من اجل السلطة.. اقتحموا المحرمات.. وأُفشلوا..!!
العميد الدكتور امين محمد حطيط
يتوقف المراقب في الساحة العربية اليوم عند “الصحوة الشعبية” طلبا للاصلاح ويدقق باساليب الدعوة اليه واكثر ما يفاجأ بسلوك البعض الذي لا يرى غضاضة الفتك بالوحدة الوطنية وتعريض الامن والاقتصاد الوطني لافدح المخاطر ثم الارتهان كليا للخارج واستدعائه لاحتلال بلده وصولا الى جعل العدو قيما على امره، يرتكب ذلك بحجة تغيير السلطة لاقامة البديل الذي يحقق الاصلاح المنشود متناسيناً ان شرف الوسيلة من شرف الغاية، وانه لا يمكن بناء سلطة وطنية بيد اجنبية او باقتحام المحظورات الوطنية والمحرمات القومية، فلقيام السلطة اصول ولاستمراها قواعد.
فالسلطة كما هو معروف في الفقه الدستوري والعقد الاجتماعي هي العنصر الثالث الذي لا بد منه لتشكل الدولة بالمفهوم القانوني بعد الشعب (العنصر الاساس في الدولة) وغايتها مصلحة هذا الشعب القائم على ارض اختارها او وجد عليها، وتبني السلطة مشروعيتها على الارادة أو القبول الشعبي، وتثبت مشروعيتها بالعمل لمصلحة الشعب في وجوده حماية وامنا وفي عيشه تحقيقا للمتطلبات بعد ان تطورت فكرة الدولة من “الدولة الشرطي” التي تكتفي بتحقيق الامن وحفظ الحياة الى “الدولة الرحمن” التي تعمل لتسهيل الحياة عبر توفير ما امكن من احتياجات.
لكن السلطة في بلداننا التي قسمها المستعمر وفقا لاهدافه وللاسف، اريد لها ان تكون عكس ذلك، حيث فرضت على الشعب لتكون اداة للخارج لتحقيق مصالح الاجنبي، واما القليل من الدول التي تمردت وقامت فيها سلطة تستجيب للنبض الشعبي خاصة في طموحه الاساس من الكرامة و القرار المستقل والامن الثابت والتمسك بالحقوق، فقد واجهت وتواجه من الغرب المستعمر اعتى المؤامرات والحصار لاعادتها الى دائرة التبعية والارتهان للغرب.
واليوم و مع ما يسمى “الربيع العربي” تشهد الساحة العربية حراكا متناقض الطبيعة والاهداف والادوات في مسار البحث عن انتاج السلطة الى الحد الذي يمكن من القول بوجود التناقض الكلي بين مكونات هذا الحراك، تناقضا بين طالب اصلاح وسلطة لخير الشعب، وطالب سلطة تخضع الشعب من اجل الخارج. فاذا كان طلب الاصلاح امر مشروع ومطالبة السلطة القائمة بالاصغاء الى الشعب امر بديهي حتى تستمرمتمسكة بمشروعيتها فان الذي يصعق المراقب هو مشهد يرى فيه بعض من يدعي “العمل لخدمة الشعب”، نجده يسلك الطريق الى السلطة مقتحما المحرمات التي اجمع الشعب على عدم مقاربتها، ومتجاوزا المحظورات التي حددها ومنع المس بها تحت اي عنوان او اعتبار.
وهنا نجد بعض “دعاة الثورة”، في اكثر من بلد عربي لا يتورعون عن طرق باب الخارج حتى العدو الاكيد، من اجل الوصول الى السلطة، و”يهب الاجنبي المتدخل” او “المستعان به” الى ” النجدة” عبر قرارات التدخل الدولي وانشاء المحاكم او ارسال اسلحة القتل وارتكاب المجازر في صفوف المدنيين وهو مشهد مروع نراه الان في لبيبا حيث “يرشد ثورتها مفرزة صهيونية” وتدير نارها غرفة عمليات اطلسية قتلت فيها حتى الان المئات من الابرياء المدنيين بالنار الاطلسية، وتدفع الى حرب اهلية لا تنتهي الا بالتجزئة والوهن الوطني.
