قراءة في الفصل القدم
أحمد حسين
لا يجوز الكلام فيما هو حاصل عربيا لأنه مجرد ثرثرة ! هناك عملية اغتصاب دولية واضحة على الرصيف، فهل يمكن لأي كلام أن يضيف شيئا إلى المشهد ؟ البعض يكابر ويقدم انتفاضات كلامية لعله يشعر بشيء من الراحة. ولكنه يفشل. فالمشهد حقيقي إلى درجة الواقعية الحرفية في الفعل، ولكنه في ذات الوقت لا يمكن تسويقه موضوعيا إلا بالواقعية السوريالية. أي يجب افتراض عالم غير مألوف، وإنسان غير تاريخي من حوله. فهو يمكن أن يصبح مفهوما، فقط من خلال نظام مرتجل للوعي يلغي الوعي التقليدي.
لقد تم إعداد العالم المفترض، والإنسان الغير تاريخي من خلال مشروع استثنائي للتدخل في منظومات الوعي السائد في العالم، لكشفها وإثبات أنها أوهام جليلة لم يعد لها مكان في الواقع البشري، الذي أصبح ملاحقا بالضرورة في وجوده المادي، بعد فقدان التوازن نهائيا في النظام الإجتماعي، في مجال تماثل وتوزيع الحاجات. مما اصبح يلزم بإعادة تصنيف المعرفة من حيث أنها سياقات جدلية متعددة في العلاقات البشرية، وليست سياقا واحدا. وكلها سياقات محمية بشرعية الواقع القائم. فالحاجة أو الضرورة هي وليدة تصنيف الموقع الإجتماعي، وليست وليدة شمولية بشرية لأخلاق محمية بفلسفة القيم الوهمية. كيف يمكن افتراض أن تتماثل حاجات الطبقة المتوسطة في أمريكا مع حاجات مثيلتها في الصومال مثلا، وكيف يمكن افتراض ذات المعادلة في تدرجاتها بين أي بلد متطور (غني ) وبلد متخلف ( فقير ). هناك من هو ملزم احتياجا بركوب السيارة لعدم وجود طريق للدواب، مقابل من هو ملزم احتياجا بركوب الحمار او المشي على قدميه لأنه لا يوجد سيارات ولا طرق للسيارات. المسألة إذن بسيطة وواضحة ومنطقية، وهكذا ظلت طيلة الوقت، ولكن خلف ستار وهمي من النفاق الفلسفي. ليس هناك شرعيات أنيقة على شكل حلوى الأطفال. ولم ولن يكون هناك شيء كهذا ذات يوم في العالم. وكان على الناس الأكثر تقدما ان يكتشفوا ذلك ويعمموه بكل الوسائل الممكنة ليفيق العالم من أحلامه، ويعرف كل موقع بشري تفاصيل وحدود شرعيته في الوجود الخاص والمنعدد للبشر الإجتماعيين.
لا يمكن الإختلاف على أن هذا هو كابوس التجربة البشرية الحقيقي. وأن السماء كانت تتدخل بين الفينة والأخرى، باسم العدالة، فتزيد الطين بلة. كان هناك خيط خفي صاعد، ذو اتجاه واحد، يربط السماء بالأرض. لذلك فهي متفقة تماما مع هذا الخط بشأن قضية تصنيف الحاجات معرفيا، إلى درجة أنها تعترف أن حاجات الفقراء لا تتجاوز فتات موائد الأغنياء. وأن الله شخصيا هو المسؤول المباشر عن هذا النظام لتقسيم وتصنيف الحاجات بين الطرفين لأنه الحكمة بعينها.
