الإصلاح السياسي في الاردن:

 

 

الإصلاح
السياسي في الاردن:

المطالب
الشعبية في الاصلاح

د. مهندس
سفيان التل

مقدمة

منذ
عدة سنوات وانا على اتصال مع التجمعات الشعبية في مختلف انحاء الاردن. وقد شملت
هذه الاتصالات والاجتماعات زيارات ميدانية لكل من معان والكرك والعقبة والطفيلة
والرمثا واربد وكفرسوم والاغوار ومادبا والزرقاء والرصيفة وعدد من المخيمات. كما
عُقدت اجتماعات وزيارات متكررة في عمان، حضرها وشارك فيها العديد من النشطاء
السياسيين والفعاليات الشعبية، وقد كنا نعد اوراق عمل، ونعدلها، بعد ان نتبادل
الراي ونستمع لجميع التعليقات ووجهات النظر المختلفة، بغض النظر عما اذا كانت
وجهات النظر هذه، متواضعة او معتدلة او متطرفة. وقد كان الاخفاق الرسمي والتراجع
الذي اقترب من حدود الانهيار، في المجالات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية، هو
موضوع البحث والحوار الدائم.

 

التشخيص

بما
ان التشخيص الحقيقي  والصحيح للداء هو اهم عنصر من عناصر العلاج ووصف الدواء،
فبإمكاننا تلخيص اراء القوى الشعبية والفعاليات الوطنية التي تم التفاعل معها
لتشخيص الوضع القائم، بان هناك شبه اجماع، على ان البلاد كانت ومازالت تدار بنظام
الحزب  الواحد، حزب الاجهزة الامنية، الذي احتكر السلطة واحتكر مزاولة
العمل السياسي والاداري، ولم يسمح لاي مفكر او ناشط، ان يدخل الى هذا القطاع.
وبذلك حرم ابناء الامة الوطنيين، من فرصة اكتساب الخبرة في العمل السياسي، وتم
اختصارها على الاجهزة الامنية والعاملين تحت مظلتها، اوالمتلقين لتعليماتها، وقد
لجأت هذه السلطات الى ارهاب حقيقي لكافة فعاليات الامة، التي لم تستسلم لبرامجها
ومخططاتها. فلاحقتهم في التعين في العمل،  والوظائف،  والترفيعات، والرواتب،
والتعلم والتعليم، والعلاج، والتقدم في العمل، وتحقيق الطموحات. وحتى الذين هربوا
من العمل في القطاع العام، تجنبا لهذه الملاحقات،لاحقوهم في القطاع الخاص،
وحاربوهم في اعمالهم وارزاقهم وتراخيصهم واستثماراتهم.  وكان من الواضح انهم 
يريدون ان يوصلوا رسائل، بان لا مكان في هذا البلد، لمن لا ينضوي تحت مظلتهم، وأن
النجاح  في القطاعين العام والخاص امر مرهون بارادتهم. وقد سخروا الاعلام الرسمي
وكثيرا من الوسائل الاخرى، كالتعتيم والتلميع وتشويه السمعة وقلب الحقائق، لخدمة
اغراضهم. وقد تم كل هذا على حساب عمل الاجهزة الأمنية والذي كان يفترض ان يكون
مجاله في ساحات اعداء الامة، بدلا من ان يكون في صفوف ابناء الأمة.

        وكذلك
فقد نجحوا في تدريب وفرض فئة من السياسين على نهج امريكي مبرمج، لمزاولة الخصخصة،
ولكنهم في حقيقة الامر باعوا باسم هذا التوجه كل مقدرات الامة وبنيانها الاساس.
ولعل ذلك كان برنامجا معدا بعناية، للعمل على تصفية الاردن وفكفكته،  بعد تجريده
من  مقومات الدولة. وذلك كجزء من مشروع الشرق الاوسط الجديد.  ولهذا الغرض شجعوا
وتبنوا الفساد والافساد، فاخذ المرؤوسون يسارعون في النهب والسلب اقتداء برؤسائهم،
حتى اقتربت الحالة الاردنية، من حالة الاتحاد السوفياتي زمن الانهيار، والتي افرزت
المافيات التي باعت مقدرات الاتحاد وسطت على ثرواته.

 وفي
هذا الاتجاه استهدف الجيش الاردني لابعاده عن دوره الرئيس  في حماية الوطن وافقر
الجنود والمتقاعدين العسكرين. وباتجاه  معاكس توجهوا لخلق وتقوية الدرك وتدريبه
على ما اسموه مكافحة الشغب.

