المرأة الفلسطينية

المرأة الفلسطينية في سوق العمل

محدِّدات ومؤشرات

(الجزء الاول)

عادل سمارة

ليست هذه الورقة مسحاً تأريخيا لوضع المرأة (من الأرض المحتلة 1967) في سوق العمل، كما لا تقوم على أرضية جندرية كما هو دارج وربما مألوف. هي من ناحية نقاش للمحدِّدات التي تتحكم باقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة وتحليل نقدي لتقرير: “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2008، المرأة والرجل في فلسطين، قضايا وإحصاءات، 2008 (العدد الثالث) رام الله- فلسطين”. الفصل السابع ص 97-112 [1]،  بما هو تقرير رسمي  من سلطة الحكم الذاتي يعكس  منظورها للاقتصاد والمجتمع. بكلمة أخرى، هي محاولة لنقد هذا المنظور.

تنقسم الورقة إلى قسمين يمثّلان مرحلتين: الأولى قبل أوسلو كمقدمة للثانية المقصود نقدها وهي المرأة في حقبة “أوسلو- ستان”، أي الحكم الذاتي، مع الإشارة إلى توافق السمات العامة للمرحلتين مما يكشف عن كون الثانية استمرارا للأولى، لا قطعاً معها ولا نقضاً أو نقيضاً لها، الأمر الذي له مضامينه ومفاعيله السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وهذا معنى الحكم الذاتي الممنوح وليس المنتزع.

تتحدد مشاركة المرأة، كما الرجل، في سوق العمل بطبيعة التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية للبلد من حيث نمط الإنتاج المسيطر، ومستوى تطور القوى المنتجة وطبيعة علاقات الإنتاج كذلك. فكلما كانت قوى الإنتاج أكثر تعقيدا، تقنياً، وأكثر رسملة كلما كان المتسع لتشغيل المرأة أوسع، دون أن يشترط هذا المساواة أو التمكين أو التحرر لها؟ بهذا المعيار، كان طبيعياً أن يكون تشغيل المرأة تشغيلاً مأجوراً ومسجلاً،  قبل 1967، ضئيلا في اقتصاديّ الضفة والقطاع بما هما آنذاك اقتصادان أدنى تطوراً  من أن يكونا ناميين؟ وهذا لا يعني أن نمط الإنتاج الرأسمالي لم يكن مسيطراً في الضفة والقطاع، بل كانت هناك سوقٌ رأسمالية، وعلاقات إنتاج رأسمالية للسوق في الزراعة والصناعة، و لكنّ درجة التطور الصناعي كانت ضعيفة، ناهيك عن أن النظام السياسي كان حاضناً للبرجوازية الكمبرادورية/التجارية أكثر مما هو للصناعية. وفي ما يخص المرأة، كان لاغتصاب ثلاثة أرباع فلسطين، عام 1948، دوره في اختناق الضفة والقطاع بعرض قوة عمل ذكورية زائدة، هائلة ومدرّبة[2] مما حال أكثر دون تشغيل النساء؛ بمعنى اجتماع طلب ضعيف على قوة العمل إلى جانب عرض عمل عالٍ جدا، هو قوة عمل لاجئة!. وهذا أمر لا يُرَدُّ فقط إلى التطور الرأسمالي الضعيف فيهما، ولا سيما في المستوى الصناعي، بل كذلك إلى ضيق مساحة الضفة والقطاع ولهذا السبب لم يحتج لعمالة أنثوية عالية في الزراعة.

وعليه، “… بالرغم من أن النساء يشكلن أكثر بقليل من نصف سكان هذه المناطق، إلا أنهن لا يشغلن سوى نسبة ضئيلة من قوة العمل. وصل عدد الرجال المشتملين في قوة العمل عام 1968 إلى 79,000 شخص من العدد الكلي وهو 93,000 شخص، وفي عام 1985 وصل عدد الرجال في قوة العمل إلى 136,000 من العدد الكلي 151,000 شخصاً. وهكذا تراوحت نسبة النساء في قوة العمل في الفترة المذكورة ما بين 15-19% (سمارة 1992:145). وهذه نسبة تعبِّر إلى حد بعيد عن نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل في فترة ما قبل أوسلو.

ورد في  تقرير وزارة الزراعة:

“…تاريخياً، يعتبر القطاع الزراعي المصدر الرئيسي لتوفير فرص العمل، وتعتمد نسبة كبيرة من الفلسطينيين على الزراعة كمصدر رئيسي أو ثانوي للدخل. انخفضت نسبة العمالة الزراعية من العمالة العامة  من 15.9% في العام 2004 إلى 13.4% في العام 2008، ووفرت الزراعة نسبة لا بأس بها من فرص العمل لمن فقدوا عملهم في إسرائيل خلال السنوات الأولى من الانتفاضة، إضافة إلى أن حوالي 35% من النساء العاملات في الضفة الغربية وقطاع غزة يعملن في الزراعة[3].