إن التوازن الشرعي للتكلفة بين حاجات واحد في المئة ألف من سكان العالم مع بقية السكان، قد تتسبب في بعض الصعوبات الشكلية، مثل أنه يمكن تقسيم مليون دولار عل عشرة أشخاص بسهولة، ولكن لا يمكن تقسيم عشرة دولارات على مليون شخص بذات السهولة، ومع ذلك فالأساس العملي يظل سليما في مجمله، لكن وجود الفقراء بهذا الإزدحام في العالم هو السبب. فالعالم الثالث والرابع ( عالم المجاعة ) ينتج وفرة مستهلكين واسعة وعاطلة عن العمل،أي غير منتجة. هذا الفائض من المستهلكين فقط، جعل من المستحيل ترجمة حاجاتهم إلى حاجات واقعية. لذلك أصبحت الضرورة تقتضي تدخلا من جانب جماعة الواحد في المئة ألف، لحماية مستويات دخلها التي أصبحت في خطر. هذه المستويات للدخل هي جزء متزايد شرعيا من الدخل العالمي، يتناقص شرعيا، تبعا لذلك في الجانب الأخر. ولكن الجانب الأول يقول أن الحل لا يمكن أن يكون عن طريق خفض مستويات الإستهلاك في الدول الغنية، لأن هذا في النهاية سيدمر الإنتاج في تلك الدول المنتجة ويفاقم المشكلة. فالحل ليس في تحييد مصالح رأسالمال، وجعل الإغنياء أقل غنى، وجعل الفقراء أقل فائدة. الحل هو في تغيير نظام الإدارة العالمية،الذي ظل قائما على عدم الشفافية في العلاقات الطبقية، وتعويم الإستهلاك، والإيمان بجدوى التظاهر السياسي والأخلاقي، كنهج لإدارة واقع العلاقات البشرية المختلف جوهيا.
لقد أسفر هذا الواقع الإشكالي عن مبادرة قيادة القوى الإسطورية الغنية، أمريكا والصهيونية، بعد انتصارهما على الخلل الأوروبي في الحرب العالمية الثانية، إلى طرح وعي النظام العالمي الجديد. لقد أدركتا أن الوقت قد حان للتدخل العملي المباشر، بعد أن أصبحتا مؤهلتان لقلب كل الموازين الكاذبة والمهلهلة في العلاقات البشرية،واستبدالها بصفقة شاملة مع ناس العالم الجديد. هؤلاء هم الذين سيصبحون مواطني التاريخ الجديد، القائم على شفافية التسليم بأن مفهوم العدل لا يمكن أن يقوم على المساواة ومحايثة الأحلام والكوابيس من خارجهما، كما اعتاد أن يفعل التاريخ القديم. لكل إنسان علاقته المفردة بالوجود. على هذه الحقيقة الملزمة للوجود يجب بناء واقع العلاقات داخل الكم الإجتماعي، الذي هو ليس بحاجة لنظام من خارجه أصلا. فالنظام الواقعي قسرية قائمة في السلوك والعلاقات يجب تبنيها سلميا على علاتها. ليس هناك أقدار سياسية مشوشة وغير حقيقية، هناك قدر واحد للوجود يفرض نفسه بقوة الواقع العملي. ألموجودون في الأسفل سيعانون أكثر للوصول إلى المواقع الأقرب للقمة، والذين في تلك المواقع سيصابون بالصدمة حينما يتخلون عنها مرغمين، لغيرهم. هذا الوجود الإجتماعي المتمثل بالكثافة الكمية وحدها، كما زعم هربرت سبنسر فيلسوف الجريمة الأهم في التاريخ القريب، يجب أن تتم محايثته بحيادية علمية تامة، وامتثال مسبق لكوابيسه الكمية الحتمية. لا ظلم فلسفي ولا عدل فلسفي ولا حرية ولا عبودية فلسفيتان، فليس هناك آخر عدواني متطوع داخل المجتمع الكمي. هناك وجود عدواني بطبيعته يحكم حركة العيش بكاملها.