        وكذلك
فقد استهدف المجتمع لخلخلة بنيانه وتماسكه وتم تشجيع وتحشيد التوجهات الاقليمية
والعشائرية والجهوية والطائفية، وما دون ذلك. وانشأوا لها مدارس وبرامج ومنفذين.
واستهدف قطاع التربية والتعليم والجامعات   فحولوها الى مسارح لتنفيذ هذه التوجهات،
واستهدفت النقابات والجمعيات وهيئات المجتمع المدني، وكل اشكال التنظيمات الوطنية،
واستعيض عنها بالتنظيمات المبرمجة  والممولة  والمدعومة خارجيا، واستبعد  المفكرين
والمخططيين والاصلاحيين وقادة التنظيمات الشعبية والوطنية، وتم ملاحقتهم، واستعيض
عنهم بفئات متهافتة، وتنظيمات للحزب الواحد،    وتلقت بدورها  كل اشكال الدعم
الداخلي والخارجي، وفتحت لها الابواب للجلوس في  مواقع القيادة واتخاذ القرار،
والذي غالبا ما يأتيها جاهزا للتوقيع. وهذه الفئات في حقيقتها غير مؤهلة لا
للقيادة ولا لاتخاذ القرار.

 

مطالب
ام حقوق

بالرغم
من ان العنوان الذي اسند الي  للكتابة به هو (المطالب الشعبية للاصلاح) الا انني
احب ان اؤكد بداية، ان التحركات والفعاليات الشعبية اخذت تتحدث عن  حقوق وليس عن
مطالب. وعن انتزاع الحقوق وليس المطالبة بها. ومن هذا المنطلق فسوف احاول ان الخص
رؤيا التحركات الشعبية   لحقوقها المسلوبة،  والتي  تقف  بينها وبين الاصلاح
الحقيقي.

 

الاولوية
الاولى:

وهي
الاولوية التي لا يتم اي اصلاح بدونها وهي:  رفع يد الاجهزة الامنية عن الحياة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجامعية والنقابية والاعلامية والثقافية
والمدنية وحل كافة التنظيمات والاحزاب التابعة لها.    اوالتي تعمل بتوجيهاتها
وتمويلها ودعمها.  وباختصار حل نظام الحزب الواحد وكافة تشكيلاته التي تعمل في
الخفاء. وعودة هذه الاجهزة الى دورها الطبيعي في خدمة الوطن وحمايته.

والتفسير
المنطقي لهذه الاولوية، اننا  لو نجحنا باقرار قانون انتخاب عصري وبتوافق وطني،
وكذلك لونجحنا باقرار قانون احزاب، وبقيت هذه الاجهزة مكانها وبقوتها وفاعليتها،
لستمرت تزاول   تشكيل الاحزاب وتزوير البرلمات وتشكيل الحكومات، كما كانت الحال
منذ قيام المملكة. وبالتالي فهذا يعني ان الحراك الشعبي والدعوة للاصلاح لم يحققا
اي نجاح.

 

الاولوية
الثانية:

التأكيد
على عدم مشروعية البرلمان الحالي وحله واقالة الحكومة، حيث ثبت ومن خلال تصرفاتهما،
انهما يتسارعان من السيئ الى الأسواء. وتشكيل حكومة انقاذ وطني، لا تضم اي رمز من
رموز عهد الفساد.

تتولى
هذه الحكومة ادارة البلاد لمرحلة انتقالية، تؤسس لتشكيل مجالس شعبية وطنية
انتقالية، تضع اللأسس والاطر اللازمة لتعديل الدستور، وانشاء محكمة دستورية،
وقانون للاحزاب، وقانون للانتخاب، ليتم التوافق عليها وطنيا.

 

الاولوية
الثالثة:

الدعوة
لمؤتمر وطني حقيقي لا صوري ولا وهمي، يضم الرموزالحقيقية لهذا الوطن، يعمل لاقرار
الدستور، وانشاء المحكمة الدستورية، وقانون الاحزاب، وقانون الانتخاب. ولتشكل هذه 
جميعها، استراتيجية وطنية حقيقية، تعمل على تنمية المستقبل السياسي للاردن، واعادة
سيطرة الدولة على مواردها وقطاعاتها الاساس، واستعادة ما تم بيعه من ثروات ومؤسسات
وشركات القطاع العام، واستعادة اراضي الدولة وكل ما ترتب على بيوعها وتفويضها
لغيرالمستحقين.

 

الاولوية
الرابعة:

فتح
حقيقي لكل ملفات الفساد، وتحويلها الى القضاء الاردني العادل، وليس الى اي جهة
اخرى ترتبط بالسلطة التنفذية، ومحاكمة المسؤولين، واسترداد الاموال المنهوبة. والغاء
كافة الخطوط الحمراء والحصانات التي يتستر خلفها كبار الفاسدين.

 

الاولوية
الخامسة:

ابطال
معاهدة وادي عربة وكل ما ترتب عليها من مشاريع اقليمية مع العدو الصهيوني،
والتأكيد على ان للاردن عدو مركزي واحد هوالعدوالصهيوني.