دعونا نقول أن نسبة العمالة المذكورة أعلاه هي من العمالة الكلية في مختلف القطاعات. لكن هذه النسبة كانت عام 1967 قرابة 40 بالمئة. فما الذي حصل؟ هل كان حراكا طبقيا من الزراعة إلى الصناعة؟ هل تمظهر النقص في الشغل الزراعي إلى الصناعة؟ بالطبع لا. إذن ماذا حصل؟ تفريغ الأرض من قوة العمل الفلاحية، لتراكم جيش عمل احتياطي لا تستوعبه المدينة فيبحث عن الهجرة إلى الخارج أو يتكدس في وظائف أجهزة السلطة بلا عمل ولا حاجة إليه، لكنه يصبح من الكتلة الضخمة المستفيدة من وجود السلطة والحامية لها تبادلياً، مما يساهم في خصي النقد والاحتجاج والتغيير ضد هذه السلطة. وفي المقابل، ماذا يفعل العدو؟ يستجلب المستوطنين من مختلف بقاع الأرض، بل يغير في قانون من هو اليهودي ليقبل من أمه ليست بيهودية، أين سيسكن هؤلاء؟.

ما معنى جملة أن الزراعة وفرت نسبة لا بأس بها من فرص العمل لمن فقدوا عملهم في إسرائيل؟  أليس المفترض أن يكون الأمر أكثر دقة؟ ومع أن كاتب هذه الورقة مع تحقيق معادلة “عمل-رأسمال” أي أن يتمكن رأس المال في كل بلد من تشغيل قوة العمل ليكون المجتمع طبيعيا، ولكي لا تنزف القيمة الزائدة من عمل قوة العمل المحلية لاقتصاد آخر، هنا اقتصاد النقيض،  ولكن من الضروري الإشارة إلى أن الاحتلال تهرّب من  نصوص اتفاق /بروتوكول باريس ومنها  الذي ينص على تشغيل 100 ألف عامل فلسطيني في اقتصاده. لم يفعل.

لكن الأمر يتمظهر بشكل أخطر، فقد بث التلفزيون الصهيوني تقريراً أوضح، أي التقرير، أنه خلال الشهور القليلة الماضية قام خبراء زراعة إسرائيليون بتدريب المزارعين الفلسطينيين على زراعة الفراولة، وهي من  النباتات الحساسة، وهم يزودون المزارعين بتجهيزات الري والمبيدات والنايلون والتدريب الذي يمكنهم من زراعة الفراولة المعدّة للتصدير(http://www.raddar.co.il/art.php?ID=8202 ). والمشرف على العملية هو معهد بيرس للسلام! هل هذا تعاون أم ربما يتحول إلى ملكيات مشتركة؟ من يدري كيف تقود المصلحةُ الناسَ وإلى أين يقودهم تدنِّي السقف الوطني إلى انعدام في  القيم؟ ثم من يدري إن كانت هذه المبيدات ضارّة بالإنسان أم لا!

ورد في التقرير نفسه: “…هذا وقد بلغت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي 8.1% عام 2007 مقارنة بـ 10.3%عام 2004[4] أي أن 13-15% من قوة العمل تساهم ب 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا مؤشر على تدني الإنتاجية.

لعل هذا أسوأ مؤشر يمكن الإشارة إليه. فبعد أن كانت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي قبيل 1967، وحتى في السنوات العشر الأولى للاحتلال أكثر من 30% ها هي تتدهور لأقل من ثلث ما كانت عليه.


[1] Palestinian Central Bureau of Statistics 2008, Women and Men in Palestine: Issues and Statistics, 2008. Ramallah, Palestine. Pages 97-114. http:.//www.pcbs.gov.ps

[2] أنظر ورقة قُدمت في جامعة لندن 2007:

Palestine: From Historical de-classing To a Regime of Stand-by Adel Samara. A paper presented to a conference on “The Economy and the Economics of Palestine: Past, Present and Future” sponsored by SOAS Palestine Society at the University of London, 27-28 January 2007. Published in http://www.kanaanonline.org/articles/01244.pdf, nos: 1244, 13 Aug 2007, 1247, 16 Aug 2007 and 1254 Aug 2007.

[3] السلطة الفلسطينية، وزارة الزراعة، استراتيجية القطاع الزراعي : رؤية مشتركة، كانون أول 2009، ص 19.

[4] السلطة الفلسطينية، وزارة الزراعة، استراتيجية القطاع الزراعي : رؤية مشتركة، كانون اول 2009، ص9