بين عدالة أوباما وعروبة شكيرة!
عبد اللطيف مهنا
لا زال في الساحتين الفلسطينية والعربية من يحاول واهماً أو موهِماً تفسير العربدة التهويدية الإسرائيلية في بقايا ما لم يهود بعد من فلسطبن المحتلة، بردها تبسيطاً إلى التطرف النتنياهوي، ليجرنا بهذا إلى خطيئة الانغماس العبثي في باطل التفريق بين ما يدعى اليمين واليسار الإسرائيلي وما بينهما. إن في هذا إصرار مشين على تجاهل طبيعة مثل هذه الثكنة الاستعمارية الإحلالية المتقدمة في المنطقة، وإغفال لدورها في سياق المشروع الاستعماري الغربي القديم الجديد والمستمر في بلادنا العربية. وفيه بعض ما يوحي بإعفاء ما لمسؤلية الغرب الرئيسة والأساس في رعاية هذه العربدة، وسائر مصائب الأمة العربية المتوالية لأكثر من قرن خلى ولعقود قادمة جراء زرع هذا الكيان الثكنة وضمانة استمراره. وفيه أيضاً، جنوح مستطاب لدى أصحابه للهروب من موجبات مواجهة حقائق وطبيعة الصراع مع هكذا عدو، ذلك باللجوء إلى وهم ما يسمى “العدالة الدولية”، واستجداء ما يدعى “المجتمع الدولي” أي الغربي، والاستنجاد البائس بشفقة ما يطلق عليه “الرأي العام الدولي”، وصولاً إلى مبررات التخلي عن مبدأ وحق وضرورة ووحدانية خيار المقاومة، بكافة أشكالها وأوجوهها المتعددة، وعلى رأسها المسلحة، أو ما ثبت في التاريخ أن المحتل الغازي لا يفهم سوى لغتها، حيث يقنعون أنفسهم بالتلهي بنوع من “المقاومة” المريحة لصاحبها ولعدوه على السواء، أي المقبولة لتلك المسميات لراعي الاحتلال وضامن استمرارية احتلاله ومموّل جريمته المستدامة… كالاكتفاء بالمقاومة “البلعينية” مثلا!
آخر أمثلة العربدة التهويدية هي عملية البحث عن الأشبار المتبقية التي لم تهود بعد في القدس الشريف، هذه التي شارفت عملية تهويدها جغرافياً على الانتهاء وتم البدء في تهويدها ديمغرافياً عبر مخططات طرد من تبقى من أهلها، لتهويدها تحت شتى المسميات ودون الحاجة للذرائع وبتمويل غربي… من ذلك، وضع اليد على منطقة القصور الأموية جنوبي سور المسجد الأقصى لصالح مشروع أطلقوا عليه “مسار تلمودي لمطاهر الهيكل”، ومشروع آخر تنتظره المدينة الأسيرة يدعى “أسوار العوفل”، والإعلان عن نوايا لهدم مسجد الفاتح في حي سلوان.
إن آخر تجليات ما يؤشر على طبيعة هذا الكيان العدوانية الملازمة لوجوده هو ما ترمز إليه مناورات “نقطة تحول 5″، وخبر انعقاد حكومة نتنياهو المصغرة في ملجأ سري جديد محصن تحت الأرض في عمق أحد جبال القدس المحيطة بالمدينة.
