كيف نحمي ثروتنا في المنطقة الاقتصادية البحرية
العميد امين حطيط
عندما وقع لبنان قانون البحار وانظم للاتفاقية الدولية التي رعتها الامم المتحدة والتي باتت نافذه منذ العام 1994، لم يكن يعلم بان في المنطقة الاقتصادية التي حددها القانون ب 200 ميل بحري تلي ال 12 ميل بحري المعتبرة مياهاً اقليمية، لم يكن يعلم ان في هذه المنطقة كنوز من نفط وغاز تغير واقع لبنان الاقتصادي والمالي لا بل الاستراتيجي ان استخرجت استثمرت لصالح الدولة، لذلك لم يجد لبنان الرسمي كما يبدو حاجة للتحرك ووضع الخرائط والتشريعات التي تحدد تلك المنطقة.
لكن الامر تغير في العام 2007 مع اكتشاف حقول نفط و غاز في مقابل الشاطئ الجنوبي للبنان الممتد من عدلون الى الناقورة وعلى مسافة تتراوح بين 40 ميل و 80 ميل بحري وعلى اعماق تراواح بين 50 و 125 متراً، حيث ظهر ان الشاطئ الشرقي للمتوسط خاصة الشاطئ اللبناني الفلسطنيني والمنطقة الاقتصادية للبنان وفلسطين المحتلة تحتوي على 3 حقول نفط وغاز قد يصل انتاجها السنوي الكلي الى ما يقدر ب 26 مليار دولار وان ما يقع منها في المنطقة الاقتصادية اللبنانية يقدر مردوده المالي بما يتراوح بين 5 الى 9 مليارات، هنا نشأت الحاجة الى الاسراع في القيام بما يفرضه قانون البحار من وضع للتشريعات الداخلية ورسم خرائط المنطقة الاقتصادية وايداعها الامم المتحدة حسب الاصول، مع امكانية عقد الاتفاقيات الثنائية الناظمة للعلاقة بين دول الجوار التي تشارك لبنان في حدود المنطقة الاقتصادية تلك، وهنا يكون من البديهي النظر الى سوريا وقبرص واسرائيل التي تغتتصب حاليا فلسطين.
لكن لبنان وفي ظل سلطة مهتزة في العام 2007، اجرى محادثات مع قبرص توصلت الى اتفاقية لم تراع الحقوق اللبنانية، ولم يعرض الامر مع سوريا نظرا لم تسببت به السلطة اللبنانية من اساءة للعلاقات معها، اما اسرائيل فقد كان طبيعيا ان لا يجري لبنان مفاوضات معها طالما ان العداء هو الحالة التي تسم العلاقة بها . لكن الادهى من كل ذلك هو ان تلك السلطة اهملت كليا مسألة وضع التشريعات والانظمة والخرائط الواجب تنظيمها وايداعها لدى الامم المتحدة حتى كان العام 2010، وكان تبدل في واقع الاستئثار في السلطة وقيام مشاركة محدودة فيها جعلت تياراً سياسي معارضاً يصل الى وزارة الطاقة ويقف على مخاطر الاهمال في ترك الموضوع فبادر الى المعالجة لكنه اصطدم مرة اخرى بعوائق وضعت في طريقه من غير سبب الا علاقات خارجية تربط بعض من في السلطة اللبنانية ببعض الدول الاقليمية.
وفي خلال مرحلة ضبابية قامت الجهات اللبنانية في معرض تصريف الاعمال في ظل حكومة مستقيلة بايداع الامم المتحدة خرائط للمنطقة الاقتصادية اللبنانية بحسب قانون البحار ولم تجب الامم المتحدة على الفعل اللبناني حتى الان، وجاء الرد من اسرائيل عبر عملين الاول اتفاقية ثنائية اسرائيلية قبرصية تم بموجبها تحديد المجال الاقتصادي للدولتين وبعدها قرار من مجلس الوزراء الاسرائيلي يحدد المنطقة الاقتصادية الاسرائيلية بشكل يقضم من منطقة لبنان مساحة تتراواح بين 800 و 1000 كلم مربع، و تجعل 90% من الحقوق اللبنانية في حقول النفط و الغاز تحت اليد الاسرائيلية، الامر الذي يضع لبنان امام تحدي المحافظة على حقوقه ويفرض عليه السير فورا وفقا لمسار نراه كالتالي :
المسارعة الى القيام بكل ما يفرضه قانون البحار الذي التزم لبنان به ووقع عليه منذ عقدين. ووضع التشريعات والانظمة والخرائط التي تحدد المنطقة الاقتصادية اللبنانية، فضلا عن المستزمات التي تفرضها اتفاقيات وانظمة حماية البيئة.
