ليبيا ومغامرة ساركوزي الخطيرة
د. منذر سليمان
توقعنا في هذه الزاوية منذ بداية الحرب الدائرة في ليبيا بانها ستطول وقد تتحول الى نوع من المراوحة والتوازي بين قوى المتمردين والنظام، وحذرنا من مخاطر التدخل الدولي عبر حلف الناتو عدا عن توقع عجزه عن الحسم العسكري رغم التفاؤل المفرط الذي ابداه اغلب رموز المعارضة في الداخل والخارج من الذين رحبوا وطالبوا بالتدخل العسكري الخارجي. وبعد انقضاء عدة أشهر شهدت كرا وفرا بين المتحاربين واستغلالا لقرار الامم المتحدة لتبرير حرب الناتو التدميرية ، تحدث بعض التطورات والتغييرات الطفيفة على مسرح المعارك وتبرز تصدعات وخلافات داخل المجلس الانتقالي وحلف الناتو حول التوجهات القادمة. واستطاع العقيد القذافي النجاة من محاولات الاغتيال المتكررة التي تشنها طائرات الناتو رغم نفيهم لاستهدافه. ويحصد الشعب الليبي نتائج الوضع الخطير لاستمرار نظام استبدادي وتبعية قوى معارضة مرتبط اغلبها بالدول الاجنبية الطامعة بثروة البلاد ومقدراتها.
وتشكل الحالة الليبية المأساوية تكرارا معدلا للتجربة العراقية الكارثية باقدام المعارضة على الاستنجاد بقوى خارجية للتخلص من استبداد داخلي فتحصد ارتهانا لاستبداد خارجي. التطور الاخير الملفت هو اقدام فرنسا على التحرك المنفرد خارج نطاق حلف الناتو لدعم المتمردين عسكريا بعد عجز الحلف عن تحقيق حسم عسكري، وتلكؤ ادارة اوباما في قيادة الحلف والانخراط بعمل عسكري واسع النطاق تدرك تعقيداته ومخاطره خاصة وان تقييم استخباراتها رجح عدم انهيار سريع لنظام القذافي او القوات العسكرية التابعة له.
على صعيد آخر اشارت بعض التقارير الصحفية الاميركية الى مشاركة حوالي مائة من القوات الخاصة المصرية في تقديم الدعم للمتمردين بالاسلحة والتدريب. واشارت مؤسسة ستراتفور الاستشارية الامنية الى ذلك. واكدت التقارير الصحفية ايضا ان المعونات العسكرية الفرنسية للمتمردين ترسل الى مناطق في جنوب طرابلس، بهدف توفير الدعم لهم ليتمكنوا من شن هجوم على العاصمة والتخلص من القذافي ونظامه. ويعتقد ان العتاد العسكري الذي يتم انزاله بالمظلات في منطقة جبال نفوسة يشمل على راجمات صواريخ ومدفعية وصواريخ مضادة للدبابات وبنادق. ويعبر الموقف الفرنسي عن رغبة ساركوزي بتحقيق نصر عسكري سريع ليحصد نتائجه انتخابيا في الداخل الفرنسي، ولتعزيز دور فرنسا مع اي حكم قادم بديل لنظام القذافي والاستفادة من مخزونات الطاقة وبرامج اعادة الاعمار في ليبيا.
ويذكر انه تم اعداد بعض المدارج لهبوط طائرات نقل عسكرية، في الوقت الذي تشير بعض التقارير الى تزويد المتمردين حتى الآن بما يزيد عن 40 طن من المعدات . وذكرت مصادر في العاصمة الفرنسية الحاح ساركوزي على القادة العسكريين لتحقيق انتصار عسكري ميداني ينسب للفرنسيين لكي يتفاخر فيه في موعد احتفالات عيد الثورة الفرنسية في 14 تموز/يوليو الجاري. وتسربت معلومات عن العسكريين تشير الى امتعاضهم الشديد من نزوات ساركوزي النابعة عن اوهام امبراطورية بتحقيق مهمة شبه مستحيلة، خاصة وانه يكثف من نشاط القوات الفرنسية العسكري في ليبيا من دون اعلام حلفائه في الناتو، فالمروحيات الفرنسية تشن غارات مكثفة، ونظمت الاستخبارات العسكرية عملية سرية اطلق عليها ” جسر الرمال” لنقل قوافل الشاحنات المحملة بالاسلحة انطلاقا من النيجر. ولكن توفر المعدات العسكرية للمتمردين لن يساعد في حسم المعركة لان معظم الافراد يحتاجون الى دورات تدريبية مكثفة قد تستغرق اسابيعا او شهورا.
تشكل هذه الخطوات بالاضافة الى معظم الاعمال العسكرية لحلف الناتو في ليبيا انتهاكا فاضحا لقرار مجلس الامن 1973 المتعلق بذريعة حماية المدنيين. يبدو ان تصرف ساركوزي ينبع من خيبة امله واقتناعه بعدم جدوى حملة الناتو، ويحاول التعويض عن العجز بخوض مغامرة التصعيد المنفرد لشن ما يعتقده الهجوم الاخير لاسقاط القذافي. وقد تقوده هذه المجازفة او المقامرة الى المزيد من التوغل في العمل العسكري واستخدام القوات العسكرية الفرنسية الى جانب المتمردين، وقد يكون من ضمن حساباته ايضا ان اظهار الاستعداد لذلك قد يدفع بالوساطات الدولية والاقليمية الى احداث اختراق بالتوافق على اجراء مفاوضات لانتقال سلمي للسلطة في ليبيا، او تشجيع بريطانيا واميركا على المشاركة في تدخل عسكري اوسع لقواتهما يشمل القوات البرية لتحقيق الحسم العسكري المنشود.
:::::
المصدر: التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية ـ http://www.thinktanksmonitor.com
د. منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي.