صورة الجزيرة

صورة الجزيرة القناة المعادية

خالد ابو خالد

عندما ظهرت قناة الجزيرة، أدهشت ببرامجها الكثيرين.. وراقب مسارها كثيرون أيضا في محاولة لتبين أهدافها الكامنة وراء هذا الإبهار، وأول ما لفت الانتباه هو شعارها / الرأي.. والرأي الآخر / وقد تمثل هذا الشعار في صيغتين:

الأولى، هي برنامج الاتجاه المعاكس الذي حاول أن يبرهن على عجز العربي عن محاورة العربي وانعدام أية إمكانية للوصول إلى قواسم مشتركة بينهما ولو في حدود الحد الأدنى لأنها استضافت دائما في هذه البرنامج نقيضين الأول وطني تقدمي أو عروبي تقدمي والثاني متصل بجهات معادية للتقدم، والتطور العربيين وكان هم البرنامج هو الوصول بالمتحاورين إلى نقطة الصدام التي قد تصل أحيانا إلى حد التشابك بالأيدي..

أما الصيغة الثانية،  فتتمثل في منح الفرصة لمعلق صهيوني للتعليق على أي خبر يتعلق بفلسطين، والحركة الصهيونية أو حركة التحرر العربية، وكانت تعطى للمعلق الصهيوني فرصة طويلة أو قصيرة لكن من أهدافها الأساس.. هو إدخال هذا الصهيوني إلى البيت العربي حيث جهاز التلفزيون بحيث أصبح كل هذا يقع في باب التطبيع بحيث يتعود المشاهد العربي على أن الوجود الصهيوني في منزله إنما هو أمر واقع وأن الحوار معه قابل للمارسة مهما كان الموضوع دقيقا أو خطيرا… وبهذا تحقق للجزيرة ما ارادت على امتداد سنوات منذ ظهورها…

وكان لابد لقناة الجزيرة أن تراكم في رصيدها حدا أدنى أو أعلى من المصداقية في عدد آخر من البرامج فهي ومنذ غزو الأمريكيين لافغانستان حاولت عبر مراسليها أن تقدم مقدارا من التعاطف مع الأفغان.. بحيث بدات تبني علاقة مع المشاهد العربي قابلة للنمو.. بما يكفل لرصيدها من المصداقية أن ينمو.. وهكذا حتى حلت الكارثة في غزو الأميريكيين للعراق فسقطت مصداقية الجزيرة مرة واحدة إذ اكتفت بنقل ما يشبه الصورة الثابتة على مدى أيام و اسابيع، دون ادنى حد من التعاطف مع الشعب العراقي حتى أنها لم تقدم أدنى حد من التعاطف مع الشعب العراقي أثناء الحصار الذي يجب أن يعتبر في حينه مستوى من مستويات الحرب.

ولكي تستعيد الجزيرة رصيدها.. انتهزت فرصة الذكرى الستين للنكبة العربية في فلسطين لتقدم صورة توثيقية لمجريات النكبة.. والانتفاضتين الاولى والثانية في سياق رؤيتها للثانية، لكنها ظلت دائما في سياق مشروع ” الدولة الفلسيطينة ” كمشروع يتأسس على اتفاق أوسلو.. وهكذا رفعت رصيدها مرة أخرى لدى المشاهد العربي أو حاولت أن تكون صوتا فلسطينيا وطنيا بلغ  ذروته في الحوارات التي أجرتها حول وثائق ” ويكيليكس” التي صورتها كما لو كانت فضيحة الفضائح وقد كانت كذلك بالفعل لكل من لم يتابع من قبل لقاءات وتصريحات جماعة أوسلو التي سبقت تلك التسريبات بسنوات فقد كانت جماعة أوسلو وكما تعودنا على وقاحتها تعلن مما تسرب من الموقع في مناسبات وفترات سابقة وعلى الرغم أن تلك الوثائق لم تأت بجديد إلا أن الجزيرة عادت واعتذرت عن ذلك البرنامج (الفضائحي ) على لسان مراسلها / عارف حجاوي / الذي أبلغ تلفزيون فلسطين عبر شاشته قبل اسابيع بأن الجزيرة أدركت خطأها وأن سيء الصيت والسمعة / صائب عريقات / كان موفقا وقويا في رده على التسريبات عندما ناقشته الجزيرة في تللك التسريبات إلى أن جاءت حركة الشارع التونسية ومن بعدها المصرية. فراحت قناة الجزيرة تحاول أن تركب الموجة وان تبدو وكأنها تقف إلى صف هاتين الحركتين وراحت تستضيف على شاشتها اصحاب المواقف الإيجابية فزاد الحال من ارتفاع منسوب رصيدها لدى المشاهد العربي على الرغم من بعض السقطات وقد لاحظنا على امتداد هذه الأشهر كيف حضر السياسيون العروبيون والتقدميون على شاشتها وهم الذين غابوا لصالح موقف رمادي تتسم به تلك القناة… إلى أن سقطت مرة أخرى في معالجتها لمجريات الأحداث في ليبيا وسورية.. حيث روجت لتدخل حلف الأطلسي في ليبيا وسوقت هذا التدخل العسكري من خلال عسكري مهترىء هو صفوت الزيات الذي بدأ يشير إلى ضرورة التدخل بالطيران الأطلسي لتمهيد الطريق أمام المجلس الانتقالي وراح هذا المعتوه يقدم للمشاهد ألعابا كومبيوترية مشيرا من وقت لآخر إلى أن تدخل الطيران والهلوكوبتر تحديدا هو الأقدر على مساندة المسلحين التابعين للمجلس الانتقالي ولأن الزيات قد أفقدها الكثير من رصيدها نحته الآن واكتفت بمراسليها على أرض ليبيا.. وهاهي الان تتابع وتضخم ما ينقله لها شهود العيان على أرض سوريا… كما تواصل تقديم صورة مزيفة أو ملعوب بها بواسطة الفوتوشوب / أو / المونتاج / بهدف التجييش والتحيد ضد أية إمكانية للحوار بين السوريين وغدا واضحا أن الجزيرة ليست سوى صوت مبرمج لحلف الأطلسي والحركة الصهيونية بقيادة أمريكا…

وهاهي الآن تعود لتسوق لموضوعة ( الدولة الفلسطينية ) لحساب جماعة أوسلو.. كما سوقت لما سمي بالمصالحة على هذه الأرضية، وهاهي تسوق  لاختزال الخلاف بين فتح وحماس في خلاف على شخصية / سلام فياض / وليس على أساس الثوابت.

لقد أسهمت قناة الجزيرة في محصلات ما تقدمه حول فلسطين في أطروحة ما يسمى بالدولة الفلسطينية على ارضية أوسلو وليس من الصعب تصور خطواتها التالية بعد هذا السقوط المريع من مستوى الإعلام.. إلى مستوى الإعدام لكافة القضايا العادلة لأمتنا العربية.

نقول ليس من الصعب تصور ماهية ما هي مقدمة عليه في مقبل الأيام.. فهذه القناة بشعة بشاعة مفكريها ومنظريها ومحرريها.. ولعل عزمي بشارة واحد من هؤلاء..