 

الاولوية
السادسة :

اعادة
بناء قدرات الاردن القتالية والجيش، وحصر  مهمته في حماية الوطن، حسبما نصت عليه
المادة 127 من الدستور والتي تقول: ” تنحصر مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن
وسلامته “

 

الاولوية
السابعة:

وضع
خطة انقاذ وطني للنظام الجامعي والتعليمي والتربوي، باساتذته ومعلميه ومناهجه
ومدارسه، تتضمن ايضا مجانية التعليم في كل المراحل. ورفع كل التحفظات الموضوعة 
على تأسيس نقابة المعلمين وعلى رأسها حرمانهم من التدخل في السياسة التعليمية.

 

الاولوية
الثامنة:

اعادة
النظر بالهياكل الادارية للدولة، وارساء  قواعد المساواة الحقيقية في الحقوق
والواجبات، لكافة الاردنيين، مبنية على الكفاءة وليس المحسوبية اوالولاء، وتشمل
هذه المساواة، الوظائف والتعليم والترفيع والتامين الصحي والضمان الاجتماعي والحق
في الماء والغذاء والكساء والمسكن وكافة الحقوق المدنية وحقوق الانسان. ووقف
التحشيد الاقليمي، والجهوي، والطائفي، بين شرائح الامة واثارة بعضها على بعض،
وتجريم كل من يثير الفتنة الاقليمية والجهوية والطائفية.

 

الاولوية
التاسعة:

تأسيس
اتحادات ديمقراطية، على مستوى الاردن، للشباب والطلاب والعمال والزراعيين، بعد رفع
يد  الاجهزة الامنية عنها، والتوقف عن تدريبهم خارج البلاد، في مؤسسات مشبوهة، تصب
في خانة التطبيع مع العدو الصهيوني وخدمة اهدافه.

 

الاولوية
العاشرة :

انهاء
كل اشكال التعاون الامني الاقليمي والدولي، في ما سمي بمكافحة الارهاب، والذي
استخدم عمليا لقمع الحريات والتضييق عليها، وغسيل العملات والعمل المشترك بين
المافيات والمجموعات السياسية المتنفذة.

 

الاولوية
الحادية عشر:

اطلاق
سراح كافة المعتقلين على خلفيات غير جنائية، مثل معتقلي معان وكل من اعتقل بتهمة
مجابهة العدو الصهيوني، والاحتلال الامريكي في العراق.

 

الخاتمة:

ان
الاولويات التي اشرنا اليها، وبالرغم من انها خطوط عريضة، لا يسمح المجال للدخول
في تفاصيليها، الا انها تبقى الطريق  الضامن والآمن، لبناء دولة مدنية حديثة، 
قائمة على الفصل الحقيقي للسلطات، بما يمنع تغول السلطة التنفيذية، او اي فرد على
السلطتين التشريعية و القضائية.  كما يضمن التداول الحقيقي وليس الوهمي للسلطة،
وعدم احتكارها من اي جهة كانت، سواء داخلية او خارجية،  كمل تضمن سن قوانين
وتشريعات ديمقراطية للانتخابات والاحزاب و قوى المجتمع المدني، وتطويرها حسب
مستجدات العصر، وتضع حدا للتغول على المال العام، وتضمن ملاحقة الفاسدين وتقديمهم
للقضاء، واسترداد اموال الامة.

        كما
وتضمن هوية الاردن العربية، وفك التبعية، ومواجهة الخطر الصهيوني، وتعزز ثقافة
المواطنة والمساواة، والعدالة، والتحرر من الخوف، والولاء للافراد بدلا من الولاء
للوطن.

وبذلك
يكون الشعب حقيقة هو مصدر السلطات وليست الاجهزة الامنية  مصدر السلطات والمتغولة
عليها، كما هي الامور في البلاد حتى هذه اللحظة.

        ان
الاجهزة الأمنية التي نجحت في حشد الهتافات وبناء المضارب و الصيوانات، عليها ان
تدرك انها فشلت في بناء الوطن والمواطن.

        وفي
حال اذا ما اصرت على الاستمرار في   مزاولة الارهاب في هذا الوطن وملاحقة ابنائه، 
ورفض ما اوردناه من توجهات القوى والفعاليات الوطنية،  او المناورة اوالتحايل
بالتفاف عليها، وشراء الوقت لتعزيز نفوذها وسيطرتها، في انتظار الدعم الخارجي
والاقليمي، فانها تكون هي التي اختارت المواجهة بينها وبين الشعب، الذي لن يبقى له
خيارا الا التوقف عن المطالبة بالاصلاح واحقاق الحقوق، وسيكون مضطرا لرفع شعار
التغيير.

:::::

ورقة
الدكتور سفيان التل في حلقة نقاش الإصلاح السياسي في الاردن ـ مركز دراسات الشرق
الاوسط ـ عمان، 3-7-2011.
ادار الحلقة وشارك فيها دولة الاستاذ احمد
عبيدات.

غطت
صحيفة الغد اخبار الحلقة في عددها الصادر بتاريخ الاثنين 4 تموز

صفحه
12