لا أحد ينكر برود قوانين الطبيعة، ونظامها اللامبالي. فهي ليست اجتهادات وضعية قابلة للفهم والتحليل والمماحكة الفكرية. هي جزء من صفقة لغز الحياة، بين المادة وقوانين الحركة. لذلك فإن الصهيونية وأمريكا لم تكتشفا شيئا إطلاقا. تجاهلتا فقط أن الوجود لعبة تطورية، وليست حديقة بفصل واحد هو الخريف الدائم أو الربيع الدائم. وما دامتا قد استطاعتا إهمال جدل التطور، المبني على حتمية التغيير، والنشوء المتجدد للكون في ساعة الحياة، فما أسهل تجاهل الإنسان الذي يملك حيثية وجود نوعي تطوري إيجابي. أي أنه يتدخل وعيويا فيما يجري، ويتصدى للبرود والكابوس الطبيعي. أي أنه يتدخل في صياغة مصيره إلى درجة القدرة على تعطيل القانون أحيانا، أو اكتشاف الحركات المعطلة للسياق داخل جدل القانون. هذا الإنسان هو إله مادي يملك عقلا وإرادة رفض للبرود واللامبالاة، ويشكل جدلا خاصا به في الطبيعة. أي أنه يخلق المعنى، ويسمي الحركة ( وعلمنا آدم الأسماء )، ويتدخل فيها. بدون ذلك لا يعتبر تطورا نوعيا للقرد أو العجل أو الجبلة الأولى. إن مجرد قدرة أمريكا والصهيونية على التلاعب وعيويا تثبت أنهما لم تكتشفا شيئا سوى شهوة العولمة النخبوية، والشرق الأوسط الجديد كبداية. وأن ما تدعيانه هو مجرد فصل في الزعرنة، يمكن تسميته مابعد التاريخ أوما بعد الإنسان أو مابعد الحرية. إن مفهوم الحياة هو ذاته مفهوم الإنسان، لأنه بدون أوهام الإنسان عن نفسه لا يوجد حياة، حتى ولو أصر ماركس على موضوعية وجود الحمير بدون الإنسان، إلا أنه هنا لا يقصد الحياة الفعلية، وإنما الوجود النظري فقط لبيولوجيا البهائم.
هذا هو تلخيص الكينونة العبثية ( الحيادية )، وهي لعبة لتبرير الإبادة والجريمة الكونية بالقوة من جانب أمريكا والصهيونية. أي تبرير استئجار المرتزقة والعملاء وفئات الشر الأبدي للعدمية الدينوية لأعداء الإنسان، واستعمال الجريمة كسلعة تحويلية للوعي، واستباحة الدم، وإبادة الحضارة القديمة المفعمة بالتغني بالإنسان ومغامراته العقلية والوجدانية لجعل الحياة أكثر جمالا وأقل قبحا، ولو بتوظيف قدرته على التخيل فقط. لا تريدان إنسانا قادرا على إبداع الإشكالات الناجمة عن خصائصه النوعية. تريدان نخبا متألهة وعجولا مربوطة على مذاودها كالقرابين. هكذا هم البشر حينما يدخلون من بوابات المابعد ويفقدون إنسانيتهم. ويصبح من الواقعي عندها أن تهب الإنسانية لمواجهتهم دفاعا عن المعنى، الذي يهون عليهم كوابيس المعرفة بعبادة عظمتهم النوعية، وهم يحاولون مطاردة كوابيس الحقيقة بالوهم الحقيقي الأكثر رسوخا في الإنسان من قوانين المادة السلبية، والتي يحركها جدل الكينونة، وملحمة المعنى الإنساني الجدلية، التي صنعت الحب والفن من جدل الذات المتخصصة، وطفرة الوعي. لا بد من اقتحام جدل المادة الخرساء بجدل الإنسان الموازي ليتكون ما نسميه الحياة على هذه الكتلة الصخرية.