هنا لا بد من العودة إلى الأصل، إلى الغرب الصانع والراعي والضامن لهذه الجريمة المرتكبة ضد العرب والمستمرة في بلادهم على امتداد أكثر من القرن، لنرى أنه، وبخلاف وهم وإيهام الهاربين من المواجهة كضرورة وجود أمة بكاملها إلى حيث الاستجارة بأعدائها واستدرار شفقتهم او الهروب من السكين إلى سم الخديعة… لنرى ان تطرف الغرب يزداد يومياً في رعايته وضمانته لهذه البؤرة العدوانية المزروعة في قلب الأمة، ويوالي المغالاة في إثبات حرصه على ديمومة هذه الجريمة الاستعمارية المستمرة المقترفة في حقها…وآخر الأمثلة:
تحدث الجنرال الأمريكي باتريك أوريالي لمجلة “دفينس نيوز” الأمريكية عن منظومة “الدفاع الإقليمية” التي تنوي بلاده بناءها في المنطقة العربية فقال: “إن منظومة الدفاع المتعددة الطبقات، التي تطورها إسرائيل والمشكلة من بطاريات “القبة الحديدية”، و”عصا الساحر” في طبقات الدنيا، ومنظومة “حيتس 2” ومنظومة “حيتس 3” في الغلاف الجوي وما فوق، ستعزز قدرة الولايات المتحدة على حماية قواتها في الشرق الأوسط… وزاد فنوه بمشاركة هذه المنظومات “في جماية الدول العربية الحليفة لأمريكا، بما فيها تلك التي لا تقيم إسرائيل علاقات ديبلوماسية معها”… هذا في الخفيف، أما في الأثقل وزناً، فهو الاعتراف الأمريكي العلني بالتعاون النووي لأول مرة بين الراعي والمحظية برعايته، الذي جاء في إعلان الاتفاق بينهما لنقل النفايات النووية…
قد نمضي فنسترسل في تتبع أوجه الدعم اللامحدود المختلفة من قبل المركز لثكنته المتقدمة وهي أمور معروفة ومشهودة منذ أن وضع الغرب المصاصة في فم وليدته المصطنعة آن استيلادها وحتى ملجأ نتنياهو السري تحت جبل من جبال القدس المحتلة، لكنما المهم هو في تتبع تطور التزام هذا الغرب بجريمته أكثر فأكثر، وآخر ملاحظة تجلياته السياسية، على سبيل المثال، تصعيده لسياسة فرض عصمة إسرائيل الدولية، باعتبارها حالة غدت ما فوق كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية المتعارف عليها، وحقها وحدها استباحة كل ما لا يباح، وتبنيه مقولة “الدولة اليهودية”، ومحاولته انتزاع تسليم رام الله غير صعب المنال بها، وأخيراً، الحؤول دون إتمام “مصالحة” اللعب في الوقت الضائع العتيدة بين رام الله وغزة، على الرغم من انعدام أبسط ما تستند إليه فرص نجاحها المستبعد حدوثه أصلاً، وأقله انعدام التوافق المفترض على برنامج حد أدنى يجمع بين طرفيها النقيضين.
في آخر المآثر الأوباموية ما ورد في مخاطبة الرئيس الأمريكي للمتبرعين اليهود لحملته الانتخابية، حيث قال صاحب خطاب جامعة القاهرة الشهير: إن “رؤيتنا الواسعة هي أن إسرائيل دولة مصانة”… أما فيما يتعلق ببعض التباينات التي قد تلوح أحياناً بين الصائن والمصان، فهي عنده مجرد “خلافات تكتيكية”، لا أهمية لها في حال تأكيده: “سنكون على الدوام صديقين وحليفين وفيين”…
وأخيراً، إنه وكما لا يزال من الفلسطينيين والعرب من يفرق بين يمين ويسار الاحتلال، فهناك منهم من لا يزال يراهن على عدالة هذا الحليف الوفي لعدوه… لعل مثل هذه المراهنة هي الأشبه بالمراهنة على عروبة شكيرة، التي تشاركنا عبر أصولها اللبنانية أصل المحتد، هذه التي لبت دعوة بيريز لها للقدوم إلى فلسطين المحتلة، لتستحق أن يصفها، بعد أن اعتمرت القلنسوة خاشعة أمام حائط البراق، ب”رسولة السلام”… فكان أول ما صدحت به هذه الرسولة هناك هو “شالوم”!