و ما رافقه من تسريبات، نذكر بانه  لا يمكن ان تعرف قضية جنائية نالت من التدخل السياسي و الانحراف و التحريف عن المسار القانوني الجنائي مقدار ما لحق بهذه المحكمة و تحقيقاتها من التوقيف التعسفي الى  التسريب الاعلامي الى التهديد بالقرار اللاتهامي و توقيت صدوره الى الارتكاز الى شهود الزور ثم الامتناع عن محاكمتهم وصولا الى منحهم الحماية التي لا يقرها نظام قانوني او اخلاقي في العالم ، و بالنتيجة نرى انه لا يوجد رجل قانون عاقل و موضوعي يستطيع ان يمنح هذه  المحكمة و تحقيقها ثقة ما او يؤمن بمصداقيتها ، لا بالعكس فان كل ما تعلق بهذه المحكمة يقطع بانها ليست اداة قانون و قضاء جنائي ، بل اداة حرب و انتقام سياسي . و لانها كذلك و بعد ان اثبت الفريق المستهدف بالمحكمة طبيعيتها غير القانونية و غير القضائية تلك اعلن تبرؤها منها و اخرجها من دائرة اهتماماته و انشغالاته . خاصة و انه راى ان المفاعيل محدودة  بالنسبة له بعد ان صاغ الامور و تحكم بالبئية بشكل يدفع الخطر .

ففي  الاستعمال الاساسي الذي رمى اليه الممسك بزمام المحكمة – الدائرة الحربية السياسية تلك ، نجد انه كان مبنيا على خطة تبدأ باتهام مترافق مع عملية تحريض ضد المقاومة و جمهورها ، ثم يتطور الامر الى فتنة توقع بين اللبنانيين المحتضنين للمقاومة و اللبنانيين الذين يغرر بهم طائفيا ضد المقاومة ، و بعد صراع ينهك المقاومة تأتي اسرائيل و تنتقم و تصفي حسابتها مع المقاومة ، و لكن  الواقع سفه القصد  لان الفتنة اليوم متعذرة و احتمالها ضعيف ، و رغم ما تقوم به وسائل الاعلام المحلية و الاجنبية المرتبطة بالمشروع الغربي من تحريض فاننا نجد الاستجابة شبه معدومة له ، و اذا سقط بعض المغشي على ابصارهم بالامر فاننا نعتقد بان القوى المسلحة الرسمية و قدرات الفريق المستهدف قادرة على خنق الفتنة في المهد ، اما عن اسرائيل فاننا نرى و بعد فشلها المدوي في مناورة تحول 5 فانها  لن تجازف في حرب غير مستعدة لها بفعالية و امان ، خاصة و ان مئات الصواريخ جاهزة لتتساقط عليها يوميا دون ان تكون قادرة على الاحتماء منها . لهذا نقول ان الهدف الاساسي من اعلان القرار الاتهامي اليوم لن يتحقق .

اما  الهدف الثاني وهو ملاحقة المقاومة و حزبها و تسطير مذكرات التوقيف بحقهم و طلب جلبهم الى اقواس “العدالة الاميركية و الصهيونية ” ، فانه امر ليس بجديد ، و من سينسى ان اسرائيل اصدرت الاحكام بالاعدام و من غير محاكمة على قادة المقاومة أو من سينسى ان اميركا تعاقب بالحبس من يضبط متلبسا بالاستماع الى قناة المنار . اذن مذكرة توقيف اضافية او اتهام جديد لن يبدل من صورة و طبيعة المواجهة بين المقاومة و اصحاب المشروع الصهيوني الاستعماري بالقيادة الاميركية ، و من اجل ذلك قال الامين االعام لحزب الله ان المحكمة التي ثبت فطعيا لديه  بانها سلاح تقبض عليه اميركا في ووجه المقاومة ،هي  خارج اهتمامات الحزب من حيث الاهمية و الصدقية ، و يبقى للحزب ان يتخذ من التدابير الدفاعية ما يمنع خطر هذا السلاح من النيل منه ، مع الاشارة الى ان الدولة اللبنانية لن تكون باجهزتها في خدمة اميركا و ادواتها القضائية رغم كل ما قيل و يقال عن اكذوبة الشرعيى الدولية .

وعليه نرى ان المحكمة التي ارادت اميركا ان تتخذها سيفا لقطع راس المقاومة و التأثير على جبهة المقاومة و الممانعة ، انقلبت في يد من شحذها عصا نخرها السوس لا يقوى من رفعها على ان يهوي بها على احد خشية ان تنكسر بيده ، و قد يكون القرار الاتهامي قبل الافصاح عنه اهم  منه بعد الاعلان عنه وهنا يطرح السؤال : اذا كانت هذه المحكمة من الوهن و الضعف و محدودية الفعالية على مثل ما ذكرنا فلماذا شهر سيف القرار الاتهامي الذي اصدرتها ؟

برأينا ان هناك اكثر من احتمال في الشـأن منها :

التشويش على حكومة لبنان الجديدة التي ستنطلق بعد اسبوع للعمل الجدي بعد نيل الثقة و تسدل الستار على “الحريرية السياسية”  التي لن تعود الى لبنان و تحيله مشيخة ، و تكون اميركا التي تسببت باخراج سعد الحريري من الحكم ، اعطته هذه الورقة كجائزة ترضية لا تسمن و لا تغني من جوع في حقيقتها و لكنها ترضي البسطاء و ضعاف النفوس النزاعة الي الكيد و الانتقام .

التشويش على نجاح سوريا في افشال المؤامرة التي استهدفتها ،  حيث بدأت اليوم السير في مرحلة التعافي و معالجة الندوب التي تركها التآمر الخارجي في الجسم السوري .

و  قد يقصد من منه الان الضغط على لبنان في مرحلة حكم جديدة ، حتى لا يذهب بعيدا في العلاقة مع سوريا و التنكر للمشروع الغربي ، و لبعض العرب الملحقين به .

و لا نغيب الاحتمال الرابع الذي ننظر اليه بجدية ايضا رغم انه يعاكس الحال الظاهر ، و فيه القول انه قد يكون آن الاوان لطي هذه القضية الاجرامية بعد ان استنفد امرها .

لكل ذلك لا نرى للقرار الاتهامي الذي اعلن – و لم يكن فيما اعلن جديدا يفاجئ المتابعين – ، لا نرى انه سيغير شيء في الواقع اللبناني فلا فتنة و لا نيل من المقاومة و لا محاصرة للبنان ، بل جل ما في الامر قد يكون ترضية لمن خسر ، و يبقى قولنا السابق انه لا فتنة و لا حرب قول صالح في الظرف المتشكل بعد اعلان هذا  القرار.

:::::

نشر في جريدة “البناء” وموقع “التيار” الوطني بتاريخ 172011