وتبدو امريكا والصهيونية في العين الإنسانية للإدراك، كوجود وعيوي مريض، يعشق القوة والهيمنة ويحولهما إلى جنون ذاتي يحترم الجريمة أكثر من العقل، فيسخره لها. كلاهما يشكل طفرة للشذوذ في سياق التطور البشري، يخلط بين الجريمة والإبداع المتحرر من السياق الإنساني، ويعتبر ذلك جوهر الوجود الواقعي، ليتمكن من استثمار القوة في الهمجية، والهمجية في الهيمنة المطلقة، لتهيئا تاريخهما الخاص في ” المابعد ” الخالي من فعالية الناس الأخرين. وردة الفعل الموضوعية هي تصدي البشر لمقاومة جنونهما. وهي مهمة إنسان التجربة الذي يحس الوجود كما تحس الأم طفلها خارج لؤم المعرفة المجردة.
واسترسالا مبررا بالحدث، فإن اعتبار أمريكا والصهيونية العرب هم الحلقة الأهم والأضعف في الوجود البشري، كأمة متورطة في تاريخ من الإشكال الثقافي الذاتي والتخلف المدبر منهجيا، هو الذي دفعهما نحو افتتاح مشروع الجريمة البناء بهم. فالعرب أمة منهوبة حضاريا، مستلبة ذاتيا، وخاوية من تاريخها الحضاري المؤسس، الذي انقلب عليه مجمع الهيمنة الغربي في عهد الإمبراطورية الرومانية، بالتوراتية (الإستشراق )، ليحولها إلى مجمع بشري تائه يعادي ذاته بثقافة مقدسة. كما قدم العرب الأولون مؤسسو الحضارة التجريبية، قرابين على مذبح الإستشراق الروماني، يقدم العرب اليوم قربانا على مذبح الرواية الإستشراقية المشتركة للغرب والصهيونية، والمفروض أن تنتهي بعالم بدون عرب. والسبب هو اسباب كثيرة أهمها وجوب هيمنة الحضارة الغيبية البديلة، المتمثلة في التهويد العالمي، على الثقافة التجريبية المؤسسة التي بدأها العرب من الشعوب المشطوبة استشراقيا، والتي يجري اليوم محو آثارها المشخصة، كما تم محو آثارها في الرواية التاريخية لتصبح أمما بائدة، كما حدث ويحدث في فلسطين والعراق من إبادة للشواهد والمفاهيم التاريخية. سيكون هذا التغييب التهويدي هو البوابة التي يدخل منها التاريخ الجديد لعالم الهيمنة الإقتصادية والنظامية للصهيونية الغربية ( العولمة الإمبراطورية بنسختها الجديدة القديمة ) الإستشراقية.
ما تقدمه الآن الصهيونية وأمريكا للعرب من مهازل ثورية عبثية هو عملية إبادة للمصطلح التاريخي والهوية، يختلط فيه الدم بالنصوص في ملحمة هاننغتونية للنهب والإبادة والسيطرة الإمبراطورية، على خلفية من صراع الحضارات الكاذب على مفاتيح الثروة والهيمنة الشاملة.
يقول إعلام الثورات الميداني، الذي لا يعلم معظم الناس عنه شيئا، سوى أنه تفوح منه رائحة المني والدم، أنها ثورات ضد الوعي القديم، وضد الأنظمة العتيقة ( لعبة الحداثة الزمنية للحضارة ). هذه الثورات تكتسب موضوعيتها من اكتشاف الوعي، والتعبير عنه بحيادية ثورية تامة، ولكنها جنائية حتى سفك الدم المجاني. الثوار لا يطلقون النار على النظام، ليس لأنهم ثوار متصوفون، ولكن لأن اللعبة تقتضي أن يطلقه غيرهم، أو يطلقه النظام على جنوده. هكذا يصبح ما يجري حركة للكابوس، وليس حركة لها هدف سوى تغيير المواقع وتبادلها بكل الحب. وهذا ما يفسر كونها سلمية بالكامل. فهي حرب استنزاف يفترض منها أن تكون الحلقة الأخيرة من حلقات تدمير مجتمع النظام العربي، من خلال تدمير بناه التحتية وإنجازاته المتواضعة، لإحداث الفراغ الذي يجب ملؤه على أرضية سلبية الحركة.