او كما يراد لسوريا حيث لم يتورع “دعاة الثورة” عن طلب تدخل عسكري اجنبي في بلادهم لا لتحرير الجولان الذي تحتله اسرائيل بل لقتل الشعب الذي يحتضن الحركة الاصلاحية التي يقودها رئيس الدولة، كما يطالبون بالعقوبات الاشد على دولتهم من اجل تجويع الناس وافقارهم، ولا يترددون بطلب هذا التدخل من على الشاشات الاسرائيلية او عبر تنظيم المؤتمرات برعاية صهيونية كاملة، تحريضا على وطنهم الذي اكتشف فسادهم وانتهاكهم للوحدة الوطنية فلفظهم وينتقمون اليوم منه بالارتهان للحركة الصهيونية العالمية التي هجرت شعب فلسطين، وزعزعت استقرار المنطقة واهدرت طاقاتها، ارتهان افتضح اخيرا بذاك المؤتمر الذي جمع بالامس في فرنسا صهاينة وسوريين مارقين يتوسلون السلطة من الصهيونية والغرب مهما كان الثمن.
ولا يختلف المشهد كثيرا في لبنان، حيث لم يجد طلاب السلطة من جماعة ما يسمى “ثورة الارز” حرجا في التنازل عن السيادة اللبنانية و توقيع معاهدات وبروتوكولات امنية وقضائية خاصة ليس اقلها ما اسمي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولا يتردد من بقي منهم اليوم في هذا التجمع المتهاوي، الطلب من الخارج كل الخارج بما فيه اسرائيل واميركا، مقاطعة الحكومة اللبنانية ومحاصرة الشعب اللبناني والتضييق عليه في نقده ولقمة عيشه من اجل العودة الى السلطة التي اخرجوا منها بقرار الاكثرية الشعبية والنيابية.لكن هؤلاء يبدو انهم يتجاهلون او يتناسون الحقائق التالية:
ـ ان المحكمة التي يعولون عليها هي محكمة ولدت خلافا للشرعية الوطنية والدولية، وانها عاجزة عن فعل اي شيء في الداخل اللبناني، مهما علا صراخهم وعويلهم، وان النظرة الوطنية الى المحكمة باتت تماما كالنظرة ذاتها الى تشكيل عسكري اسرائيلي باعتبارها “الكتيبة القضائية” في جيش العدو الاسرائيلي، وان من يؤدها يصنف نفسها قل ان يصنفه الاخرون ثم ان عجزها حيال المقاومة سيلاقي عجز الجيش الاسرائيلي نفسه.
ـ لن يكون بمقدور ما يسمى “المجتمع الدولي” فعل اي شيء ضد لبنان وهو يعرف ان بيد لبنان اوراق كثيرة يرد بها على اي قرار ظالم بحقه بدءا من الموقف من القرارا 1701 الذي تستفيد منه اصلا اسرائيل.
ـ ان لبنان ليس جزيرة معزولة في المسرح الاستراتيجي المشرقي الذي تعول عليه اميركا في مصالحها الكونية، وان للبنان في مقاومته وتحالفاته من القوة ما يستطيع ان يرد به بما يحفظ حقوقه وفي اعلى مستوياتها.
ـ ان زمن تنصيب الحاكم في لبنان بيد اسرائيلية او اميركية زمن ولى ولن يعود خاصة مع وجود هذا التفاهم الوطني المتماسك والمتنوع طائفيا ومناطقيا وعقائديا، تفاهم يملك الاكثرية الشعبية ويؤكد صحة ما قاله العماد ميشال عون بانه قادر على لي الذراع الاجنبي في لبنان حتى ولو كان اميركيا.
ـ ان سلاح المقاومة بات خارج اي بحث وبات ممتلكاً للقوتين و للشرعيتين: قوة الحق و قوة السلاح ثم الشرعية الطبيعية (وهي اصلا كافية) باعتباره ترجمة لحق الدفاع المشروع عن النفس المستمد من القانون الطبيعي، وللشرعية القانونية الدستورية الرسمية بموافقة مجلس النواب اللبناني المتكررة على كل البيانات الوزارية التي تؤكد على حق المقاومة وسلاحها.
مع هذه الحقائق قد يجد العاقل ان الطريق السليم والآمن في لبنان لمن خرج من السلطة، هو في الاقرار بان الخارج لا ينصب حكاما بعد اليوم، وان الخارج لن يقدر على المقاومة وسلاحها، وان تلفيقة “العدالة الدولية” لن تمس المقاومة ولا جمهورها، والان بعد الثقة التي نالتها الحكومة التي اسماها من تبقى من “14 اذار” حكومة المقاومة وجبهة الممانعة واعتقد انها ستحمي المقاومة وتمانع من يستهدفها، فان الطريق الوحيد المجدي والمفتوح امام هؤلاء، هو التوقف عن الرهان على الخارج والحوار مع شركاء الوطن حماية للوطن، والا فان الخسارة ستصيبهم هم اولا وقبل اي احد وعندها سيدركون ان اميركا والصهيونية العالمية لن تكون هي السلطة في لبنان، كما لن تكون في سوريا هي صاحبة القرار ولكن يكون الاوان قد فات.