ايداع تلك التشريعات والانظمة والخرائط المكتب المختص لدى الامم المتحدة والمشرف عل تنفيذ ومواكبة الاتفاقيات المعمول بها في ظل قانون البحار الذي لم توقع عليه اسرائيل حتى الان.
مراجعة العلاقة اللبنانية القبرصية فيما خص الاتفاقات السابقة، والطلب الى قبرص بمراجعة اتفاقيتها مع اسرائيل لتزيل اي تناقض مع حقوق لبنان المكرسة قانونا.
الامتناع عن تفويض الامم المتحدة مباشرة او تفويض قوات اليونفيل بترسيم حدود المنطقة الاقتصادية، حتى لا تتكرر تجربة الخط الازرق ومحاولة اقتطاع الارض اللنبنانية ثانية، خاصة وان المحاولة في العام 2000 اجهضت في معظمها لكنها تسببت باشكالات لا زالت عالقة.
اعتماد المراجعة المتدرجة والمطالبة المستندة الى قوة الحق اللبناني وقوة الشرعية القانونية، دون اسقاط حق لبنان باللجوء الى الوسائل المتاحة الاخرى من القوة المادية خاصة وان لبنان اعتمد في منظومته الدفاعية وكرس نهائيا المثلث الثابت : الشعب والجيش والمقاومة.
التشدد في مراقبة المواقف الداخلية اللبنانية و السعي للمحافظة على اجماع ووحدة لبنانية حقيقة لتحصيل الحقوق اللبنانية واعتبار اي موقف من اي طرف لبناني يشوش على عمل الحكومة والقوى المختصة بالدفاع عن الحقوق اللبنانية عملا تخريبيا يعرض صاحبه للمساءلة.
السعي لدى المنظمات الدولية والهيئات القانونية المختصة لتشكيل اكبر حشد ممكن لتأييد المطالب الللبنانية، مع الالماح الى ان لبنان لن يدع حقوقه تغتصب و يبقي القوة التي بيديه من غير استعمال لحماية هذه الحقوق.
اما في السناريوهات فاننا نراها واحد من اثنين مع تفرعاتهما الثانوية :
حيث نجد في الاول مسارا قانونيا دبلومسيا سياسيا قد ينتهي بالتحكيم او القضاء الدولي الذي يحدد الحدود القانونية للمنطقة الاقتصادية لكل من لبنان وقبرص واسرائيل، وتذعن الدول للحل من غير تطوير للنزاع، وهو برايننا الحل الافضل الذي يجب ان يعمل لبنان من اجله دون ان يحصر جهده فيه.
اما الثاني فهو مسار خلافي عندما تمتنع اسرائيل عن الاذعان للموجبات الدولية وتستمر في وضع يدها على جزء من المنطقة اللبنانية الاقتصادية، وهنا يكون على لبنان السعي اولا لمنع الشركات الاجنبية بالدخول الى الجزء اللبناني الذي تدعي اسرائيل حقا فيه، فان استجابت تلك الشركات فان لبنان قد ينأى بنفسه عن المواجهة، وان لم تستجب يكون على لبنان ان يستعد لاستعمال ما لديه من قوة لفرض ذلك ومنع اغتصاب حقوقه، كما يكون عليه ان يستعد لاستعمال القوة المتوفرة لحماية اعمال التنقيب في المنطقة اللبنانية التي ستحاول اسرئيل عرقلة دخول شركات يفوضها لبنان بتلك الاعمال.
اننا نرى في مسالة النفط و الغاز الموجود في المنطقة الاقتصادية اللبنانية مدخلا هاما للبنان، من اجل بناء وحدة واجماع لبناني، قد يشكل اللبنة الاولى التي منها قد نبني اجماعا اوسع واهم، وان في نجاح لبنان في هذا الامر فائدة ترتد على الوضع اللبناني من الوجوه المالية والاقتصادية والاستراتيجية، ففضلا عن تمكين لبنان من سد ديونه المتراكمة والتي تعدت الستين مليوم دولار حتى الان، ففيه دفع للبنان لاحتلال موقع في نادي لدول المنتجة المنتجة للنفط والغاز والمؤثرة على مادية استراتيجية عالمية لا يخفى ثقلها وشأنها. اما اي اهمال او تقصير فان من شانه تضييع الفرص التي ان ضاعت لا تستعاد ولا تتكرر لان ما تغتصبه اسرائيل بالامر الواقع ويسكت عليه تكرسه الامم المتحدة بالمصادقة و الاقرار ويصبح المغتصب، حقا مكتسبا ونهائيا بنظر “المجتمع الدولي” لمصلحة اسرائيل.
:::::
المصدر: “البناء”