أمريكا ليست عدوا ولا صديقا. والصهيونية كذلك. إنهما نخبة الوعي الجديد في الفيس بوك. والثورة انفجار سببه احتجاز النظام للموقع. وهو على حق ونحن على حق، فهذا هو قانون الوجود التلقائي، لذلك يجب إسقاط النظام من جانبنا، وعلى النظام أن يمنعنا من ذلك. فلا بد من إسقاطه لتبادل المواقع، من أجل إعادة تصنيف الحاجات لصالحنا. ولا بد من جانيه أن يطلق علينا النار لمنعنا من ذلك. فما دخل أمريكا والصهيونية في الموضوع، سوى أنهما اكتشفتا مجموعة الحقائق الكونية لحركة الوجود ؟ هل حقوق أمريكا والصهيونية أقل أو تختلف عن حقوق الموقع السوري من حيث المبدأ، في الدفاع عن نفسه ؟ أ وإذا كانتا تريان أن مصلحة الموقع الخاص بهما يقتضي أن تكونا معنا في المنطق الواقعي الجديد، فهل هذا ذنبنا أو ذنبهم، وهل بإمكاننا التدخل في حساباتهما ؟ نحن نريد إسقاط النظام، وهما تريدان إسقاط نفس النظام لأسباب مختلفة، فلماذا لا يمكنهما دعم ثورتنا السلمية بالقصف الجوي أو البري أو البحري أو جميعها معا ؟ وهل سنكون بمصداقية الواقع مع ذلك أو ضده ؟ إنهما تجندان عملائهما ومرتزقتهما وأتباعهما التحالفيين معنا لأن الموقع السوري يؤمن بالمصطلحات القديمة التي تتصدى للواقع الوعيوي والتنظيمي الجديد، المرتبط بنخبوية موقعهما الكوني، فهل نكون مع الموقع المتخلف ؟ لماذا ثرنا إذن ؟
لا يمكن الوقوف مع هذا الترافع الواقعي أو ضده ؟ يمكن فقط الإعتراض على تقريع أسماعنا بهذا الترافع الكلامي الذي يخالف ما يقول أصحابه من أنهم يؤمنون بالإكتشاف الأمريكي الصهيوني لطبيعة الوجود الواقعية. كان يجب أن يقبلوا بصمت كما يقولون، ما داموا يريدون إسقاط النظام، بأن يقوم بقتلهم. فذلك جزء من حتمية التصرف حسب الإكتشاف المذكور. عليهم أن يموتوا بدون تذمر بشكل سلمي أو غير سلمي، ومن حق النظام أن يفنيهم إذا استطاع ليكون واقعيا وصادقا مع الوعي الجديد. أي أنهم لا يستطيعون السيطرة على طرفي العصا إلا بعد إسقاط النظام المتخلف، الذي من حقه استعارة وعيهم لمحاربتهم به. ليس هناك مقاييس خارجية للعبة التي اختاروها من الفيس بوك والإعلام التبشيري الملحق. المقاييس الخارجية كلها قديمة وتسبب الهلع مثل الأخلاق الإجتماعية، والقيم الإنسانية، ومباديء الإلتزام الوهمية بالشرف الوطني والقومي. ولا يصح حتى التفكير بها. الحاجة هي الأساس. والحاجة تصنف وتوزع بالموقع الدولاري للفرد. كان هذا خيارهم منذ البداية. ويمكن تسمية هذا ثورة. فالتسميات ليست لازمة أصلا. ولكنهم أصروا عليها لطمس حقيقة كونهم عملاء ومجرمين ومرتزقة وسفلة وحثالات ومرضى مواقع، كما يدعي الوعي القديم، أي وعي ما قبل الفيس بوك.
إذا كانوا ثوارا معرفيين يلتزمون واقع المعرفة الجديد بقوانينه الحتمية، فكيف يمكن تداخلهم معرفيا مع العجول وفئران المجاري ؟ بأي حق معرفي يستخدمون الدياييث والعاهرات لدعم الثورة بالجنس التجاري، والكذب السلعي، وزبائن الثقافة الإستهلاكية ؟ لماذا أصبح الشعار التهريجي ” الشعب يريد إسقاط النظام ” شعارا لكل الثورات الربيعية ؟ لمن يوجهون هذا الشعارالثوري المخنث الذي يشبه الإعلانات الخليجية ؟ الشعب إذا كان يريد إسقاط النظام سقط النظام تلقائيا. ولكن يبدو أن الشعب لا يريد ذلك كما يدعون. أمريكا والصهيونية والجالسين تحت موائدهما هم الذين يريدون ذلك. فعلوا كل ما يستطيعون ولم يسقط النظام. فرفعوا وتيرة التدمير والقصف بالعجول المفخخة والنظام لم يسقط بعد. لا بأس ! هذا يرفع وتيرة الإستنزاف ويعمق الفراغ المطلوب في حسابات المشروع التصفوي. وعندما تتحرك القوات البرية، إذا لزم الأمر، فستكون الحركة بالغة السهولة. ولن تكون قواتنا هي التي تتحرك. ستتحرك القوات التركية والأردنية والثوار، مدعمين بكتائب إسرائيلية غير منظورة ويكملون المهمة.
وماذا ينتظر النظام السوري إذا كان ينوي مفاوضة الثوار بمن فيهم كتائب العجول ؟ لماذا لا يتنازل بشروط السلامة الشخصية ؟ أم أنه لا يفهم أن أمريكا ورجل الأيدز والصهيونية لن يتراجعوا أبدا قبل تنفيذ أهدافهم بأي ثمن، إلا بالهزيمة ؟ القوة الحاسمة في هذه الحرب هي قوة الشعب والنظام معا وحدها. ألتغول الصهيوني الغربي لن يتوقف حتى ولو تورط. فهل نفعه تورطه مع طالبان ؟ والعجول تعلم أن هذه فرصتها الأخير وستظل تقدم ” الشهيد ” تلو ” الشهيد ” من صفوفها المؤمنة، والدولاري تلو الدولاري من المرتزقة. و “القتيل ” تلو “القتيل” من النساء والأطفال والإبرياء، حتى العجل الأخير. فماذا ينتظر النظام السوري أن يتغول أو أن يستسلم. هل يعتقد أن روسيا تختلف بشيء عن تركيا ليفوضها بتمثيله، لماذا هرعت الآن روسيا إلا واجهة التفاوض إلا بأمر من أمريكا للضغط على رجل الأيدز الأوروبي المعتوه،الذي يعمل من أجل جنازة مهيبة ؟ لماذا هو بحاجة إلى إيران ما دامت لن تفكر في نجدته إذا ضمنوا لها السلامة بتعهد روسي مباشر ؟ لماذا لا يستسلم عاجلا، أو يعلن الثورة من جانبه ثورة شعبية على العجول والمرتزقة، وينزل بكل مؤيديها إلى شارع الحسم ؟ ينزل بكل أعداء أمريكا في العالم العربي إلى مواجهة سافرة معها بكل الوسائل الثورية ؟ هل ينتظر إحكام الحلقة حوله وانضمام دول عربية جديدة إلى دول التحالف ؟ لقد انتهت تصفية ثورة الشعب المصري بالنجاح. وستصفي روسيا ثورة القذافي. وسينجح الإخوان في اليمن بتصفية أعدائهم من الشباب الثوري. ولن يخرج الرئيس المخطوف إلا بعد موافقته على خطة البغل القطري الأمريكية الإسلاموية. فليستسلم النظام السوري لأمريكا مباشرة، قبل أن يضطر للإستسلام لياسين الشيخ صالح، المبشر الليبرالي الأمريكي، وللبنايوني، وسهر الأتاسي، وطاقم الجزيرة والملك الأردني وتسيبي ليفني، أو ليقد شعبه وينزل إلى الشارع في ثورة شعبية ضد المذكورين وأمثالهم، ربما تنجح في تغيير المشهد إلى ثورة عربية حقيقية.